
شبكة النبأ: رغم استمرار سياسة عدم
التنازل التي تتبعها امريكا في العراق منذ سنوات الا انه من الملاحظ
ومنذ بداية العام المنصرم ان الادارة الامريكية قد لجأت الى خيار
المحادثات مع الجمهورية الاسلامية بشان مساعدة الاخيرة في بسط الامن
الذي تشرف عليه الحكومة الشيعية في العراق، واما الناتج العرضي المهم
من هذا فانه حفظ ماء وجه الامريكان وبالتالي مساعدتهم على الخروج من
العراق بسلاسة ودون هزيمة. ولكن يبقى السؤال الاكثر اهمية في الموضوع،
ماالذي تريده ايران ثمنا لمساعدتها في بسط الامن في العراق؟.
يقول الكاتب والمحلل مايكل هيرش بمقال في مجلة نيوز ويك: لا يبدو
محمد الجعفري بالبنية المعهودة للدبلوماسي. فالرجل البدين المربع
الفكين، وشعره الكث الأسود القصير، يبدو أكثر بكثير بوصفه جنرالا من
جنرالات الحرس الثوري الإيراني الذي كان يـوما، ولايزال يحمل لقبه
التشريفي، القائد.
ولكن هذه هي القضية بالتحديد: ما هو الدور الذي يلعبه الجعفري الآن؟
فالجعفري هو الشخص الذي كانت القوات الأمريكية تتعقبه في يناير الماضي
حين أغارت على مكتب إيراني في إربيل حسب مسؤول عراقي رفيع المستوى طلب
عدم ذكر اسمه لكي يتمكن من الحديث بحرية أكبر. وأسفرت الغارة عن اعتقال
خمسة من العناصر الإيرانية من المرتبة المنخفضة الذين يؤكد الأمريكيون
أنهم أعضاء في فيلق القدس، وهو الجناح التابع للحرس الثوري الإيراني،
الذي يساعد في الهجمات الموجهة ضد القوات الأمريكية. وكان الجعفري قد
هرب في سيارة من المكان قبل وصول القوات الأمريكية.
ويضيف الكاتب هيرش، وبعد شهرين من هربه الذي استغرق ساعتين للوصول
إلى الحدود الإيرانية عبر طرق غير معبدة، كانت للجعفري مقابلة مختلفة
مع الأمريكيين. ففي شرم الشيخ، وهو المنتجع الساحلي المصري الفاخر الذي
استضاف مؤتمرا إقليميا رئيسيا حول العراق في مايو الماضي، كان الجعفري
يجلس على الطاولة مقابل وزيرة الخارجية الأمريكية كعضو في الوفد
الإيراني. وقد أدى مؤتمر شرم الشيخ إلى بدء محادثات تاريخية في بغداد
لاحقا بين السفير الأمريكي ريان كروكر ونظيره الإيراني حسن كاظمي قمي،
وهي محادثات قال الجعفري، بدبلوماسية، "إننا جديون جدا حيالها". وقال
الجعفري لنيوزويك في مقابلة حصرية معها من مكتبه في طهران إن هذه
المحادثات كان يجب أن تحصل قبل عام.
وقال إن أمريكا لايزال لديها بعض الوقت في العراق رغم أنها أضاعت
أربع سنوات من الفرص. إننا جاهزون فعلا لعرض المساعدة على ترسيخ الأمن.
ويضيف الكاتب هيرش، الجعفري مثال حيّ على الدور المزدوج الذي يبدو
أن إيران تلعبه في العراق. فمن جهة، يتهم المسؤولون العسكريون
الأمريكيون طهران بتورطها في الهجمات الفتاكة على القوات الأمريكية في
العراق. ومن جهة أخرى فإن الجعفري وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين
يصرون، ولديهم بعض الأسباب الوجيهة في ذلك، على أنهم هم أقوى الداعمين
لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهو شيعي مثلهم، وهو الذي يتصادف
أيضا أنه أكبر أمل لواشنطن لإحلال الاستقرار في البلاد.
ويقول الجعفري، متجاهلا الاتهامات بأن إيران دربت وسلحت فرق الموت
الشيعية، متسائلا: "هل سمعتم عن إيراني واحد حتى الآن نفذ عملية
انتحارية في العراق؟"
وفيما يواجه جورج دبليو بوش ضغوطا متزايدة للانسحاب من العراق،
فسيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى توضيح ما تريده جارة العراق القوية من
بغداد. الجعفري، الذي أصبح نائب مستشار الأمن القومي العام الماضي وهو
سياسي متشدد على علاقة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، يقول إن
إيران ستتعاون إذا ما كان هناك انسحاب من العراق عام 2008.
ويقوم هو وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين بإرسال بعض الإشارات
بأنهم يودون أن يكونوا جزءا من ميثاق دولي للإشراف على الأمن، وهي إحدى
توصيات مجموعة دراسة الوضع في العراق التي أصدرت تقريرها الخريف
الماضي. ولكن في الوقت ذاته يعلن الجعفري بصراحة أن إيران تعتزم أن
يكون لها دور كبير في صوغ الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في العراق.
وقال الجعفري: من نافلة القول إن إيران لن تسمح لأعداء إيران
بالعودة إلى تولي الحكم ثانية. وقال إنه في الحرب العراقية الإيرانية
في الثمانينات من القرن الماضي، استشهد 300000 من أبنائنا على يد صدام.
وواقع الأمر أن أحد أسباب عدم تصالح سنة العراق مع المالكي هو الانطباع
بوجود نفوذ قوي لطهران في العراق.
ويضيف الكاتب هيرش، توضح غارة إربيل، التي حدثت في منتصف الليل في
يناير الماضي، ميوعة هذا التأثير والنفوذ الإيراني. ففيما الولايات
المتحدة تصر على أن الإيرانيين الخمسة الذين اعتقلتهم هم أعضاء في فيلق
القدس ممن لا يتمتعون بوضع دبلوماسي. ولكن الجعفري، الذي سرد لأول مرة
تفاصيل روايته لما حدث، يدعي أن القوات الأمريكية لم تفهم طبيعة المكتب
الإيراني الذي استهدفوه.
وقال الجعفري: الرئيس العراقي [جلال الطالباني] هو الذي كان دعانا
إلى هناك لعقد محادثات معهم ولهذا فقد كان من المفاجئ أن القوات
الأمريكية قامت بهذا العمل. والأفراد الذين اعتقلوهم كانوا في أربيل
منذ 15 سنة. وكان المبنى الإيراني الذي اعتقلوا فيه مبنى إيرانيا
رسميا.
روايته هذه تدعمها روايات المسؤولين العراقيين الذين يصرون على أن
الأمريكيين الآن يشعرون بالحرج الشديد إزاء الاعتراف بارتكابهم الخطأ.
أولئك الإيرانيون لم يكونوا دبلوماسيين عاديين، ولكنهم كانوا جزءا من
التحالف الدفاعي والأمني مع طهران الذي كان الأكراد أنفسهم ــ وهم
أصدقاء أمريكا الأقرب في العراق ــ قد رحبوا به منذ أيام صدام. وقال
المسؤول العراقي الرفيع المستوى إن الغارة كانت محاولة عاثرة لتطبيق
أوامر الرئيس بوش العام الماضي بـ"اعتراض العملاء الإيرانيين في
العراق".
وقال: لا نريد أن نحرج الأمريكيين. ولكنها كانت محاولة فاشلة.
وقاموا باعتقال هؤلاء الناس الأبرياء. هذا ببساطة هو ما حدث. والآن
يشعرون أنهم في مأزق، ونحن أبقينا على صمتنا. (المسؤولون الأمريكيون في
بغداد ينفون هذا، قائلين إنه كانت تُوجد آثار متفجرات على أيدي أحد
المعتقلين).
ويضيف الكاتب هيرش، بالنسبة إلى هربه هو بالذات، فإن الجعفري قلل من
أهمية الموضوع ببرود العسكريين المعهود. ورغم أن رحلته كان قد أعلن
عنها على التلفزيون المحلي، فإن القوات الأمريكية يبدو أنها لم تكن
تعرف أنه جاء عن طريق البر، وليس بالطائرة، وأنه كان يقيم في بيت قريب
للضيافة تابع للزعيم الكردي مسعود برزاني. ويقول: ذهبوا أولا إلى مطار
أربيل [للإمساك بي]، ولكنني جئت بالسيارة. سمعنا عن الغارة فيما كنا في
بيت الضيافة. غادرنا في وضح النهار. عدت إلى إيران بالطريقة التي أعود
بها إليها عادة. بل إننا توقفنا لتناول الإفطار.
ويضيف الكاتب هيرش، ولكن حتى أولئك المسؤولون العراقيون الذين
يؤيدون رواية الجعفري يعترفون، من دون ذكر أسمائهم، أن من المرجح أن
إيران تقوم بتجهيز وتدريب المليشيات الشيعية المعادية للأمريكيين فيما
تدعي أنها بريئة من ذلك. فبعد أسابيع فقط من الجولة الأولى من
المحادثات الأمريكية الإيرانية، التي وصفها كروكر بأنها كانت مثمرة،
اتهم البريغادير جنرال الأمريكي كيفن بيرغنر إيران بتورطها في الهجوم
الذي وقع في يناير وأدى إلى مقتل خمسة جنود أمريكيين في كربلاء.
وزعم بيرغنر، مستشهدا بوثائق، بأن فيلق القدس يدير بالتشارك مع حزب
الله معسكرات تدريب بالقرب من طهران حيث يتم تدريب رجال المليشيات
العراقية فيها. وقال بيرغنر أيضا إن القوات التي تقودها الولايات
المتحدة تمكنت من اعتقال مسؤول كبير في حزب الله، هو علي موسى دقدوق،
الذي اعترف بمشاركته في برنامج التدريب ذاك. (الجعفري، الذي سئل عن هذا
الاتهام الأخير، قال إن طهران لا علاقة لها بدقدوق ولا تدير مثل هذه
المعسكرات. وقال: إذا كانت هذه الوثائق صحيحة، فلماذا لم يقم
الأمريكيون بعرضها علينا عبر القنوات الرسمية؟(بعض المحللين
الاستخباراتيين الأمريكيين يعتقدون أن هجوم كربلاء ربما جاء انتقاما من
غارة أربيل، التي كانت قد وقعت قبل ذلك بأسبوع فقط.
ويضيف هيرش، ينفي الجعفري، وعدد آخر من المسؤولين الإيرانيين الكبار
الذين التقتهم نيوزويك بمن فيهم علي لاريجاني، رئيس المجلس الأعلى
للأمن القومي، بصورة قاطعة مشاركة إيران في تزويد المتمردين الشيعة
بالمعدات المتفجرة الفتاكة. ومع ذلك فإن الجعفري لا ينفي بصورة قاطعة
التلميح إلى أن إيران ربما تكون قد صممت هذه الأسلحة. وحين طلب إليه
التعليق على الاتهام الأمريكي بأن بعض المواد المتفجرة الفتاكة التي
عثر عليها في العراق كانت قد صنعت طبقا لتصميم زودته إيران لحزب الله
في لبنان، قال الجعفري: لا نعرف إن كانت هذه هي الحقيقة.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لنيوزويك إن قضية اعتقال
الإيرانيين الخمسة في أربيل لا تزال تنتظر الحل. ومع ذلك، قال زيباري
إنه لايزال من المحتمل أن يتم عقد جولات أخرى من المحادثات الأمريكية
الإيرانية. |