فلسفة الأديان السماوية

بقلم ماجد السراي

 ما هو الدين ؟

خلقَ الله (سبحانه وتعالى) هذا العالم على درجة عالية وبالغة من النظام والوزن والدقة والإتقان والروعة في الصنع، فالقوانين التي تحكم هذا العالم، لم تترك مجالا أو حيزا صغيرا للصدفة أو الفوضى فيه، إلى الحد الذي أبهر وحير علماء الطبيعة والعلماء الآخرين قبل غيرهم من الناس في مختلف مجالات العلم، وخاصةً في السنوات التي جاءت بعد فترة الخمسينات من القرن الماضي.

 قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7  الرحمن).... (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19    الحجر).

 وكلما أزداد العلم نموا وتطورا، أزداد العلماء وغيرهم من أصحاب العقول السليمة احتراما وإجلالاً للذي خلق وأبدع تلك القوانين.

 فهذا آينشتاين يُصرح بمقولته الشهيرة `` الله لا يلعب بالنرد’’  “ God doesn't throw a dice وقال أيضا أن هذا العالم خاضعا لقوانين ومعادلات رياضية دقيقة ومحسوبة وقد أجهد نفسه في سنوات عمره الأخيرة في البحث لإيجاد صيغة أو معادلة رياضية واحدة تحكم جميع قوانين عالم الطبيعة ألا أنًَ قانون الموت لم يمهله طويلاً لإكمال بحوثه العلمية.

وكذلك قال عالم الطبيعة والرياضيات أسحق نيوتن أن الله كتب عالم الطبيعة بلغة الرياضيات، فالذي لا يفهم الرياضيات لا يفهم الطبيعة!

أن قوانين الطبيعة التي أبدعها الله تعالى تلاحق كل شيء في هذا الوجود بدأ من أصغر مكون مادي للعالم وهي الذرة إلى أضخم جرما في السماء وهي المجرة والتي تشتمل على مجاميع ضخمة وهائلة من النجوم والكواكب والأجرام السماوية الأخرى.

فكل شيء في عالمنا موزوناً بدقة بالغة وخاضعاً لبرنامج معين يتحدد بموجبه شكل ذلك الشيء  ووظيفته والغاية التي وُجدَ من أجلها، ولا مجال أمامه ألا أن يتماها مع منظومة القوانين التي يُمليها عليه ذلك النظام، والا فالفوضى والاندحار يكونا مصيره في نهاية المطاف!

 وعلى سبيل المثال لا الحصر فعندما تتمرد الخلايا في جسم الكائن الحي على القوانين التي تحكمها، تنتشر الفوضى في ذلك الجسم وتصبح مؤذية وخطرة ويحدث مرض السرطان الذي يهدد أو يدمر حياة ذلك الكائن الحي!

 شجرة البرتقال مبرمجة بكل تفاصيلها، من شكلها وأوراقها إلى نوع الثمرة التي تنتجها، فلا يمكن أن ننتظر أو نتوقع منها أعطاء ثمارا أخرى كالتفاح مثلا، نعم يمكن أن يحدث ذلك فقط بالهندسة الوراثية، أي عندما يتدخل الإنسان في تغيير بعض قوانين ذلك النظام التي تتحكم في تلك الشجرة وهذا على سبيل الفرض لا الحقيقة، لأن العلم والهندسة الوراثية لم يتوصلا إلى هذا المٌنجز العلمي في الوقت الحاضر.

 وفي مملكة النمل الصغيرة تقوم العاملات بقطع بذور بعض الثمار والنباتات إلى قسمين لكي لا تنمو هذه البذور إلى نباتات كبيرة الحجم وتدمر مملكتها أو تُصبح غير صالحة للأكل وقد تقوم بقطع أنواع أخرى من البذور إلى أربعة أجزاء لأنها تعرف أن هذه الأنواع سوف تنمو حتى لو قسمتها إلى قسمين فقط! ففي أية مدرسة قد تعلمت هذه الكائنات الصغيرة كل هذه الدروس العلمية في كيفية تخزين الغذاء والحفاظ عليه من التلف وكيف تعلمت أن هذا كله يجب أن تنجزه في فصل الصيف وأن فصل الشتاء والبرد القارس والمميت سوف يأتي وأنها لا يمكنها أن تخرج ويجب عليها البقاء داخل بيتها في هذا الفصل؟!

وهناك أمثلة كثيرة تشير إلى أن لكل شيء في هذا العالم قوانين وتعليمات دقيقه تنظمه وتحافظ على وجوده وتؤدي به إلى غايته التي وجدَ من أجلها.

أذن يمكن أن نشبه الكون بآلة ضخمة تحتوي على عدد هائل ومتنوع من الأنظمة الدقيقة والمتكاملة والمتناغمة فيما بينها لأداء مهمة مقدسة وسامية، وكل موجود لا يلتزم أو لا يسير وفق قوانين وتعاليم نظامه الخاص به سوف يُصبح نشازا وعالة وخطراً على النظام العام للوجود!

وبما أن الله سبحانه وتعالى كرمَ الإنسان وجعله هو الوجود المحور والأهم في هذا العالم، فما هو النظام الملائم له والذي يجب أن يتبعه ويسلكه في مسيرته الوجودية والتكاملية ليحقق الغاية والهدف من وراء خلقه ووجوده  ؟

 وما هو البرنامج  الذي يرسم له الخطوط البيانية والاتجاهات الصحيحة في مسيرته نحو الكمال  لكي لا يشذ عن نظام الوجود و لكي لا يصبح عالة سقيمة على المسيرة الصحيحة لقافلة الموجودات، وما هو النظام الذي يأخذ بيده ليصيره كأفضل وأسمى المخلوقات في هذا الكون ؟ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(70 الإسراء).

تنقسم الموجودات في عالمنا إلى قسمين، القسم الأول يشتمل على الموجودات الغير المُدركة أو غير الإرادية كالجماد والحيوان والنبات، وأخرى موجودات مُدركة وإرادية وعاقلة كالإنسان، فالموجودات الغير إرادية زودها الله تعالى بأنظمة وبرامج متناسبة مع حجمها ودورها ووضيفتها والغاية التي خُلقت من أجلها ولا يمكنها التجاوز والشذوذ على قوانينها وأنظمتها، وكذلك لا يمكنها أن تختار بنفسها الأنظمة والبرامج التي ترغب بها، والا لحدثت الفوضى العارمة! وعندها لا نستطيع أن نرى الأسود والفيلة والقرود  في أقفاص حدائق الحيوان بل من الممكن أن يحدث العكس لتتفرج علينا الحيوانات القوية ونحن في أقفاص الحدائق مع حيوانات ضعيفة أخرى!

أما الكائنات الإرادية كالإنسان، فقد وضع الله سبحانه وتعالى لهُ منظومة من القوانين والتعاليم التي لو سار عليها وعمل بموجبها أستطاع أن يحقق الغاية من وجوده والغاية التي خلقه الله من أجلها في مسيرته أو رحلته في هذا الوجود،.

وكلما كانت درجة أو نسبة التزامه وأتباعه لهذه القوانين والتعاليم الدينية وتنفيذه لها أقوى وأدق، يكون قد حقق القدر الأكبر من إنسانيته والغاية الصحيحة التي وراء وجوده وعلى الوجه الأصح والأكمل.

اذن الدين الإلهي هو ذلك البرنامج أو النظام الذي كرم الله به الإنسان وميزهُ وفضلهُ به على كافة وسائر الموجودات الأخرى، ولكن الفرق بين الإنسان وغيره من الموجودات، هو أن الله سبحانه وتعالى ميزهُ عن المخلوقات الأخرى بحرية الاختيار ومنحهُ الإرادة في أن يسير وفق النظام أو البرنامج الإلهي الذي يؤدي به إلى الكمال المناسب له في هذا العالم أولا وفي النشئات الأخرى للعالم التي تأتي بعد الموت.ليُكمل مسيرة وجوده إلى نشأة عالم النعيم والسعادة واللذة والخلود الأبدية في الجنة، ثانيا!

 أو أن يختار نظاما آخر وضعي وغير آلهي لا يوصله إلى كماله المطلوب في نشأة الحياة الدنيا أولا وفي النشئات الأخرى التي ما بعد نشأة الحياة الدنيا ثانيا،ويؤدي به ذلك وفي نهاية المطاف إلى التقهقر والسقوط المُريع في مزابل الكون ومَحرقات الوجود الرهيبة! (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (31 لقمان).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 9 أيلول/2007 -26/شعبان/1428