وثائق المصالحة..  تأكيد للاختلاف أم بوادر انفراج

عدنان الصالحي/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

 الخلاف بين الكتل السياسية على الساحة العراقية لم يكن وليد الصدفة ولا ناتج عرضي لتصادم الأفكار والمصالح، بل في حقيقة الأمر هو امتداد طويل للاختلاف في أسلوب التعامل مع الواقع العراقي والقضايا الرئيسية في المشروع التحرري للواقع العراقي.

فرغم كون الجميع (تقريبا) يتفق على أساس الموضوع في إدارة البلاد بعيدا عن الدكتاتورية والتفرد في الحكم وتداول السلطة بالطرق السلمية، إلا إن الأمور على الأرض لم تحسم منذ سقوط النظام السابق والى يومنا هذا فالاختلافات والإشكاليات حول جملة من القوانين الهامة  ازدادت بشكل مضطرب دون ظهور أي بادرة انفراج في تلك القضايا.

وبين الاتهامات المتبادلة والتشكيك المتقابل تقع الحكومة الحالية والمواطن العراقي في وسط أثار هذه النزاعات المدمرة، ورغم كون الأخير السبب الأول في وصول الزعماء السياسيين الى سدة الحكم ولكنه في الآونة الأخيرة أصبح الرقم الأخير الذي قد يستطيع التغيير في مجريات الأمور رغم كونه الخاسر الأول إن لم يكن الأوحد.

وعلى كل حال فالخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد وان اتخذت  طابع الحرب الباردة نوع ما، لا يتم إلا بالرجوع الى الأسباب الحقيقية وراء هذا الجمود في العملية رغم كونها تعتمد الكثير من عناصر التنشيط والنشاط، حيث القاعدة الجماهيرية الواسعة المؤيدة لطريقة الحكم الجديدة والدعم الدولي الكبير إضافة الى الكثير من الدعم الإقليمي.

في هذا الوقت تبدو سياسة الوثائق والعقود أخذت منحى تصاعدي وترامت الأطراف التي تحركت نحوه مهرولة، الفكرة لاتخلو من الايجابية الكبيرة بل احتياج حقيقي في وقت عصيب (وان كان متأخرا بعض الشيء) لكن فيه من العلامات ما يسجل لصالح الجميع ولكن فيه أيضا من الملاحظات ما تكمن على نقاط أن لم تفلح الجهات المتقابلة في حلها فإنها ستشكل كارثة حقيقية على واقع لا يملك الكثير من الصلابة .

سنوات أربع مرت على نشوء التغيير السياسي ولكن حقيقة الأمر إن الأفكار والتوجسات المتقابلة لم تتغير كثيرا رغم شدة المطبات التي تخللتها سير العملية السياسية في البلد،  ورغم إن الجميع قد أثرت عليه سلبا لكن بقي الجميع في خندق الترقب دون حراك،  فيا ترى لماذا في هذا الوقت انتبه الأغلب لقضية المصالحة والمصافحة وأولهم مشروع الحكومة لتليها الكتل السياسية؟.

لعلة قراءة جزء من التاريخ الحديث في بعض الدول والتجارب السابقة يعطي الكثير من الإيضاحات وحل بعض الإشكالات، فالحرب الأهلية في لبنان والتي امتدت من منتصف السبعينات الى عام 1990م والتي انتهت بموجب اتفاق الطائف، هذه التجارب السيئة وغيرها يبعث الكثير من القلق لدى الجميع،  فاللبنانيون عادوا واتفقوا على أكثر النقاط التي اختلفوا عليها سابقا ولكن بفارق الزمن الضائع والأنفس والأموال التي وقعت حطبا لتخندق البعض خلف كواليس وأسماء.

ومن هنا فلابد للقادة العراقيون ساسة ومراجع وفي جميع المجالات السير الحثيث في ترجمة ما تتضمنه هذه الوثائق على ارض الواقع وتفعيلها بمجمل النشاطات وبسرعة من الوقت لسد المجال على المتصيدين في الماء العكر.

   إن العودة الى صوت العقل والاحتكام الى النقاش الموضوعي في أصله فكر عظيم وبناء تحدد فيه مصير البلاد والعباد لتسكت قباله أصوات البنادق وأزيز الرصاص وهذا عبر عنه المرجع المجدد الامام السيد محمد الشيرازي قبل عدة سنوات وحتى قبل التغيير السياسي في العراق مشيرا الى إن أساس البناء والتفاهم يبدأ من نبذ العنف والسير باتجاه الفكر المؤسساتي حيث يقول في كتابه اللاعنف في الإسلام: (وهذه الآيات بطبيعة الحال تحث الإنسان على إجتراح هذه الطريق الشائكة، ولا نزال نرى في القرآن الحكيم خير دعوة علمية وعملية إلى اللاعنف والسلم) كما هي وجهة نظره (قدس سره).

الاختلاف الذي طالما نفت جميع الأطراف وجوده بينها رغم ظهوره بأكثر من موقع وبأكثر من تصرف ظل يشكل هاجس كبير لدى المواطن العراقي الذي تمنى أن يكون هذا الاختلاف والتنوع في الرأي مصدر لإثراء المشايع وتقويمها وليس مشكلة بذاتها تشغل العقول لحلها، إذن فهاهي اليوم تعترف بوجوده ضمنا أو صراحة وهذا ليس مهم بقدر  التوجه لحله والسير في رأب الصدع وما نتج عنه، فمن غير المعقول إن يختلف  في الآليات من اتفق على المضامين والرؤى (وهنا نقصد جميع العراقيين)، ولعل المشاريع والمواثيق التي قدمت لحلحلة الساحة وتحريك جمودها أو كبح نشاط المسيئين،  لا يختلف اثنان ذو لب رشيد على صحتها ولكننا طالما أكدنا على قضية جوهرية ومهمة فيها هي إن لا تكون تلك المواثيق والتفاهمات خاضعة لرموز وجهات سلطوية بل يجب أن تشمل الجميع من هو داخل العملية السياسية وخارجها (طبعا ماعدا من يخضع لقانون المطاردة القانونية الصحيحة).

ولكي نزيد تلك الرقعة المتفاهمة لابد من الحديث بصوت الهدوء مع الجميع ومع من يمكن أن تكون أفكارهم وأيديهم في بناء العملية السياسية ايجابية بعيدا عن المسميات التي إن استطاعت الكتل والأحزاب المتصدية للعمل السياسي الإبحار بعيدا عنها فإنها ستجد نفسها في وسط المهنية والعدالة وعندها تستطيع أن تتخذ القرار الصحيح في الموضع الصحيح وتكون وثائق المصالحة والعقود بوادر حقيقة للانفراج  وليست حبرا على ورق.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 19 تشرين الاول/2007 -7/شوال/1428