الموت ميلاد قسري

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: اسئلة كثيرة تثيرها فكرة الموت وفكرة العذاب التي تكون حاضرة في الذهن البشري، والعذابات التي يشاهدها البشر من خلال تلك الحيوات التي يتغذون بها، من الحيوانات والطيور وهم يروا مقدار آلامها وهي تنزف الروح الى ان تهمد بلا حراك، فيتصور المرء نفسه انه ملاق ذات الآلام، وان سنة العذاب لاتخطئه بكل تاكيد طالما هو خاضع لفكرة ان الموت يطويه في يوم من الايام.

ليس من الممكن ان يعرف الانسان الحقيقة بشكل يقيني، وانما كل معرفته بعملية الموت اما اخبار بالغيب، او احتمالات لاترقى الى ان تكون مؤكدة لكل انسان، عدى من تتجلى نفوسهم بالايمان واهل الطرق الروحية او الرياضات الدينية،  وكل ما تحصله من معلومات هي معلومات تخمينية لاتصل الى درجة البتات، وان استندت على اي عقيدة دينية او علمية.

يقول المفكرون الماديون ان فكرة الموت هي السبب الرئيسي في وجود الأديان، وان الانسان توقف ازاء هذه الفكرة التي تحدث دائما كحقيقة لايمكن تجاهلها ابدا، وان الانسان عندما يخرج من الحياة فلا بد ان هناك معنى اكبر لهذا الخروج الذي يشابه الميلاد بالقسرية.

فقسرية الميلاد انما كان معناها الحياة الزاخرة بكل شئ، فلا بد من ان تكون الحياة الاخرى التي يفضي عنها الموت هي اكبر معنى واكثر وفرة مما في الحياة الدنيا ولا بد من ان تكون خالدة ومختلفة وعجائبية!.

ويقول التاريخ ان البشر كانوا يبذلون ارواح بعضهم لكثير من الآلهة تقربا وتوسعة مكانهم في الحياة الاخرى الموعودة وغالبا ما يكون السلطان وهو الوسيط الإلهي بذبح القرابين البشرية ليدرأ عنه الموت او يطيل من مدى عمره او يوسع له اكثر من الآخرين في دنياه الموعودة.

ونعود الى فكرة الموت ذاتها هل هي تحمل كل تلك الآلام وما تختزنه الذاكرة الانسانية من اهوال وآلام؟.

ان الميلاد بالنسبة لأي فرد ميلاد غامض وهو تجربة لا يدري بها كيف حدثت ولم يحمل منها اي احساس يذكر عدا ما عانته الأم اثناء الولادة، وعلى هذا فان الموت هو ولادة اخرى من عالم الى عالم آخر، مثلما هي ولادة من عالم مجهول الى عالم الدنيا فهي ايضا خروج من عالم والدخول الى عالم آخر بصفة لا احساس فيها ولا ذاكرة.

لايدري المرء إلا وهو ازاء العالم الآخر.

فكثير من الناس قد جربوا الموت مرات عدة وكانوا لا يحسبونه موتا، فالإغماءات التي تحدث للاشخاص بسبب ضربات مفاجئة او لإعتلال في الصحة، او نتيجة بعض الحوادث انما هي حالات من الموت السريري يستفيقون بعدها ليباشروا الحياة، ولا يتذكرون ماذا حدث لهم بالضبط، انما كانوا قد فقدوا اي معلومات عما صادفهم اثناء تلك الغيبوبات، بطريقة تشبه الى حد ما نسيانهم لبعض الاحلام او الكوابيس.

كاظم سلمان، مواطن من اهالي كربلاء، يقول انه جرب الموت بعد ان زرق ابرة دوائية بطريق الخطأ، وكان من المفترض ان يزرقها باربعة جرع وبمدى اربعة ايام، لكنه اخذها بجرعة واحدة!، مما افقده الوعي، لكنه رغم فقده الاحساس فقد كان واعيا لحالة اخرى كان هو يطير فوق الثلة التي شيعت جسده وعلى نحو ما كان يشاهد جسده محمولا على اكتاف اصدقاءه الذين حملوه الى المستوصف القريب وانه يعرفهم بالإسم، وقد كانوا فعلا قد حملوه الى المستوصف وبنفس الطريقة التي شاهدها.

كان ابنه الصغير يلاحقهم مضطربا يتعثر وهو ينظر الى والده المحمول، قبل ان يصلوا الى المستوصف.

في تلك الاثناء جاءه شخصين معلقين في الهواء واتصلوا بجسده وتلمسوا احدى ابهامي قدميه، في تلك اللحظة كان هو في داخل جسده تحول بطريقة لايعرف كيفيتها، يسمع ماذا يقولون ولكن ليس السمع الذي اعتاده في التصنت للاشياء كان سمعا نقيا بدرجة انه يستطيع ان يسمع ما يفكران به، وأحس انهما يميلان الى تركه كما احس بصورة قوية تألُم احد اصدقاءه من رفعه للجسد اثناء الطريق وتفكيره انه سيتحمل ذلك الى النهاية.

قال احد الممسكين بإبهامه لنتركه فليس له اجل قريب، كان الاخر ينظر الى الولد الصغير وهو يتفكر كيف سينمو هذا الولد دون والده!.

كان كاظم يسمع ويحس بهذه الطريقة العجائبية لكنه عندما ترك احد الشخصين ملامسة ابهام قدمه فقد الوعي والإحساس ولم يصحو إلا بعد ايام عدة وهو راقد في المستشفى.

ويقول السيد رشيد محمد وهو مواطن من اهالي الديوانية انه مات فعلا بحسب اخبار اهله لكنه لا يتذكر كيف مات كل ما يذكره انه كان واقفا ازاء شخص بهيئة لايستطيع ان يصفها كونها غابت عن ذاكرته وان ذاك الشخص قال له عد الى اهلك قال: كيف اعود فقرب راسه وغطه في الحوض الذي امامهما فوجد نفسه وهو يفتح عينيه تحت الشرشف ثم ازاحه ووجد نفسه في الغرفة التي كان راقدا فيها بدارهم.

اهله اكدوا ان السيد رشيد كان ميتا وانهم كانوا بصدد الاجراءات وكانت النسوة قد اخذن بالعويل وتخاطف الجيران في البيت لكنه بعد اقل من ساعة ازاح الشرشف عن وجهه وهو مفتوح العينين وحضر كثير من الاشخاص بهدف السؤال عما حدث وكانوا يتاملون ان يسمعوا قصة عجيبة إلا انهم اصيبوا بخيبة عندما سمعوا الإجابة المقتضبة التي ادلى بها السيد رشيد بانه لا يتذكر غير وقوفه على الحوض وان الشخص قد ساله العودة وارمس راسه في ماء الحوض ثم بقية القصة.

ومن الطبيعي بأن خيال الناس سوف يكمل هذه القصة ويجعلها اكثر حميمية ويضفي عليها مسحة حكائية قصصية تطفئ عطش الملهوف لهذه الفكرة الغامضة فكرة الموت، وهذا ما سمعناه قبل ان ناخذ القصة من مضانها والشخص الذي جربها.

والموت في حقيقته يشبه على نحو ما الميلاد بكون هذين الميلادين يخضعان لقوة روحية عليا وهي قوة رحيمة عادلة ليس لها ضغينة مع البشر وهي ذات القوة المهيمنة التي جعلت خلافة الارض لبنو البشر وحبتهم بالفيض المتناهي الواسع الكبير.

ولذا فقد قيل ان آلام المرض قبل الموت انما تدرأ السيئات التي كان الانسان قد اقترفها في حياته وان موت الفجئة او المفاجأة انما لايعد من الموت الذي يدرأ كثيرا من السيئات بكونه لا يتحصل على معاناة تذكر، اي انه مغادرة دخول .. خروج من قانون ودخول في قانون فليس اذا ان يحكم اي من القانونين فاذا حكم قانون الدنيا الذي يحتوي الآلام فسيكون القانون الاقوى والاصيل وهو ليس باصيل وان حكم قانون الحياة الأخرى فليس له من مسوغ كونه يستند الى العدالة الالهية وهي لا تباشر الا بعد الحجة اي الحساب الاولي لمنكر ونكير وايضا تحلل الجسد الذي يدل على فقدان الاعتمادية  بكونه المسؤول عن توصيل الإحساس بالالم والغثيان والصور والتذوق واللمس من المصادر الحسية والعصبية.

ان فكرة الاهوال في غالبها تاتي في الحقيقة ما بعد الموت اي ان الافعال الدنيوية الدنيئة هي التي تسبب العذاب وليس الموت بذاته ولذا فقد لجأ الأباطرة على مدى التاريخ بافتداء انفسهم درءا لما تخلفه مظالمهم في الشعوب وقد اتخذوا الوكالة الالهية علها تكون مسوغا للاله الكبير في نسيان عقوبة تلك المظالم على طريقة التحزب للاله والتجنيد ضمن قوته المهيمنة وهذا ما سلكه الفراعنة والآشوريين وما مثلته الاصنام لدى من عبدوها زلفى الى الاله القوي المهيمن في الحقب الموغلة من التاريخ الى ان بدات الرسائل التوحيدية عن طريق الانبياء والرسل ثم اضاءت بنور الاسلام في آخر المطاف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 19 أيلول/2007 -6/رمضان/1428