التزامات اللغة وتحديات العولمة

شبكة النبأ: ان المحاولات الرامية الى تنقية اللغة آل جهدها في كثير من التجارب الى الفشل او في الاقل لم تكن تلك المحاولات قد توصلت الى المبتغى باصغر نتائجة وقد حاولت الحكومة العراقية في السبعيتات على شاكلة هذه المحاولة كذلك في كثير من الدول العربية وكانت تغفل تلك المحاولات التطور التقني واظهرت مشروعها تحت الصيغة الخطأ في ان التقنية والاتصلات المتطورة انما هي من جسد العولمة وهي في الحقيقة لايمكن وصفها بهذا الاطار وانما العولمة استخدمت التطور التقني والانترنيت كآليات وليس تلك التطورات سوى تطور طبيعي لمسيرة العالم برمته وهي ناتج طبيعي باتجاه المستقبل باعتبار ان التقنيات والاتصالات بلغت شأوا وصارت مؤهلة لتخطو خطوة كبيرة.

ومسالة اللغة تخضع بطبعها الى كثير من التعقيدات لكنها لن تبقى بلا تفاعل مع اللغات الاخرى ولذا فانها تكتسب مهما كانت حالة الحذر والتكابر وهي تنزع على مرور الايام الى التقارب شاء المنظرون أم أبوا.

وها هي ذا تركيا تجرب رغم ان تجربتها ليست بالجديدة ان تنقي لغتها من الشوائب الوافدة من خلال تشابك العلاقات وكانها تتنصل عمليا عن العلاقات الحادثة في فترة طويلة مع الشعوب الاخرى ولا زالت تتطور بهذا التشابك.

ويفحص عشرات الاكاديميين الاتراك النصوص القديمة والحديثة لنحت كلمات موازية لمصطلحات غربية مثل " الرهن" في تحد يهدف لانقاذ اللغة التركية من غزو لغات اجنبية.

ودشن مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك معهد اللغة التركية بغية تنقية اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية وهو يركز حاليا على كبح تأثير اللغة الانجليزية.

ويهدف المشروع الجديد لاثبات ان العولمة اللغوية لا تسير في اتجاه واحد ومن المقرر ان يصدر هذا العام معجما جديدا يبين ان 12 الف كلمة تركية وجدت طريقها الى لغات اخرى.

وهذا الاتجاه يتناقض مع الفترة التي ساند فيها المعهد نظرية أن اللغة التركية هي اصل جميع اللغات واصل اسماء بداية من امازون الى نياجرا فيما عرف بنظرية لغة الشمس التي ايدها اتاتورك شخصيا. بحسب رويترز.

غير ان المعهد ومقره انقرة يقول انه متمسك بالمبدأ الذي اسس من اجله وهو منح اللغة التركية مكانتها اللائقة بين لغات العالم.

وقال رئيس المعهد البروفسير سوكرو اكالين في حديث لرويترز نعتقد ان اصول اللغة التركية واسهاماتها في اللغات العالمية دراسة علمية مهمة.

وربما يندهش متحدث الانجليزية حين يعلم ان كلمتي (لبن) و(كشك) بالانجليزية من أصل تركية بينما دخلت الاف من الكلمات التركية لغات دول البلقان في ظل النفوذ الواسع للامبراطورية العثمانية.

وانشئ المعهد ضمن اصلاحات اتاتورك الشاملة بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وهو يحاول ايضا توسيع نفوذ اللغة التركية بجعلها لغة مشتركة لدول اسيا الوسطي التي تربط لغاتها بعضها البعض مثل اوزبكستان وقرغيزستان.

وتركيا ليست الدولة الوحيدة التي اقامت معهدا لغويا فهناك الاكاديمية الفرنسية وعمرها 400 عاما وتنقية اللغة جزء من مهمتها.

ومعظم الكلمات الجديدة التي نحتها المعجم مصطلحات فنية وعلمية ويقول اكالين ان المعهد يصدر ما بين ثلاثة واربعة الاف مصطلح تركي كل عام على الاقل.

ومن احدث الكلمات التي تستخدم يوميا التي تعين على المعهد ترجمتها كلمة الرهن وهو مفهوم لم تعرفه تركيا الا في العام الماضي.

ويبحث باحثون عن كلمات اناضولية سابقة على الامبراطورية العثمانية - التي تأثرت باللغتين العربية والفارسية - ولهجات اقليمية ولغات اسيا الوسطى التركية.

وتجمع الكلمة الجديدة التي تعني رهن وهي "توسات" بين "البيع" وكلمة اناضولية من القرن الرابع عشر تعني غير مباشر.

ويضيف اكالين استخدام كلمات ذات اصول اجنبية سيكون له تأثير سلبي كبير على اللغة. وقال ان حملته ضد الكلمات الاجنبية يهدف لتقليص استئثار الصفوة باللغة هو نفس هدف اصلاحات اتاتورك وهو القضاء على الفجوة بين اللغة التركية التي يتحدثها العامة ولغة البلاط المتاثرة بالعربية والفارسية. واستبدلت اصلاحات اتاتورك حروف الهجاء من العربية الى اللاتينية. وتابع، وإلا ستكون هناك كلمات لا تفهمها إلا الصفوة ... انها حركة تنوير.

وحققت الكلمات نجاحا متباينا، فوسائل الاعلام ووكالات الانباء التابعة للدولة تستخدمها ولكن رد فعل وسائل الاعلام الخاصة كان متباينا بل ان اتراكا عاديين يضحكون على بعض الكلمات الجديدة.

ويتتبع اكالين نجاحها من خلال عمليات البحث على شبكة الانترنت وهو مصطلح نحت له المعهد كلمة جديدة. ويجري البحث عن كلمة توتسات ولكن عدد مرات البحث عن رهن اكثر كثيرا.

ان اللغة بطبعها كائن متفاعل لايمكن تطويعها اراديا وتحت رغبة ما سواء كانت تلك الرغبة استعلائية تتصل في قالب العرق او الدين او سياسية كمضاد دولي لسياسة اخرى فان الفاعل الاكثر واقعية في اللغة هي الظروف الموضوعية الموجودة بقوة فوق مسرح الحياة  وما يفرزه المستقبل من تطورات تقنية ومواصلات والعلائق المشتركة مع الشعوب.

وقد نصل في تاريخ ما الى ان الانسانية كلها تتكلم لغة واحدة وهذا القول المتسع ربما نجد مصداقه او تكذيبه في قابل الزمن.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 26 آب/2007 -12/شعبان/1428