بورما تحمل ارث الدكتاتورية والمآسي المتراكبة

 شبكة النبأ: بالرغم من وجود السلطات الجائرة المتحكمة في شعب بورما منذ 45 عاما من الاضطهاد والحرمان وتركيز الفقر والمجاعة في هذا البلد المسكين الا ان هناك طامة اخرى تتمثل بفاعلية الشركات الكبيرة ومتعددة الجنسيات تنهش في هذا الجسد المتهالك دون رحمة. وبالرغم من الدكتاتورية العسكرية في بورما والعقوبات الاميركية والاوروبية المحدودة لا تزال شركات عالمية كبرى تتنافس على الثروات الطبيعية لهذا البلد خصوصا الغاز، مما يوفر للجنرالات سبل البقاء.

واكدت باسف ديبي ستوثارد المنسقة في جنوب شرق آسيا لمجموعة ضغط تنشط من اجل حركة ديموقراطية ان الشركات العملاقة مثل الاميركية شيفرون والفرنسية توتال والصينية تشاينا ناشيونال بتروليوم كوربوريشن لا تزال ناشطة في بورما. بحسب فرانس برس.

واوضحت ان الارباح تذهب الى النظام معبرة عن اسفها لان هذه الشركات غير مهتمة باوضاع حقوق الانسان وبما يجري في رانغون.

وقبل بضعة ايام وفيما بدأ النظام بقمع التظاهرات اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش عقوبات جديدة محددة على مسؤولي النظام العسكري الحاكم.

من جهته طلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من الشركات الفرنسية ولا سيما توتال الامتناع عن القيام باستثمارات جديدة.

وتملك توتال 31% من مشروع يادانا لنقل الغاز من حقول اوف شور في عرض بحر اندامان الى محطات لتوليد الكهرباء في تايلاند.

وتعمل المجموعة الفرنسية في اطار شراكة مع مؤسسة ميانمار اويل اند غاز انتربرايز المملوكة من الدولة البورمية والشركة التايلاندية بي تي تي اي بي والاميركية يونوكال التي اشترتها شيفرون، وتملك شيفرون حصة قدرها 28% في مشروع يادانا.

المنافسة ايضا للحصول على عقود تصل قيمتها الى مليارات الدولارات شركات اخرى في مجال الطاقة مثل نيبون اويل كوربوريشن (اليابان) ودايو انترناشيونال (كوريا الجنوبية) و"بتروناس (ماليزيا) وغيل انديا" واويل اند نيتشورال غاز كوربوريشن (الهند).

وفي فرنسا اعلنت توتال انها كانت تستثمر بكثافة في مشروع يادانا قبل نحو عشر سنوات لكنها لم تفكر باستثمارات اخرى منذ ذلك الحين.

وقالت نيبون اويل انها لا تنوي القيام باي تغيير في عملياتها في بورما. واكد متحدث باسمها في طوكيو ان الوضع السياسي وشؤون الطاقة هما مسألتان مختلفتان.

ودايو التي قامت باكتشافات كبيرة لاحتياطي الغاز اكدت عبر متحدث باسمها انه اذا فرضت كوريا الجنوبية عقوبات فانها سترفع طعونا.

وفضلا عن الغاز تتنافس شركات عديدة من الصين والهند وتايلاند -- الدول المجاورة لبورما -- على خشب التيك ومنتجات اخرى متعلقة بالغابات وعلى الجاد والاحجار الكريمة الاخرى وكذلك على المنتجات النسيجية والزراعية.

واسفت اونغ ثو نيوين المحللة البورمية المقيمة في تايلاند لان الصين وتايلاند هما من كبار الشراة للتيك والجاد ورجال اعمال من هذين البلدين لا يفكرون الا بمصالحهم على المدى القصير. وتايلاند هي البلد الرئيسي الذي يتلقى الصادرات البورمية.

ومن جهتها استثمرت الهند بالاضافة الى الغاز في تطوير البنى التحتية خصوصا ميناء سيتوي (غرب) فيما تنشط شركات هندية ايضا في بورما في قطاعات الصيدلة والاتصالات.

وروسيا كذلك ناشطة جدا في بورما، وقد اعلنت في ايار/مايو انها ابرمت اتفاقا للتعاون من اجل انشاء مركز للابحاث النووية في هذا الب لد.

الفقر المدقع يدفع الاطفال الى العمل في المقاهي

 وفي تقرير آخر لفرانس برس، يقضي الاطفال النهار بطوله في مقاه حيث يعملون في تقديم الشاي اما الليل فيقضونه ايضا في المقاهي عينها يفترشون الطاولات والكراسي انهم الاطفال العاملون في مقاهي بورما والشاهدون على الفقر المدقع في البلاد.

هؤلاء الاطفال يقصدون المدن آتين من مناطق قروية قاحلة في بلد يعتبر احد اكثر بلدان آسيا تخلفا وتحكمه منذ 45 عاما طغمة عسكرية استبدادية لا تبدو نهايتها قريبة.

وتقول صاحبة احد مقاهي الشاي في رانغون: من السهل العثور على اطفال في اماكن تكون فيها اسرهم بحاجة ماسة الى المال.

وتضيف طالبة عدم ذكر اسمها: عمل الاطفال يعتمد بشكل اساسي على الوضع المادي لذويهم، فاذا كان ذووهم يجمعون القاذورات سيتوجب على الاطفال ايضا العمل لمساعدة اسرهم.

وتتراوح اجور الاطفال بين 5 و12 دولارا شهريا، وتضيف صاحبة المقهى الاكبر سنا يحتفظون بالمال لانفسهم اما الصغار فياتي ذووهم في بداية كل شهر لاستلام اجورهم.

وارتفعت نسبة عمالة الاطفال في بورما خلال السنوات الفائتة تحت وطأة التضخم الذي يقدر معدله بنحو 37%. وينزل بعض الاطفال الى سوق العمل في سن الحادية عشرة.

وبحسب احصاءات البنك الدولي فان ربع الاسر البورمية تعيش تحت خط الفقر.

وكانت موجة الغضب التي اعترت السكان اثر الارتفاع المفاجئ لاسعار المواد الاستهلاكية وراء التظاهرات التي اندلعت في آب/اغسطس وانضم اليها لاحقا الرهبان البوذيون والتي عمد المجلس العسكري الحاكم الى قمعها بالقوة.

واعربت لجنة حقوق الطفل في الامم المتحدة عن بالغ قلقها من الاستغلال الاقتصادي للاطفال المنتشر بشكل كبير جدا في بورما ومن عملهم لساعات طويلة.

وفي المقاهي وهي مكان الالتقاء التقليدي بالنسبة للسكان يتم تشغيل الاطفال بعد انهائهم المرحلة الدراسية الابتدائية.

وبينما يقوم بعض هؤلاء الاطفال بتحضير المياه المغلية وصبها في اباريق الشاي يعمد اطفال آخرون الى وضع هذه الاباريق والفناجين في صوان وتقديمها الى الزبائن في حين يقوم سواهم من الاطفال باعمال التنظيف والترتيب.

ويجوب عملاء القرى بحثا عن اطفال ينوي ذووهم تشغيلهم وصولا الى القرى النائية على الحدود التي تقطنها اقليات اتنية.

ويقول احد هؤلاء الندلاء الصغار الذي يعمل في رانغون كبرى مدن بورما: البعض منا اتى الى رانغون مع مجموعة من قريتي، هناك اطفال ارسلهم ذووهم او اقرباؤهم.

وغالبا ما يكون الخيار سهلا بين المدرسة ومصدر دخل اضافي، ويقول احد المدرسين في وسط البلاد، ان البيئة المدرسية ليست جذابة للاطفال وخصوصا اذا كان يتوجب عليهم متابعة الدراسة وبطونهم خاوية وثيابهم رثة.

 الانتفاضة قُمعت بالقوة ومحللون يرون انها مجرد هدنة

ونجحت المجموعة العسكرية الحاكمة في بورما عبر ممارسات قمع عنيفة في احتواء الانتفاضة التي قادها الرهبان البوذيون مرحليا على الاقل، الا انها قد تكون حصلت على هدنة فحسب لا سيما في ظل الغضب الشعبي الكبير السائد بحسب ما يرى محللون ودبلوماسيون.

وسمحت السلطات للمبعوث الخاص للامم المتحدة ابراهيم غمبري بلقاء المعارضة البورمية اونغ سان سو تشي في مقر اقامتها الجبرية في رانغون، واستمر اللقاء ساعة وخمس عشرة دقيقة. واوضح دبلوماسي ان اللقاء جاء نتيجة ضغط دبلوماسي دولي.

وقال المحلل البورمي اللاجىء الى تايلاند وين مين غمبري قام بالزيارة ليس فقط كممثل للامين العام للامم المتحدة (بان كي مون) لكن ايضا بتفويض من اعضاء مجلس الامن.

الا انه لم يعلق آمالا كبيرة على اللقاء، وقال هذا يعني ان مفاوضات اخرى قد تلي، الا انه سبق لهم (العسكريون) ان وجهوا في الماضي اشارات انفتاح ثم تراجعوا.

وتابع المحلل: حتى لو انهم تمكنوا موقتا من تهدئة الغليان وحتى لو ان عدد المتظاهرين والتظاهرات اقل فان الثورة مستمرة.

وقال مصدر دبلوماسي بريطاني في رانغون: لم تعد الامور الى نصابها مضيفا ان غالبية البورميين يفكرون بان الامر لم ينته بعد ولو ان حجم التظاهرات بات اصغر.

وبدأت القوى الامنية في بورما في 26 ايلول/سبتمبر قمع تظاهرات احتجاجية على الحكم العسكري قادها رهبان بوذيون على مدى ايام مستخدمة الهراوات والغاز المسيل للدموع لكن ايضا الرصاص الحي الذي طال مدنيين ورهبانا وتسبب بمقتل 13 شخصا على الاقل وعشرات الجرحى.

الا ان جميع الدبلوماسيين الموجودين في رانغون يتفقون على القول ان حصيلة الضحايا اكبر من ذلك.

واوقفت القوى الامنية مئات الاشخاص ويصعب تحديد حجم العمليات العسكرية التي حصلت خلال الايام الاخيرة في بورما.

وساهم وصول غمبري الذي التقى مسؤولين في النظام العسكري السبت وتصريحات واضحة لبكين طالبت الحكم العسكري باعتماد اساليب سلمية في تراجع حدة القمع الظاهر، علما ان كل الاحداث منذ قطع خط الانترنت الرئيسي الجمعة في بورما تجري وسط ابواب مغلقة على ما قالت منظمة مراسلون بلا حدود.

ويروي شهود في رانغون ان الخوف من الاصابة او الاعتقال او القتل يدفع حاليا الناس العاديين الذين نزلوا بكثافة الى الشوارع قبل ايام الى تجنب المشاركة في التظاهرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7 تشرين الاول/2007 -24/رمضان/1428