لمن تقرع طبول الحرب؟

إبراهيم العاتي

تشهد الساحة العربية والإسلامية التي أطلق عليها الاستعمار الحديث مصطلح (الشرق الأوسط) ليضفي علي هويتها القومية والدينية والحضارية غموضاً متعمداً، وهلامية سياسية تربطها بما كان -ومازال- يدور في ذهن المتلقي الغربي من رؤى أسطورية حول الشرق وتشهد هذه الساحة حراكاً سياسياً وعسكرياً قوياً، يرافقه خطاب إعلامي تحريضي يذكرنا بما كان يسبق الحروب التي شب أوارها في المنطقة وخاصة حرب السويس أو العدوان الثلاثي علي مصر، وحرب الخامس من حزيران (يونيو) 1967، والحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، والحرب الإسرائيلية علي لبنان عام 1982، وحرب الكويت 1990، وصولاً إلي ما سمي بالحرب على الإرهاب والتي أعقبت تفجير برجي التجارة في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 والتي أدت إلي احتلال أفغانستان والعراق، ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز من العام الماضي 2006م.

 إن سيناريو الحروب العدوانية معروف دائماً، ويبدأ من حجج يتكئ عليها المعتدون لتبرير أفعالهم، حيث يقومون بتضخيم الأحداث والوقائع، واستغلال التصرفات التي يقوم بها المعتدي عليه أحيانا لشن الحروب وتبرير الاحتلال ونهب الثروات، وقد يفتعلون الحوادث افتعالاً ليجدوا ذريعة لشن الحرب. ولعل ما يدور حولنا اليوم من تحركات وتصريحات واجتماعات تكشف عن نُذُر حرب قادمة في الأفق ضد إيران وربما ضد سوريا. فلا يكاد يمر يوم دون تصعيد كلامي متواصل، يحمل لغة التهديد والوعيد ضد إيران تقوم به الإدارة الأمريكية من أعلى المستويات وأدناها. ويترافق ذلك مع استعدادات عسكرية بإرسال حاملات الطائرات والبوارج الحربية إلى الخليج في خطوة لها مغزاها العسكري الذي جربته دول المنطقة وشعوبها، ومحاولات في مجلس الأمن لفرض مزيد من العقوبات علي إيران.

 ولتمهيد الأجواء لهذه الحرب المحتملة بدأت الولايات المتحدة استنفار ماكنتها الإعلامية المنتشرة في أنحاء العالم، وبخاصة في العالم العربي. فهذا يعزف على الوتر المذهبي، بالإشارة إلى أن إيران دولة تمتلك مخزوناً قوياً من الأسلحة وتتأهب لتكون دولة نووية، وهو ما يشكل خطراً على الدول في المنطقة، ليضمن مشاركتها في الحرب القادمة! وقد أثبتت التجارب أن الدول العظمي لا تهمها الورقة المذهبية إلا بالقدر الذي يخدم مصالحها، وقد رأينا بعد أحداث سبتمبر وتفجير برجي التجارة كيف أنها حاولت توجيه الاتهامات إلى المملكة العربية السعودية لأن أغلب الذين قاموا بالتفجيرات هم سعوديون، وهويتهم المذهبية معروفة.

ونجد آخراً يعزف على الوتر القومي باسترجاع أدبيات الحرب العراقية الإيرانية، وما حفلت به من خطاب عنصري يؤسس للعداوة الدائمة بين العرب والفرس، متناسياً أن تلك الحرب قامت بين بلدين مسلمين، والإسلام يجُبّ ما قبله، فضلاً عن أن إيران بلد جار تمتد حدوده البرية والبحرية مع العراق والدول العربية لمسافة آلاف الكيلومترات، وعلينا استثمار مواقفه المؤيدة للحقوق العربية وبالذات تلك التي تخص القضية الفلسطينية، أو فلنعامله معاملة الدول العربية لتركيا وهي عضو في حلف الناتو، وتوجد في أراضيها قواعد عسكرية أمريكية استخدمت ضد البلدان العربية في مناسبات عديدة، كما تربطها مع إسرائيل علاقات دبلوماسية واتفاقيات عسكرية واقتصادية، وتقام بينهما بشكل دوري مناورات عسكرية مشتركة في البحر المتوسط، وتبني السدود العديدة والكبيرة على نهري دجلة والفرات من دون أن توقع اتفاقية تقسيم المياه مع سوريا والعراق حتى تأخذ حريتها في الضغط السياسي والعسكري على البلدين متي أرادت.

ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية بتأجيج نار الحرب ضد إيران بل راحت تتحرش بسوريا عن طريق مخلب القط الصهيوني، فكانت الغارة الإسرائيلية في الأجواء السورية. ويبدو أن إسرائيل بعد فشلها الذريع في حرب (تموز - آب) من العام الماضي تريد أن تحقق مكسباً ما في حرب تختار فيها المكان والزمان الذي تريده، وتلك ميزة مهمة في العرف العسكري، لعلها ترفع معنويات جيشها الذي لقي هزيمة منكرة في لبنان، وانكشفت الأساطير التي نسجت من حوله. صحيفة الزمان 3/10/2007

* عميد الدراسات العليا
الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية- لندن
[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 17 تشرين الاول/2007 -5/شوال/1428