مسلسل الاغتيالات في العراق.. السلطة الأولى

عدنان الصالحي*

منذ سقوط النظام السياسي في العراق على يد قوات التحالف في ابريل عام 2003 منذ تلك الفترة والى يومنا هذا بدأ مسلسل جديد يعيش فصوله العراقيون بحلقات شبه يومية هذا التوجه تمثل في قضية الاغتيالات التي طالت في بداية الأمر وحسب وجهة نظر البعض قيادات الجيش السابق وأعضاء في صفوف الحزب البعث المنحل، ذلك بعد حملات تصفية واعتقالات وسجون واعدامات بالجملة كان ينفذها البعثيون.

 وكما يرى بعض المحللين السياسيين فان ماحدث في الأيام الأولى للغزو إنما يأتي في إطار ردة الفعل التي نتجت ضد الحزب الحاكم بأسلوب القمع لمدة عقد كامل تقريبا، إلا إنها سرعان ما تحركت بشكل (أميبي) بأكثر من اتجاه لتشمل في طياتها عناوين مختلفة وصلت في ذروتها لتشمل عضو مجلس الحكم العراقي (عز الدين سليم) الذي كان يشغل آنذاك  رئيس مجلس الحكم.

 وتحركت العملية بشكل كبير وبصورة اكبر تنظيم لتصل الى مواقع متقدمة في الحالة حيث شكلت اختراقات كبيرة في بنية الدولة العراقية حتى وصلت الى مقر مبنى البرلمان العراقي ليقع على أثرها احد أعضاء البرلمان  ضحية لها، وتستمر بشكل اكبر اتساع لتشمل محافظين لمحافظتين متجاورتين اتسمتا بالهدوء النسبي وفي وقت متقارب، ولكنها رحلت في الآونة الأخيرة لتحط في مسافة أكثر بعدا على جغرافية العراق ولكنها تتشابه في طبيعة ونوع العمل  لتصطاد في آخر حصيلة لها رئيس مجلس صحوة الأنبار الشيخ (ستار أبو ريشة).

   لا نركز هنا على طبيعة الأشخاص المقصودين في العمليات بقدر التركيز على نوع وطبيعة العمل والجهة المنفذة له،  قد يكون العمل في بدايته اتسم بنوع البساطة في طريقة التنفيذ وتماثله باستخدام الدراجات النارية وبالأسلحة الخفيفة وهي طريقة سرعان ما تتجدد في أكثر من موقع في البلد وكثيرا ماكانت الشبه تلصق بالمتطرفين من الجهات الدينية بدون وجود أي دليل قضائي او جنائي على ذلك.

    أما الجديد في عمليات الاغتيالات التي تمت في الآونة الأخيرة فإنها تتصف بقدرة اختراق كبيرة للحواجز والاحترازات الأمنية لتصل كما اشرنا الى شخصيات مهمة وهذا بلاشك يشير الى وجود قدرات عسكرية واستخباراتية كبيرة مضافا إليها التمويل المادي الذي يقف خلف هكذا نوع من العبوات والتي تتصف بشدتها الانفجارية التي لديها القدرة على اختراق المركبات المردعة المعدة لهذا الغرض، لقد تكرر المشهد في أكثر من مسرح من مشاهد الجغرافية العراقية وبصورة متشابهة كثيرا  ورغم اللجان التحقيقة التي شكلت إلا إنها كانت كسابقاتها لتدون القضية ضد جهات مخابراتية لدول إقليمية أو مجاورة  ويعتقل البعض بتلك التهم ولاتوجد نتائج حقيقية في أي موضوع.

ما الهدف؟

    يقال في إحدى الحكم ما مضمونه ( نحتاج في كل حركة لمعرفة....) وعلى هذا الأساس يبدو واضحا أن العمليات التي طالت في طياتها مسؤولين كبار في الدولة العراقية الحديثة وشخصيات عشائرية وحتى دينية، تسير ضمن خطة مبرمجة وتقع ضمن فصول كما هو ظاهر للعيان، قد يكون الهدف الرئيسي منها هي ازدياد حالة الفلتان الأمني أو تصفية الحسابات بطريقة الضربات المتقابلة إلا إنها تبقى وحسب وجهة نظر المراقبين ذات أبعاد أخرى اكبر ليصفها البعض بأنها (السلطة الأولى) في البلد الذي مازال القانون فيه أسير الخطوط السياسية التي تتحكم في كل شيء حسب وجهة نظر التوافقات على أساس إشراك الكل بمبدأ الحكم، وهي تقرا من الصفحة الثانية على أساس تبادل للصفقات والمساومات وعلى مبدأ الحالة السياسية الفتية.

    ولذا فان ماجرى لمحافظي المثنى والقادسية أول الأمر لتلحق القضية فيما بعد برئيس صحوة الأنبار تظهر على شكل قضية ذات رؤية لها أبعاد متعددة... فالمنفذون في الحادثتين الأوليتين يكاد يجزم بها على إنهم غير منفذي عملية الاغتيال الأخيرة لأبي ريشة وقد يتقاطعان معهما في كثير من مبدئيات العمل والتفكير لكن الصفة المشتركة بينهما تبقى النوعية والطريقة التي استخدمت والتي تشير بلا لبس بوقوف جهة واحدة ممولة لهذه القضايا، والتي ترسم لإبعاد طويلة الأمد من ضرب العناصر الفعالة هنا أو هناك.

لماذا أبو ريشة؟

تبدو القضية واضحة جدا ومعتمده على أساس ضرب العنصر الفعال الذي اختاره الرئيس بوش في زيارته الخيرة ليجعل منه أنموذجا قياديا وشعبيا في منطقة كانت الى حد قريب توصف بأنها معقل المتمردين من تنظيم القاعدة وعاصمة مايسمى بـ ( الدولة الإسلامية في العراق) التي أعلن عنها التنظيم في وقت سابق.

    والتي اختارت الحكومة الأمريكية موقعها المتميز لترسل منه إشارة الى حلفائها الباقين في العراق والحكومة العراقية و الراغبين في العمل مع القوات الأمريكية بشكل طريقة التحفيز، فعليه يبدو إن الفاعلين حاولوا الرد سريعا على الحركة الاستعراضية التي قام بها الرئيس الأمريكي لتكون ردة الفعل بصيغة أقسى وبصورة دموية في قمة الهرم المقصود.

    هذا أولا أما الهدف الثاني والمرشح الأقوى لفهم العملية هو ما يدور الآن في كثير من محافظات من إنتاج مشابه لحركة شيوخ الأنبار من مجالس إنقاذ أو صحوة لمحاربة نفوذ القاعدة وهي رسالة قد تتكرر في أي موقع أخر إذا ما استمر البعض بحربهم ضد القاعدة، قد يكون التنظيم غير متجه لهذا العمل لكن يبدو أن البعض قد قدم له النصيحة بفعل ذلك لأنه إن لم يفعل فسيفقد مواطن السكن والتمركز التي تؤويه ولاسيما في المناطق الريفية التي تكاد تنعدم سيطرة الحكومة المركزية أو المحلية عليها، مضافا الى ذلك طبيعة الحياة والتقاليد العشائرية المتشددة في عالم الاجتماع العراقي.

لعل التقصير لا يكاد يبارح ساحة الحكومة العراقية التي لم تتصف لحد بالشجاعة السياسية الحقيقية الكافية والتي أعطت بعض الدول الإقليمية فرصة التدخل بشكل كبير في الحالة الأمنية، ونعتقد أن السبب الأول والأخير في عدم كشف الحكومة لهذه الأمور أو لنتائج التحقيق في عمليات الاغتيال ناتجة من تواجد شبه كامل لمن يمثل كل دولة في داخل البرلمان العراقي كونها إقليمية أو مجاورة وهذا قد يسبب أزمة سياسية جديدة في البلد تنتج من حالة الشد التي قد يشكلها البعض التابع لهذه الدولة أو تلك، وقد تكون الحكومة محقة نوعا ما في هذه القضية ولكنها لابد من أن تبدأ بأسلوب آخر في إيصال الرسائل الى مستحقيها مبتعدة عن طريقة الإعلام المتكرر التي يبدو أن المقصودين قد أمنوها بعد توعد الحكومة بالكشف عن نتائج أكثر من جريمة إلا إنها سرعان ما تنسحب الى ملف النسيان أو التعتيم الإعلامي.

  ولهذا فان عمليات الاغتيالات وصلت الى مراحل تهدد البلد بالانهيار ولاسيما بعد وصولها مراحل كبيرة وصلت حد الجهات القضائية التي تعتبر الرادع الأول والكبير في حماية الشارع من الجريمة وبات القاضي لا يأمن على نفسه في البت بأي حكم.

   إذا لابد للحكومة إن كانت جادة في وضع نهاية حقيقية لهذا الموضوع أن تبدأ وعلى الفور بإعداد برنامج متكامل  يشترك فيه أخصائيون من جميع الأصعدة النفسية والقضائية والاجتماعية والتنفيذية  لمتابعة الحالة وإفراز الخلايا المشكلة بتقويم مخابراتي عن الأعمال الناتجة عن ردود فعل  أو انتقام شخصي ووضع المعالجات لكل حالة.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20 أيلول/2007 -7/رمضان/1428