هل شاطت الطبخة؟؟

دكتور أحمد راسم النفيس

 تمر السياسة الأمريكية في المنطقة عامة وفي العراق خاصة بمرحلة حرجة تهدد بنسف ما تبقى من الخطط الأمريكية حيث يبدو واضحا أن القطار الأمريكي قد خرج عن مساره وهو يتخبط الآن في مستنقع المنطقة وليس مستنقع العراق وحسب.

تتحدث الصحافة الغربية عن مشروع انقلاب عسكري تخطط له الإدارة الأمريكية في العراق يمكنها من تنصيب أحد حلفائها من البعثيين السابقين رئيسا لوزراء العراق وتحذر هذه الصحف من أول ضحايا هذا الانقلاب سيكون الحكومة التركية المنتخبة التي يتلمظ الجيش للانقضاض عليها كما فعل في السابق وستكون مباركة الولايات المتحدة لهذا الانقلاب بمثابة الضوء الأخضر للعسكر التركي الذي لن يتردد في انتهاز الفرصة للتخلص من خصومه الإسلاميين الذين يهددون العلمانية الأتاتوركية.

من ناحية أخرى فالإدارة الأمريكية منقسمة بشدة كما تقول الهيرالد تريبيون حول الطريقة المثلى لمواجهة إيران وقد بدا هذا واضحا عندما تراجعت عما لوحت به من قبل من إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة (المنظمات الإرهابية).

الولايات المتحدة كانت ولا زالت ترغب في إقامة نظم سياسية (حليفة) تنفذ كل ما يطلب منها من دون مراجعة ولأنها كانت ولا زالت ترغب في عزل إيران عن محيطها العربي والإسلامي فقد سعت لتحقيق هذا عبر الانتخابات العراقية السابقة من خلال دعم القوى السياسية المتنافرة مع إيران بالدعاية والمال خاصة من أصحاب التاريخ البعثي ولكنها أخفقت في تحقيق هذا الهدف وجاءت الرياح بما لا تشتهي واشنطن.

لم تكف هذه الإدارة منذ تلك الانتخابات عن مواصلة ضغوطها على الحكومة العراقية الحالية لإسقاطها إلا أن فشل القوى التي راهنت عليها الإدارة الأمريكية في حشد الدعم اللازم للقيام بهذه المهمة حال دون تحقيق هذه الأمنية.

وبينما تزعم الولايات المتحدة تارة أن خلافها مع إيران يتمحور حول قيام إيران بتزويد العناصر المناهضة للتواجد الأمريكي بالمال والسلاح وتارة أخرى حول المشروع الإيراني النووي تنقل الهيرالد تريبيون عن الرئيس الأمريكي تخوفه من أن يشجع الانسحاب الأمريكي من العراق الإيرانيين على امتلاك السلاح النووي فضلا عن زيادة نفوذها في المنطقة.

إن هذا التصريح يكشف بوضوح عن طبيعة النزاع الدائر بين إيران والولايات المتحدة وأن طبيعة المشروع النووي الإيراني ليست محسومة عسكريا حتى هذه اللحظة وأن التخوف الأمريكي من تنامي النفوذ الإيراني السياسي هو السبب الحقيقي لهذا الصراع المحموم.

السياسة الأمريكية إذا تهدف إلى مواصلة الضغوط على إيران وتحجيم نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة ولو كان الأمر يتعلق بأمن العراق (وليس أمن إسرائيل) لأعلنت الولايات المتحدة عن مفاوضات مشابهة لتلك التي بدأتها مع إيران مع الدول التي تدعم القاعدة والبعثيين بالمال والسلاح.

لهذا السبب أيضا تصر الولايات المتحدة على استمرار الأزمة اللبنانية والحيلولة دون التوصل إلى تسوية يريدها أغلب اللبنانيين بمن فيهم المنتمين للأكثرية البرلمانية باعتبار أن أي تسوية ستعتبر انتصارا سياسيا لحلفاء إيران في لبنان أو لمعارضي الهيمنة الأمريكية على الشأن اللبناني وهو ما ترفضه هذه الإدارة في طورها الحالي الأكثر تشنجا.

ماذا تريد الإدارة الأمريكية؟؟.

الآن بدأت تتبلور الصورة الحقيقية لأهداف الإدارة الأمريكية من غزوها للعراق.

فالنظام العراقي السابق كان قد مات سريريا منذ غزوه للكويت ولم يعد ممكنا إعادة تسويقه وتأهيله عربيا أو دوليا للقيام بالمهمة الوحيدة التي كان يمكن له القيام بها مهمة شرطي المنطقة وحامي حمى البوابة الشرقية للأمة العربية المسئول عن موازنة الدور الإيراني الصاعد في المنطقة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

كما أن سقوط هذا النظام كان أمرا حتميا طال الزمان أم قصر.

كان من الضروري استبدال هذا النظام بآخر تصنعه الولايات المتحدة على عينها تكون أهم صفاته معاداة الجارة الشرقية ويبدو أن القوم قد أساءوا التقدير فكان أن جاءت الرياح بما لا يشتهون أو يتمنون.

حروب بالوكالة proxy wars

تبدو الإدارة الأمريكية الآن أكثر ميلا كما تقول الهيرالد تريبيون لمواصلة شن حربها ضد إيران عبر وكلائها في المنطقة في العراق ولبنان أو حتى في إيران حيث تدعم هذه الإدارة بعض التيارات الانفصالية في مواجهة من تعتبرهم وكلاء إيران مثل سوريا وحماس وحزب الله وهي في نفس الوقت تواصل التفاوض مع إيران حول (العراق) أو بمعنى أدق حول مستقبل المنطقة بعد رحيل الجيوش الأمريكية من العراق.

أما الأكثر طرافة في الأمر هو أن حروب الوكالة قد وصلت إلى حد محاصرة الدراما السورية ومنع تسويقها عربيا هذا العام!!.

مقتل أبو ريشة وأحداث كربلاء

في إطار حروب الوكالة جاء اغتيال الزعيم العشائري عبد الستار أبو ريشة قائد ما عرف بصحوة الأنبار والتي نجحت في اقتلاع القاعدة والقوى السياسية المتحالفة معها من مواقعها في تلك المحافظة المترامية الأطراف والمحاذية لعدة دول عربية مجاورة حيث تذكر المصادر الصحفية أن الزعيم العشائري الراحل قد سحب البساط من تحت أقدام هذه القوى التي صعدت إلى العملية السياسية كجناح سياسي لتلك التنظيمات المسلحة من دون أن يكون لها أي عمق أو إسناد شعبي حقيقي.

وتقول هذه المصادر أن صعود تيار (صحوة الأنبار) قوض مصداقية هذه الجماعات والأحزاب كممثل وحيد لسنة العراق خاصة مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات المحلية كما أن رفض أبو ريشة للاستقلال الذاتي بهذا الإقليم ووضعه تحت تصرف جماعة الوكلاء المشار إليها آنفا عجل باتخاذ قرار تصفيته جسديا.

كما تشير هذه المصادر أن الأحداث الدامية التي شهدتها كربلاء في زيارة النصف من شعبان تدخل أيضا في إطار هذه الحروب الهادفة للقضاء على الائتلاف العراقي الموحد وإشعال اقتتال شيعي – شيعي وتؤكد هذه المصادر على وجود اختراقات مالية واستخبارية واسعة النطاق لبعض التيارات المنضوية تحت لواء الائتلاف والتي ترفع شعارات ثورية ساخنة ولكنها لا تبالي بقتل كل من يخالفها في الرأي وانتهاك حرمة المقدسات.

المعركة السياسية التي يدور رحاها الآن في المنطقة تبدو غير واضحة الأفق خاصة بالنسبة للإدارة الأمريكية بعد أن توسعت دائرة المواجهات وتنامي عدد (الوكلاء) المستعدين للقيام بكل ما يطلب منهم.

كما أن التنافس على الفوز بدور الوكيل سيقود حتما لمزيد من اشتعال الحرائق وتزايد عدد المغدورين ممن يدققون فيما يطلب منهم من مهام أو يرفضون القيام ببعضها.

الصراع الدائر الآن في المنطقة لا يختلف كثيرا عن حرب الصيف الماضي التي شنها الصهاينة على لبنان إذ يكفي خصوم واشنطن أن يصمدوا في مواقعهم حتى تمر العاصفة الأمريكية الهوجاء ليعلنوا بعد ذلك انتصارهم بينما تبدو المهمة الأمريكية التي تحتم عليهم نسج سلسلة من التحالفات المتينة على الأرض والقابلة للبقاء والاستمرار مهمة شاقة وعسيرة وربما كانت مستحيلة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27 أيلول/2007 -14/رمضان/1428