العصا الأمريكية والقطعان العربية

د. محمود الحوت

 1

عقب تفجيرات سبتمبر الإرهابية ؛ كانت العصا الأمريكية المشهرة على مؤخرات الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية و الإسلامية، مدموغة بشعارها الضخم "محاربة الإرهاب " ؛ وبجانب مقبض العصا نقش شعار صغير على استحياء – لا تكاد العين تتبين حروفه و لا المنطق يقر جديته – يعلن عزم أميركا على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في تلك البلدان.

2

- وتابعت تلك الأنظمة المذعورة. " العصا " المتأرجحة وهي تمس " السودان" مسا خفيفا - قاصفة مصنع الأدوية -، ثم تسمرت عيونها - جاحظة من الهلع - على " العصا " وهي تنهال على " أفغانستان " مهشمة عظامها.

وتحسست الأنظمة مؤخراتها وأعناقها وتشبثت أيديها بمقاعدها، واصطكت مفاصلها، وأخرس الرعب ألسنتها.. و "العصا الجبارة " تنقض على العراق تدمر وتسحق الحجر والبشر، الحيوان والشجر.. وتطارد فئران النظام البعثي الهاربة إلى الجحور.

وتتسمع هذه الأنظمة لأزيز "العصا "التي تحوم قريبا من جمجمة " النظام السوري " فتدفعه ليركض متعثر الخطى، ململما أمتعته، ساحبا جيشه ومخابراته من لبنان.

3

وبدا كل نظام يتوجس ؛على أي جزء من كيانه المهترئ قد تكون ضربة "العصا " القادمة ؟

- فاستبق وبادر لاهثا " قذافي ليبيا "- أمين القومية العربية – ( سابقا ) بتسليم كل ما لديه من – "أمانات " وتجهيزات، و وثائق وأسرار خاصة بالمشروع النووي و أتبعها بتسليم ضابطي مخابراته المتهمين في حادث طائرة " لوكربي " ؛وعرض دفع مليارات الدولارات تعويضا لضحايا نضاله السابق ضد الطائرات المدنية والملاهي الليلية الأوربية. ثم امتشق حسام "دون كيشوت" وأعلن أنه ونظامه صمام أمان وحماية من المد الإسلامي وخطر الاصوليه ؟!!!

- وكذلك فعلت أنظمة اليمن، وبلاد النفط والغاز، والأردن، والمغرب حيث تدافعوا متسابقين للتطوع، مقاتلين أشاوس، وجنودا مخلصين في كتيبة محاربة الإرهاب، ليصطفوا بجوار"باكستان"- يؤدوا التحية ويعطوا" التمام "- منتظرين التعليمات من " شاويش" أمريكي وظيفته مساعد وكيل إدارة بالخارجية الأمريكية.

- وجميع الأنظمة العربية - بلا استثناء –حتى السلطة الفلسطينية –ابنة "اوسلو" كلهم أعلنوا براءتهم من الإرهاب وعزمهم على القضاء على معارضيهم من الإسلاميين ومن في صفهم وتهميشهم أو إقصائهم، بل بادروا بتغيير المناهج الدراسية، وتفكيك الثقافة الإسلامية،اتخاذ بعض الخطوات المظهرية، إيحاء بأنها على طريق الإصلاح، وعيونها وكل حواسها تترقب اهتزازات "العصا الأمريكية".

4

أما مصر –التي كانت زعيمة الأمة، ورائدة النهضة، ومنارة المنطقة العربية ؛ التي كانت صاحبة الهيبة والرهبة ؛ صاحبة القرار،ومحط الأنظار؛ التي كانت تملك القوة الناعمة والقوة الداهمة ؛ فقد كان نظامها الذي تسمر وتجمد وشاخ - في أسوأ حالاته ؛ فقد غاص بالبلاد في مستنقع من المشاكل الاقتصادية لاجتماعية والتعليمية والصحية ؛ ومشروعة الناجح الوحيد هو تدعيم أمن النظام لأكثر من ربع قرن، أما مشروعه القومي والحضاري والذي لا يشغله سواه ولن يرضى له بديلا ولو ضحى بماضي الأمة ومستقبلها (لا يوجد في حاضرها ما يضحى به )– فهو ترتيب وإنجاح ( التوريث )- وإذ بالنظام وهو يغوص فوق الأمة في ذلك المستنقع، حاملا فوق كتفيه " الوريث " و"خطط وترتيبات التوريث " يرى ظل "العصا الأمريكية " يتأرجح قريبا من صحارى القاهرة.

فلم يتوانى –رغم جموده وعناده – عن الإسراع بتعديل المادة 76 من الدستور ليظهر الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وكأنه انتخابات حقيقية تضارع انتخابات البيت الأبيض مع ديباجة دستوريه مطولة بأيد ترزية القوانين والدساتير- وما أكثرهم في بر مصر– تثقب وتمزق"عجلة" الإصلاح قبل أن تركب لسيارة الوطن ؛لتبتعد" العصا" إلى حين، يلتقط فيها النظام أنفاسه، ليتدبر كيف يتخلص من تهديدات "العصا الأمريكية" ويواصل مخططات التوريث.

وكانت الانتخابات الرئاسية شكليه وهزلية ؛ ثم جاءت انتخابات البرلمان الأخير 2005 وانقضت جولتها الأولى عن مفاجآت زلزالية، فقد انهارت أصنام للسلطة وتساقطت رموزها، وانطلق فرسان المعارضة من مرشحي الإخوان يحصدون الأصوات والمقاعد، وزلزلت الأرض تحت أقدام سدنة النظام ودارت الرؤوس وجحظت العيون من الفزع وولوا الوجوه قبل "البيت الأبيض"- صاحب العصا- توجه له العتاب وتستقرئ إشاراته ؛ وهنالك كما يذكر الأستاذ هيكل: يهرع شارون (رئيس وزراء إسرائيل) – ( العدو الصهيوني ) للاتصال بالرئيس الأمريكي – لنجدة النظام المصري –ويحثه على إزاحة عصا الإصلاح عن مصر وأن يتركوا النظام يكبح انطلاقة المعارضة الإسلامية، فنجاحها بمصر هو دعم لحماس وللتطرف وضد مصالح إسرائيل وأمريكا.

 وينير الضوء الأخضر أركان النظام وتتوقف "عصا" المطالبات الإصلاحية عن الهش أو الاقتراب من أرض الكنانة. وينقشع غبار جولتي الانتخابات اللاحقة عن فضائح كبرى للنظام فمن جهة : تزوير وبلطجة وضرب وسحل وإهانات للناس والصحافة والقضاة وقبضة طاغية تبطش بالجميع و لا ترقب في مواطن " إلا ولا ذمه". ومن جهة أخرى يحصل الإخوان على 88 مقعد بنسبة 20% من البرلمان ويحصل الحزب الحكومي على 32% ليسرع من فوره بضم مستقلين حققوا الفوز على مرشحيه – حتى لا يفقد الأغلبية.

- وكان على النظام أن يعيد حساباته : وتردد السؤال ( هل خرج النظام من الانتخابات مهزوما – حقا & أم انتصر ؟ )

- لقد كسبت المعارضة الإسلامية كثيرا من المقاعد ما كانت لتكسبها لولا شبح عصا الإصلاح الأمريكية، وقد يقول قائل : والضغوط الشعبية ؟ – لكن منذ متى كانت الضغوط الداخلية ( إن وجدت أو سمح لها أصلا أن توجد ) تستطيع أن تحرك شعرة أو تعدل سياسة قررها النظام ؟!

ولكن النظام في الحقيقة، فاز بجائزته الكبرى فلم يعد يرى ظلا ولا شبحا " للعصا الأمريكية " التي تطالبه بالإصلاح الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان ؛بل وجد يدا أمريكية حانية، تربت على كتفيه،ونظرة – من كونداليزا – راضية مرضية فتثاءب وانتشى،وازدادت شهيته وتضاعف نهمه لتأمين مخططات التوريث وجعله "قدرا مقدورا "؛ وكلما رأى " العصا الأمريكية " تتجه للتفرغ و الانكباب كلية في مبارزاتها العنيفة في " العراق" و"إيران" و"أفغانستان" وعلى مشارف "سوريا" وسواحل "الصومال" ازداد إسراعا في (خطط التوريث) وتفريغ البلاد من أي معارضة حقيقية، ومصادرة مساحات الحرية المحدودة التي جاءت من عند الله.

ولما تأكد من غياب "عصا أمريكا"، انطلق بصلف وجبروت يعيد مصر نصف قرن للوراء، واستخرج عصيه القديمة و انتضى عصيا حديثة ورفع " العصا" يبطش ذات اليمين وذات الشمال وأطلق حملته الشعواء ( أن الإخوان خطر علي أمن مصر !! ) اعتقالات ومصادرات للأموال والشركات والتنكيل بالطلاب.

لقد علم النظام أن عليه أن يستغل الوقت المتاح، فيسرع بالأداء مشهرا"عصاه "، ليبدل البلاد ويمسخ العباد،ويعدل الدستور ويغير القوانين، لتتكون المعالم الواضحة والراسخة " لدولة التوريث " ؛

وتسابق الحكام العرب كل يشهر "عصاه المحلية " على رؤوس شعبه والمعارضة الإسلامية ؛ وذلك قبل أن تتغير الأوضاع الدولية،  وقبل أن تعود للوجود " العصا الأمريكية " تهش على "القطعان العربية"– ونسوا جميعا أو تناسوا، أن الشعوب إذا رفعت "عصاها " ثم ألقتها، فإنها سوف ( تلقف ما يأفكون ). 

http://elhoot.maktoobblog.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27 أيلول/2007 -14/رمضان/1428