اربع عقبات في العراق... وامريكا تخشى الفتنمة

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ: تكمن العقبات الرئيسية التي تواجه الجيش الامريكي في العراق في عدم وضع اعداد كافية من الجنود على ارض المعارك وفي المشكلات المعنوية للجيش حيال ارتفاع الخسائر البشرية واخفاق ارادة بغداد وواشنطن السياسية في احلال الديمقراطية والاستقرار في العراق.

وتضع هذه العناصر مجتمعة الادارة الامريكية في طريق سلكته قبلا في فيتنام في أواخر الستينات حيث اضطرت الى الانسحاب العسكري قبل اتمام مهمتها تحت ضغوط الرأي العام والانقسامات الداخلية الشديدة.

وقال مدير معهد التاريخ العسكري للجيش الأمريكي في واشنطن الدكتور كونراد كرين في لقاء مع (كونا): حين بدأت الولايات المتحدة عملية تحرير العراق في عام 2003 كانت تعاليم السياسة الأساسية المتعلقة بمكافحة التمرد ترتكز الى تجاربها في السلفادور حيث شارك 55 مستشارا فقط في جهود مكافحة التمرد كان معظمهم من القوات الخاصة.

وأوضح كرين أن القوات التقليدية التي يتألف منها معظم الجيش لم تكن مؤهلة بصورة مناسبة لتنفذ عمليات مضادة للتمرد.

وردا على سؤال عن الدروس التي لم تتعظ الولايات المتحدة منها من تجربة فيتنام والتي يردد البعض انها تتكرر في العراق حاليا قال ان بعض الأخطاء المبدئية تكررت مثل عدم توافر معلومات استخباراتية كافية وقدرات استشارية.

واستدرك كرين قائلا، ولكن الوضع في العراق مختلف جدا وأكثر تعقيدا من التمرد المتناغم كليا الذي واجهناه في فيتنام بيد أن هناك قصورا جديا في فيتنام وبقي حتى الان يتمثل في الحاجة الى تأسيس مؤسسات حكومية أخرى تبذل جهودا أفضل في مجال مكافحة التمرد.

وحول ما اذا كان يصنف اخفاق واشنطن في العراق على أنه عسكري أم سياسي أعرب كرين عن اعتقاده قائلا، مهما حدث في العراق فأتوقع أن وجود بعض الجنود الأمريكيين أمر ملح ولسنوات عديدة كما أن الولايات المتحدة ستبقى معنية بشدة في شأن المنطقة فالوضع ليس كما في فيتنام حيث تنسحب وتدع حليفها يسقط دون تحقيق أثر ملموس في الداخل.

وذكر مدير معهد التاريخ العسكري للجيش الأمريكي، ان ادارات قوات الجيش ومشاة البحرية أضافت تعديلات جوهرية على نهج تدريباتها وتعليمها وتعاليم برامجها من أجل تأهيل القوات لمواجهة حرب غير اعتيادية ولجعله أكثر ذكاء في استيعابها والتكيف معها.

وقال، لقد أدركنا أننا بحاجة الى جيش أكبر وجيشنا ملتزم جدا بتحقيق النجاح في العراق، ورأى أن حالة من الاحباط الشديد والتوتر ستهيمن على أفراد الجيش في حال انسحابه من العراق قبل أن ينهي مهامه.

نتائج الحرب

وردا على سؤال عن تأثير نتائج الحرب في العراق على مخططات الجيش الأمريكي وأدائه في المستقبل اوضح كرين قائلا، بعد فيتنام أدارت الولايات المتحدة ظهرها للحروب غير الاعتيادية وركزت على العمليات العسكرية التقليدية ضد السوفييت.

واضاف انه لا يعتقد،أن أعداءنا الآن سيسمحون لنا بفعل هذا مرة أخرى ولعل اكبر تحد تشكله هذه البيئة الجديدة للجيش هو أنها تطلب اليه الحفاظ على تفوقه غير المشكوك فيه في القتال التقليدي في حين يتحكم بكل معطيات الحرب غير الاعتيادية المعقدة وبعمليات احلال الاستقرار وهذه مهمة صعبة جدا.

وتدهور أوضاع الجيش الأمريكي في مواجهته فيتنام الشمالية وتراكم المعارضات البرلمانية والشعبية للحرب في نهاية الستينات أجبرت الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون على سحب القوات في عام 1969 وانسحبت آخر فرقة قتالية في أغسطس من عام1972.

وصبغت نتائج تلك الحرب وتداعياتها الحياة الأمريكية السياسية قرابة عقد من الزمن وألقت بالريبة على رغبة الادارة الامريكية في التدخل مجددا في مواجهات عسكرية مع القوات الشيوعية.

وحاليا يتكرر ذلك المشهد الى حد ما اذ يوجد انقسام عظيم في الادارة الأمريكية بين وزارتي الدفاع  والخارجية ووكالات الاستخبارات والجنرالات على أرض المعركة في العراق وهي بشكل مبدئي حول زيادة عدد الجنود المنتشرين في العراق من أجل اتمام أهداف الحرب ومنها احلال الديموقراطية والاستقرار.

وأصر وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد ورئيس الأركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز في عام 2004 على أن الوضع في العراق قيد السيطرة وان الجنود الأمريكيين يواجهون اعدادا صغيرة نسبيا من المتشددين.

وقال العديد من المحللين العسكريين ان عدد الجنود الذين بدأوا بالهجوم على العراق لم يكن كافيا لتحقيق النصر وتهدئة 25 مليون نسمة تقطنه.

نظرية الانتصار

وهناك ثلاثة تصنيفات نظرية للانتصار في العراق أولها قصير المدى ويتمثل باحراز تقدم ثابت في قتال من يسمون الارهابيين، وبناء مؤسسات ديمقراطية، وتعزيز العملية السياسية، الى جانب تأسيس قوات أمنية.

ويتمثل الانتصار متوسط المدى في العراق في هزيمة من يسمون الارهابيين وامتلاك قوات أمن وطنية مع تشكيل حكومة دستورية متكاملة في طريقها لتحقيق انجازات اقتصادية.

فيما يعني الانتصار طويل الأمد في العراق أن يكون آمنا متحدا ومستقرا ومنضما الى المجتمع الدولي وشريكا في الحرب العالمية على الارهاب.

وعلى أرض الواقع يؤمن سياسيون ومسؤولون عسكريون عديدون في الولايات المتحدة بأن الديمقراطية والاستقرار لن يتحققا أبدا في العراق وستعم فوضى عارمة أرجاءه مع نشوب حرب أهلية لا احد يعلم موعد نهايتها.

وفي محاولة من الادارة الامريكية لتدارك المأزق كلفت مجموعة دراسة العراق المعروفة باسم (لجنة بيكر ـ هاملتون) وهي لجنة مؤلفة من عشرة أشخاص في 15 من مارس من عام 2006 بتقييم الوضع في العراق والحرب التي تقودها واشنطن فيه لتقدم توصياتها في هذا الشأن.

وأصدرت المجموعة تقريرها الأخير في السادس من ديسمبر من عام 2006 وأوصت بأنه، يجب على الادارة الأمريكية انهاء عمليات القتال في العراق وتقديم المساعدة لتدريب الجنود العراقيين، وقيّمت الوضع في العراق بأنه خطر جدا وفي تدهور مستمر، الا أن الرئيس جورج بوش تجاهل هذه التوصيات وسعى الى رفع عدد الجنود.

دكتور دن

ومن أبرز من اشار الى تدهور الوضع العسكري في العراق محارب قديم في فيتنام وهو رئيس قسم السياسة والتاريخ في كلية (كونفيرس) الأمريكية الدكتور جوي دن الذي قدم بحثا مفصلا بعنوان (مأساة الدروس التي لم يتعظ بها) قارن فيه الرئيس بوش بالرئيس جونسون ووزير الدفاع السابق رامسفيلد بنظيره السابق روبرت ماكنمارا.

وقال الدكتور دن في بحثه ان الدراسات الرسمية ومشروع مستقبل العراق الذي اعدته الخارجية ومجموعة عمل مبادئ الديمقراطية في العراق ومعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي والعديد من تقييمات وكالة الاستخبارات الامريكية، تنبأت بالوضع الموجود في العراق اليوم ولكن كل هذه التحليلات الجادة رفضت او تم تجاهلها.

واضاف ان الجنرال ريكاردو سانشيز الذي قاد قوات التحالف الدولية في العراق من يونيو من عام 2003 حتى يونيو من عام 2004 قدم احتجاجا على عدم حيازة قطع غيار للدبابات والمروحيات والمركبات او المدرعات لتنفيذ مهمة ما بعد الحرب.

ووفقا لمقال نشرته صحيفة (غارديان) البريطانية في عددها الصادر في الأول من مارس الماضي فان فريقا من الخبراء عين في المنطقة الخضراء الآمنة في العراق أعلن عن استراتيجية (طريق جديد للتقدم) في العاشر من يناير من عام2007 وعرف هذا الفريق باسم (ثقة عقول بغداد) وكان عناصره مزيجا متميزا من الذين خاضوا تجارب قتالية واكاديميين الا أنه لم يتمكن من التوصل الى اجماع مع المسؤولين العراقيين على وضع خطة فاعلة لاحلال السلم في بغداد وفي محافظة الأنبار المضطربة.

سيمون: تكرار المشهد الفيتنامي

وعلى صعيد متصل قال مدير مجلس الامن الوطني الامريكي لشؤون التهديدات الانتقالية السابق ستيفين سيمون ان اتفاقا سياسيا بدعم شعبي للاستراتيجية الجديدة لا يبدو وشيكا وهذا ما حصل تماما في السنة الأخيرة من حرب فيتنام.

ودعا سيمون في تقرير قدمه الى مجلس العلاقات الدولية واشنطن الى الانسحاب من العراق، في اجراء متماسك وارادي الى حد ما عن الانسحاب في وقت لاحق مع رد فعل مضطرب للمعارضة الشعبية.

من جهته يقول الاكاديمي في كلية الحرب الجوية الدكتور جيفري ريكورد، لا أرى مخرجا...لقد سلكنا هذا الطريق في السابق وهو يسمى فتنمة، وان فكرة ايجاد قوة عراقية مدربة لهزم عدو لا نستطيع نحن هزيمته ضرب من ضروب الخيال. ستلطخ أيديهم بمجرد التعامل مع المحتل الأجنبي وفي الحقيقة كان لدينا وقت أطول ومال أوفر للاعمار في فيتنام عما لدينا في العراق.

ويبدو ان التمرد أو العصيان في العراق أثبت قدرته على التجدد وبخاصة في المثلث السني وهو ينتشر في العديد من المدن والقرى ويضاف الى هذا حقيقة أن معظم العراقيين يعتبرون ان الجيش الأمريكي قوة احتلال وليست قوة تحرير، وتثبت نماذج عديدة في التاريخ الحديث أن الحروب الأهلية تنتهي عاجلا أم آجلا وكذلك سيكون في العراق في يوم ما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22 آب/2007 -8/شعبان/1428