جيش جمهوري وآخر ديمقراطي!

صباح جاسم

شبكة النبأ: رغم التحذيرات المتواترة من الحكومة العراقية والجهات الرسمية وغير الرسمية من خطورة تسليح القوات الامريكية للعشائر السنّية بصورة ارتجالية بعيدة عن اشراف الحكومة العراقية، ورغم الانكار المتواصل من الجيش الامريكي بعدم القيام بمثل هذه الخطوات بصورة منفردة، ورغم الخلاف الذي تتسرب اجزاء منه بين حين واخر بين المالكي وقائد القوات الامريكية الجنرال باتريوس حول هذا العمل، حتى وصل الامر الى تسريبات بشان محاولة المالكي الطلب من بوش إستبدال الجنرال باتريوس، إلا ان الجيش الامريكي اعترف اخيرا بانه يتعامل مباشرة ودون علم او اشراف من السلطات العراقية مع عشائر سنية في جنوب مثلث الموت، وخاصة في منطقة الاسكندرية وما حولها، ويقدم المال والسلاح وبطاقات التعريف لأفراد هذه العشائر لغرض كف هجماتها عن القوات الامريكية من جهة ومقاتلة تنظيم القاعدة من جهة اخرى.

ان الامر ليس مجرد تجهيز قوات عشائرية سنية بالمال والسلاح للقتال مع الامريكان في مناطق ساخنة وانما يتعدى الى ابعد من ذلك بكثير خطورة وتمادي، ويفرز حالات تخبط تتمثل في:

-     ان الاستراتيجية الامريكية كانت ولاتزال ترتكز على قاعدة محاربة المليشيات وليس صنعها، وكذلك تركز على ضرورة حصر السلاح بايدي القوى الامنية التابعة للحكومة فقط، وهذا العمل يخالف تماما الستراتيجية المعلنة.

-     تتجاهل القوات الامريكية عند تجهيزها للعشائر السنية بالسلاح والمال اوضاع العشائر الشيعية في تلك المناطق حيث اصبحت الاخيرة هدفا سهلا من ناحية الامكانات المادية والعسكرية لتفوق العشائر السنية المسنودة من القوات الامريكية.

-     لا احد يستطيع ضمان عدم تسرب المال والسلاح والرجال من تلك العشائر الى تنظيم القاعدة او الى جماعات سنية متطرفة تُغير بين حين واخر على العشائر الشيعية في تلك المناطق، وهذا ما يحدث فعلا حسب شهادات الأهالي، بالاضافة الى عدم ضمان انقلاب هذه العشائر بين ليلة وضحاها لتقاتل الامريكان او القوات العراقية في اية لحظة.

-     ان ما يجري يبرز الخلاف الامريكي الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ويجعله صراع ارادات على ارض العراق، والضحية كالعادة هم العراقيون. الامر الذي يجعلنا نتسائل، هل هناك جيش جمهوري واخر ديمقراطي؟، بحيث يعمل الاول على تنفيذ المهمات القتالية بصورة مباشرة مثلما هو الحال في ديالى الان، ويعمل الثاني بحسب رغبة الديمقراطيين في ابعاد الجنود الامريكان عن مكامن الخطر واستعمال ادوات كهذه العشائر لتحقيق مايريد.

-     واخيرا يجب على الحكومة ان لا تستمر في الرضوخ المهين للضغوط الامريكية المتكررة وخصوصا تلك الصادرة من قادة الجيش الامريكي، بحيث انه اصبح لا مناص من مفاتحة الحكومة الامريكية بضرورة تغيير سياسة التسليح العشوائي بدون ضوابط ولا إشراف من السلطات العراقية المختصة. حيث وصل الامر في التمادي الى تصريح القادة الامريكيون في ان الحكومة العراقية هي التي يجب عليها ان تتعامل وترضي الجهات السنية التي يجري تسليحها ودعمها من قبل الجيش الامريكي، بمعنى انهم يفعلون ما يريدون، اما التبعات والمسؤولية والتداعيات فتقع على عاتق الحكومة العراقية فقط!؟.   

حيث قال الميجر جنرال ريك لاينش قائد القوات الامريكية جنوبي بغداد، لرويترز، ان 80 في المئة من العرب السنّة بالمنطقة التابعة له يتعاونون الآن مع القوات الامريكية في "تغير كبير في ساحة المعركة" على مدى عدة اسابيع مضت.

واضاف خلال مؤتمر صحفي مع ضباط خاضعين له في وادي نهر الفرات جنوبي بغداد، "غير أنهم قد ينقلبون على أعقابهم غدا.. والشيء الوحيد الذي يمكن ان يمنع انقلابهم على اعقابهم هو الحكومة العراقية". بمعنى انه مقدما يلقي مسؤولية واحتمال انقلاب هذه العشائر على الحكومة العراقية!؟.

واضاف ضباط امريكيون آخرون لرويترز، ان شيوخ عشائر من العرب السنة ينظمون رجالهم في دوريات ويوقعون عقودا مع القوات الامريكية لضمان الامن في مناطق كانت مناهضة لها في وقت سابق. وتدفع القوات الامريكية لهم أموالا وتصدر لرجالهم بطاقات هوية!!.

وفي المقابل يضمن هؤلاء منع الهجمات  على الامريكان والسماح للقوات الامريكية بدخول أحيائهم بشكل امن.

فيما قال اللفتنانت روبرت بالكافاج وهو يشير الى طريق على خارطة قال انه بات آمنا الآن "عندما أتينا الى هنا.. كانت هذه دبابات و(عربات مدرعة) برادلي نستعملها حتى نتمكن من تسيير هذا الطريق."

واضاف وهو يشير الى منطقة شمالي الاسكندرية(جنوب بغداد)، كانت هذه المنطقة في العادة سلة لقذائف المورتر... ولم تسقط قذائف مورتر منذ شهرين.

ومنذ بدأ تطبيق البرنامج الامريكي مع شيوخ عشائر من السنة بالمنطقة قبل اسابيع قليلة حصل رجال الآمر بالكافاج في المنطقة (الاسكندرية وما حولها)، على بيانات هوية من 743 رجلا من بين أكثر من 1000 متطوع.

وقال بالكافاج ان أحد ضباطه كان بالخارج في أحد الاحياء على الضفة الشرقية لنهر الفرات لتوقيع عقد مع واحد من الشيوخ كان تقرّب منهم قبل عدة ايام فقط!.

لكنه قال ان الهدف الاساسي لشيوخ العشائر هو الحصول على اعتراف رسمي ورواتب كاملة مثل رواتب الشرطة أو الجيش لرجالهم، وهو ما يتعين ان توافق عليه السلطات في بغداد!؟.

ولم يوضح الضابط الامريكي ماهية هذه الاتفاقات او طبيعة هذ المجموعات ان كانت مليشيات ام  مجموعات مسلحة خاصة ام ماذا؟، وماهي الضمانات في عدم انقلابهم على الحكومة بعد ان يستلموا الاموال والآليات والاسلحة والعتاد؟!!. مما يجعل من هذا العمل انه مجرد حل للمشاكل من خلال صنع مشاكل اكبر. 

وقال بالكافاج ان احد شيوخ العشائر تقرّب منه من اجل التوصل الى اتفاق بعدما اعتُقل نجل الشيخ بسبب هجمات بالصواريخ على قاعدة امريكية.

واضاف، كان يريد اطلاق سراح ابنه.. وقلت .. اننا عثرنا على تلك الصواريخ في منزله.. لذلك دعنا لا نتحدث عن ذلك، لنتحدث بشأن كيف ستضمن ألا يحدث ذلك مجددا..

ومع ذلك فان الجيش العراقي بدأ حملة رسمية وتحت اشراف الحكومة للتطوع بالمنطقة لحشد 2700 رجل.

ان مانريد توضيحه هنا هو مسالة في غاية الخطورة، تكمن في التعامل المباشر بين الضباط الامريكان وشيوخ العشائر السنّية، والذي تضفى عليه صفة، الشخصية، والارتجالية، دون اشراف ومراقبة من جهات رسمية سواء كانت امريكية ام عراقية، وهنا لا احد يضمن (نزاهة) الضابط الامريكي وكذلك لا احد يضمن( ولاء) تلك العشائر ولو لأربع وعشرين ساعة قادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23 آب/2007 -9/شعبان/1428