شارع المتنبي وتفاؤل بعودة الحياة

 شبكة النبأ: شارع المتنبي من الأمكنة التي لا تعد تراثية بالنسبة للثقافة العراقية فحسب وانما هو مشهد متفاعل ثقافيا وعلى طول المدى حيث انه وعلى توالي العهود السياسية التي مرت في العراق كان وحده الذي يحمل الخطاب الحقيقي وان كان سريا وغير معلن عن نفسه تجاه السلطات القائمة.

 فطالما لجا الى الاستنساخ وسوق الرفض والتصدي بشكل مستمر ووصلت الكلمات المحرضة والرافضة الى شتى اصناف المجتمع ووفق تطلعاتهم وطرقهم في الوصول الى الحقيقة، وان اغرب ما كان يحدث هو ان قوى الامن في عهد الدكتاتور صدام رغم محاولاتها ان تراقب الا انها عجزت عن اخراس هذا الشارع العتيد.

وعلى هذا المنوال فقد تعددت الخطابات المتخلفة ان تدلو بدلوها المسموم في شارع المتنبي بعد التغيير في الخارطة السياسية بعد 2003 من القوى التكفيرية، او تهميشه من قبل السياسي الجديد الا انه ظل ينضح المعرفة رغما عن انوف المتخلفين واهل الشر.

 وقد جرى تدميره بتفجير سيارة مفخخة فيه مما استدعى منع التجوال بين مكتباته ومقاهيه وبهذا فقد تعطل المصدر الكبير والواسع للثقافة العراقية بل ورمزها المتفاعل في المشهد التنويري الاصيل.

 وأعرب مثقفون عراقيون عن تفاؤلهم بعودة شارع المتنبي، الذي يوصف بأنه (شريان الثقافة في العراق)، إلى سابق عهده بعد رفع حظر التجوال الذي سبق أن فرضته الحكومة العراقية، ظهيرة أيام الجمع، للحد من العمليات المسلحة التي تطال المصلين، فيما اعتبر أديب عراقي أن الأزمة لا تتمثل بالحظر إنما تكمن بتراجع الخطاب المعرفي التنويري وسيادة الخطاب السلفي.

وتعرض شارع المتنبي في آذار مارس الماضي، إلى هجوم بسيارة ملغمة أدى الى مقتل 30 متسوقا وبائعا او ناشرا للكتب، وجرح العشرات منهم، فضلا عن تدمير العديد من المكتبات و المباني، حيث دمرت (المكتبة العصرية) وهي أقدم مكتبة في الشارع (تأسست العام 1908) بشكل كامل. كما أصاب الدمار (مقهى الشابندر) الذي يعد من معالم بغداد العريقة، إضافة إلى تدمير واحتراق العديد من المكتبات و المطابع و المباني البغدادية التراثية في الشارع.

ويرى فاضل ثامر، رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، في حديث مع وكالة (أصوات العراق) ان رفع التجوال في يوم الجمعة سيساهم في إعادة الحياة الثقافية إلى الشارع مشيرا إلى ان الحظر هو المسؤول المباشر عن إصابة هذا الشارع الحيوي بالشلل.

وقررت السلطات الأمنية، رفع حظر التجوال الصباحي يوم الجمعة اعتبارا من أول شهر رمضان وتقليص حظر التجوال اليومي فى بغداد، ما عدا الحركة على بعض الجسور التي تربط شطري بغداد.

وأدى الحظر الذي يفرض صباح الجمعة في العاصمة الى توقف تقليد ثقافي رئيسي في بغداد، حيث اعتاد المثقفون فيها على الذهاب الى شارع المتنبي صباح كل جمعة للتسوق او تنظيم اللقاءات والأنشطة الثقافية.

وأوضح ثامر أن العمل الإرهابي الذي استهدف الشارع قبل عدة شهور، كان يستهدف العقل العراقي ورمزه الكبير (شارع المتنبي) وقد أجهز كليا على النبض الحي في الشارع.

ويعتقد ثامر أن البيروقراطية التي تعاني منها الدولة العراقية الحديثة قد حالت دون عودة الحياة إلى قلب الشارع الثقافي. ويلفت الى ان الأدباء والمثقفين والإعلاميين سيهرعون إلى إعادة الحياة لهذا الشارع الذي ارتبطت الذاكرة الثقافية العراقية به.

بينما يرى القاص محمد سعدون السباهي، أن الأمر لا يتعلق بقضية حظر التجوال أو رفعه، بل بالحزن الكبير الذي ملأ روح المثقف العراقي في سائر المدن، وفي بغداد بصورة خاصة.. لقد تراجع الخطاب المعرفي التنويري وساد الخطاب السلفي.

ويضيف السباهي أصبح المثقف العراقي محتارا بين أن يصمت وبين أن يغامر بقطع رأسه، ولعل أفظع الأشياء هو أن الذين تبرعوا بقطع عنق المثقف أكثر من جهة، حتى بات من المتعذر معرفة القاتل الحقيقي.

أما سهيل نجم (مترجم وكاتب) فرأى انه ليس صعبا على الثقافة العراقية أن تنبثق ،كطائر الفينيق، مهما كانت التعقيدات الأمنية والاجتماعية والسياسية.

ويعتقد نجم أن شارع المتنبي يشكل ملمحا واضحاً من التلاحم الثقافي، فما أن يتوفر بصيص من الأمل لإعادة نشاطه وحيويته، حتى نرى المثقفين يقدمون إلى هذا الشارع الملهم.

من جانبه يعتقد نصير فليح (شاعر) أن رفع حظر التجوال أيام الجمعة وتقليصه في الأيام الأخرى، يدل على تحسن ملموس لا تخطئه عين في الوضع الأمني ببغداد.

ويضيف ان رفع حظر التجوال يوم الجمعة، مؤشر جيد لجهة عودة الحياة الطبيعية الى شارع المتنبي.

 الناقد والشاعر علي الفواز، لفت الانتباه الى تأثيرات الحظر على نمط الحياة وانسيابيتها قائلا اعتقد أن آليات رفع حظر التجوال عن الحياة العراقية أصبحت بحاجة إلى إعادة نظر بسبب التأثيرات التي بات يتركها على نمط الحياة المعيشية، فضلا عن أهمية خلق تراكم ضروري في العمل والثقافة.

ويبين ان شارع المتنبي أكثر ضحايا الحالة الجديدة في العراق، إذ تحول من شارع ثقافي إلى سياسي وأصبح ساحة تجاذبات وصراعات، فضلا عن كونه جزءاً من الجغرافيا الساخنة التي تمتد بين منطقة الباب المعظم والفضل وباب الشيخ والميدان (محلات بغداد القديمة).

ويخلص الفواز إلى ان إعادة الحياة الثقافية إلى شارع المتنبي، تعني إعادة الحياة إلى كل شوارع بغداد ودرابينها (أزقتها) السرية.. عوالمها المسكونة بسحر كنا نتنفس غباره بلذة.

ويقول د. جواد الزيدي (ناقد تشكيلي) لا اعتقد أن حظر التجوال وحده ساهم في انغلاق المشهد الثقافي في شارع المتنبي.. التفجير الانتحاري الذي تعرض له الشارع قبل أشهر، ولد قطيعة بينه وبين رواده، ناهيك عن انقطاع مثقفي المدن الأخرى بسبب صعوبة التنقل من وإلى بغداد.

ويضيف الزيدي انه يتمنى أن يعاد بناء مقهى الشابندر وفق خرائطه الأصلية، وأن يسمع ثانية ضجيج المارة في سوق السراي المجاور، كي يعود شارع الثقافة إلى سابق عصره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25 أيلول/2007 -12/رمضان/1428