
شبكة النبأ: مع اقتراب موعد صدور
تقرير الجنرال باتريوس بداية الشهر المقبل عن الوضع الستراتيجي في
العراق تعيش العاصمة الأمريكية حالة نادرة من الزخم السياسي، حيث تسعى
إدارة بوش للتخفيف من حدة الضغوط التي تمارسها الأغلبية الديمقراطية في
الكونجرس عليها، والتي نجحت مؤخرا في استصدار قرار، لم يحقق صفة
الإلزام، بسحب القوات الأمريكية من العراق.
وتلعب مراكز الأبحاث في واشنطن دورا هاما في هذه المعركة كلاعب مؤثر
في عملية صناعة القرار سواء كان على المستوى التشريعي- الكونجرس - أو
التنفيذي -الحكومي، وفي أعقاب المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس بوش
أوائل شهر يوليو الماضي لعرض تقرير ميداني حول وضع القوات الأمريكية
في العراق قام الكونجرس بدعوة العديد من خبراء السياسة الخارجية لتقديم
شهادتهم حول الأوضاع في العراق أمام لجنة الشئون الخارجية وذلك لوضع
أعضاء اللجنة في الصورة استعدادا لتقرير بتريوس.
وعكس الخبراء والباحثون، بحسب تقرير واشنطن، كافة أوجه النظر
المطروحة في الأوساط السياسية الامريكية حول الشأن العراقي بما فيها
المحافظ المؤيد لخطة بوش الجديدة والديمقراطي المعارض لها والمطالب
بالإنسحاب.
جيسيكا ماثيوس رئيسة معهد كارنيجي للسلام الدولي بواشنطنCarnegie
Endowment for International peace كانت احد الخبراء الذين قدموا
شهاداتهم للكونجرس وقالت في بداية حديثها مع أعضاء اللجنة أن ما يدور
حاليا في واشنطن من نقاش حول العراق يؤدي إلي حالة من التشويش على
الرأي العام وكذلك دوائر صنع القرار وأضافت انه من البداية كان معروفا
أن أي إستراتيجية جديدة في العراق كانت لابد أن تتعامل مع الوضع
السياسي هناك قبل التفكير في الوضع الأمني وليس العكس.
وتضع ماثيوس عدة اعتبارات لتقييم الوضع في العراق قائلة: إن ما يروج
له مسئولو الإدارة حول أن تقليل العنف سيؤدي إلى تقدم على الصعيد
السياسي ليس صحيحا لان ما يحدث في العراق حاليا هو صراع طبيعي وحتمي
حول السلطة وما قاله مستشار الرئيس بوش للأمن القومي حول أن الرئيس
يسعى إلى مصالحة وطنية عن طريق تقليل حدة العنف لن يحدث، وذلك لان
مفهوم ودلالة مصطلح المصالحة لا يعبر عن ما يحدث على أرض الواقع في
العراق، فالمصالحة تعني إعادة علاقة بين أطراف سياسية متعددة كانت
تسودها في الماضي حالة من التوافق والهرمونية هذا ليس ما نراه فما يحدث
حاليا هو حالة طبيعية تحدث في أعقاب تغيير أي نظام فاسد سواء جاء هذا
التغير بالثورة الداخلية أو بالتدخل الخارجي.
وأردفت أن العديد من مسئولي البنتاجون يؤكدون أن تفجير المساجد
الشيعية في مدينة سامراء كان السبب الأساسي في اندلاع العنف الطائفي
وتوقف جهود المصالحة وان الجيش يسعى حاليا للعودة لما قبل هذه المرحلة
وهذا أمر غير منطقي بل بالعكس فإن الافتقار في تقديم الحلول السياسية
توافقية هو الذي يزيد من وتيرة العنف، فما يحدث في العراق حاليا سواء
أطلقنا عليه حربا أهلية أو عنفا داخليا هو صراع من اجل الحصول على
السلطة بين القوى السياسية العراقية التي تمثل في الأساس طوائف دينية
وعرقية مختلفة.
وانتقدت ماثيوس الخبراء الذين يتوقعون نجاح جهود المصالحة خلال هذا
العام قائلة إن الوصول إلى حلول سياسية نهائية مرضية للفصائل العراقية
المختلفة لن يحدث إلا عندما يكون لدى هذه الفصائل والطوائف يقين تام
بأن القتال غير مجدي وان طاولة المفاوضات المكان الأنسب لا حرب الشوارع
ولكن هذا لن يتم بحلول سبتمبر القادم أو حتى الربيع العام المقبل، وهذا
التوقع مبني على ما يقوله لنا التاريخ فمنذ عام 1945 وحتى الآن لم تقل
مدة الحروب الأهلية عن عشرة سنوات حتى في ظل التدخل العسكري الأجنبي.
وترى ماثيوس التي تقدر خبرتها في مجال الشئون الخارجية فيما يزيد عن
30 عاما انه كي نصدق أن الخطة الجديدة في العراق سوف تنجح علينا أن
نؤمن بثلاثة أمور وصفتها ماثيوس "بالبطولية" وهي: انه لدينا من القوات
العراقية والأمريكية ما يكفي لكبح جماح المتمردين والذين ينتمون للعديد
من المرجعيات والطوائف.
أما الأمر الثاني الذي علينا أن نصدقه هو أن الجمع بين الحل
السياسي والسيطرة الأمنية على العنف الطائفي من شأنها اختلاق اتفاقية
سلام من الممكن أن تؤدي لما يطلق عليها مرحلة المصالحة النهائية، وتشير
ماثيوس أن هذا ممكن تحقيقه في حالة أن أرادت الولايات المتحدة
الأمريكية البقاء لعقد كامل قي العراق خاصة أن العراقيين يعرفون جيدا
أن هذه هي بلادهم وأننا راحلون في النهاية فبالتالي الكثير منهم يخطط
لمرحلة ما بعد خروجنا للحصول على اكبر مكاسب ممكنة.
وتستطرد في حديثها لأعضاء مجلس النواب قائلة إن الاعتبار الثاني
لتقييم ما يحدث في العراق هو إننا لا نتحدث عن هذه الأزمة إلا من خلال
المنظور العسكري الذي تعتبره ماثيوس محدودا للغاية ومن شأنه التشويش
على الجوانب الأخرى للصراع وتعتقد أن الاهتمام بالجوانب الاقتصادية
والسياسية سيفتح الطريق أمام تقدم فعلي في حياة العراقيين وتضيف أن
العديد من مسئولي الإدارة وبعض الخبراء يحاولون إقناع الكونجرس بأن
الانسحاب من العراق سيؤدي إلي انتشار العنف وانتقاله إلي الدول
المجاورة للعراق و"هنا أكرر ما ذكرته في البداية فما يحدث في العراق هو
صراع طبيعي على السلطة فكل فصيل وطائفة تبحث عن السلطة فلماذا تنقل
صراعها خارج العراق وعلاوة على ذلك انه في التاريخ الحديث للحروب
الأهلية لم يحدث وان انتقلت الحرب للدول المجاورة فهذا لم يحدث في
لبنان أو أفغانستان أو الجزائر.
نظرة المحافظين
مايكل روبين الباحث بمهعد امريكان انتربريز American Enterprise
Institute أختلف بشكل كامل مع ما قالته ماثيوس معبرا عن وجهة النظر
المحافظة وقال في بداية شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس
النواب: أن التقييم المبدئي الذي قدمه الرئيس بوش في منتصف يوليو
الماضي أعطى صورة لوضع القوات الأمريكية في العراق والتي حققت تقدما
خلال الأشهر القليلة الماضية حيث استطاعت أن ترتفع بمستوى أداء قوات
الأمن الداخلي العراقية مضيفا انه على الرغم من أنها نجحت في خفض
العمليات "الإرهابية" إلا انه على المستوى السياسي لم يستطع القادة
العراقيين تحقيق ما هو مطلوب للوصول إلي المصالحة.
وأشار روبين إلى الاختيارات التي تتحدث عنها الأوساط السياسية في
واشنطن قائلا إن هناك العديد من الخيارات خاصة بالعراق:
الأول، هو تخفيض إعداد القوات الأمريكية في العراق وقصر مهمتها على
التدريب فقط وهذا غير منطقي في الوقت الحالي فالانسحاب المبكر قد يعطي
فرصة للإرهابيين لتعديل موقفهم كما حدث في لبنان والصومال.
كما أن الانسحاب الجزئي سيخلق فوضى جديدة والمدهش- روبين متعجبا- "
انه في الوقت الحالي يقوم نفس الأشخاص الذين انتقدوا وزير الدفاع
السابق دونالد رامسفيلد لعدم إرساله قوات كافية إلى العراق بالمطالبة
بتخفيض أعداد قواتنا في العراق، فالهدف الرئيسي للخطة الجديدة هي إعادة
تأهيل قوات الأمن الداخلي العراقية لدعم الاستقرار في المستقبل فأي
عملية لتقليل لأعداد القوات الأمريكية ستؤثر على عملية تأهيل أجهزة
الأمن وعملية المصالحة بين الطوائف العراقية.
أما الخيار الثاني وهو إعادة انتشار القوات في الدول المجاورة
للعراق سيكلف الولايات المتحدة ثمنا دبلوماسيا باهظا كما أن تحركات
القوات وعبورها للحدود سيكون مقيدا ويحتاج إلي موافقة هذه الدول على
التحليق في سمائها وبالتالي فإن هذا الخيار ليس عمليا بالمرة.
وهذا لا يختلف عن الخيار الثالث الذي يقترح إعادة نشر القوات في
إقليم كردستان العراق فعلى الرغم من أن زعماء الإقليم كثيرا ما يرددون
أنهم أفضل حلفاء للولايات المتحدة في المنطقة إلا أن ذلك ليس موجودا في
الواقع فمسعود البرزاني حاكم الإقليم، سمح من قبل للحرس الثوري
الإيراني بالتدخل في العراق ويساهم بشكل كبير في تدعيم نفوذ إيران
اضافة إلى انه يسمح باستخدام أراضي الإقليم كمعبر لشن هجمات إرهابية
على تركيا.
أما الخيار الرابع الخاص بتقسيم العراق إلي ثلاث أقاليم فلن يكون
خيارا حكيما لأن الإقدام على مثل هذه الخطة سيتطلب عمليات ضخمة لنقل
وتهجير المواطنين من المدن التي يقيمون فيها، كما أن النموذج البوسني
في منطقة البلقان لم يكن ناجحا حيث قتل في حرب البوسنة الأهلية 200 ألف
شخص وحسب التعداد السكاني للعراق سيكون عدد الضحايا مليون ونصف تقريبا
وما يزيد عن 12 مليون لاجئ، أي أن هذا التقسيم سيزيد من وتيرة العنف
الطائفي بين العراقيين كما أن مخاطره غير محسوبة على المستوى الإقليمي
حيث سيسمح لجيران العراق بممارسة النفوذ على الطوائف المختلفة ويضيف
روبين قائلا: إن هذا ليس رفضا للفدرالية فمن المعروف أن زمن الحاكم
الواحد انتهى وان العراق ليس به في الوقت الحالي هذا القائد بل أن
الفيدرالية يجب أن تطبق في العراق ولكن بين المحافظات وان يتم تقسيم
الثروة النفطية على أساس عدد السكان في كل محافظة والتي ستكون مستقلة
إداريا بشكل كامل، أما خيار التقسيم على أساس عرقي- طائفي سيقودنا لحرب
أهلية لا نهاية لها.
روبين تحدث عن فتح القنوات الدبلوماسية مع طهران ودمشق قائلا إن
الافتراضات التي تقول إن إيران وسوريا تنشدان عراق امنا غير واقعية
وذلك لسببين الأول أن المرجعية الدينية في إيران تخشى من قوة القيادة
الشيعية في العراق إذا استقر العراق في المستقبل والدليل هو
الإستراتيجية التي تطبقا طهران حاليا في العراق والتي تقوم على تقويض
الاستقرار وتدعيم ميليشيات شيعية تعمل بالتنسيق مع الحرس الثوري
الإيراني، أما السبب الثاني إيران ليس لها ثقل دبلوماسي لدى القيادة
السياسية العراقية فهي تمارس كافة ضغوطها من خلال تلك المليشيات.
شهادة عسكرية
الكولونيل المتقاعد باول هيوز قدم رؤية ميدانية إلي مجلس النواب
خلال شهادته وذلك طبقا لخبرته كأحد خبراء المعهد الأمريكي للسلام The
United State Institute of Peace بالعراق، كما انه كان أبرز الخبراء
الذين ساهموا في إعداد تقرير بيكر-هامليتون، وكشف هيوز في شهادته أمام
الكونجرس عن الانحراف الذي حدث لسياسات الولايات المتحدة الخاصة
بالعراق منذ أن قامت بغزو العراق وقال أن أمريكا دخلت العراق في
البداية من أجل البحث عن أسلحة الدمار الشامل والتي لم تكن موجودة من
الأساس ثم تحولت الإستراتيجية خلع الرئيس صدام حسين ودعم الاستقرار في
العراق وفي أوائل هذا العام بدأت الإدارة الأمريكية تسعى للقضاء على
المتمردين أما الآن فالهدف هو الحؤول دون امتلاك إيران سلاح نووي وهذا
يقع في إطار سلة الأهداف الإقليمية للولايات المتحدة التي يرتبط بها
تواجدنا في العراق من الأساس - على حد ذكر هيوز- وأضاف أن البحث احتمال
حدوث هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية يجب أن يكون على قمة
أولوياتنا مشيرا إلي أن تنظيم القاعدة في العراق ليس لديه الإمكانيات
لشن هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة بينما يشكل تنظيم القاعدة في
باكستان تهديدا واضحا لأنه حتى الآن لم تحقق الحرب على أفغانستان هدفها
الأساسي في القضاء على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.
وأوصى هيوز في معرض حديثه لأعضاء اللجنة الفرعية لشئون التسليح
بمجلس النواب بأنه يجب بالتشاور والتنسيق مع الإطراف الإقليمية الفاعلة
في الشرق الأوسط إعلان ميعاد محدد لتسليم المسؤولية كاملة للقوات
العراقية بعد أن تكون أصبحت مؤهلة تماما واشترط هيوز على انه يجب بمجرد
صدور هذا الإعلان أن يتم الوفاء به دون أي تأخير ويجب أن يصاحبه حملة
دبلوماسية لجمع تأييد الدول المجاورة للعراق والحصول على
مساهمتها في عملية الانسحاب وما بعده من مرحلة حساسة، وأشار إلي انه
على البنتاجون أن يحدد عدد القوات التي ستبقى وأماكنها والوظائف التي
من المفترض أن تقوم بها.
هيوز أثار نقطة لم تذكر منذ نهاية العام الماضي وهي مستقبل الوجود
العسكري الأمريكي في العراق عقب الانسحاب ناصحا الإدارة الأمريكية
بالاستعداد لذلك قائلا إن بالتزامن مع الإعلان عن ميعاد الانسحاب يجب
أن توقع اتفاقية لحالة تواجد القوات الأمريكية فوق الأراضي العراقية
حتى تتجنب الولايات المتحدة ما تقوله المعارضة في العراق في أن وجود
قوات أجنبية يقوض من سيادة الدولة مضيفا أن تبدأ الإدارة الأمريكية في
الإعداد لهذه الاتفاقية التي لابد أن تأخذ وقتها في النقاش والتفاوض
وأشترط أن تسمع الاتفاقية بمواصلة اللحاق ومكافحة المتمردين في الأراضي
العراقية وأضاف أن فكرة هذه الاتفاقية من الممكن أن تستبدل بقرار من
الأمم المتحدة يسمح بوجود قوات دولية بناء على طلب الحكومة العراقية. |