السبيل الى النجاة

رفعت الواسطي

(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض أن نجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).

من أهم النظريات المرتبطة بحركة الانسان في هذا الوجود والباعثة فيه روح الامل والتفاؤل هي نظرية الامام الحجة المنتظر عجل الله ظهروره الشريف. لما تحمله من معطيات ودلالات قوية من واقع الحياة والتي تدعم ماورد من أحاديث في السنة النبوية المطهرة وسيرة أهل البيت عليهم السلام.

الانسان كماهو معلوم حينما تشتد عليه المحن يبحث له عن متنفس وباعث للامل فيه يرفع معنوياته ويسلي الآخرين من أبناء جلدته. فتحول الامل الى رمز بشري يمثل طموح الانسان ويعزز من امكانيات تحقيق مايصبوا اليه فيشار اليه بالمنقذ . وهذا التجسيد كان قد تحقق في مهمة الانبياء والمرسلين حينما بعثوا الى أقوامهم المستضعفين الذين تعرضوا الى شتى صنوف الاستغلال والعبودية من طغاة الارض كما ذكر القرآن الكريم في قصة فرعون وجنوده وكيف بعث موسى عليه السلام ليكون المنقذ للمستضعفين من بني اسرائيل مستعملا كل الحجج والبراهين الدالة على انه رسول مبعث من قوة لاطاقة لفرعون وكل مايملكه من قوة عسكرية جبارة في الوقوف امام موسى عليه السلام حتى بلغت المواجهة ذروتها في انفلاق البحر للمستضعفين من خلال عصا موسى وانطباق البحر على فرعون وجنوده فكانت تلك القصة متوارثة في أدبيات الاديان السماوية والمعارف البشرية الى يومنا هذا.

في حركة الاسلام كانت البعثة النبوية الشريفة تمثل أمل المستضعفين في الجزيرة العربية آنذاك وقد عبر القرآن الكريم عن دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم. وحركة النبي الاكرم أعطت للانسان مكانته التي يستحقها حيث العزة والكرامة.

وهكذا الذين ساروا على نهج النبي المصطفى من أهل بيته الاطهار أرادوا للامة العزة والخير والكرامة التي تحفظ الانسان في ماله ودمه وعرضه. فكما كان الانحراف في قوم موسى الذين تنكروا للنعم الالهية عليهم من خلال التكبر والجهل في عبادتهم لله والشرك به مما أضاعوا أنفسهم حتى أن القرآن الكريم قد أشار بتعابير مهمة لنا ان نعيها كما جاء في سورة الجمعة:

 (( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، والله لايهدي القوم الظالمين)).

كذلك الانحراف الخطير الذي دب في الامة الاسلامية والذي أعادها في كثير من الممارسات الى عصر الجاهلية الاولى ولعل من أهمها هي الزعامة الوراثية والاسئثار بالحكم والمال لتكون في خدمة الحكام يمنعون فيئها وخيرات الامة عمن يعارضهم حتى بدأ الانحطاط والمسخ الاخلاقي والانساني ينتشر الى حد عودة المستصعفين الذين لايملكون مايكفي سد حوائجهم اليومية فكان الذل والاذلال وكانت العبودية السياسية للظلمة هي الصورة التي نراها اليوم في واقعنا.

ان الحديث عن نظرية الامام الحجة المنتظر عجل الله ظهوره الشريف هي المحطة الاخيرة في حركة الانسان باعتبار ان لانبي بعد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فهو خاتم الانبياء والمرسلين والامام الحجة هو خاتم الاوصياء والمصلحين ولهذا كما كانت دعوة النبي هي دعوة عالمية باعتباره رحمة للعالمين فمن الطبيعي تكون حركة المنقذ الآخر حركة عالمية يفرض فيها حكم السماء وقوانين الله على قوانين الطغاة الذين أصبحوا دولا يشار اليها بالدول العظمى ولابد من مقدمات أولا تسقط مصطلح الدول العظمى من خلال بطلان ماتدعوا اليه كالديمقراطية وحقوق الانسان وبالتالي تمرد الناس على سطوة هذه الدول التي لابد انها ستعاني من مشاكل ناجمة عن غطرستها وغرورها(( ويمكرون ويمكر الله)) مع الفارق في المعنى بين المكر البشري والمكر الالهي ، فنحن قرأنا وشاهدنا كيف ان الشعوب المستضعفة كانت تثور على القوة العسكرية لدول الاحتلال وكيف احرجوها عسكريا عندما تنهض فيهم قوة الارادة كما حدث في العراق في ثورة عام1920 بثورة العشرين.

النقطة المهمة في ماأود الاشارة اليه بالاضافة الى بطلان مصطلح الدول العظمى هو بطلان الشعارات والرموز التي تدعي القيادة سواء كان حزبا ام تكتلا والميزان هو حكم الله الذي لا أحد يجرؤ اليوم بقوله انه يحكم بحكم الله في الارض. وهذا هو الذي يضعف مصداقية كل المشاريع التي سمعنا وقرأنا عنها في التاريخ باستثناء حركة أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين لم تتوفر الظروف الملائمة لحكمهم وقيادتهم السياسية.

فالمرحلة المجسدة لحكم الله والقيادة السياسية الحكيمة ستكون من خلال دولة الامام الحجة عليه السلام. هذه القضية هي من أهم ماأود الاشارة اليه لاننا اليوم لازلنا نعاني من مشكلة الزعامات والرموز الوهمية التي تتخبط هنا وهناك ولعل أهم مثال مايجري في العراق الحبيب (دولة المقابر الجماعية) فكلما تتصور الجماهير ان هذا الحزب أو ذاك التشكيل هو المعبر عن ارادتها كلما بطلت ادعائاتهم وشعاراتهم التي رفعوها.

  في هذا المجال ارجوا متابعة ماورد من معلومات خطيرة في المقابلة التي اجرتها فضائية الفيحاء مع الشيخ محمد باقر الناصري عندما تحدث عن محنة المفكر الاسلامي آية الله السيد الشهيد محمد باقر الصدر وكذلك الفصول المأساوية التي أحاطت انتفاضة الشعب العراقي في آذار من شعبان عام 1991  وسيدرك المتابع بطلان الشعارات والرموز القيادية التي لم تحكم حكم العدالة في عملها السياسي والجهادي بل هناك ثغرات قاتلة أثرت وزادت من محنة أهلنا في العراق طيلة سنوات حكم البعثيين الجهلة واليوم حكم المنافقين من السلفية التكفيرية وبعض الهمج الرعاع ممن يحسبون على مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

 اذن لتهيئة الظروف والمناخات الموضوعية لابد من بطلان تلك الرموز لتبحث الامة والبشرية عن منقذها الحقيقي الذي يلبي طموحاتها ويحقق للمستضعفين الوعد الالهي بقيادة العالم الى بر الامان.

من هنا تكمن أهمية الحديث عن نظرية الامام الحجة لانها نظرية اخلاقية وتربوية للانسان الذي يبحث لنفسه عن التوفيق الالهي والمعبرعنه بحسن العاقبة ونحن مهما شرقنا أو غربنا فلن نحيد عن أمنيتنا بان نرزق حسن التوفيق والعاقبة ويبقى هاجس الانسان مهما كان نوعه وأصله وفرعه فهو يبحث لنفسه عن شيء اسمه الامان والعيش الحر الكريم لهذا نقرأ في الدعاء:

 (( اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام وأهله وتذل  فيهاالنفاق وأهله)).

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 28 آب/2007 -14/شعبان/1428