الفساد الأسري وانعكاسه على الصفحة البيضاء

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ:  نتحدث الآن عن مجتمع  ينتمي في مرجعياته الاخلاقية والتعاملية الى الدين الاسلامي وايضا ناخذ في الاعتبار ان تلك الاخلاقيات او التعاملات وفق الصيغة الاسلامية او التراثية ليس بجديدة وانما طوينا بها حقب طويلة وصارت من ضمن الخصائص الثقافية الاصيلة في حراكاتنا على مختلف انواعها وتفاعلاتها في الحياة اليومية كذلك في نظرتنا الى المستقبل واحترازاتنا الى ان يكون مطابقا للخصيصة الاخلاقية والثقافية.

ان الخلل الذي يشوه تلك التطلعات بما يحدث من هبوط او نكوص في مراحل معينة او تحولها الى فعل متصاعد قد يجد المعاذير وهي معاذير ربما يتفوه بها الفاسدون انفسهم وممن هم يمتلكون موقفا متذبذبا من الاخلاق ذاتها. اي من اولئك الناس الذين يقفون موقفا حرجا من الثقافة الاصيلة ومن المبادئ الدينية والاخلاقية وهم يتمنطقون بتلك المعاذير لسقوطهم في عفونة الفساد.

فتجد الاعتذار بفساد الادارة السياسية بالضعف الاقتصادي بالمتطلب اليومي، كذلك التزاحم والبطالة فكل هذه المعاذير وغيرها تعد من وجهة نظر المعتذرون مسوغات للنكوص في الرذيلة والفساد على شتى انواعه.

ورغم ان اعذارهم تلك قد تكون حقيقية وملموسة في الواقع الاقتصادي والبيئي والسياسي وضمور التنمية البشرية والزراعية والصناعية والخدمات بشكل عميق الا ان تلك النواقص لايمكن اعتمادها كمسوغات لان يتخلى الانسان عن الاخلاق التي هي الفارق الوحيد بين ان يكون انسانا او ان يكون وحشا كاسرا يلبس لبوس الآدمية.

الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم ( وخلقنا الانسان في احسن تقويم) فكيف يستقيم هذا الانسان وفق ذلك التقويم الحسن والجمالية الخارقة في الكون وقطعا ليس المقصود الشكل الخارجي فكثير من المخلوقات التي اوجدها الله سبحانه وتعالى تفوق الانسان جمالا وفتنة فالوردة بتنوعها وعطرها ادهشت الانسان وتمنى ان يكون له من صفاة عطرها ورقتها بحيث انه يتغزل ويصف الاشياء الجميلة بها ثم هناك النور والطيف الملون الرائع وصفات الملائكة واشياء اخرى لايمكن عدها هي اكثر جمال وروعة من البنيان الخارجي للانسان لكن المقصود هو روح الانسان وللروح لب وهو المركز الحيوي للروح وهو الظاهر في مخاطبة الله سبحانه وتعالى بـ ياؤلي الالباب ـ واللب هو الجوهرة المتوهجة الغالية المتمثلة في العقل

والعقل هو ربيب الله وجزء من حكمته على الارض التي منحها الخلافة وايصال الاشياء الى كمالاتها.

فهل يمكن للانسان ان يلغي الاخلاق وهي ميزة ذلك العقل؟.

العقل يعني فيما يعنيه التحكم بالظروف والسعي المثابر نحو الافضل في السلوك والصبر على الموقف الانساني فليس من المعقول التخلي عن هذه الاشياء الكبيرة بمسوغات صغيرة هي لا تساوي المبدأ باي حال.

فالعائلة التي ترسل ابنائها للعمل وهم أحداث انما تتخلى عن موقفها التعليمي وعن عزمها التاهيلي والتدريبي لابنائها ليتولى الامر معلمو الشوارع بما فيهم السكارى والقفاصين والسراق والفاسدين ليتولوا تشويه تلك الصفحات البيضاء ويحيلوها الى بقع سود او على الاقل ان تُجعل مبقعة ومشوهة.

الاسرة التي تقبل ذلك توافق في الحقيقة على ان يمنى اولادها بكثير من الاحباطات المبكرة والخيبات المرة والتجارب الخاطئة ويؤسسون للخطا والسير السئ وهم شركاء بايجاد انسان منحرف وغير قويم في اكثر الحالات.

التبسّم الذي يراه الطفل على وجه ابويه عندما يجلب شيئا من نقود او عندما يسرد بانه غلبه من احد زملاءه في العمل او انه استخدم حيلة ما لإستحصال المبلغ المذكور فانه يترجم تلك الابتسامة المعجبة بحيلته وشطارته ومغالبته الغير منصفة وعمله البعيد عن الاخلاق يترجم كل ذلك كتحفيز وتشجيع شرعي وقد يتصف بشكل دائم بصفة ـ  القفاص او اللوتي ـ كما في المصطلح العامي في العراق ـ وهو الذي يغلب الآخرين ولا احد يغلبه.

الطالب الذي يجد نفسه في اسرة لا تراعي التنظيم والمحاسبة والاقساط يكون بالنتيجة مثيلا لها، فالام التي لا تقفل صنبور المياه بعد عمل الغسل ولا تطفئ المصابيح الزائدة ولا تهتم بمخلفات الطعام كذلك الاب الذي يغسل سيارته بشكل مفرط لان تجهيز المياه رخيصا ولا يشكل مبلغ كبير عند دفع اجوره كل هذا يشجع ذلك الطالب بشكل منسجم مع عائلته ويكون مهملا لدروسه وعدم الاهتمام بالمستقبل العلمي او المعرفي بل ان كانت هناك رغبة بدرجة ما فانها تضمر تدريجيا الى ان تضمحل وقد تؤول الى التسيب وترك الدراسة ويتخرج ذلك الطالب من اسرته وهو لا يحتكم على صنعة ما لحياته المقبلة.

وان شخصا له المواصفات التي ذكرناها سيجد نفسه يصغي بانتباه شديد الى البيئة الفاسدة ويتعلم منها كل الموبقات كونه معزول بالنتيجة التي آل اليها الى ذلك الصنف السئ من المجتمع.

اي انه قد حدث له طلاق حقيقي من الفئة التي كان من المتامل ان ينتسب اليها وهي الفئة المتعلمة والمتدرجة بالتعلم والمثابرة على كل ما هو صحيح ومنسجم مع الاخلاق والمثل الحميدة، وكونه لايحتكم على مؤهلات انتماءه لتلك الفئة المتوهجة المتفاعلة مع كل ما هو خير ورصين.

من المسلمات بأن الاسرة هي البيئة الاكثر تاثيرا حيث انها تضطلع بمهمة القدوة الاساسية فمن الطبيعي انها تتعرض الى اختبارات اخلاقية وذلك لتشابك العلاقات الانسانية فيكون الاب مقروءا من قبل ابناءه اخلاقيا من خلال موقفه من القضايا التي تعرض لها كالحقوق المترتبة بذمته والاعمال التي لم ينجزها للآخرين والديون والمستحقات والصلات بين ذوي القربى والجيران والمناسبات والنميمة والاشاعة والفتنة والغيبة والهزء من الآخرين والاحكام المسبقة وقوة وضعف الموقف الاخلاقي والقانوني منها.

فهذه كلها ستكون دروس صامتة يعيها الطفل او الحدث ان كان في سن الدراسة او قبلها او خلالها، وهي بالنتيجة تحدد مساره الاخلاقي والعملي والسلوكي في المستقبل.

وقطعا هولاء شريحة كبيرة تتنامى طرديا مع مستوى المجنمع الثقافي والعلمي اي بمعنى كل ما كان المجتمع متخلفا كلما ازدادت الشريحة سعة وتاثيرا في قابل الزمن، وان احتمالات عملها في ادارة الدولة والاقتصاد والصناعة والخدمات واردا جدا  وهو امر طبيعي ومسلما به فليس كل السيئين لا يصلون الى المؤهلات العلمية او الادارية او السياسية لكن الشريحة ذاتها ستكون مؤهلة الى الفساد والنكوص بشكل فاعل وكارثي، وهم على غرار من وصفهم الله سبحانه وتعالى:

( ومن الناس من يعبد الله على حرف، فان اصابه خير اطمئن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة).

..........................................

المصادر/

الاجتماع- الإمام الشيرازي(قده)

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 26 آب/2007 -12/شعبان/1428