تجربة طوعية في دوامة المأساة

شبكة النبأ: مأساة الانسان في تطلعه الدائم نحو الحرية وتجربته تلك انما هي مأساة مضافة الى واقع بشري محطم، وهذا الامر يشرحه ربما بنفس قصصي لحالة المرارة والاخفاق في حياة المهاجرين الأفارقة.

فقد دخل رجل فرنسي لوحته الشمس مرتديا ملابس أهل الصحراء دون أن يلحظه أحد ميناء نواديبو الموريتاني الذي تشيع به الفوضى وهو مرفأ لشحن خام الحديد لكنه يمثل في الوقت نفسه خطا ثانيا مربحا لتهريب المخدرات والافراد، وتضيف رويترز التي تنقل قصة مغامرة الصحفي: من صادقوا دومينيك كريستيان مولار يعلمون أنه يتقمص دور أحد العاملين في منظمة غير حكومية.

ولكنه في واقع الامر مراسل تلفزيوني مستقل ينتظر فرصة الصعود على متن قارب صيد محمل بمهاجرين بشكل غير مشروع للقيام بهذه الرحلة الخطرة الى جزر الخالدات الاسبانية.

خاطر أكثر من 30 ألف أفريقي بحياتهم للوصول الى مجموعة الجزر عام 2006 في محاولة للفرار من الفقر غير أن الكثير منهم لقى حتفه في الطريق اما نتيجة سوء التخطيط أو شدة الامواج أو بسبب مهربي المهاجرين أنفسهم.

أما بالنسبة لمن وصلوا بنجاح فكانت أمامهم معركة أخرى للحصول على وثائق اللجوء لتجنب ترحيلهم.

وفي نواديبو اقتسم الصحفي المحنك البالغ من العمر 58 عاما وعمل في أفغانستان والصومال غرفة مع مجموعة من المسافرين، كسب ثقتهم وسجل أحلامهم في الوصول الى أوروبا لكن في الوقت ذاته عانى من الجرب والبراغيث والدوسنتاريا.

أبرم اتفاقات مع عصابات التهريب وقام بعشرين محاولة فاشلة لركوب أحد القوارب وسلبت منه أمواله مرتين واعتقلته الشرطة الموريتانية مرة.

وفي أواخر أغسطس اب عام 2007 بعد عام من أولى محاولاته الفاشلة وجد مولار نفسه على متن قارب صيد طوله 14 مترا يسير محدثا جلبة شديدة في جنح الظلام يخوض مياه المحيط ومعه 38 اخرين يعانون من دوار البحر في رحلة من المتوقع أن تستغرق ما يصل الى خمسة أيام اذا سارت الامور على ما يرام.

دفع مولار 850 يورو (1198 دولارا) ليركب الى جانب شبان من مالي وجمهورية الكونجو الديمقراطية وجامبيا وموريتانيا وغانا وغينيا كوناكري دون أن يكون لديهم أي معدات للطهي أو دورات مياه أو مأوى.

كان مع مولار وسائل اضاءة وجهاز لتحديد المواقع وهاتف يعمل عن طريق القمر الصناعي لكنه لم يدر سببا يجعل زملاءه يتسمون بالفوضى والانانية.

وقال لرويترز في الرباط حيث يقيم.. كنت أتوقع قدرا أكبر من التضامن ولكن كل رجل كان لا يهمه سوى نفسه.. كان الناس سيئين.

وأضاف:.. أنه كان هناك أربعة قادة للقارب كلهم كانوا يتعاطون المخدرات. اقترب أحدهم من مولار فور انطلاق القارب وطلب منه مالا في حين أصر اخر على اتجاه القارب جنوبا لا شمالا للوصول الى جزر الخالدات واستل سكينا عندما أخذ مولار يجادله في ذلك.

قال مولار أبديت له غضبي بطريقة تحفظ كرامتي... قلت له انه أحمق وانه اذا كان يريد الوصول حيا فعليه أن يصغي لما أقوله.

حاول مولار أن يقدم حلوى الى امرأة كونجولية ورضيعها الذي بدا عليه سوء التغذية على الجانب الاخر من القارب لكن الاخرين أكلوا جزءا منها قبل ان تصل اليهما، كان رذاذ البحر يغرق الركاب وبلغ دوار البحر منهم مبلغا حتى أن الوقت لم يكن يتسع لمحاولة التقيؤ خارج القارب.

وأضاف غطاني القيء...كان شيئا مثيرا للاشمئزاز.. يمكن فهم سبب موت الكثيرين في الطريق.. الناس يستسلمون للموت لانهم لا يتحركون أو يأكلون أو يشربون.

كانت المياه تتسرب الى هذا القارب المتداعي وكان المحرك يتوقف بشكل دائم.. اكتشفوا أن الوقود مزج بالماء عمدا وتمكنوا من فصله عن الوقود.

بعد غروب شمس اليوم الثاني أصبحت الامواج أكثر ارتفاعا وتوقف المحرك تماما.. قام قادة المركب بتفكيك المحرك ثم استبدلوه باخر أقدم منه ولم يفلح ذلك.

لاح عن بعد ضوء سفينة شحن على بعد نصف كيلومتر وقام المهاجرون الذين بدأوا يصابون بالذعر باشعال أضواء ولكن السفينة واصلت طريقها دون أن تعبأ بالضوء.

وأردف قائلا مع مضي الليل كان القارب ينجرف بنا وسط الامواج العاتية وبدأ الناس يصرخون.. يبكون.. يصلون.

في وقت مبكر من اليوم الثالث قرر مولار استخدام هاتفه الذي يعمل عن طريق القمر الصناعي، كان قد أحضره معه لكنه خبأه خشية أن يثير أي ريبة فقد يظن المهاجرون أنه يحاول تسليمهم.

اتصل بخفر السواحل الاسباني وقيل له ان ناقلة نفط روسية ستغير مسارها وستلتقطهم وتسلمهم الى قارب دورية اسبانية والذي سينقلهم الى جزر الخالدات.

لاحت الناقلة العملاقة في الافق ووقفت قرب القارب ومد المهاجرون أيديهم ليمسكوا بالسلم الذي ألقته لهم الناقلة. وبدأ القارب يميل بشدة.

أردف مولار قائلا: كان القارب يتعرض لغرق حقيقي.. اضطررت لضرب الناس وصفعهم...أحد قادة القارب كان يحمل قطعة خشبية وكان يهددهم بها.

نقل الرضيع من القارب داخل صندوق لكن أمه أصيبت بالذعر وهي تصعد السلم وسقطت في البحر.

أخرجها ركاب اخرون ووصل جميعهم بسلام الى سطح الناقلة في نهاية المطاف.. وبدأت الاحتفالات ولكن في وقت لاحق اقتربت الناقلة من قارب الدورية.. وتراجع الامل مفسحا الطريق لليأس.

وتابع قوله: رأيت الزي الرسمي المغربي.. ونظرت الى جهاز تحديد المواقع ووجدت أننا على بعد خمسة أميال (ثمانية كيلومترات) فقط من الداخلة في الصحراء الغربية.. عاد المهاجرون الى الخانة الاولى.. أو في واقع الامر الى ما دون الخانة الاولى لان أغلبهم ما زال داخل معسكر اعتقال.

ويعِد مولار فيلما وثائقيا يسرد فيه تجربته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18 تشرين الاول/2007 -6/شوال/1428