المسؤولية العينية

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: لم نجد في الادبيات الاسلامية ما يشير الى اخلاء سبيل المسؤولية الفردية من مهمة صناعة او مؤازرة الجوانب الخيّرة ومهمة الصلاح في الارض، كذلك لم نجد ما يبرئ ساحة العاملين لدى الظَلَمة وقوى الشر والذين يشكلون لديهم الاطراف الفعالة لبسط السيطرة والعدوان.

كذلك لم نجد الاعفاء من التكليف الرباني لكل مسلم عدى فاقد العقل والطفل او الحدث. وقد تكون التسهيلات في الاداء قابلة على النقص او الوهن وذلك بحسب الظروف او القدرة النفسية والجسدية.

فالمسلم مسؤول مسؤولية مباشرة في استخدام العقل والتفكر بالحدود المستطاعة كونه ينبئ عن نفسه بصورة مباشرة امام الخالق الرحيم، والله سبحانه وتعالى كلفه ان يري نفسه اليه طوعا ويقينا واعتقادا في اليوم خمسين مرة، وتلك من محبة ورحمة القادر الكريم لعبده الانسان وهذا الاتصال الموقوت انما هو بواسطة الصلاة التي يعد الاتصال الواحد منها بعشرة امثال.

فهل يعقل بعد هذا ان تكون هناك نيابة للفرد المكلف بفرد آخر؟.

ان المقولة الشائعة التي تقول: ضعها في جعبة عالم واخرج عنها سالم، قد وظفها المجتمع توظيفا سيئا للتملص من المسؤولية وتبرير المصالح المتنوعة وخصوصا التي فيها اشكالات معينة.

وقد تكون هذه المقولة تنطبق على بعض المسائل الشرعية فيما يفتي به العلماء كاختصاص بالقوانين المشتقة والمستنبطة لكنها ليست الا في الحدود المقيدة وفي المحيط الذي تتوازن المصالح العامة مع المصلحة الخاصة الفردية.

لقد كانت التاكيدات على استخدام العقل والتفكر كثيرة في القرآن الكريم، وكان الحض متواترا على مسؤولية المسلم في التامل والحكمة، وذلك لآن العقل هبة من الحكمة الإلاهية نفسها منذ ان علم الله سبحانه وتعالى آدم الاسماء كلها، ثم انطقه بها امام الملائكة فأثارت عندهم عجبا.

فقالوا ربنا لانعلم الا ما علمتنا.

واذا فان العقل هو ربيب الله، بل ان العقل هو الانسان نفسه، حيث ان الحاوية الجسدية الترابية تعود الى ترابها فيما تؤبد الروح النورية التي بلغت شأوا من الرقة في الفردوس الخالد بكونها سرمدية الموئل.

في حرب الخوارج  التي قال فيها الامام علي بن ابي طالب عليه السلام : لايقتل منا الا عشر ولا ينجو منهم الا عشر وهي حرب معروفة قال فيما قال بعد المعركة: لاتحاربوهم بعدي ـ ويقصد الخوارج ـ  فانهم ارادوا الحق فاخطأوه. وقد جاءت بغير هذه الصيغة في روايات اخرى لكنها لم تحد عن المعنى.

فماذا يقصد الامام بان لا يحاربهم احد وقد حاربهم بنفسه كقدوة وكمثال؟.

وايضا يجب ان نتفكر جيدا فالخوارج اذا قد استخدموا الوسيلة او القارب الذي يؤدي في آخر المطاف الى الحقيقة او على الاقل ان يرسو على ضفافها ويتفاعل مع المحصلات وتداعيات الفكر ومن ثم اليقين اي الوصول الى الحقيقة الكبرى فيما يأتي من الزمن القادم.

من هذا نفهم القصد البعيد وان كنا لم نفهم في وقتها الا الطريقة المباشرة فحسبنا النهي الذي سمعناه.

والمطلع على مؤلفات المسلمين في موضوع العقل يرى صحة ما ذهبنا اليه مثل الكليني وصحيح مسلم والكافي فهي اما اشارت او لمحت او اتت بهذا في التلميح او في السياق.

وطبعا هذه المسؤولية الذاتية لا تنطبق في المسائل الغير داخلة في التكليف كالبنى الصميمية للآيات او الاشياء التي علمها عند الله، فليس الانسان مكلف بالعلل الكونية او معرفة مآل الكون او الصفات السماوية وكيفية العرش وما شابه.

فعندما قال الامام علي بن ابي طالب في مجال مسح القدم: لو كان الدين يؤخذ بالعقل لكان مسح راحة القدم هو الاولى.

وهذه العلة التكوينية في مسالة العبادة او كيفية الاتصال الموقوت مع الله سبحانه وتعالى انما هو اختيار تكويني ليس مطلوبا من الانسان معرفتة بالكنه الحقيقي فالصلاة مثلا كيف تتحول اهي شئ مادي ام معنوي او اي شئ آخر هذه تساؤلات لا اجابة عليها فهي خارج اختصاص التكليف، وان العقل المحدود لايمكنه استيعابها بحسب التكوين الواقعي للانسان فان فاعليته محصورة بحدود الفيض المباشر او الفيض المحتمل وفي البعد الرابع المتمثل بالزمن وكل المكونات المكانية والزمانية في راهنية عمر الانسان.

كذلك ينسحب الامر في بعض الافعال العبادية التي يكون فيها الاكتفاء من تاديتها ان كان البعض قد اداها عوضا عن الجميع، والتي اصطلح على تسميتها الفروض الكفائية.

واذا فان التكليف هو الحدود الفاعلة التي ينتجها الانسان بمدى حياته الفاعلة من عمر التكليف او لنقل من عمر النضج الملائم للتكليف الى الفترة التي يحتفظ بها بقواه الجسدية والعقلية بشكل فعال.

وموضوعنا في الحقيقة لا يدخل في مجالات عبادية وانما يتمحور على اتخاذ المواقف الحياتية في الفعل الحسن والفعل القبيح الموقف الانساني والتامل في الكيفيات المتنوعة التي يكون الانسان المسلم طرفا فاعلا فيها وتكون افعاله مطابقة لحكمته وحكمة الاخرين التي بامكانه على الدوام ان يمحصها ويتفكر فيها لكي تكون في المستوى الاحسن والاكمل والاكثر جدية وفائدة لصالح الجميع ولصالح المستقبل وبما يعطي للاسلام دفعا عقلانيا باتجاه الكمال الذي يريده الله من عقل الانسان الذي علمه الاسماء كلها وقالت الملائكة عنه عجبا!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16 آب/2007 -2/شعبان/1428