طبول الحرب تُقرع على حدود العراق الشمالية

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ: في تصعيد غير مسبوق للتوتر على الحدود العراقية التركية لم يكف مذيعو نشرات الاخبار في تركيا عن تلاوة اسماء الجنود الـ 13 الذين قتلهم في اقليم سيرناك مقاتلو حزب العمال الكردي الانفصالي.

ونشرت الصحف التركية صورا لأسر الجنود القتلى وهم يقبلون صور اولادهم الذين راحوا ضحية كمين نصب لهم في المنطقة الجبلية المتاخمة للحدود مع العراق اثناء قيامهم بعملية عسكرية في المنطقة هي جزء من حملة ضد حزب العمال بدأها الجيش التركي في وقت سابق من العام الحالي.

ويقول الاعلام التركي إن خسائر الجيش بلغت عام 2007 لوحده 97 قتيلا، ولكن عدد ضحايا الحادث الاخير يعتبر الاعلى في هجوم منفرد منذ عدة سنوات. بحسب الـبي بي سي.

وفي الاسبوع الماضي، اوقف مسلحون حافلة صغيرة لنقل المسافرين اثناء سيرها على الطريق العام في المنطقة ذاتها، واعدموا 12 من ركابها في حادث حملت الحكومة التركية حزب العمال الكردي - الذي يدرجه الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة اضافة الى تركيا في قائمة المنظمات الارهابية - مسؤوليته ايضا. ولذا، ترتفع في تركيا نداءات قوية بالرد على هذه الهجمات.

العامل العراقي

تقول انقره إن حزب العمال الكردي يحظى بدعم قوي من الاكراد في شمال العراق، وتقول إن 3000 من مقاتليه يتمركزون في المنطقة التي يسيطر عليها الاكراد العراقيون.

ولذلك، فقد ازدادت المطالب حدة في تركيا في الاشهر الاخيرة بشن غارات عبر الحدود لاستهداف مقاتلي الحزب في العراق، كما تبدي اعداد متزايدة من الاتراك امتعاضها من تقاعس الولايات المتحدة - التي تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة التي يسكنها الاكراد في شمال العراق - عن التعامل مع حزب العمال.

وادت احداث الايام القليلة الماضية الى زيادة هذه المطالب قوة، مما يسلط ضغوطا قوية على الحكومة التركية للتحرك.

فقد قال دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية اليميني، في بيان اصدره اليوم: امتنا العظيمة تتوقع حلا حاسما ودائما لمشكلتي الارهاب والانفصال.

ويصر بهتشلي على ان القوات التركية لها الحق في اجتياز الحدود (مع العراق) من اجل ضمان الامن القومي التركي.

ومضى البيان الذي اصدره الى القول: اذا تأخر ردنا، فإنه من الواضح ان جروحا عميقة ستنفتح في جسد وحدتنا الوطنية.

من جانبها، كررت الحكومة التركية تصميمها على محاربة الارهاب، ولكنها لا تزال تمتنع عن الايعاز للجيش بتنفيذ اية عملية داخل الحدود العراقية. يذكر ان بغداد وواشنطن تعارضان بقوة اي تدخل تركي في شمال العراق.

تدخل عسكري

ولكن الجديد في موقف حكومة انقره عبر عنه الناطق الرسمي باسمها جميل جيجك الذي قال إن كل الخيارات اصبحت مفتوحة.

وقال الناطق: حكومتنا مصممة على اتخاذ كل التدابير الممكنة اذا كانت تساعد في اجتثاث الارهاب.

ويقول شاهين الباي الذي يحرر مقالا يوميا في صحيفة زمان إن الهجمات الاخيرة، اسهمت في خلق مناخ تنتشر فيه الدعوات لاتخاذ خطوات مشددة جدا، بما فيها التدخل العسكري. ولكنه يضيف بأنه ذلك سيكون عملا مجنونا بحق.

ويمضي الصحفي التركي للقول: الكل يعلمون ان الجزء الاعظم من تنظيم حزب العمال الكردي موجود داخل تركيا ذاتها. انه لمن التحريف الادعاء بأن هذه مشكلة مستوردة من الخارج.

واسس حزب العمال الكردي في اواخر سبعينيات القرن العشرين كحركة ماركسية متطرفة تدعو الى اقامة كيان كردي مستقل. وتمكنت الحكومة التركية بعد اكثر من 15 عاما - قتل خلالها اكثر من 37 الفا - من القاء القبض على زعيم ومؤسس الحزب عبدالله اوجالان وايداعه السجن (في عام 1999).

كبوة سياسية

يعتقد البعض في تركيا ان حزب العمال الكردي، الذي يتهم ايضا بالضلوع في التهريب، يحاول من خلال هجماته زعزعة امن المنطقة من اجل حماية نشاطاته التجارية غير القانونية.

بينما يميل آخرون الى الاعتقاد بأن قوى معينة في تركيا تستغل الحزب لتنفيذ اهدافها المعارضة لدمقرطة البلاد ونيلها عضوية الاتحاد الاوروبي.

اما حزب العمال نفسه، فيدعي انه انما يقاتل من اجل الحقوق السياسية والثقافية للاكراد.

يذكر ان نوابا مؤيدين لحقوق الاكراد انتخبوا في الصيف الماضي لاول مرة منذ 15 عاما الى البرلمان التركي.

وكان من المؤمل ان يؤدي انتخاب هؤلاء - وهم اعضاء في حزب المجتمع الديمقراطي - الى التعامل مع مظالم الاكراد في تركيا باسلوب سلمي وديمقراطي متحضر.

ولكن الهجمات الاخيرة في اقليم سيرناك ستعرقل هذا المسعى، خصوصا وان حزب المجتمع الديمقراطي يرفض ان يصف حزب العمال بالارهابي.

وتتعالى في تركيا في الوقت الراهن اصوات اولئك الداعين الى حل عسكري صرف للمشكلة. فها هو العميد المتقاعد خلدون سولمازترك الذي خدم لفترة طويلة في المنطقة الحدودية المحاذية للعراق يقول: هذا الهجوم يشير الى ان على الجيش اعادة النظر في كامل الستراتيجية التي ينتهجها في الجنوب الشرقي.

ويطالب سولمازترك باعادة تشكيل الوحدات العسكرية التي حلت مع زوال الحكم العسكري عام 2002.

ويقول: إن الحل العسكري بمفرده لن يجدي نفعا، ولكن علينا مواجهة الحقيقة القائلة إنه اذا كان حزب العمال يتمكن من قتل 12 او 13 شخصا فهناك مشكلة حقيقية علينا التعامل معها.

واشنطن تدين حزب العمال الكردي

من جانبها ادانت الولايات المتحدة الهجمات الاخيرة التي شنها حزب العمال الكردي الانفصالي في جنوب شرقي تركيا، وكررت دعمها للجهود التي تبذلها الحكومة التركية في محاربة العنف.

وقال شون مكورماك الناطق باسم وزارة الخارجية الامريكية في تصريح، إن الولايات المتحدة تدين الهجمات الاخيرة وتقف جنبا الى جنب مع الشعب التركي.

وقال: إن الولايات المتحدة ملتزمة بالتعاون مع تركيا لمحاربة حزب العمال الكردي وغيره من المنظمات الارهابية. سوف نستمر في التعاون مع الحكومة التركية في سبيل تحييد التهديد الذي يشكله ارهابيو حزب العمال الكردي. بحسب رويترز.

وقال مكورماك ايضا إن العنف الذي يمارسه حزب العمال لا يهدد امن تركيا فحسب، بل يقوض امن العراق كذلك.

واضاف: نناشد السلطات العراقية اتخاذ اجراءات فعالة ضد حزب العمال الكردي، ونحن مستعدون لمد يد العون بكل السبل المتاحة للجهود التي يبذلها العراق وتركيا لحماية مواطنيهما وايقاف هذا العنف الارهابي.

الاتفاق الامني افضل سبيل

ووافق رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على امكان القيام بحملة عسكرية في شمال العراق لسحق المتمردين الاكراد الذين يختبئون هناك مما قد يدفع الولايات المتحدة لاصدار تحذير خشية أن يؤدي الامر لحالة من عدم الاستقرار اقليميا.

ونقلت محطة (سي.ان.ان) التركية و(ان.تي.في) عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا قوله انه سيطلب بأسرع ما يمكن تفويضا من البرلمان لشن توغل كبير في المنطقة ذات الاغلبية الكردية.

ودعت واشنطن أنقرة لعدم شن عمل من جانب واحد خشية أن يؤدي ذلك لحالة من عدم الاستقرار في أكثر مناطق العراق استقرارا.

ويتعرض اردوغان لضغط من جانب القوات المسلحة التركية والمعارضة كي يتخذ تحركا في مواجهة المتمردين الذين ينتمون لحزب العمال الكردستاني بعدما قتلوا بالرصاص 13 جنديا يوم الاحد بالقرب من الحدود العراقية.

وقالت الحكومة العراقية ان الاتفاق الامني الذي وقع مع تركيا الشهر الماضي هو افضل سبيل للتصدي لهجمات المتمردين الاكراد في تركيا.

وقال وزير الدفاع التركي وجدي جونول ان هناك حاجة للحصول على موافقة البرلمان على أي عملية عسكرية واسعة النطاق وهذا سيناريو يستبعده غالبية المحللين. ولكنه أضاف ان مثل هذا الاذن ليس مطلوبا بالنسبة للغارات المحدودة.

وتملك تركيا ثاني أكبر جيش في حلف الاطلسي وشنت في الاونة الاخيرة غارات صغيرة على شمال العراق وسط تصعيد في الهجمات ضد المدنيين والعسكريين الاتراك.

كما عزز الجيش التركي مستوى القوات في جنوب شرق البلاد من أجل مقاتلة حزب العمال الكردستاني داخل تركيا ولمحاولة منع المتمردين من التسلل من شمال العراق. وأقيمت عدة مناطق عازلة.

امريكا تحذر

حذرت الولايات المتحدة تركيا من القيام بتوغل في شمال العراق بعد ان شن متمردون اكراد هجمات انطلاقا من هناك وحثت الدولتين على العمل معا لحل النزاع.

واعطى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الضوء الاخضر لاتخاذ كل الاجراءات الضرورية ضد المتمردين الاكراد بما في ذلك توغل محتمل في شمال العراق بعد أن شن المتمردون سلسلة من الهجمات. لكن وزارة الخارجية الامريكية حذرت من مثل هذا العمل.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية شون مكورماك، اذا كان لديهما مشكلة فانهما يحتاجان للعمل معا لحلها وانني لست واثقا من ان التوغلات الانفرادية هي السبيل الصحيح او الطريق لحل القضية.

وردا على سؤال عما اذا كانت واشنطن دعت الجانبين الى ضبط النفس قال مكورماك ان الدول ذات السيادة عليها ان تتخذ بنفسها قراراتها بشأن افضل الوسائل للدفاع عن نفسها.

وقال، قدمنا المشورة علنا وسرا لشهور عديدة حول فكرة انه من المهم العمل بشكل متعاون لحل هذه القضية.

وقال كل من البيت الابيض ووزارة الخارجية ان الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع تركيا والعراق لمواجهة متمردي حزب العمال الكردستاني الذين نفذوا سلسلة من الهجمات داخل تركيا.

وقال مكورماك، من المهم بشكل حاسم ان تعمل كل الاطراف الضالعة في ذلك وهم العراقيون والاتراك ومن المؤكد اننا سنقوم بدورنا على مواجهة الارهاب. لا يمكنك ان ترى مثل هذا النوع من الهجمات يصدر من العراق واعتقد ان العراقيين يفهمون ذلك.

وتزعم أنقرة منذ فترة حق اللجوء لمثل هذه العمليات بموجب القانون الدولي باعتبارها دفاعا مشروعا عن النفس.

وتتهم أنقرة حزب العمال الكردستاني بمسؤوليته عن سقوط أكثر من 30 ألف قتيل منذ أن بدأت الجماعة حملتها المسلحة لاقامة وطن للاكراد في جنوب شرق تركيا عام 1984.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 12 تشرين الاول/2007 -29/رمضان/1428