الشركات الأمنية الخاصة: جيش في الظل خارج عن القانون

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: سلط غضب الرأي العام من حادثة قتل مدنيين عراقيين بنيران حراس شركة الأمن الامريكية "بلاك ووتر" العاملة في العراق الضوء على الاعتماد المتزايد على الشركات الخاصة للقيام بمهام كانت توكل في السابق للجنود، رغم ان هذا النوع من الشركات لا يحب ابدا العمل تحت الاضواء.

ومع ميل الحكومات الغربية لتقليص جيوشها في الوقت الذي استمرت فيه في شن الحروب تحولت تلك الحكومات للاعتماد بدرجة اكبر على المتعاقدين لسد الثغرة وتقديم كل شيء من الطعام الى تحليل معلومات المخابرات.

ويرى مؤيدون ان هذه الشركات تدخل القطاع الخاص بقوة وفعالية الى ساحات الحروب وتسمح للجنود بالتركيز على مهمتهم الرئيسية وهي القتال.

وفي المقابل يرى معارضون ان المتعاقدين هم جيش في الظل غير منظم تنظيما جيدا ويعمل خارج القانون.

بدأت شركات المتعاقدين هذه تنمو وتتشعب بعد نهاية الحرب الباردة حين عمدت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى الى خفض جيوشها بدرجة كبيرة.

وانتعشت هذه التجارة حين دخلت الولايات المتحدة الحرب في افغانستان وبعدها وبشكل خاص حين غزت العراق عام 2003 .

وقال بيتر سينجر المحلل بمعهد بروكينجز الذي ألف كتابا عن الشركات العسكرية الخاصة، اتخذنا توجها اخذا في النمو ثم وضعناه على برنامج منشطات. بحسب رويترز.

وأوضح سينجر ان الولايات المتحدة بحاجة كبيرة الى القوة البشرية لكنها لا تملكها في قواتها المسلحة القائمة على التطوع ولا يمكن ان توفرها لها الدول المتحالفة.

واستطرد قائلا، ماذا يحدث حين تكون هناك فجوة بين العرض والطلب. يهب شخص ما لسد الاحتياج.

وفي الواقعة التي حدثت في العاصمة العراقية بغداد وتورط فيها حراس شركة بلاكووتر الامنية قتل 11 مدنيا عراقيا بنيران المتعاقدين. وكانت هذه القضية هي الاحدث في سلسلة مزاعم اتهم فيها متعاقدون أمنيون في العراق.

ويقول سينجر ان هذا القطاع بحاجة الى مزيد من التنظيم والانضباط والرغبة في تطبيق الاحكام.

واستطرد، السبب الوحيد الذي جعل من هذه الحادثة تتصدر الاخبار هو ان الحكومة العراقية كان لها موقف بعد سنوات من عدم التحرك من جانب الولايات المتحدة.

حيث أعلنت الحكومة العراقية انها ستسحب ترخيص عمل شركة بلاكووتر وستراجع وضع كل المتعاقدين الامنيين في البلاد.

وفي الكونجرس الامريكي قال السناتور الديمقراطي ديك دوربن وهو الرجل الثاني في سلسلة القيادات الديمقراطية في مجلس الشيوخ انه حان الوقت "لكشف الغطاء" والتحقيق في وضع المتعاقدين واعدادهم وما يقومون به حقا.

ويقول دوج بروكس رئيس الرابطة الدولية لعمليات السلام التي تضم مجموعة من الشركات الخاصة العاملة في الامن والامداد والتمويل انه بالرغم من أن لا أحد يملك ارقاما دقيقة الا ان عدد المتعاقدين في العراق وحده يقدر بنحو 180 ألف متعاقد.

واذا صح هذا الرقم فهو يزيد على عدد القوات الامريكية في العراق والتي تقدر حاليا بنحو 167500 جندي.

نموذج عن غزو الشركات الأمنية للمجال العسكري

ويثير تفويض المهام الامنية الى شركات بموجب عقود عسكرية مخاوف بعض الخبراء الذين يخشون ان يجتذب هذا القطاع المربح مرتزقة يسارعون الى اطلاق النار.

غير ان الشركات الخاصة تشدد على انها توفر الموارد والخدمات والامن في مناطق من العالم تمزقها نزاعات ما يمثل سوقا عالمية بقيمة مئة مليار دولار.

ورأى معهد لكسينغتون للدراسات في تقرير اصدره اخيرا ان "القطاع الخاص بات بحكم الامر الواقع القوة الثالثة -قوة مساندة- وهي جزء لا يتجزأ من الحرب الحديثة".

ويقع العراق في قلب هذه التجارة الطائلة الارباح المنتشرة في جميع ارجاء الارض من كولومبيا الى افغانستان فيما الولايات المتحدة هي زبونها الرئيسي.

وثمة ما يزيد عن مئة الف متعاقد من القطاع الخاص في العراق حيث يقومون بمهام تتراوح ما بين اقامة مراحيض نقالة في القواعد العسكرية الى نقل الاموال مرورا بحماية المسؤولين ومعظمهم يشارك في عمليات لوجستية.

7300 من العناصر الامنية الخاصة في العراق

واعلنت وزارة الدفاع الاميركية ان الجيش الاميركي يوظف 7300 عنصر من الشركات الامنية الخاصة في العراق من اصل ما مجموعه 137 الف موظف امني.

ولا تتضمن هذه الارقام الموظفين الذين يعملون لحساب وزارة الخارجية ولا لحساب وكالات اميركية حكومية اخرى. ويعمل موظفو شركة بلاك ووتر الذين تورطوا الاحد في عملية اطلاق نار في بغداد اودت بحياة عشرة اشخاص لحساب وزارة الخارجية.

ومن اصل 137 الف شخص يعملون بعقود مع وزارة الدفاع الاميركية في العراق هناك 22400 اميركي و69 الف عراقي و45100 من دول اخرى حسب ما قال الملازم البحري جوزف هولستيد.

حصانة.. ووضع قانوني غير واضح

وتتمتع الشركات الامنية الخاصة في العراق نظريا بالحصانة نفسها العائدة للدبلوماسيين الذين تتولى حمايتهم الا ان وضعها القانوني يبقى غير واضح وتتوقف الملاحقات القضائية المحتملة ضدها على القرار السياسي بحسب ما يقول خبراء اميركيون.

في 2004 نشر الحاكم المدني الاميركي على العراق بول بريمر "القاعدة 17" التي تنص على ان عناصر القوة المتعددة الجنسيات والبعثات الدبلوماسية وكل الموظفين غير العراقيين مدنيين ام عسكريين يتمتعون بالحصانة تجاه اي اجراء قانوني عراقي. بحسب فرانس برس.

وقال استاذ القانون الدولي في جامعة فاندربيلت في تينيسي (جنوب) مايكل نيوتن ان قوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان تعمل في ظل هذا الوضع القانوني: الدول التي ينتمي اليها العاملون في هذه القوات هي الوحيدة المخولة محاكمة مواطنيها.

ويقول الخبير القانوني السابق في وزارة الخارجية الاميركية واستاذ القانون الدولي في واشنطن بول وليامز ان قانون الحصانة شرعي مئة في المئة ويبقى ساري المفعول طالما ان الحكومة العراقية لم تعدل القانون بقانون واضح آخر.

ويمكن للعراق ان يجري هذا التعديل. الا ان مثل هذا الاجراء قد يثير اعتراضا من الولايات المتحدة التي تحتاج الى عناصر امنيين خاصين. ويقول "لو كانت الشركات الامنية لا تتمتع بهذه الحصانة لما كانت موجودة في العراق".

في اي حال ان تعديلا محتملا للقانون لا يمكن ان يكون له مفعول رجعي بشكل يشمل تبادل اطلاق النار الذي وقع الاحد وتورطت فيه شركة "بلاك ووتر" الامنية الاميركية الخاصة وادى الى مقتل عشرة اشخاص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 23 أيلول/2007 -10/رمضان/1428