مصطلحات سياسية: مجموعات ضغط

مجموعات ضغط:  Pressure Groups

شبكة النبأ: تنبثق هذه العبارة مباشرة من علم السياسة الأمريكي لأنها تنطبق بشكل خاص على المنظمات المنتشرة منذ وقت بعيد في المجتمع الأمريكي. وضمن منظور ملاحظات توكفيل، منذ كتاب ديفيد ترومان الكلاسيكي عن العملية الحكومية The Governmental Process، يظهر كيف تتوزع الساحة العامة في الولايات المتحدة بين عدد لا يحصى من المجموعات بعضها أكثر تخصصية في السياسة حيث أنها تحاول التأثير في عملية اتخاذ القرارات، وفي مواقف مستلمي وظائف السلطة. ويملك ممثلو مجموعات الضغط هذه وجوداً شرعياً وحتى أنه عليهم أن يصرحوا عن نشاطهم علناً، فهم يسعون، بكل الوسائل الشرعية، لإقناع الآخرين بأهمية المصالح التي يمثلوها، وللتأثير من خلال سياسة علاقات في اقتراع أعضاء الكونغرس، والمجموعات التي تندرج تحت هذا العنوان وتنهج سياسة اللوبي كثيرة متنوعة، وغالباً ما تنتج نوعاً من التوازن المؤقت يترك للسلطة السياسية هامشها الخاص من الحركة، وحتى لو بدت مواردها وتأثيرها متفاوتة جداً أحياناً، لا يضر هذا الاختلال بالتعددية الأساسية للمجتمع. وتضع مجموعات الضغط الديمقراطية التشاركية نوعاً ما موضع التساؤل، فهي تدخل بين المواطنين والسلطة، وتحدّ من قدرة الأحزاب السياسية، غير أن هذا لا يلغي دورها كوسيلة لنقل مطالب المواطنين إلى السلطات وإيصال صوتهم، أخيراً تجدر الإشارة إلى أن علم الاجتماع المقارن للدولة يظهر إلى أي مدى تشكل مجموعات الضغط كياناً شرعياً وعملياً في مجتمع يتميز بحضور ضعيف للدولة وتقليد ديمقراطي قوي، فيما يبقى دورها متواضعاً في مجتمع كالمجتمع الفرنسي، الدولة فيه قوية والمشاركة الديمقراطية أقل حضوراً، وحيث يبقى الامتياز للمواطنية وحدها.

متعلقات

اللوبي اليهودي: كيف يعمل ويؤثر في السياسة والمجتمع الأميركي؟(1)

 شبكة واسعة من العلاقات والمصالح تضاعف من قدرات اللوبي اليهودي بشكل يفوق الاثر العددي لليهود في الولايات المتحدة.

مرر الكونغرس الأميركي قبل أيام قانونا يقيد من حركة جماعات الضغط بداخله، ووفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني (يوم 7 أغسطس 2007)، فان القانون الجديد يحظر على نوابه ومساعديهم قبول أي هدايا أو رحلات أو وجبات طعام من أعضاء جماعات الضغط. ويعاقب أي عضو منهم، بغرامة تصل الى 200 ألف دولار وعقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات.

وبذكر جماعات الضغط الأميركية لابد أننا تذكرنا على الفور اللوبي اليهودي، أشهر تلك الجماعات. وفي الواقع تبادر الى ذهني سؤال عند رؤية عنوان الخبر، وهو: هل يمكن أن يؤثر القانون الجديد على هذا التنظيم بالغ القوة والنفوذ؟

معظم الانجازات التي حقتها منظمة ايباك (AIPAC) والتي تعد ابرز منظمة يهودية أميركية، كانت مرتبطة بالكونغرس بمجلسيه النواب، والشيوخ، ولو كان القانون سيؤثر على مصالحها لتصدت له بكل قوة وأجهضته.

جدير بالذكر أن القانون لم يتم التصديق عليه من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش بعد، ولم يكن معروفا ما إذا كان سيصادق عليه أم لا حتى كتابة هذه السطور.

كما ذكر تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الذي كتبه ديفيد كيركباتريك، أن هذا يعد أول حظر قوي على جماعات الضغط بهذا الشأن، لكنه أشار الى أن قانونا داخليا كان يمنع الحصول على هديا تتجاوز 50 دولارا، لكنه لم يطبق أبدا.

جذور عميقة

كانت أول مرة نسمع فيها عن تصور مختلف بشان كيفية عمل هذه التنظيم بالغ الإحكام، جاءت من خلال إجابة على سؤال طرحناه على صحافي أميركي مخضرم هو ادوارد كودي، المحرر البارز بصحيفة "واشنطن بوست"، خلال زيارتنا لمقر الجريدة عام 2002.

وصف كودي تصورنا في العالم العربي عن اللوبي الصهيوني بأنه تصور غير واقعي، وقال أن الحقيقة أن اليهود الأميركيين لا يملكون كل وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، كما نتصور، فهناك الآلاف من الجرائد والمجلات وعشرات القنوات التليفزيونية، والآلاف من مواقع الانترنت. ومع هذا لم ينفي كودي قوة تأثير اللوبي على السياسة والإعلام الأميركي.

الصحافي الأميركي لم يشرح لنا بالتفصيل، أو يعطينا وقائع محددة، لكنه أعطانا جوهر الفكرة التي يبني عليها تحرك ذلك التنظيم.

ضرب لنا مثالا بان صحيفة محلية، تصدر في احدى الولايات الأميركية، تأثرت ونشرت بعض الموضوعات التي تنتقد السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، فماذا تفعل جماعات الضغط الصهيونية للدفاع عن إسرائيل حينئذ؟

هم لهم شبكات واسعة جدا من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة، ومن خلالها يبدأ فرض حصار غير مباشر أو مباشر على تلك الجريدة، حتى تتراجع عن موقفها. كيف؟

بالنسبة للإعلانات على سبيل المثال، يقومون بالاتصال برجال الأعمال اليهود، وأصدقاءهم، للتعرف على مدى علاقاتهم وتأثيرهم في الشركات المعلنة في هذه الصحيفة.

ويطلبون منهم الاتصال بتلك الشركات بشكل ودي لوقف إعلاناتهم في الجريدة، وبالطبع يشرحون لهم وجهة نظرهم فيما نشر، وغالبا ما تحدث استجابة، فإذا لم تحدث يتم تتبع العلاقات التجارية للشركة الرافضة، ويبدأ الضغط عليها من خلال الموردين أو العملاء ذوي الصلات القوية برجال الأعمال اليهود أو أصدقائهم.

يحدث الشيء نفسه بالنسبة للتأثير على التوزيع والاشتراكات في الجريدة، ولكن بتتبع العلاقات الاجتماعية لليهود في المناطق التي توزع فيها الجريدة نسخها، والتي يوجد بها مشتركون في الجريدة.

أذن جماعات الضغط اليهودية في أميركا لا تعتمد على عدد اليهود الذين يبلغ تعدادهم نحو 4 ملايين نسمة، وفي بعض التقديرات قرابة 1% من بين ما يناهز 300 مليون أميركي.

وايباك يبلغ أعضائها نحو 100 ألف عضو فقط، استطاعت تجميعهم على مدار قرابة نصف قرن من الزمان. وسنندهش حين نتذكر أن عدد اليهود في العالم كله يناهز 14 مليون نسمة فقط، منهم نحو 5 ملايين نسمة يعيشون في إسرائيل.

جماعات الضغط في أميركا

فكرة جماعات الضغط مسموح بها قانونيا في الولايات المتحدة، فمن حق كل مجموعة عرقية أو دينية أو غير ذلك أن تكون تجمعا للضغط على صانعي القرار من اجل تحقيق مصالحها.

الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة أدركت هذه الحقيقة، ولكن مؤخرا، فبدأت في تكوين منظمات لحماية مصالحة، وللضغط من اجل تعديل أو منع صدور بعض القوانين التي تضر بمصالح وحقوق جاليتها، التي أضحت جزء من المجتمع الأميركي، ومن ثم فان لهم حقوق المواطنة.

لا يمكن بأي حال مقارنة إمكانيات تلك التجمعات العربية باللوبي الصهيوني، فالقدرات المادية لمنظمة مثل ايباك وحدها، تقاس بنحو 60 مليون دولار سنويا (والبعض يقدرها بالمليارات)، فيما تعجز الجالية العربية والتي يبلغ تعدادها ضعف تعداد اليهود، عن جمع عدة آلاف أو ملايين من الدولارات.

لكن ذكاء ايباك يكمن في أنها تعلن دائما وبوضوح بأنها لا تتلقي دعم من إسرائيل، وأنها منظمة أميركية. وهذه في الواقع ملاحظة هامة يجب أن تدركها جماعات الضغط العربية والإسلامية الأميركية حتى لا تتهم بالعمالة، وحتى يكون نشاطها مؤثرا في المواطن وصانع القرار الأميركي.

أهداف محددة

تنظر قيادات اللوبي الصهيوني في أميركا الى أهدافها، مثلما ينظر الرامي من فتحة سلاحه الى الهدف، ويضغطون بلطف وهدوء على الزناد لتنطلق رصاصاتهم وتصيب الهدف بدقة. لا يهم ما إذا كان السلاح المستخدم جمهوري أو ديمقراطي الانتماء، لذا فهم يعملون بتواصل وعن قرب مع قادة اكبر حزبين سياسيين في شتي أرجاء الولايات المتحدة، على التوازي.

في الموقع الالكتروني لمنظمة ايباك على الانترنت يمكن أن تشاهد صور لقادة المنظمة اليهودية، مع ابرز قادة أميركا، فهم يلتقطون الصورة مع الرئيس جورج بوش، ونائبه، جمهوريي التوجه، فيما يصافحون هيلاري كلينتون المرشحة المقبلة للانتخابات الرئاسية، وكذلك نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، من الحزب الديمقراطي.

وتكون النتيجة، ما أعلنته المنظمة من "انجازات" (قياسا على مصالحها)، ومنها: إرسال خطاب موقع من 259 عضو بمجلس النواب إضافة 79 سناتور من مجلس الشيوخ، الى الاتحاد الأوربي يطالبونه بعدم الاعتراف أو التعامل مع الحكومة الفلسطينية - بقيادة حماس - الى أن توافق "المعايير الدولية".

أيضا من "الانجازات": تقوية التعاون المشترك بين أميركا وإسرائيل في مجال الأمن القومي. تأمين الدعم الأجنبي المالي لإسرائيل. وزيادة المساعدات العسكرية لها. وفي نفس الوقت زيادة الضغط الدولي ومنع أي دعم مالي لحكومة لحماس. مد فترة تقديم ضمانات القروض الأميركية لإسرائيل حتى عام 2001. وتخزين المعدات العسكرية في الدولة العبرية لاستخدمها في وقت الأزمات. توقيع اتفاق لتقديم الخدمات الصحية الإسرائيلية بالتعاون مع الصليب الأحمر. استمرار انتقاد إيران، وتجديد وتشديد العقوبات ضدها وضد ليبيا وسوريا. اعتبار تليفزيون المنار المملوك لحزب الله كيانا إرهابيا.

بمرور الوقت وتحقيق مثل تلك الأهداف التي ترمي في مصلحة إسرائيل، تتكون هالة من الرهبة حول اللوبي الصهيوني، وتتلي الأساطير عنه، وهو ما يزيد من تسهيل مهمة قادة تلك الجماعات بعد أن قوي نفوذهم عالميا.

فهل يمكن أن يؤثر القانون الجديد على نشاط اللوبي الصهيوني في إسرائيل؟ اشك في ذلك.

كيف يرسم الإعلام صورة نمطية لشعب بأكمله

الإسلام في الفكر الشعبي الأميركي: ملامح مشوهة تتجدد(2)

في كانون الأول من عام 2000، شاركت وزملاء صحافيون من لبنان في دورة تدريبية على الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة نظمها المعهد الدولي للصحافة في واشنطن. وهي تسمية لأسلوب جديد من الصحافة يتوخى التعمق في استقصاء الخبر الصحفي ومصادره ومضمونه ومدى صدقيته وموضوعيته. ألحقت وزميل لي بإحدى كبريات الصحف في ولاية اوهايو الباردة. كانت الثلوج تغطي مدينة كليفلاند يوم التحقنا بالصحيفة المضيفة حيث استقبلنا صحافي مخضرم يعمل في قسم التحقيقات المحلية الاستقصائية. قال: "لا بد أنكما ترتجفان بردا كما دهشة لمنظر الثلج الأبيض. الأكيد أنكما لم تشهدا قبلا مثل هذا المنظر في الصحراء حيث تعيشان."

كانت الدهشة بادية على ملامحنا، ولكن ليس بالتأكيد بسبب منظر الثلج فهو يغطي جبال بلادنا لبنان في كل شتاء، بل لجهل الصحافي الأميركي بموطننا والصورة النمطية التي يحتفظ بها عن كل العرب " كسكان صحراء "، بل والأكثر من ذلك لاكتفائه بهذه الصورة ولا مبالاته بمعرفة اكثر مما يعرفه، وهو الصحافي "الاستقصائي"، عن بلد "تلميذين" يفترض به تدريبهما على أسلوب إعلامي ركيزته الأولى التعمق في استقصاء المعلومات سعيا لنبش الحقيقة.

انه نموذج، إن لم يكن "صورة نمطية" بالمعنى المستعار،عن ملايين الأميركيين الذين يحتفظون بصورة نمطية متماثلة عن العرب والمسلمين تطورت عبر السنين مبقية دوما على ملامح مشوهة تتجدد بحسب الظروف والاحداث.

الصورة النمطية للمسلمين والعرب في الثقافة الشعبية الأميركية: من صنعها؟ وما هي مقاييسها؟

"أولئك الذين يروون القصص، يحكمون المجتمع أيضا" يقول الفيلسوف اليوناني أفلاطون في كتابه "الجمهورية" مؤكدا على سطوة القصص والروايات الخيالية في تكوين فكر المجتمع ومعتقداته. فكيف إذا كانت هذه القصص والروايات مصورة ومتحركة على شاشات ضخمة أو صغيرة يلعب أدوارها أشخاص حقيقيون فتصبح شبه حقيقية؟.

للسينما ومحطات التلفزيون الدور الرئيسي في تكوين الصورة النمطية للمسلمين والعرب لدى الرأي العام الأميركي. ويوثق أستاذ الإعلام في جامعة ايلينوي الجنوبية الأميركي اللبناني الأصل جاك شاهين في كتاب حديث له بعنوان: Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People

سجلا حافلا لهوليود على مدى نحو مائة عام في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن العرب والمسلمين أدى تكرارها والتشويه المطرد لملامحها إلى تصنيفهم في النهاية كالعدو رقم واحد للغرب.

حتى الثلاثينات كان العربي والمسلم يظهر على هذه الشاشات فارسا اسمر البشرة يمتطي حصانه وسط الصحراء يحلم بأميرته وينقل مشاهديه على بساط الريح،إلى بلاد ألف ليلة وليلة، وبلاد علاء الدين وسندباد وعلي بابا، ليحرر الفقير من سطوة الغني والمظلوم من فساد الحكام. وتجسد هذا الفارس في بعض الأفلام في ملامح اجمل ممثلي هوليود في تلك الفترة أمثال رودولف فالنتينو في الفيلم الصامت " the sheikh "(1921) وغيرها من أفلام قليلة جدا يشير د. شاهين أنها لا تمثل سوى نسبة خمسة في المائة من مجمل إنتاج هوليود. إلا أنها كانت الأفضل ربما في تلك المرحلة مقارنة بالصور النمطية للمجوعات العرقية والدينية الأخرى، حيث كان الهندي الأحمر الرجل البدائي المتوحش همه انتزاع فروة رأس العدو، وكان اليهودي مرفوضا وترفع على واجهة المطاعم والمحال يافطة " ممنوع دخول الكلاب واليهود".No Dogs, No Jews. وكان الإيطالي رجل المافيا المحب للثأر، والأفريقي العبد الخنوع المطيع، والفرنسي الرجل الأناني المدعي.

في أوائل الثلاثينات سادت صورة كاريكاتورية عن العربي و المسلم فبدا كالمهرج في فيلم لوريل وهاردي “beau hunks”(1931) ليصبح، ومع بداية سيطرة اليهود على هوليوود منذ منتصف الثلاثينات، ذلك " الأخر" المختلف المخيف التقاسيم المتعطش للدم الذي يميل إلى إرهاب الغربيين المتحضرين وخصوصا المسيحيين واليهود. فظهرت أولى صور المسلم والعربي الذي يخطف الطائرات ويهدد بنسفها مع فيلم "the black coin 1936 ثم كانت صورة المهاجر العربي المجرم المهدد لأمن أميركا في فيلم radio patrol 1937 ، وهما لمخرجين يهوديين. ثم كرت المسبحة.

ويشير اندريو دوودي"Andrew Dowdy: The Film of the Fifties: the American State of Mind" إلى إنتاج هوليود بين الأربعينات والخمسينات اكثر من مائة فيلم أبرزت صورة كاريكاتورية وسلبية عن العرب والمسلمين تزامنت مع بروز الثروات النفطية. فكان العربي والمسلم "شيخ النفط" الذي يعيش في خيم في الصحراء في خلفيتها سيارات ليموزين وجمال ونساء متشحات بالسواد،أو يسوح في دول الغرب يبدد أمواله على النساء الشقراوات. ثم اصبح مع تنامي التيار الاشتراكي وتصاعد حركات التحرر العربية وخاصة في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الحليف للشيوعية العدو اللدود للغرب. وكان منذ قيام دولة إسرائيل ثم مع إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية " الفلسطيني الإرهابي"الذي يخطف الطائرات (في نحو 45 فيلما أهمها فيلم Exodus العام 1960الذي كان مؤثرا جدا في زيادة شعبية إسرائيل لدى الجمهور الأميركي).

في هذا الفيلم من بطولة بول نيومان والذي تجري أحداثه في فلسطين 1947، يصور العرب بأنهم شريرون مرتبطون بالنازية يرتكبون الفظائع في حق بعضهم البعض كما في حق اليهود. وفي مشهد من الفيلم يتلقى لاجئون يهود على متن الباخرة تحذيرا من أن مفتي القدس الذي كان في فترة الحرب ضيفا على هتلر في برلين التقى ممثلين عن دول عربية للتنسيق حول كيفية العمل ضد اليهود الفلسطينيين. ويصور الفيلم الإسرائيليين بأنهم أبطال " يعملون من اجل دولة يتساوى فيها الجميع".

أما في فيلم”Prisoner in the middle” في العام 1974 فينضم البطل ديفيد جانسن إلى القوات الإسرائيلية لقتل "إرهابيين فلسطينيين".

منذ الثمانينات ومع قيام الدولة الإسلامية في إيران،استقرت الصورة على العربي والمسلم "الأصولي الإرهابي" الذي يرفع شعار " الموت لإسرائيل وأميركا وكل أعداء الإسلام"، ويستخدم الدين لتبرير لجوئه إلى أعمال العنف و الخطف والتفجير والسعي حتى إلى قتل الرئيس الأميركي. live and die in L.A (1985) Hostages (1986)delta force (1986) (The siege (1998 من بطولة دنزل واشنطن، وهو الفيلم الذي اعتبر انه استبق أحداث 11 أيلول إذ يصور المهاجرين العرب والأميركيين العرب من طلاب جامعات وأساتذة كإرهابيين مسلمين يقضون على 700 نيويوركي ويفجرون مبنى الاف بي أي ويقتلون موظفي الدولة ويفخخون صالة مسرح. وفي مشهد من الفيلم يحتجز مسلمون عرب ركاب أوتوبيس رهائن. يرجوهم عميل للاف بي أي إطلاق الأطفال والمسنين لكنهم يفجرون الباص بمن فيه وتتناثر الجثث على الشاشة. ثم كان فيلم Rules of engagement(2000) الذي صنفه شاهين بأنه الفيلم الأكثر عنصرية ضد العرب والمسلمين. ويصور اليمنيين كإرهابيين يصرخون كالمجانين أمام السفارة الأميركية ضد أميركا يرشقون الحجارة ويقتلون جنود المار ينز الذين حاولوا إنقاذ المحتجزين داخل السفارة.

عوامل رسوخ الصورة النمطية وتجدد، بل تزايد ملامحها المشوهة

يعزو بول فندلي عضو الكونغرس الأميركي السابق عن ولاية ايلينوي طيلة 22 عاما

( 1960-1982) في كتابه الأخير"لا سكوت بعد اليوم : مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أميركا" (صدر في العام 2001) انتشار الأفكار النمطية المزيفة عن الإسلام في أميركا اكثر من غيرها من أي مكان اخر من العالم إلى جهل الأميركيين أساسا . ويقول أن" معظم الأميركيين لا يعرفون أي مسلم، لم يناقشوا يوما الإسلام مع أي شخص مطلع على هذا الدين ولم يقرؤا يوما آية واحدة من القرآن الكريم بل ولا أي كتاب عن الإسلام. وتنبع اغلب تصوراتهم عن الإسلام من الصور السلبية المزيفة التي تظهرها التقارير الأخبارية والأفلام والمسلسلات التلفزيونية والحوارات في الإذاعات والتلفزيون."

ويروي انه ومنذ طفولته وحتى خريف العمر استقرت صورة نمطية مضللة في ذهنه، " فقد كانت معلمة مدرسة الأحد المسيحية تقول لنا أن شعبا أميا بدائيا وميالا إلى العنف يعيش في مناطق صحراوية ويعبد إلها غريبا. كانت تسميهم "محمديين" وتواظب على تكرار قولها انهم ليسوا مثلنا". ويقول انه وبسبب إحجام المسلمين عن تصحيح هذه الصورة " اعتقدت أن المسيحية واليهودية مرتبطتان معا وتشكلان جبهة الغرب المتمدن والتقدمي على الخط الفاصل الذي يقف على جبهته الأخرى الإسلام الذي اعتبرته(خطأ) القوة المتخلفة والخطرة في الشرق العربي".

إلى جانب عامل الجهل الذي تكرسه مناهج دراسية خالية من أي إشارة لوجود الإسلام في العالم ، كما يقول فندلي، واهتمامات داخلية حصرا على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، يساهم عامل أخر في ترسيخ الصورة النمطية للمسلم والعربي في الفكر الشعبي الأميركي هو عامل اللامبالاة. فالأميركي مثلا لا يهتم مطلقا بما هو خارج اهتماماته الآنية الداخلية ولا يصوت على أساس سياسة خارجية. وهذا الأمر زاد من قوة اللوبي الإسرائيلي ليملأ هذا الفراغ الخارجي بصورة مشوهة عن العرب والمسلمين. يل إن هذه اللامبالاة كانت تحجب عن مسئوليهم حتى أي معرفة أو فضول لمعرفة ما يجري خارج إطار شؤونهم الداخلية ومصالحهم. وقد يكون المثال الأفضل حديث الرئيس بوش عن "الحروب الصليبية" في أعقاب اعتداءات 11 أيلول. هذا الحديث الذي، وبالرغم من إسراع بوش إلى التراجع عنه، لم يكشف فقط عن مدى جهله بالإسلام والعرب بل أكد، في صدوره من بعد مثل هذه الأحداث الفاصلة، على مدى لامبالاته بمعرفة بعض تاريخ من يعتبر انهم يشكلون خطرا على الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما. فهو، كما الصحافي الاستقصائي المذكور آنفا، لم يكلف نفسه- أو معاونيه- عناء السؤال عن ذلك " العالم" الذي آتي منه أولئك الذين يهددون أمن بلاده أرضا وشعبا. ولقد كشف هذا الخطاب عن حجم تخلف إدارته وإدارات سابقة عن إجراء أبحاث ودراسات مكتملة وموضوعية عن العالم الإسلامي واكتفائها بتبني الصورة النمطية الشائعة عن العرب والمسلمين.

إلا أن أهم العوامل التي تبقي على الصورة المشوهة عن الإسلام والعرب في الثقافة الشعبية الأميركية، حرص للوبي الصهيوني في أميركا على الإبقاء على هذه الصورة واستغلالها لصالح تأييد الرؤية الصهيونية للصراع العربي –الإسرائيلي واستقطاب الدعم المالي والمعنوي والعسكري لإسرائيل باعتبارها-" المخفر الأمامي الحامي للغرب في تلك الصحراء المتوحشة الحمقاء"-كما كتب المعلق في صحيفة نيويورك بوست رود دريهر. ففي الوقت الذي نجحت فيه الجهود الساعية إلى إزالة الكثير من رواسب العنصرية العرقية والصور النمطية للمجموعات العرقية والدينية الأخرى بدعوات رسمية من الإدارات الأميركية نتيجة ضغوطات وتحركات ناشطة لممثلي هذه المجموعات، ظل العرب والمسلمون الاستثناء عن هذه الجهود. فاستفردت هوليود بتشويه صورة المسلم والعربي تغذيها ماكينة إعلامية صهيونية امتد نفوذها في مختلف وسائل الإعلام الأميركية المرئي والمقروء والمسموع على حد سواء، ثابرت على تقديم صور مزيفة ومشوهة عن العرب والمسلمين بما يخدم أهدافها.

ويؤكد بول فندلي "إن التصورات الأميركية الخاطئة عن الإسلام هي في ناحية من النواحي نتاج الصراع العربي الإسرائيلي ". ويقول"أن من العوامل التي تبقي الصور المزيفة عن الإسلام حيّة،ذلك النشاط الحثيث الذي تبذله جماعة الضغط لصالح المساعدات الأميركية لإسرائيل، إذ تحرص هذه الجماعة، في مساعيها الناجحة لتعزيز المساعدات والهبات السنوية الضخمة التي تمنحها واشنطن لإسرائيل ، على الجزم بان إسرائيل تعيش حالة مواجهة دائمة مع أخطار جدية تتهدد أمنها مصدرها مجموعات "الإرهابيين المسلمين" الذين- كما يضيف فندلي- "يسهلون أحيانا دونما قصد حملات جماعات الضغط بتضمين تسميات منظماتهم مفردات مثل "الإسلامي" أو " الإسلام" أو " المسلم".

ويشبه جين بيرد أحد موظفي الخارجية الأميركية ورئيس مجلس المصالح القومية في واشنطن، صورة الإسلام ب" الزر الساخن" ويقول :" غالبا ما تستخدم هذه الصورة.( صورة المسلم الإرهابي). فهي تعزف على وتر الخوف، وتجيش العواطف. تتعهدها جماعة الضغط بعنايتها وتعمل على إشاعتها، لأنها تعلم أنها ستستقطب التأييد لمنح إسرائيل بلايين الدولارات من المساعدات غير المشروطة سنة بعد سنة. وفي سياق هذا الضغط، غالبا ما يكون شبح الإرهاب المدعوم من المسلمين هو الموضوع المتكرر. إذ يستخدم لتسويغ ممارسات الدولة اليهودية القاسية ضد الفلسطينيين، ذوي الغالبية المسلمة، ولتبرير اعتداءات إسرائيل العسكرية الدورية ضد لبنان، حيث تسود أيضا أكثرية مسلمة. وصورة الإرهاب هي الأساس الذي تستند إليه إسرائيل في مطالبتها بمساعدات أميركية منتظمة من الأسلحة المتطورة ومن المال لتعزيز دفاعاتها ضد هجوم محتمل بالصواريخ من جانب سوريا والعراق وإيران، وغيرها من الدول ذات الأغلبية الإسلامية". "هذا التنميط، يؤكد بيرد، هو الذي يشجع على اتخاذ القرارات الحكومية المنحازة لإسرائيل وتقديم الدعم الأميركي غير المشروط لها على مختلف الصعد السياسية والدبلوماسية والعسكرية....

ويربط ريتشارد كورتيس، محرر شؤون الشرق الأوسط في واشنطن ريبورت في عدد حزيران 2000 بين مصير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بمآزق المسلمين الأميركيين بقوله" سيكون من الصعب اكثر فاكثر أن يكون المرء مسلما في الولايات المتحدة إلى أن تحل القضية الفلسطينية. فاللوبي الإسرائيلي بسبب نفوذه غير المعقول في وسائل الإعلام سيواصل تصوير كل العرب وكل المسلمين كإرهابيين ويجب تقييدهم واعتراضهم والسخرية منهم وحتى ترحيلهم من اجل أمن المجتمع غير الإسلامي".

ويلعب الإعلام الأميركي الدور الأكبر في ترسيخ الرؤية الصهيونية لصورة العربي والمسلم. فالترديد الببغائي في التقارير الإخبارية الأميركية لتعابير إسرائيل " القضاء على شبكة الإرهاب" وتدمير البنية التحتية الإرهابية والهجوم على الإرهابيين" في معرض تبريرها لاعتداءاتها أو قصفها أو حصارها أو كل ذلك معا ضد المدنيين في لبنان وفلسطين... واختيارها المفردات الإسرائيلية في قولها"الأراضي المتنازع عليها" بدلا من الأراضي المحتلة، و" الضواحي اليهودية" بدلا من المستوطنات اليهودية، و"الإرهابيون المسلمون" بدلا من الأصوليين أو المتطرفين، والتركيز على الضحايا المدنيين الإسرائيليين الذين يسقطون في أي عملية استشهادية "إرهابية"والاكتفاء بتعبير" حصد العنف حياة كذا شخص" لوصف المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين..وغير ذلك من أمثلة كثيرة .. تبقي على صورة العربي والمسلم "الإرهابي" حية دوما في الفكر الشعبي الأميركي. وتتأثر التصورات الخاطئة حول الإسلام بشكل كبير بالدقائق القليلة المخصصة للأخبار المسائية على شاشات التلفزة التي تتضمن تقارير مجتزاءة عن أحداث عنيفة و"مروعة" تنقل مباشرة من مكان حصولها مترافقة مع عبارات مسلم إسلامي وإرهابي. ولا يزال الأميركيون يستعيدون حتى اليوم صور الرهائن في إيران ومشاهد أنصار الخميني يهتفون " الموت لأميركا". كما يذكرون تفجير مقر المارينز في بيروت ..وخطف الطائرة الأميركية عام 1985 في لبنان ...والتفجير الأول لمركز التجارة العالمي وتفجير الخبر في السعودية والسفينة كورك في اليمن. فتطابقت في فكرهم الصورة النمطية مع الواقع.

إلى جانب التقارير الإخبارية كان لدفق البرامج الوثائقية وبرامج الحوارات والتحليلات الني تربط بين الإسلام والإرهاب وتصف المجتمع المسلم بالمريض، الدور الحافز خلال العقود الثلاثة الأخيرة في تنامي حدة في المعاداة للعرب والمسلمين. ونذكر مثالا واحدا معبرا على ذلك هو الفيلم الوثائقي"الجهاد في أميركا: تحقيق عن نشاطات المتطرفين الإسلاميين في الولايات المتحدة" " الذي بثته عام 1994محطات التلفزة الأميركية كافة لمن سمي بخبير أميركي في الإرهاب ستيفن امرسون بعد نحو سنة من تفجير مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993. في تركيزه على صورة مسلمين وعرب ينشدون الأناشيد عاليا ويصرخون الموت لأميركا وتأكيده في نص التعليق على" أن توسع نشاطات الأصوليين المسلمين في الولايات المتحدة فان التفجيرات في المستقبل كتفجير مبنى مركز التجارة العالمية ستكون حتمية.." ساهم امرسون في إضرام المزيد من المشاعر المعادية للمسلمين والعرب.

الاسلاموفوبيا

لقد دفعت الصورة المزيفة عن الإسلام والعرب المجتمع الأميركي إلى التعصب الأعمى ضد المسلمين والعرب وصولا إلى الرهاب منهم، أو ما سمي بالاسلاموفوبيا، وصولا إلى العنف. وكانت الهستيريا ضد المسلمين والشرق أوسطيين التي أعقبت انفجار اوكلاهوما سيتي، وتوجيه أصابع الاتهام المباشر إلى" إرهابيين عرب ومسلمين من الشرق الأوسط" التعبير الأكثر دلالة على مدى التشويه الذي يوسم صورة العرب والمسلمين في الفكر الشعبي الأميركي. إذ لم يتردد أي أميركي في الإسراع باتهام العرب والمسلمين بارتكاب عملية التفجير واعتبارهم مذنبين " ...ولو ثبت في النهاية أن المجرم أميركي " أصيل". فبعد دقائق قليلة فقط على الانفجار ظهر " الخبير في شؤون الإرهاب" امرسون مجددا على شاشة السي إن إن ليؤكد من دون أي تردد أن الانفجار من صنع " الإرهابيين الإسلاميين". وسارعت إحدى كبريات محطات التلفزة إلى بث خبرا مفاده أن رجالا يلبسون الكوفيات العربية شوهدوا يفرون من موقع الحدث. وسارعت قوى الشرطة إلى اعتقال العديد من الأشخاص " ذوي الملامح الشرق أوسطية". وحدثت مواجهات عدائية أطلقت النار على بعض المساجد وتعرضت عائلة عراقية للهجوم. وبدا أن معظم الأميركيين من غير المسلمين والعرب مقتنعون بان الهجوم من عمل " أصوليين مسلمين غرباء تسللوا إلى أميركا" ليقوموا بتفجيرات كتفجير مبنى التجارة العالمي لسبب واحد هو كره هؤلاء المسلمين للغرب !.

كان هناك افتراض عام بان ما من مواطن أميركي يمكن أن يتسبب بمثل هذه الجريمة بحق مواطنيه. لذلك، وعلى الرغم من اعتقال الأميركي تيموثي ماكفاي وأدانته بارتكاب هذه الجريمة والتأكد من عدم وجود أي علاقة له بالمسلمين و العرب، لم يخمد الرعب الشعبي الأميركي من المسلمين والعرب. إذ تتالت البرامج الوثائقية والتقارير الإخبارية تارة من فلسطين وتارة من السودان أو اليمن أو كينيا أو أفغانستان تصور المسلمين والعرب منهمكين في التحضير لأعمال انتقامية ضد الولايات المتحدة. وجاء شريط وثائقي بثته شبكة ج ب اسG P S في برنامج " فرونت لاين" عن المنشق السعودي أسامة بن لادن في بدايات العام 1999 يشدد فيه على أن أميركا هي عدو الإسلام الرئيسي ويدعو المسلمين إلى محاربتها والى " قتل الأميركيين أينما استطاعوا ومتى استطاعوا"، ليحي علنا وبقوة رعب الأميركيين من "خطر" المسلمين والعرب في الولايات المتحدة مما حولهم هدفا سهلا للاتهامات المباشرة والحروب والاعتداءات والمضايقات وجرائم الكراهية والحقد والافتراء على مختلف الصعد الرسمية والإعلامية والشعبية.. بل والفردية.

ونقلت صحيفة يو اس توداي في عددها في 16-8- 1999 حادثة وقعت في نيوارك في نيوجرسي دلت على ذلك. إذ ادعى شخص أميركي يدعى ريجينالد كوري تحت وطأة الحاجة إلى المال لشراء المخدرات انه مسلم، وسلم أمين صندوق أحد المصارف ورقة كتب فيها " بسم الله، في حوزتي قنبلة وأنا راغب في الاستشهاد في سبيل قضية الإسلام. ضع المال في الحقيبة ولا تكن بطلا". فما كان من أمين الصندوق إلا أن أطاعه بسرعة، ثم ما لبثت الخدعة أن كشفت اثر اعتقال كوري.

مواجهة الصورة النمطية: مسؤولية مشتركة

" جهلنا للأخر وتجاهلنا لوجوده واعتبارنا له دوما صورة لحضارة غير متوافقة مع حضارتنا.. بالإضافة إلى دعمنا المطلق لإسرائيل جعلنا نحن الأميركيون شركاء في خلق عالم جعل عنف 11 أيلول محتملا ومتخيلا".

هذه الكلمات التي صرح بها الكاهن وليام سنكفورد من الكنيسة البروتستانتية الأميركية تعليقا على اعتداءات 11 أيلول والتي تعدد بوضوح لأسباب بقاء الصورة النمطية المشوهة عن المسلمين والعرب حية دوما في الفكر الشعبي الأميركي، تكشف في نفس الوقت عن إدراك بعض الأميركيين لأسباب ما يسمونه " كره المسلمين والعرب " لهم. ويروي الصحافي البريطاني روبرت فيسك في مقالة له في صحيفة " Independent" بعنوان "Fear and Learning in America" في 17 نيسان 2002 بعد زيارة قام بها إلى أميركا عقب أحداث أيلول، انه وخلال انتقاله في مختلف الولايات لالقاء محاضرات، صدم بالرفض الأميركي الاستثنائي للسير وفق التوجه الرسمي وبالإدراك المتزايد لدى الأميركيين لما يحدث حولهم ولكونهم تعرضوا للخداع. كما صدمه أن يكون 80 في المائة من حضور محاضراته من الشباب ومن " الأميركيين الأميركيين" لا أصول شرق أوسطية لهم جاءوا ليطرحوا أسئلة حول" الحرب على الإرهاب " التي أعلنها رئيسهم وسبب الدعم المتواصل لكل ما يقوله أو يفعله حليف أميركا الشرق أوسطي الصغير إسرائيل. فهم أرادوا أن يسمعوا الجواب على عنوان محاضرته "11 أيلول اسألوا من قام بها ولا تسألوا لماذا". ويقول أنها كانت المرة الأولى التي يسأله أميركيون" كيف نجعل تقاريرنا الإعلامية حول الشرق الأوسط اكثر عدالة؟ أو كيف يمكننا أن نجعل حكومتنا تعكس آرائنا؟".

اليوم وبعد 11 أيلول بدأ الأميركيون يدركون اكثر فاكثر ارتباط زوال الصورة النمطية للمسلمين والعرب في الولايات المتحدة الأميركية بوجود سلام عادل في منطقة الشرق الأوسط يضع حدا لاعتداءات إسرائيل. كما أدركوا أن في أساس هذه الصورة جهلهم للإسلام وتجاهلهم لوجود المسلمين واعتبارهم لهم غرباء من حضارة بدائية معادية همها القضاء على حضارة الغرب المتقدمة. وأشارت تقارير كثيرة إلى اندفاع الأميركيين على شراء الكتب عن الإسلام. وظهر انفتاح بعض الوسائل الإعلامية على استضافة مسلمين والقاء محاضرات وعقد ندوات ومؤتمرات في الجامعات والكنائس . وبرزت على الصعيد الرسمي بوادر ولو خجولة للانفتاح على المسلمين والعرب مع زيارة الرئيس جورج بوش للمركز الإسلامي في واشنطن واعتذاره عن استخدامه لعبارة" الحرب الصليبية". وتعالت الدعوات للفصل بين الإسلام والإرهاب، والتمييز بين الإسلام الحقيقي وبين مدعي الإسلام الذين يشوهون صورته.

قد يتطلب النجاح في إزالة الصورة النمطية التي رسخت عبر عقود طويلة في الفكر الشعبي الأميركي عن المسلمين والعرب المقدار نفسه من هذه العقود. وهي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المسلمين والعرب حكومات وأفرادا بمقدار ما تقع على عاتق الأميركيين حكومة وأفرادا أيضا. يقول بنجامين فرانكلين " من الأباء المؤسسين لأميركا والذي قام بتجارب عدة في حقل الكهرباء انه و "من اجل تغيير عادات سكان بلد وإدخال عادات جديدة مغايرة وغير مألوفة، من الضروري ليس فقط القضاء على الأفكار المسبقة وتنوير جهلهم بل واقناعهم بان هذه التغييرات هي لمصلحتهم. وهو أمر لا يتحقق في يوم واحد".

وإذا كان بقاء الصورة النمطية وميل الإعلام إلى تشويه الحقائق عن الإسلام والمسلمين والعرب ناشئا بالدرجة الأولى عن الجهل ، فان أسوأ رد ممكن هو أن يلزم المسلمون الصمت. فإذا لم نواجه المفاهيم الخاطئة والأفكار المنمطة والأكاذيب بما يعترضها فمن المحتم أن تواصل مسارها المدمر. وهو أمر يلقي بمسؤولية كبيرة على المسلمين والعرب أنفسهم من أصحاب الأقلام والعدسات والآراء أساسا ليجدوا السبيل الافضل لمخاطبة الرأي العام الغربي عموما والاميركي بخاصة وتقديم الاسلام من كل جوانبه المشرقة لاغلاق الباب امام محاولة حشره في خانة العنف والارهاب.

ولا بد أيضا من تكوين لوبي عربي له نفوذه في القرار السياسي الأميركي. وهو أمر قد يكون الوصول إليه اسهل من الوصول إلى الإعلام الأميركي والسينما الأميركية. وقد أظهرت الانتخابات الأميركية الأخيرة إمكانية بعد تأثير الصوت العربي والمسلم وشكلت بداية مرحلة في تاريخ مشاركتهم في العملية السياسية. لكن المسؤولية ليست مسؤولية لوبي عربي مسلم في الداخل الأميركي فقط. إذ لا بد من حشد طاقات العالم العربي والمسلم جماعات وأفراد لتغيير صورة المسلمين والعرب في الفكر الشعبي والرسمي الأميركي على حد سواء وبالتالي وضع حد لسعي الصهيونية إلى تشويه هذه الصورة.

في إحدى صالات ناد كوميدي ستور في لوس انجليس، مسرحية لكوميديين أميركيين من اصل عربي بدأ العمل بها بعد 11 أيلول . وهي عرض هزلي يقول مؤدوه انه يهدف إلى تحطيم بعض الأفكار النمطية بالحديث عنها بأسلوب ساخر. في مشهد من هذه المسرحية، يسأل احمد :"هل من عرب ومسلمون في الصالة؟ هيا ارفعوا أيديكم. ارموا حجرا. احرقوا علما؟

قالت أميركية حضرت المسرحية لمجلة نيوزويك:" شكرا على هذا العرض. لم اكن اعرف أن بإمكان العرب أن يكونوا طريفين !!

ها هي فكرة نمطية، ولو ساذجة تتحطم. فربما كانت تلك الأميركية تتوقع أن يفجروا المكان!.

اللوبي ... ماهو ؟ وأين هو ؟ وكيف يؤثر ؟(3) 

جماعة الضغط  ( اللوبي )

1- جماعات الضغط تعتبر من اركان الشورية والديمقراطية حالها حال الأحزاب ومؤسسات المجتمع الديمقراطي في الأنظمة الديمقراطية فأي جماعة بحاجة الى لوبي في الوطن وخارج الوطن وفي مؤسسته الأم وفي كل مؤسسة من مؤسساته بشكل اوبأخر .

2- يقع اللوبي في الانظمة السياسية الديمقراطية هرمياً بين الحكومة و البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني وتحديداً بعد الحكومة والبرلمان وقبل مؤسسات المجتمع والأحزاب فهي تنظيمياً وتأثيراً فوق مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ودون الحكومة و البرلمان ، وذلك يعكس دور و أهمية اللوبي .

3- اللوبي يلعب دور الوسيط بين مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل الشعب من جهة والحكومة و البرلمان من جهة اخرى فحين ينعدم اللوبي او يضعف يؤدي ذلك الى ضعف في العلاقة والتفاعل بين المؤسسات المذكورة والحكومة و البرلمان وتزداد الهوة بينهما وبالتالي تضعف العلاقة بين الشعب من ناحية والحكومة والبرلمان من ناحية اخرى ، فالشعب بعد أن يختار ممثليه في البرلمان والحكومة عبرالإنتخابات لا يتركهم يتصرفون لوحدهم كما يرون وحتى الإنتخابات القادمة بل تتم متابعة اولئك والضغط عليهم عبر اللوبيات المختلفة .

4- الإنتباه الى دور اللوبي قانونياً في تكريس الديمقراطية وتقويم الاداء الحكومي والبرلماني في العراق الديمقراطي الجديد مهمش والى حد كبير و ذلك يهدد مستقبل الديمقراطية ويقود الى نشوء مراكز ضغط غير قانونية تفتقر الى التنظيم والشفافية والتركيز ويضعف اداء البرلمانيين و الحكوميين كما يبقي دور الأحزاب و مؤسسات المجتمع المدني هامشياً ، كما يقود الى ضعف في العلاقة والتفاعل بين الشعب والدولة بالمعنى الأعم ، وفوق كل ذلك يحرمنا من الخبرة المطلوبة في تأسيس وعمل اللوبي واللوبيات المطلوبة فكما قلنا والعراق ليس استثناءاً بحاجة الى الوبي بل لوبيات في الخارج لتخديم قضايا العراق والعراقيين وإستحصال قرارات ومواقف لصالح العراق والعراقيين في الدول المختلفة في الخارج .

5- اللوبي عبارة عن هيئة اوجماعة قانونية منظمة تدافع عن قضايا اومواقف اومصالح معينة محددة لدى السلطات العامة في الدولة فتلعب دوراً محورياً وهاماً في الحياة السياسية حتى بات معروفاً بأن القرارت يعدها او يصنعها اللوبي و ينحصر دور سلطات الدولة في إضفاء الصنفة الرسمية على تلك القرارت .

6- اللوبي يصنع قرارت الحكومة والبرلمان وهولا يستلم الحكم كما تحاول وتعمل الأحزاب ، ولا يبرر اللوبي قرارات الحكومة والبرلمان  كما يفعل الحزب عادة ولا سيما إذا استلم الحكم اوكان جزءا منه .

7- اللوبي لا يسعى كالأحزاب لإستلام الحكم بل يسعى للتأثير فى الحكم و قيادته بصورة غير مباشرة عبر وسائل مختلفة على رأسها إنشاء شبكة من العلاقات مع الحكوميين والبرلمانيين ورجال الدين والقانون والقضاء و الباحثين والمحققين الستراتيجيين والأكاديميين والسياسيين والأعلاميين و الفنانيين وما نحوهم من النفوذ والتأثير في الدولة من جهة وعلى الدولة من جهة ثانية وفي الرأي العام من جهة ثالثة ، فرصيد اي لوبي من العلاقات ولا سيما في الإتجاهات المذكورة وبعد الأموال يعتبر أساساً للتحرك و العمل والنجاح .

8- اداء اللوبي يتوقف مهارات وفنون محورية عديدة منها  : فن العلاقات العامة ، فن الحوار والتفاوض ، فن التخالفات والائتلافات ، فن إدارة الأزمات و فن إدارة الرأي العام و ما نحو ذلك ، فلابد من تطوير المهارات المذكورة والخبروية والحصانة المطلوبة في كل منهما وإعداد و توظيف الكوادر اللازمة في تلك المجالات واستحصال المستشارين لذلك .

9- لتأمين الكوادر المحورية في اللوبي ولتدعيم المهارات والخبرات المذكورة في البند المتقدم يلجأ اللوبي الى كشف و توظيف اوإستشارة البرلمانيين والسياسيين و الدبلوماسيين والقانونيين والأمنيين المخضرمين المتقاعدين اصحاب الخبرة والتجربة الميدانية الطويلة في موطن اللوبي لمعرفتهم بمداخل الأمور ومخارجها وخبرتهم في كيفية إتخاذ القرار و المواقف ، وهناك دراسات تبين ان حوالي (43) في المائه من اعضاء مجلس الكونغرس الأميركي بعد إستقالتهم اوتقاعدهم يعملون في شركات اللوبي بمعنى انهم يستخدمون علاقاتهم و خبرتهم لخدمة مصالح اللوبي .

10- اللوبي الذي يعمل في المهجر و مثلا للدفاع عن المصالح العراقية او للدفاع عن مصالح شريحة من شرائح الشعب العراقي لابدّ و أن يستند ذلك اللوبي للنجاح و التقدم الى تحالف ستراتيجي و ربما مصيري ايضاً بين الدولة التي يعمل فيها و بين العراق او بين الدولة التي يعمل فيها خارج العراق و تلك الشريحة العراقية التي يدافع عن مصالحها في المهجر، و التحالف لا يقوم الا على اساس المصالح الستراتيجية البعيدة المدى ، فلا وجود للوبي فاعل في المهجر بلا تحالف ستراتيجي بعيد المدى ، كما انه لا تحالف بلا مصالح قوية مغرية ، ووفقاً لذلك فلسياسية الخارجية العراقية تأثير كبير وهكذا الحال بالنسبة لسياسات ومواقف تلك الشريحة المرتبطة بالدولة التي يعمل فيها ذلك اللوبي .

11- التحالف نوع من انواع الإتفاق على التعاون الإيجابي الموضوعي المتبادل في المشتركات وإنطلاق من الأهم والمهم و الصالح والأصلح و الفاسد والأفسد ودفع الضرر القطعي أولى من جلب المنفعة المحتملة و الضرورة وقاعدة الميسور وما الى ذلك ، ويمكن ان يكون التحالف موسعاً او محدوداً في مجالات معينة محددة فلا ملازمة بين التحالف والتبعية او الذيلية اوالإندماج الذوباني بل يمكن أن يُصاغ التحالف على اساس المشتركات والمصالح المشتركة المتبادلة في دائرة معينة ومجال محدد دون غيره وعلى اساس الإندماج والتعايش الإيجابيين فأهداف التحالف و مجالاته يجب ان تكون واضحة ومحددة وكذلك كيفية إدارة التحالف لتزريقه الدائم بالحوافز التي تجعل التحالف تحالفاً ناجحاً .

12 – القوة التفاوضية الكبيرة يمكن ان تبني تحالفاً ناجحاً وقوياً ومتكافئاً، هناك معادلة رياضية بسيطة جداً في هذا المجال و مفادها بأن القوة التفاوضية هي حاصل ضرب القوة المالية مضروبة في الثقل في الواقع و على الأرض مضروباً في كفاءة التواصل التفاوضي اي :

القوة التفاوضية = القوة المادية ×الثقل في الواقع× كفاءة التواصل التفاوضي

 فإذا كانت لجماعة تريد أن تؤسس لوبي بعد تحالف قوة مادية مقدارها (5) درجات و ثقل واقعي على الأرض مقداره (7) درجات و كفاءة للتواصل التفاوضي مقدارها (2) درجة فقط ، في هذه الحالة تكون القوة التفاوضية لهذه الجماعة تساوي (70) درجة حيث كما قلنا :

القوة التفاوضية = 5×7×2=70 .

فحتى لو كانت – على سبيل الفرض – قوتنا المادية منخفضة ولنفرضها كمثال انها تختضر في درجة واحدة والثقل على الارض كان كذلك لكن بزيادة من (2) درجة الى (70) درجة مثلاً كفاءة التواصل التفاوضي يمكن سد العجز في المجالين الأخرين و بذلك تبقى :

القوة التفاوضية = 1×1×70 = 70    .

و لإقتناص الفرص دور كبير في صياغة التحالفات كما هو حال الفرص في المجالات الاخرى .

13- الفرص الذهبية للتحالف و المفاوضات تكون متاحة اكثر في التغييرات الستراتيجية الكبيرة والفرصة كعادتها دائماً عجولة تمضي بسرعة ولا تعود وهي تأتي متكافئة للجميع لكنها كثيراً ما لا تكون واضحة المعالم فيستثمرها ويتقدم منْ تمكن من التحررمن التردد و التخوف الحاصل من ضبابية الفرص الملازمة دائماً للفرص ،اننا بحاجة الى دنياميكية وسرعة عالية دون تهور لإستثمار الفرص و قبل فوات أوانها .

14- هناك تصورات غير صائبة وخلط في المفاهيم يعيق إقامة التحالف الموضوعي المشروع اللازم لتأسيس اللوبي الفاعِل ، فلابد من تصحيح تلك التصورات والفرز بين المفاهيم فمثلاً التحالف مع هذه الجماعة او الدولة او تلك لا يعني قبول كل سياسات ومواقف وافكار تلك الجماعة او الدولة ، كما أن التغاضي اوالتغافل اوالتجاهل عن بعض سلبيات اواخطاء تلك الدولة اوالجماعة لا يعني القبول اوالتبرير لتلك السلبيات اوالاخطاء ، كما ان الاختلاف والمعارضة لتلك الأخطاء و السلبيات لا تعني المواجهة فلابد من الموازنة بين اهداف الحاضر واحلام المستقبل والتوفيق بين التكتيك والستراتيجية والتحرر والتحريرالمدروس من تعميم نظرية المؤامرة و مما يسميه البعض بعبادة الصورة اوعبادة السمعة حيث تمتنع اوتتحذر من الإنقتاح او الحوار اوالتفاوض اوالتحالف لحفظ صورته نقية فربما الإنفاق في سبيله تعالى يشمل الإنفاق من الصورة ايضاً كما يستدل البذل ماء وجة و وجاهة كبار الشخصيات على طريق إستحصال المال للمعوزين و الفقراء والمشاريع الخيرية ، انه نوع اخر من الإيثار الصعب المعقد وغيرالمألوف و :

( ربّ هِمّة أحيت امة )

كما عن الإمام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) .

15- لا تتخوف من قوى الضغط او اللوبيات الأخرى فتضخيم و تعظيم دور بعض اللوبيات مبالغ فيه الى حد كبير ، و تصديق ذلك او التسليم به كما هو هو الى جانب التعميم المطلق لنظرية المؤامرة في كل زمان و مكان و موضوع و حدث يجمد العقول و يثبط الهمم و يبعث على اليأس و الإستسلام والتقهقر الى الوراء فهناك طريقتان ليكون لديك أعلى مبنى : إما أن تدمر كلّ المباني من حولك ، أو أن تبني أعلى من غيرك والطريقة المثلى واضحة ولا يعوزها إلا المصارحة مع الذات والمدارة مع المرحلة والجرأة و الواقعية والمرونة والإنفتاح والأصالة والحداثة والتحديث الدائم المتواصل للمعلومات والأساليب والتقنيات .

16- لمجموعات الضغط مراكز ومعاهد للدراسات  البحوث الستراتيجية او تأثيرعلى تلك المعاهد والمراكز المعروفة بالثينك تانكس و بين الطرفين تأثير وتأثر وتداخل كبير الى حد كبير مما بعث البعض الى عدم الخلط بين مؤسسات اللوبي مراكز الثينك تانكس لأن المجموعة الأخيرة معظمها منظمات غير ربحية ولا تحظى بحقوق قانونية للعمل من أجل تغيير مسار السياسة الامركية  ( مثلاً في الولايات المتحدة ) بواسطة الضغوط اوالحملات السياسية مثلما يتاح لمنظمات اللوبي لكن في النتيجة لنشاطات المعاهد والمراكز البحثية تأثير كبيرعلى المسار السياسي و لذلك و غيره توجه إتهامات شديدة لمنظمات الثينك تانكس بأنها تمارس مثل هذه النشاطات بطرق خفية وأنها تستخدم هويتها غيرالربحية كساتر للجهود التي تبذلها لتغيير مسار السياسة الأمريكية لطريق معين  ، والحاصل انه لابد لأي جماعة تطمح في البقاء من مؤسسات لوبي لها جذورها و تفاعلاتها وعلاقاتها مع معاهد ومراكز البحث و مؤسسات الثينك تانكس بل لابد ان تؤسس هي معاهد ومراكز فاعلة مشابهة تلتزم بالدقة و الموضوعية والعلمية والرصانة والإستقلالية والإنحياز للصواب و الصحيح والمفيد في عرض القاضاياو المواقف والأراء والتحليلات و الإستشرافات .

17- عادة ما توجه تهمة الإنحياز الى معهد اومركز معين وتكون خلفية هذه الإتهامات ناتجة من الميول والإتجاهات الايديولوجية الغالبة على الباحثين العاملين في هذا المركز اوذاك و على سبيل المثال :

يصف أندروماسلوسكي مؤسسة هيريتيج بعقل المحافظين الجدد (1) .

نجد ان معهد أمريكان إنتربريز يحظى بسمعة الإنحياز للتفكير اليميني و بشكل خاص تفكير المحافظين الجدد ، حيث يعمل به مجموعة من صقور الفكر اليميني المحافظ مثل ريتشارد بيريل ، و نيوت جينجريتش ، و دانيلا بليتكا و السفيرة السابقة كيربيانريك هذا بالاضافة الى زوجة نائب الرئيس الأميريكي ليين تشيني لذا صبغت على المعهد عباءة كونه قبلة انصار اليمين المحافظ في واشنطن و من ناحية اخرى تتهم بعض مراكز الثينك تانكس بالإنحياز للسياسات المفضلة للدول العربية مثل معهد الشرق الأوسط ، و هناك ايضاً منظمات معروفة بالإنحياز تجاه إسرائيل مثل معهد واشنطن للشرق الادنى ، و اخرى تجاه حقوق الفلسطنين مثل مؤسسة سلام الشرق الوسط و تعرف إختصاراً باسم( FmeP (2 .

18- الحاجة كبيرة لمعاهد ومراكز البحث في العراق و في دول المهجر فالتأثير الخاص بتلك المراكز كبيرعلى المسار والقرار السياسي مع ما تقدم وسيأتي من شروط و حيثيات ومكملات وتوزيع أدوار، طبعاً يتفاوت مجال التأثير فى دولة لاخرى ومن مؤسسة بحيثة لاخرى فمثلاً في الولايات المتحدة الأميركية لهذه المعاهد تأثير لكن تتفاوت منظمات الثينك تانكس في قدرتها على التأثير على مسار السياسة الأمريكية وهذه القدرة تتوقف على عوامل عديدة من أهمها التمويل وقوة العلاقات الشخصية التي تربط المؤسسة و العاملين فيها بأهم صانعي القرار الأمريكي ، فيجب ان لا ننسى التمويل والعلاقات القوية مع المفاتيح الخبيرة الحية مثل اصحاب القرار و النفوذ والكوادر الخبيرة ذات العلاقات المركزة الواسعة .

19- لإستيعاب أليات عمل و تأثير تلك المعاهد و المراكز يجب أن نعرف بان كثيراً من كبار رواد قطاع هذه المعاهد المعروفة بالثينك تانكس على علاقة وطيدة بالسياسيين الكبار حيث أن اغلبهم صناع قرار وسياسيين سابقين . فعلى سبيل المثال أدوارد ووكر رئيس معهد الشرق الأوسط هو مساعد وزير خارجية و سفيراً أمريكي سابق ، مارتن إنديك مدير مركز صابان لدراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز عمل ايضاً مساعداً لوزير الخارجية ، و سفيراً سابقاً في اسرائيل اما كينث بوليك مدير البحوث بنفس المركز فهو مدير سابق لوحدة شئون الخليج بمجلس الأمن القومي ، و ريتشارد هاس الذي رأس بالماضي قسم تخطيط السياسات بالخارجية الأمريكية هو الرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية ، و اخيراً دينس روس أحد كبار المستشارين الأساسيين لإدارة الرئيس السابق بيل كلينتون يعمل الأن كمدير لمعهد واشنطن لشئون الشرق الأدنى . و هذه الظاهرة ساعدت على تقوية التعاون بين قطاع منظمات الثينك تانكس و عملية ضع القرار حيث يربط الاثنين علاقات شخصية قوية (3) ، فذلك الإختيار و الإستقطاب للعاملين .

في تلك المراكز و المعاهد مع الرصيد العلاقاتي والخبروي الميداني يساعد كثيراً على التأثير في المسار والقرار السياسي ، وبذلك يمكن القول بان معاهد ومراكز البحث تلك تلعب دور اللوبي وإن لم تصنف ضمن قائمة جماعات الضغط اواللوبيات من الناحية القانونية والحقوقية ، ولذلك سنتطرق كثيراً في بحثنا هذا عن هذا المراكز والمعاهد كي نتناول الضغط و اللوبي بوسائله وبالمعنى الأعم .

20- يعتبر التمويل في مراكز ومعاهد البحث المذكورة وإمكانية إستحصال الأموال احد أهم معايير نجاح وبقاء وتقدم تلك المؤسسات ، حيث يعتبر التمويل المالي تحدياً أساسياً لمعظم هذه المؤسسات والمشهوران تمويلها عادة اما يأتي من أرباح رسوم العضوية و إما من محصلة بيع المطبوعات التي تصدرها هذه المعاهد كذلك يغدق العديد من أثرياء المجتمعات السياسية بالولايات المتحدة و بعض الدول الخارجية الى جانب كبريات الشركات الأمريكية مثل شركات البترول و المصانع الكبيرة لضمان خروج دراسات و توصيات لصناع القرار الأمريكي بما يخدم مصالحهم ، ويشار كثيراً الى إغداق شركات صناعة و تجارة السلاح بالأموال لنفس الهدف ، وهذه مسألة اخرى حيث يجب التمييز بين جماعات الضغط وجماعات المصالح و لا نختلط بينهما وسنشير الى ذلك.

21- مراكز ومعاهد البحث يجب ان تعمل على تنضيج القرار والمسار و الرأي العام بإيصال إنتاجها الى اصحاب القرار والنفوذ ومستشاريهم و تتناول القضايا الساخنة الملبية لإحتياجات المجتمع وصناع القرار وبشكل مبسط و ملخص وموضوعي ، فصناع القرار يبحثون عن الحلول و يعتمدون هم اومعاونيهم على اصدارات وتقارير هذه المعاهد والمراكز ففي الولايات المتحدة الأمريكية يؤثر قطاع الثينك تانكس على طابع التفكير و الخطاب السياسي بالمجتمع في العاصمة واشنطن على المدى الطويل ، فلا تتوقع سرعة وسهولة التأثير فالأبحاث والدراسات و الوثائق الصادرة عن تلك المنظمات والمعاهد عادة ما تجد طريقها الى مكاتب كبار صناع القرار والأمثلة في ذلك وفيرة كذلك توجد دوريات سياسية متخصصة من هذه المؤسسات وهي جديرة بالدراسة و التحقيق والتأمل لإستكشاف متداخلات الحاضر وإستشراف المستقبل و لاسيما للمراكز البحثية الفتية والمهتمين و المغيين بالسياسة و التحديات و الأخطار التي تواجهنا و من الأمثلة الواضحة هنا مجلة فورن آفيز Foreign Affairs الصادرة عن مجلس العلاقات السياسي council on Foreign Relations ، و دورية الشرق الأوسط Middle East Journal الصادرة عن معهد الشرق الأوسط ، و ايضاً مجلة السياسة الخارجية  Foreign Policy الصادرة عن معهد كارنغي للسلام العالمي Carnegie endowinent for international peac و ينضم الى مثل هذه المجلات المنشورات المختلفة التي تصدرها منظمات الثينك تانكس ، و نجد تحت هذا التصنيف مثلاً التقارير المتخصصة special reports  التي يصدرها المعهد الأمريكي للسلام united states Institute of pace  ، او تقارير مركز مراقبة قضايا الدفاع Defense Monitor الصادرة عن مركز معلومات الدفاع center for Defense Information .

و كثيراً ما تتحدث هذه الأبحاث عن القضايا والموضوعات الساخنة تلبية لإحتياجات صناع السياسة الأمريكية وغالباً ما يعتمد الكثيرون من السياسيين الأمريكين و كبار مستشاريهم ومساعديهم على مثل هذه المجلات و التقارير كمصدر معلومات موثوق فيه عن الأوضاع في المنطقة و عن الخيارات المتاحة للتعامل مع هذه القضايا ومن جهة نظر متلقي هذه التقارير والدراسات تُعد هذه الدراسات الصادرة عن الثينك تانكس بديلاً للابحاث الاكاديمية المعقدة حيث ان معظم الأبحاث من النوعية الأخيرة تتطلب خلفية تاريخية كبيرة لإستيعابها لكن أبحاث الثينك تانكس عادة ما تكون أكثر بساطة و سلاسة ولا تتطلب مجهوداً اووقتاً كبيرا من القاريء للفهم ولهذا السبب قررالعديد من أساتذة الجامعات المتخصصين في شئون الشرق الاوسط أن يجمعوا بين نشاطهم الأكاديمي والتعاون مع مؤسسات ومراكز البحث : الثينك تانكس حيث الشهرة و النفوذ والتأثيرو التطور .

22- إذا اريد لمراكز ومعاهدالبحث والدراسات التأثير فيجب ان تستقطب كبار الباحثين لتستثمر جهودهم في الإتجاهات المتقدمة وتقوم بتقديم الإستشارات العملية النزيهة للسياسيين واصحاب النفوذ و أهل الحل والعقد ، فاضافة الى ما تقدم يتمثل التفاعل بين صناعة القرار الأمريكي وقطاع الثينك تانكس في الإستشارات العديدة التي يقدمها كبار باحثين هذه لمعاهد او مراكز للسياسيين الأمريكيين واحياناً يستعين أعضاء الكونغرس الأمريكي بأولئك الباحثين للتعبيرعن أرائهم و تقديم توصياتهم ويحدث هذا التفاعل في العادة من خلال جلسات الإستماع  Hearings  العديدة للجان الكونغرس المعينة بقضايا السياسات الخارجية والدفاع والأمن القومي اما البيت الأبيض والخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع فيستعينون بخدمات الباحثين من خلال ندوات و إجتماعات خاصة (4) وعلى سبيل المثال تصرح منظمة إيباك من خلال موقعها الإلكتروني بأن مقابلات إيباك مع اعضاء الكونغرس الأمريكي تصل الى 2000مقابلة في السنة الواحدة و تنتج عنها عادة 100 تشريع محاب لإسرائيل على حد تعبير الموقع (5) .

وايباك هي لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية  :

American – Israeil Public Affairs committee ( AIPAC)و توصف اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة المغروفة بإيباك بانها أشهر جماعات الضغط اليهودية ، و واحدة من أقوى خمس جماعات ضغط في واشنطن ، وتقول الجماعة عن نفسها في موقعها الالكتروني أن دورها لا يتعدى تقديم المعلومات لصانعي القرار الأمريكين، و تنفي ممارسة اي نوع من الضغوط على السياسيين الأمريكين لحملهم على تأييد إسرائيل (6) طبعاً كل ذلك النجاح والنشاط بالرغم من المد و الجزر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية و بالرغم من خلافاتها و إختلافاتها مع العديد من المنظمات و اللوبيات الهودية المنافسة ، فالإختلاف في كل مجتمع و في كل مكان موجودة والقيود والمعوقات هي كذلك ، المهم هو السعي الدؤوب المرحلي المنظم المركز المتواصل المدروس فالمصالح و حتى التحالف لوحدة لا ينجز شيئاً وهو لا يعني إطلاق اليد بالتمام و الكمال .

23- كما قلنا الإختلاف في كل مجتمع وفي كل مكان موجودة والقيود والمعوقات والمنغصات والتقاطعات والتحديات موجودة  كذلك ، فالمصالح وحتى التحالف لوحده لاينجز شيئاً وهولا يعني إطلاق اليد بالتمام والكمال .

لنرجع الى مثال إيباك نفسه ففي صيف عام 2005 شهد ت المنظمة حادثة فريدة وهي اتهام هيئة محلفين فدراليين في مدينة ألكسندريا بولاية فيرجينيا (خارج واشنطن العاصمة) كلا من ستيفن روسن وكيث وايسمان باستغلال موقعهما الوظيفي في إيباك (لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية الأمريكية) لتطوير علاقة مع محلل في وزارة الدفاع الأمريكية للحصول على معلومات سرية وإطلاع جهات رسمية أجنبية (إسرائيلية).

فسارعت منظمة إيباك بفصل موظفيها الكبار بسبب التجسس لصالح إسرائيل. وكان عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI داهموا مكاتب إيباك مرتين خلال العام الماضي على خلفية هذه القضية.

24 – مع تلك الفضائح والتقاطعات والمد والجزر تواجه مؤسسة إيباك تحديات كبيرة و ضغوط هائلة في ظل فضيحة التجسس المذكور لاثنين من عناصر المنظمة البارزة، وهم ستيفين روسن مدير الشئون السياسية السابق وكييث وايسمان، باحث سابق بإيباك، وهو متخصص في شئون إيران. وتلك ليست المرة الأولى التي يواجه فيها إيباك مثل هذه الضغوط.

فمن المعروف أن رئيس إيباك السابق ديفيد ستينر أضطر لتقديم استقالته في أوائل التسعينيات بعدما ثبت بواسطة شريط تسجيلي صرح فيه أنه يتفاوض مع هيئة الحملة الانتخابية لكلينتون لتعيين وزير خارجية مؤيد لإسرائيل.

أعتبرت الكثير من المنظمات المنافسة هذه الفضيحة كعلامة خيانة.

كما تصرح المنظمة من خلال موقعها الاليكتروني بأن مقابلات إيباك مع أعضاء الكونغرس الأمريكي تصل إلى 2000 مقابلة في السنة الواحدة وتنتج عنها عادة 100 تشريع محاب لإسرائيل على حد تعبير الموقع. وكما ذكرنا للمنظمة مكاتب إقليمية عديدة خارج نطاق العاصمة الأمريكية. وتقدر قيمة ميزانية إيباك السنوية بـ40 مليون دولار.

25- نعم رغم الضغوط والتقاطعات مازالت إيباك وكما هي تقول إن أهدافها الحالية تتركز على النقاط التالية:

• منع إيران من الاستحواذ على الأسلحة النووية

• دعم إسرائيل وتأمينها

• الدفاع عن إسرائيل من أخطار الغد

• تحضير جيل جديد من القيادات الداعمة لإسرائيل

• توعين الكونغرس عن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية

وتحاول المنظمة تحقيق هذه الأهداف من خلال النشاطات السياسية المختلفة ومنها الاجتماع بأعضاء الكونغرس وإقامة علاقة جيدة معهم. كما تعرف المنظمة ببرامجها التعليمية وتضمن برنامج سنوي يسعى لتوعية الشباب الأمريكي عن العلاقات مع إسرائيل ويشمل المشروع دورة تدريبية عن كيفية إدارة نشاطات مؤثرة لجلب التأييد العام للقضايا المتعلقة بإسرائيل. كما تصدر إيباك "تقرير الشرق الأدنى" وهي مجلة تنشر كل أسبوعين وتناقش أهم المواضيع الجارية في مجال العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. ورئيس تحرير المجلة هو رافاييل دانزيغر، وهو مؤلف كتاب "عبد القادر والجزائريون: من مقاومة الفرنسيين إلى التعزيز الداخلي".

26- وتقدم إيباك العديد من التقارير لتزويد صناع القرار بمعلومات عن التطورات بمنطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على مصالح الدولة الإسرائيلية وعلاقتها بالولايات المتحدة، وإن كانت حيادية مثل هذه الوثائق محل جدل.

27- ومن أهم النشاطات التي تقوم بها المؤسسة هي المؤتمر السنوي. وهذا الحدث يعتبر من أكبر التجمعات لكبار شخصيات المجتمع الواشنطوني حيث ينضم إلى هذا الاحتشاد زعماء الكونغرس الأمريكي إلى جانب كبار صناع القرار الأمريكي. وألقى الخطابات الرئيسية هذا العام وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس وهيلاري كلينتون عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك وزوجة الرئيس الأمريكي السابق وأرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي. وكان عدد الحاضرين هذا العام حوالي 4,000 وهو رقم قياسي في تاريخ مثل هذه المؤتمرات.

28- ولا تنحصرالضغوط والتقاطعات والتحديات فيما تقدم بل هناك صراع ومنافسة قوية من قبل منظمات يهودية اخرى لإيباك حيث قالت موسوعة "سبين واتش" SpinWatch أن إيباك تحظى بمنافسة من المنظمات اليهودية المعادية التي تتهمها بالانحياز للميول اليمينية المحافظة التي لا تمثل الآراء العامة في المجتمعات اليهودية. ومنهم "منتدى إسرائيل للسياسات" Israel Policy Forum الذي يرأس قسم أبحاثه أم جاي روزنبيرغ الذي عمل بإيباك كرئيس تحرير "تقرير الشرق الأدنى" خلال فترة الثمانينيات.

كما تواجه إيباك اتهامات من منظمة تدعي "مجلس المصلحة القومية" Council on National Interest التي تهدف لتغيير مسار السياسية الأمريكية إلى اتجاه جديد لا ينحاز إلى الجانب الإسرائيلي. وأسس المركز بول فيندلي علم 1989 وهو عضو سابق بمجلس النواب. و قد شن المجلس حملة شرسة ضد إيباك في ظل فضيحة اتهامات التجسس ضد عناصر المنظمة.

والخلاصة ان ثقافة اللوبي في الوطن والمهجر وفي الحكومة والبرلمان والمؤسسة الأم والمؤسسات بحاجة الى مراجعة وفهم وتفهم وتفهيم وتكريس لأنها تخلق سلاحا حضاريا ستراتيجيا ديمقراطيا عصريا يحول دون الحذف والإقصاء والكبت فالتمرد والإنفجار والتطرف ويمكن أن يدعم التفاهم والتعايش والحوار و السلام المحلي والدولي ويمنع من تمركز السلطة وشخصنتها في المؤسسات على إختلافها ( 7 ).

جماعات اللوبي والضغـط الأمريكي(4)

 1- جماعات اللوبي وجماعات الضغط الأمريكي :

يتلاعب ناشطو اللوبي وجماعات الضغط المحلية في عملهم ضمن قيود النظام و يستخدمون الوسط الثقافي السائد : -

 أولاً : لكسب الوصول إلى أولئك المسؤولين عن السياسة الخارجية في الشرق الاوسط .

ثانياً :  للتأثير فيهم لتبني سياسات ملائمة لجداول أعمالهم المعينة .

 و إن كل من ناشطي اللوبي المحترفين المتمركزين في واشنطن و جماعات المصالح عبر البلاد يسعى الى التأثير في السياسة الخارجية و جماعة الضغط ، تمثل خليطاً من جماعات اثنية ، و وجهات  نظر سياسية مختلفة ، و منظمات واعية من دون مقابل مادي ، و بموجب قوانين الولايات  المتحدة يحدد الناشط  اللوبي بالفرد أو المنظمة ، و تكون مهمته  التأثير في تمرير تشريع  و هو يتلقى نقوداً لهذه الغاية.

وهناك أكثر من 100 ألف ناشط لوبي مسجل في واشنطن معظمهم مركزون في قضايا محلية و أن لهم تأثيراً رئيسياً التشريعات الداخلية و التصويت لأعضاء الكونغرس أوعن طريق الاتصالات الشخصية بالمسؤولين و التبرعات المالية للأحزاب السياسية و السياسيين و لهم تأثيراً قوياً في السياسة الخارجية كما في السياسة  الداخلية :

*يمتاز ناشطي اللوبي في عملهم بأن : -

1- بأن يقولوا الصدق .

2- الوعد يمكن إعطاؤه .

3- الإصغاء والعمل مع الموظفين الحكوميين والأهم من ذلك مفاجأة السياسيين بمقترحات أو مطالب غير متوقعة .

4- على ناشطي اللوبي تحديد أعمالهم بوضوح و معرفة صانعي القرارات المؤثرين وذوي النفوذ .

5- يمكن لناشطي اللوبي و جماعات الضغط تثقيف صانعي السياسة و تزويدهم بمعلومات حول قضايا معينة .

*يستخدم ناشطوا اللوبي و جماعات الضغط تقنيات بسيطة  منها : -

1- حملات رسائل – تلفونات – فاكسات موجهة الى البيت الأبيض .

2- اتصالات مباشرة و شخصية مع الرئيس وكبار المسؤولين .

3- اتصالات شخصية مع أعضاء الكونغرس .

4- الضغط لإقرار تشريع حول قضايا معينة في الكونغرس .

5- الوصول الى وسائط الإعلام و كسب نفوذ داخلها يساعد على كسب  شعبية و دعاية .

6- حملات شعبية لكسب دعم شعبي .

7- يستخدم ناشطو اللوبي نقاط القوة و الضعف في ذلك النظام لكسب التأييد و قبول برامجهم المعينة و تبنيها من قبل حكومة الولايات المتحدة .

2- اللوبي الصهيوني : -

 ليس  كتلة متراصة واحدة بل قوة متشعبة  الفروع و يبلغ السياسيون الصهاينة  بالمد و الجزر في سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط و اللوبي الصهيوني يعمل :

1-  كلوبي معاد للعرب و المسلمين .

2- و معارض لأي تقارب بين العرب و الولايات المتحدة .

3- تمتعت المنظمات اليهودية الأمريكية قنوات مباشرة مع البيت الأبيض عن طريق مواطنين وسطاء معينين.

وهؤلاء الموظفون يعينون في الغالب على أساس خبرتهم  الشخصية و الحرفية الوثيقة مع  الجالية اليهودية و يرتبون اجتماعات مع الرئيس وغيره من المسؤولين عن تشكيل السياسة الخارجية في الشرق الأوسط و هم ينقلون معلومات الى المنظمات  اليهودية الصهيونية حتى تتمكن من تفعيل جهودها السياسية و اهتمامات  الصهيونية بالحكومة والبيت الأبيض والمنظمات اليهودية تعمل ناشطة في المجالات السياسية والاجتماعية  منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية .

 *من أهم المنظمات الصهيونية هي : -

1-لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية – الأمريكية التي أنشأها عام 1954 المجلس الصهيوني – الأمريكي و هو لوبي محترف مسجل و ظلت أنجح قوة صهيونية في واشنطن وأن لدى هذه اللجنة 75 موظفاً بميزانية سنوية تبلغ 507.000.000 دولار .

ولهذه اللجنة شبكة عمل وطني منها إخطارات عمل وتوزع تشكيلة واسعة من المواد عن إسرائيل و عن العالم العربي معظمها جدلي الى حد كبير و يوفر ناشطوا اللوبي الصهيوني ، دفقاً مستمراً من المعلومات والمنشورات والأوراق السياسية ، ليس مع إسرائيل فحسب بل عن العالم  العربي و الإسلامي و يوفر تغطية  متوازنة عن الشرق الأوسط ، ومؤيدة لإسرائيل باستمرار ومعادية علانية للعرب والمسلمين ، والعقبة الصهيونية اليهودية في تطبيق سياسة خارجية اكثر توازناً  في الشرق الأوسط  فقط  لتأثير جهود ناشطي اللوبي ، المناوئين للعرب و المسلمين و المؤيدة لإسرائيل .

وقدرة اللوبي الصهيوني في انتاج حملات كتابة رسائل جاهزة و لتجنيد ردود فعل و معروفة  جداً وهم يساهمون حالياً بحملات الأحزاب السياسية و السياسيين المنفردين و يجمعون الأصوات و يمارسون قوة سياسية كبيرة و يحظون بتأييد ساحق في الكونغرس و قوة اللوبي الصهيوني في حشد الرأي مع أو ضد أعمال في الشرق الأوسط .

إن اللوبي الصهيوني : اعترف بجهل الرأي العام الأمريكي بشؤون السياسة الخارجية وغياب مشاركته فيها ،  وان التأثير اللوبي اليهودي الصهيوني أكبر من ذلك . 

*اللوبي  العربي :

يتوزع ناشطوا اللوبي المؤيدين للعرب على فئات متعددة عن طريق بلدان عربية باتصالات مباشرة مع سفاراتها في واشنطن للتأثير في السياسة الخارجية الأمريكية و تاريخياً دفعت حكومات عربية مبالغ ضخمة من الأموال الى مؤسسات علاقات عامة  متمركزة  في أمريكا وناشطي لوبي لتصميم حملات دعاية و تأثير في سياسيين ولأن هذه الجهود أخفقت  في تحقيق  تأثير ايجابي سواء في الجمهور الأمريكي أو في صانعي القرار السياسي .

 لم يتفهم الزعماء العرب دائماً ديناميات النظام السياسي الأمريكي – كانوا يظنون أن جهود اللوبي نشاطات غير قانونية وأن كل هذه الجهود  يجب أن توجه عبرالقنوات  الدبلوماسية أو الوصول الى الرجل الجالس في القمة للتأثير في السياسة .

 *و يجب على ناشطي اللوبي العربي اتخاذ : -

1-  أن يتمكنوا من الضغط بفعالية لإجراء تغيير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية  الخارجية .

2- أن يكون لهم وصول الى مسؤولي الحكومة وأعضاء الكونغرس وعند تحقيق هذا الوصول  يترتب عليهم مواجهة العداء الثقافي المتراكم تجاه العرب والمسلمين.

3- أن تكون الاتصالات او الاجتماعات مع العرب الأمريكيين تعامل كأمور سياسية خارجية وليس سياسة داخلية و يتم عن طريق وسطاء ذوي صلة او مكاتب شؤون اثنية متمركزة في البيت الأبيض .

4- بمقدور مراكز ضغط اللوبي العربي زيادة فعاليتها بتبني جداول أعمال بعيدة المدى وموحدة و أن تكون فاعلة ، وتحتاج المنظمات المتركزة على الجاليات العربية  الأمريكية الى توسيع و تطوير الاتجاه الراهن نحو توحيد الجهود الضاغطة وتكون متناسقة مع حملات الحكومات العربية .

5- تحتاج جهود اللوبي العربي أن تكون موجهة نحو الناخبين الأمريكيين و الجمهور بوجه عام وهما الاقتصاد و حقوق الإنسان وهذان الموضوعات تعد بامكانات كبيرة لحملات لوبي عربي ناشطة و فاعلة .

 وفي الوقت  الحاضر : أصبح العرب الأمريكيون أكثر نشاطاً من الناحية السياسية و أحرزوا وصولاً أكبر الى البيت الأبيض ومكاتب حكومية أخرى ، إلا أن هذا لم  يترجم  بعد الى فعالية أكبر في تغيير سياسة الولايات المتحدة  الخارجية أو في مواجهة الضغط  المستمر من جانب الجماعات الموالية لإسرائيل و شعور العداء العام تجاه العرب والمسلمين و يظل معظم السياسيين الأمريكيين مترددين في التعامل علانية مع العرب، حتى مع العرب التي تغازلهم الولايات المتحدة

جماعات الضغط(5)

 تُقسم الأدوار حسب التخصصات وتوزع على اساس ان تكمل بعضها البعض لأجل ضمان الحصول على اقل نسب من الأخطاء في الأداء والارتقاء نحو الأفضل

وهذا ينطبق على آلية تسيير الدولة وسياساتها الداخلية، فالحزب الحاكم مهما كان مبدئياً ستكون الحكومة افضل في حال وجود ضغط مدروس ومعارضة سليمة.

الحزب السياسي يعني وجود مجموعة من الأفراد مجتمعين في تنظيمٍ معين على اساس مبادئ مشتركة لأجل تحقيق اهداف مشتركة في إطار قانوني لأجل الوصول إلى السلطة او من  الوصول إلى السلطة.

غالباً ماتكون اهداف هذه الأحزاب واضحة المعالم تعمل علناً لأجل الوصول إلى السلطة، اي إلى القوة والنفوذ والاقتصاد، بذلك يكون الفرد امام جماعة (البعض منها) تبذل جهداً مساويا لما تطمح وتسعى له وهو غير موجود في المنظمات التي تعتبر غير ربحية بالدرجة الأساس (إذا مااستبعدنا الطموح الإنساني البحت) لاعتمادها سياسة العمل الطوعي، تبذل مجهوداً كبيراً قد يصل احياناً إلى مجهود بعض الأحزاب دون ان يكون ضمن اهدافها ما يلبي مصالح جماعية ضيقة فيما لو تحققت.

بالاطلاع على عدد من تعريفات جماعات الضغط نجد ان لا اختلافات كبيرة بينها وبين تعريف الحزب السياسي، إذ نستطيع التوصل إلى انها تعني ايضاً وجود مجموعة من الأفراد مجتمعين في تنظيمٍ معين على اساس مبادئ وقد تكون مصالح مشتركة لأجل تحقيق اهداف مشتركة في إطار قانوني، في هذا التعريف يُلاحظ ان لا فرق بين جماعات الضغط والحزب السياسي سوى من ناحية سعي الحزب إلى السلطة وعدم سعي الجماعة لها، بدلاً عن ذلك تسعى الجماعة للضغط على السلطة التي وصلها الحزب، وبتعبير أدق تسعى للضغط على الحكومة. علماً ان بعض البلدان تحتوي جماعات اكثر تأثيراً من الأحزاب السياسية وخاصة جماعات الاقتصاد القوي.

برجوع سريع إلى التاريخ نرى ان الجماعات الضاغطة غالباً مالم تكن تحمل صفة القانونية، بسبب انظمة الحكم الشمولية والطريقة التي كانت تعالج بها معارضة تلك الجماعات من خلال البطش والتنكيل، ماكان يدفعها مضطرة للعمل السري واستخدام البعض منهم للعنف لتحقيق غايات سياسية وإن تسترت بألبسة مختلفة كل حسب رقعة عمله الجغرافية.

من اشهر هذه الجماعات واكثرها جدلاً في التاريخ الإسلامي في الشرق الأوسط هي الإسماعيلية التي تسمى في مصادر المستشرقين بالحشاشة.

بعض المطلعين على الاغتيالات والعمليات التي كانت الاسماعيلية تنفذها قد يصنفونها ضمن الجماعات الدينية لا السياسية، وما اشبه اليوم بالبارحة عندما نقارن بين المخطط والمنفذ.

كانت اوروبا والصين و مصر واليونان تحتوي ايضاً على جماعات ضغط عديدة على اشكال مختلفة من عوائل وقبائل او جماعات تجارية ودينية كانت دائماً تسعى للحصول على مزايا خاصة على حساب الأخرين، رغم اننا لا نستطيع ان ننسبها إلى الجماعات الضاغطة حسب مفهومنا الحالي لها، إلا انها كانت جماعات تضغط لأجل أهداف تجمعها ببعضها البعض.

تعريفات جماعة الضغط

يعرفون بجماعات الضغط لأنهم يستخدمون الضغط كوسيلة لحمل الحكومات على تلبية مطالبهم، وهنالك اكثر من تعريف لهم، كنا قد اشرنا في المقدمة إلى تعريف نعتقد به وهنا نرغب في ان نستعرض  عدداً اخر من التعريفات، منها مايقول "انها تمثل مجموعة كبيرة من الجماعات العرقية ووجهات النظر السياسية وهي مؤسسات طوعية" ويعرف الدكتور صادق الأسود جماعة الضغط بانها "جماعة من الاشخاص تربطهم علاقات اجتماعية خاصة ذات صفة دائمة او مؤقتة بحيث تفرض على اعضائها نمطاً معينا في السلوك الجماعي، وقد يجتمعون على اساس وجود هدف مشترك او مصلحة مشتركة بينهم يدافعون عنها بالوسائل المتيسرة لديهم" قد تكون لهم مصالح يدافعون عنها وقد تكون اهدافا يسعون إلى تحقيقها، والغالبية الفعالة المؤثرة من هذه الجماعات هي تلك التي تتشكل من افراد لديهم اهداف مشتركة يسعون إلى تحقيقها كالمنظمات غير الحكومية وتجمع الشركات التجارية (شركات الضغط) وسنورد فقرة خاصة فيما بعد عن دور هذه الشركات في الضغط على السياسات العامة.

يعرف (ن. هنت) جماعة الضغط بانها "اية منظمة تسعى إلى التأثير على سياسة الحكومة بينما ترفض تحمل مسؤولية الحكم" هذا التعريف يجعل من الممكن ان تكون إحدى الجماعات هي الحاكم الفعلي في تسيير السياسات العامة في دولةٍ ما دون ان يعي الجميع ذلك.

اما جان دانيل "فيعرفها بانها كل الجماعات التي تضغط للتأثير على السياسات العامة على الصعيد السياسي بذلك تكون الجماعات الضاغطة هي فقط الجماعات التي تعمل على الساحة السياسية وهم يختارون ان يعملوا في السياسة خارج نطاق الأحزاب والحركات السياسية للفروقات العديدة الموجودة بين الحزب والمنظمة او المؤسسة ابتداءً من هيكلية التنظيم وحجمه مروراً بآليات العمل انتهاءً بالقاعدة الجماهيرية التي يحتاجها الحزب لأجل تحقيق اهدافها.

يعتبر اللوبي من اكبر جماعات الضغط في العالم، يعرفها جيمس برايس" بانها إغراء البرلمان للتصويت مع او ضد مشروع قانون ما "اما ادكار لاني فيقول"هم افراد يعملون في سبيل التأثير على قرارات الحكومة.

نفهم من هذين التعريفين ان اللوبي هو جماعة تعمل على التأثير على مصدر القرارات التي تتوزع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الحاكمة في البلاد والتي تحدد صلاحياتهما من قبل دساتيرهما فيحدد اللوبي نقطة تركيزه اعتماداً على مصدر اتخاذ القرار.

مهما تبدلت الأسماء وتعددت فهي في النهاية يجب ان تضم العناصر الثلاثة ادناه.

 - تجمع يضم عددا  من الأشخاص

- لا يسعى للوصول الى السلطة

 - يسعى إلى التأثير على السلطة

اخطر صورة تظهر فيها جماعات الضغط هي تلك الصورة المضللة التي تكون فيها مواقفها اوسع من اهدافها. بذلك هي تضلل الراي العام وتستغل المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة. من اشهر جماعات الضغط والمصالح هي جماعة اللوبي اليهودي في اميركا وجماعات الفلاحين والجماعة الكاثوليكية وجماعة رجال الاْعمال والجماعات العمالية.

اخيراً نود هنا ان نذكر تعريفاً للبروفسور موودي"جماعة الضغط هي اية جماعة منظمة تحاول التاْثير على السياسات والقرارات الحكومية دون محاولتها السيطرة على المراكز الرسمية للدولة وممارسة اساليب القوة الرسمية من خلالها".

دور الجماعات الا قتصادية في التأثير على السياسات العامة

السياسات العامة تعني كل ما يصدر من قرارات من السلطة التنفيذية والتشريعات الصادرة عن البرلمان.

لأجل ان تحقق الجماعات اهدافها عليها التأثير على هذه القرارات والتشريعات بما يتناسب ومصالحها التي سنحاول ان نلخص كيفية عملها في النقاط ادناه:

1- التكاليف الضخمة للحملات الانتخابية تتيح لرجال الأعمال فرصًا أفضل من غيرهم للإنفاق على الدعاية والمؤتمرات الجماهيرية وغيرها بذلك يلجأ الى دعمهم اغلب المرشحين مقابل اتفاقيات مسبقة تنص على خدمات يقدمها المرشح الحاصل على مقعد في البرلمان من خلال موقعه البرلماني.

2- قدرتهم الاقتصادية تتيح لهم شراء اصوات الناخبين ذوي المستويات المعاشية المتدنية.

3- استغلال هذه الفئة للحصانة والمزايا التي تمنحهم اياها عضويتهم في البرلمان لأجل تيسير انشطتهم الاقتصادية.

4- زيادة نسبة رجال الأعمال داخل المجالس النيابية والأحزاب الحاكمة يتيح لهم فرصا لتوجيه النظام السياسي الوجهة التي تحقق مصالحهم، من خلال السيطرة على هيكل صنع القرار السياسي، بذلك يكون الجمع بين السيطرتين الاقتصادية والسياسية.

5- صناعة القرار السياسي يحتوي من المغريات ما يدفع رجال الأعمال نحو تعميق التحالف بين الفئتين لتحقيق مكاسب مشتركة قد يكون الكثير منها غير متسق مع المصلحة العامة، أو في غير صالح الفئات الأخرى غير القادرة على إيصال ممثليها إلى المجالس النيابية بنفس القدر المتاح لرجال الأعمال.

6- الكثير من القوانين والقرارات الحكومية المتعلقة بالقضايا الاقتصادية في مراحل التحول تصب في اتجاه تدعيم مصالح الفئات القادرة، وهو أمر يتسق مع توجهات المؤسسات الاقتصادية الدولية، الأمر الذي يثير الشكوك حول علاقات رجال الأعمال الوطنيين مع هذه المؤسسات الدولية.

7- لا يبدو أن رجال الأعمال الطامحين إلى المناصب السياسية يخطون اتجاهات سياسية واضحة، الأمر الذي يجعلهم بغض النظر عن الأحزاب التي ينتمون إليها يشكلون كتلة ذات مصالح متشابهة في مواجهة الفئات الأخرى.

8- العديد من أبناء المؤولين السياسيين وأقاربهم قد أصبحوا من كبار رجال الأعمال اعتمادًا على نفوذ آبائهم وأقاربهم وأصبح بعضهم أقرب إلى رجال الأعمال منه إلى السياسة، اي أصبح بعضهم مدافعًا بقوة عن مصالح رجال الأعمال التي تتفق  ومصالحه.

9- استمرار سيطرة جهاز الدولة على أجهزة القمع واحتكار القرارات المهمة وغياب الشفافية يتيح للمسؤولين السياسيين قدرة غير محدودة على مقايضة القرارات السياسية بالمصالح الاقتصادية.

10- إذا كان التنافس بين فئات المجتمع ظاهرة صحية بصفة عامة، فإن قدرة فئة معينة على فرض وجهة نظرها لعوامل تتعلق بقدرتها على التأثير وليس لأسباب موضوعية في إطار المنافسة للوصول إلى أفضل القرارات.

سلبيات وإيجابيات جماعات الضغط

اهم سلبياتها:

1- تقوم على اساس تحقيق مصالح فئوية، ما يتعارض والمصلحة العامة.

2- غالباً ما تفرض على اعضائها الولاء لها، وهذا ينافي مع ولاء العضو للجماعة الكبرى وهي الدولة.

3- تتبع معظم جماعات الضغط اساليب ملتوية في سبيل تحقيق اغراضها.

4- جماعات الضغط لاتمثل المصالح المتعارضة لجميع فئات المجتمع، فبينما توجد جماعات ضغط للمنتجين مثلا لاتوجد جماعات تقابلها للمستهلكين (بدأت تتأسس الان في بعض البلدان). اوردت هذه الفقرة بسبب ما تم ذكره سابقاً من ان اهمية الجماعة تحدد من خلال مدى فاعليتها وتأثيرها والواضح ان فاعلية وتأثير جماعات المنتجين الضاغطة غير فاعلية وتأثير جماعات المستهلكين.

قد يحدث ان تحقق جماعات الضغط اهدافها على حساب فئة او فئات اخرى من الشعب وإن كانت اكثر منها عدداً.

أهم الايجابيات

1- إن جماعة المصلحين الذين ينددون بمساوئ جماعات الضغط هم انفسهم في حاجة الى ان ينظموا في جماعات كي يمكنهم التغلب على هذه المساوئ.

2- نمو الجهاز الحكومي وازدياد عدد موظفيه يهدد بالقضاء على حريات الافراد، مالم ينظم هؤلاء الافراد في جماعات قوية تستطيع ان تكون ندا لهذا الجهاز عند الضرورة، وان تحمي حرياتهم من استفحال نموه.

3- تقوم جماعات الضغط بالتأثير في الحكومة طوال الفترات بين الانتخابات العامة، بينما يكون الفرد في هذه الفترات عاجزا عن احداث اي تأثير

 يقابله.

4- تملك هذه الجماعات بحكم تخصصها وممارستها بمهامها وسائل الوقوف على البيانات والاتصال بالجهات الموثوق بها واهل الخبرة في مختلف الوان المعرفة، من ثم يسهل على الحكومة دراسة مشروعات القوانين المقترحة واحسن الطرق لتنفيذها يضاف الى ذلك ان الجماعات اكثر تأثرا بالقرارات الحكومية من الافراد واقدر منهم على استثارة المعارضة السريعة الفعالة تجاه القرارات الحكومية المجحفة بحقوق الافراد والضارة بالمصلحة العامة.

الاتصال واحدة من اليات تحقيق اهداف جماعات الضغط

تتصل جماعات الضغط بالجهات الرسمية وغير الرسمية بطرق مختلفة منها:

الاتصال بالوسائل المباشرة

الاتصال عن طريق الصحف التي تؤثر عليها هذه الجماعات، او التي تملكها بشكل غير رسمي والتأثير على وسائل الاعلام الاْخرى التي تمتلكها شركات اهلية وتخضع للاْغراءات المادية عادة، وهذا يقودنا إلى الحديث عن تكتيكات تحقيق الأهداف لدى جماعات الضغط والذي بدوره يرتبط بمدى فاعلية الجماعة التي ترتبط بشكلٍ او بأخر بإمكانياتها المادية.

تعمل جماعات الضغط على التاْثير بوسائل مختلفة على سياسة الدولة، من بينها السياسة الخارجية.

فقد تتصل اتصالا شخصيا عن طريق رؤسائها بالمسؤولين لتنفيذ ارائها وتدافع عن مصالحها، وقد تتصل عن طريق الرسائل الخاصة مهددة او واعدة او مغرية.اخطر صورة تظهر فيها جماعات الضغط هي تلك الصورة المضللة التي تكون فيها مواقفها اوسع من اهدافها. وهذه الصورة تضليل للراي العام وسلوك تستغل فيه المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة ومن اشهر جماعات الضغط والمصالح جماعة الصهيوني وجماعة الفلاحين والجماعة الكاثوليكية وجماعة رجال الاْعمال وجماعة اتحاد العمال.

ولاريب في ان الوسائل التي تستخدمها جماعات الضغط في عملها لغرض التاثير على السلطة من التعدد والتنوع بحيث يصعب بيان تفاصليها جميعا، فهي مختلفة باختلاف ظروف المجتمعات والنظم السياسية فضلا عن اختلاف جماعات الضغط ذاتها.

اعتقد ان في احيان كثيرة يكون التركيز على الجماعات جتماعية المهمشة من افضل الوسائل لأجل الضغط على السلطة، وخاصة الضغط على المستوى الطويل الأمد.

تكتيكات جماعات الضغط لأجل تحقيق اهدافها

1- المساواة المستترة

يستخدم هذا التكتيك لسببين:

أ- الخوف من ان تؤدي العلانية إلى تفاقم التناقض

ب- الطبيعة السرية للنشاط الاقتصادي الخاص

2- الدعاية والمعلومات

توجه الجماعات حملات دعائية إلى الجماهير على اعتبار ان اقناعها او اثارة اهتمامها بفكرة سوف يدفعها الى التأثير على جهاز صنع القرار.

3- المساندة الانتخابية

مساعدة مرشح على الفوز بعد ان تم إبرام اتفاق مسبق معه سيتم تنفيذه بعد فوز المرشح على حساب اخر.

4- خلق علاقات خاصة مع الأحزاب السياسية

خلق كتل تشريعية داخل حزب او اكثر.

5- العنف

تستخدم بعض الجماعات العنف لتحقيق اهدافها بعد ان تفشل في تحقيقها من خلال القنوات الشرعية.

6- التمثيل المباشر

يكون من خلال التمثيل المباشر في البرلمان.

نلاحظ من هذه التكتيكات ان الجماعة تكون فاعلة، اي تملك القدرة على تحقيق اهدافها، عليها ان تملك اقتصاداً فاعلاً، حتى في الفقرة السادسة في التمثيل المباشر في البرلمان، التي تعتبر من بين إحدى المآخذ على الديمقراطية التي لا تعتبر في احيان كثيرة مساواة في الوصول إلى السلطة بين عامة الشعب بقدر ماهي مساواة بين مالكي الاقتصاد بسبب كلفة الحملة الانتخابية والتعبئة الجماهيرية، وفقرة الدعاية والإعلان تعطي الأفضلية لمن يمول اكثر.

بذلك فاستمرارية غالبية جماعات الضغط بفاعلية تعتمد على قوة الجماعة الاقتصادية.

جماعات الضغط السرية وصناعة القرار السياسي في فرنسا(6)

من النادر أن يجتمع في كلمة واحدة المخزون السياسي والثقافي الذي تحتويه كلمة لوبي الأمريكية التي دخلت القاموس السياسي الدولي علي استحياء في أوائل الخمسينيات ثم باندفاع في العقدين الأخيرين‏.‏

وقد شهدت فرنسا في الفترة الأخيرة تصاعدا ملحوظا في التأثير الذي تفرضه جماعات الضغط علي صناعة القرار السياسي‏,‏ وذلك رغم مركزية الدولة ورئاسية النظام الذي يعتمد إلي حد كبير علي شخصية رئيس الجمهورية‏,‏ وهو من موروثات الملكية‏.‏ ونظرا للأهمية السياسية لهذه الظاهرة‏,‏ فإننا سنغوص قليلا في قواميس اللغة لنعرف الأصل الذي جاءت منه كلمة لوبي وذلك قبل العودة إلي أقدم جماعة ضغط سرية في فرنسا والغرب‏,‏ وهي الماسونية والتي ربما تولدت عنها بعد ذلك فكرة جماعة الضغط السرية أو جماعة الضغط بشكل عام‏.‏

وسوف نستعرض في هذه الحلقة والحلقة القادمة اللوبي اليهودي وتأثيره في صناعة القرار السياسي‏,‏ ثم جماعة أوبوس ديي‏(‏ العمل الالهي‏)‏ الدينية الكاثوليكية شديدة التأثير في اليمين الفرنسي وغيرها‏.‏

نحن و الولايات المتحدة(7)

انضم أستاذان جامعيان أميركيان جليلان، هما جون مارشهايمر من جامعة شيكاغو وستيفن وولت من جامعة هارفارد، معا ونشرا بحثا مشتركا عن جماعة الضغط المشايعة لإسرائيل في الولايات المتحدة. مقدار البحث (نحو 80 صفحة) والوزن الجليل لكاتبيه، لا يسمحان لنا بأن نتجاهل الآثار الصعبة التي قد تكون لهذه الوثيقة وللتوجه الذي يقف من ورائها، على مكانة إسرائيل في الساحة الأميركية.

    إن مما يُسبب انقباض القلب أن توقيت نشر البحث - قبل نحو أسبوعين من انتخابات    الكنيست - يمنع تناولا مناسبا للوثيقة وللتهم الشديدة الموجهة بها إلى جماعة الضغط المشايعة لإسرائيل في الولايات المتحدة. هناك تخوف من أن الرد الإسرائيلي، في هذه الظروف، سيرفض أقوال الاثنين، ويكتفي بعرضهما كـ «مجرد معاديين آخرين للسامية»، نشرا نشرة مُحدثة من «بــروتوكولات حكماء صهيون»، من غير الفحص عن المعاني بعيدة المدى التي قد تكون لهذه المزاعم في الرأي العام الأمريكي، وفي سياسة الإدارة في واشنطن نحو إسرائيل والشرق الأوسط، وربما أيضا في خطر هياج موجة معادية للسامية خطرة، تضر بالجماعة اليهودية.

    يثير الباحثان في البحث أربعة مزاعم رئيسة: الأول، منذ حرب «يوم الغفران» تمتعت إسرائيل بمساعدة اقتصادية وعسكرية وعامة - لم يكن لها مثيل في مقدارها وبالشروط الشاذة والخاصة التي تصحب هذه المساعدة؛ والثاني أن الولايات المتحدة أعطت وتعطي تأييدا شبه تام وتلقائي لأفعال إسرائيل. فتصويبات النقض الأميركي في مجلس أمن الأمم المتحدة، هي وهي فقط التي تمنع الجماعة الدولية من أن تفرض على إسرائيل تغيير سياستها نحو الفلسطينيين؛ والثالث، أن التأييد المفرط لإسرائيل يناقض المصالح الحقيقية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي العالم العربي. إسرائيل وجماعة الضغط هما اللتان دفعتا الولايات المتحدة إلى المغامرة العسكرية في العراق، وهما اللتان تحاولان جر واشنطن الآن إلى مواجهة مع إيران؛ والرابع، وربما يكون ذلك من أجل إظهار توجههما المحايد، يكتب المؤلفان أن إنجازات جماعة الضغط تضر أيضا بمصالح إسرائيل الحقيقية، وتُعفيها من الحاجة إلى التوصل إلى اتفاقات سلام سياسية مع الفلسطينيين ومع سوريا.

    يبدو لي أن من الواجب علينا أن نشكر للأستاذين الجامعيين أن أضاءا الإشارة الحمراء. علينا جميعا أن نستعد للفترة ما بعد العراقية في الولايات المتحدة. يوجد احتمال لا يُستهان به لأن تنتهي المعركة العسكرية إلى فشل المحاولة الأميركية لإقامة نظام حكم مستقر وديمقراطي في العراق، ولهذا ستكون الآثار صعبة على مكانة أمريكا في المنطقة عامة. وعندها ستبدأ مباحثات لاذعة: من الذي يتحمل المسؤولية عن توريط الولايات المتحدة في الحرب التي لا داعي لها، وسيكون من السهل جعل إسرائيل كبش فداء.

    بعد عدة أسابيع ستقوم حكومة جديدة في إسرائيل. يجب علينا أن نفحص فحصا جذريا عن عموم علاقتنا بالولايات المتحدة:

* الفرض الذي ننطلق منه يجب أن يرى استمرار الشراكة الاستراتيجية بين القدس وواشنطن كنزا في أعلى رتبة؛

* علينا أن نستعد للفترة ما بعد العراقية في الولايات المتحدة. لن نملك زمنا غير محدود، علينا أن نُقدم مبادرات، وأعمالا وحلولا في ساحتنا، ما بقيت الظروف مريحة لنا؛

* وبمقابلة ذلك، على القدس أن تُوجه جماعة الضغط اليهودية، التي تعمل في الكونغرس الأميركي، إلى أن تفهم أنها لن تظل منيعة إلى الأبد، وأنه ينبغي لها أن تأخذ بشعار المدرسة العلمية في حيفا - «تواضَع».

مجلة الحرية

قضية تجسس «ايباك»(8)

 يفضل ستيفن روسن، الذي يرأس منذ وقت طويل «قسم الأبحاث» في جماعة الضغط النافذة «لجنة العلاقات العامة الأميركية - الإسرائيلية (ايباك)، العمل بعيداً عن الأضواء. وأفادت «واشنطن بوست» قبل بضع سنوات أن روسن كتب في مذكرة داخلية: «جماعة الضغط تشبه زهرة ليل. إنها تنتعش في الظلام وتموت في الشمس».

 الآن، مع تكشف فضيحة الجاسوس لاري فرانكلين، يسلّط الضوء الساطع لكثير من التغطية الإعلامية غير المرغوب فيها على «ايباك» وعملياتها. وبشكل خاص على روسن، فهو أحد الموظفين في «ايباك» اللذين استجوبهما مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) بشأن الادعاءات المتعلقة بفرانكلين. كما أفيد في آب (اغسطس) الماضي أن الـ «إف بي آي» فتش مكتب روسن في «ايباك» وأخذ نسخة من محتويات قرص جهاز الكومبيوتر العائد له.

 وأثيرت تساؤلات كثيرة بشأن فضيحة التجسس التي لا تزال فصولها تتكشف. وأفادت تقارير أن «إف بي آي» تابع تحقيقاً طويلاً في أعمال غير مشروعة محتملة اقترفها روسن وشخص آخر مشتبه به في «ايباك»، واخضعت للمراقبة مأدبة غداء جمعت هذين الرجلين وديبلوماسياً إسرائيلياً، عندما جاء فرانكلين لينضم إلى المأدبة. ويبدو أنها كانت المرة الأولى التي يدخل فيها فرانكلين مرمى نظر «اف بي آي».

 سمعنا، حتى الآن، ادعاءات بأن فرانكلين ربما «تجسس لمصلحة "إسرائيل"»، او (وهي تهمة أقل شأناً) «تعامل مع وثائق سرية بطريقة غير آمنة». لكننا لم نسمع شيئاً بعد عن طبيعة التحقيق بشأن روسن وزميله. 

ويتعلق تساؤل آخر حول القضية بـ«التسريب» يوم 27 آب (أغسطس) إلى وسائل الإعلام حول التحقيق الذي يجريه «إف بي آي» في دور فرانكلين. وجرى تسريب الخبر إلى ليزلي ستال، وهي مقدمة برنامج اخباري في تلفزيون «سي بي إس». وأدى ذلك إلى إحراج فرانكلين، وأعطى إشارة إلى احتمال أن يتهم بجريمة في وقت قريب. لكن ما يفوق ذلك أهمية هو أن التسريب أعطى كل من يستهدفهم تحقيق «إف بي آي» تحذيراً صريحاً بأنهم الآن مشتبه بهم، ومنحهم وقتاً كافياً لإتلاف أي أدلة على التورط في أعمال جرمية، ولاختلاق وتنسيق «روايات تغطية» لما كانوا يقومون به.

 لذا لم يكن مثيراً للاستغراب أن يقول مسؤولون في «اف بي آي» إن التسريب عرقل بشكل جدي تحقيقاتهم. ولأن وجود هذا التحقيق كشف للجمهور قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وليس بعدها، يبدو في حكم المؤكد تقريباً أن ضغوطاً سياسية قوية ستسلّط على «اف بي آي» كي يبدي «حذراً» و«تسامحاً» إلى أقصى ما يمكن في طريقة تعامله مع «ايباك» (وإسرائيل).

 يثير تورط «ايباك» والحكومة الإسرائيلية في مساعي فرانكلين التجسسية أيضاً السؤال «لماذا يكلفون أنفسهم عناءً؟». فحكومة شارون تملك قدرة ممتازة للوصول بسهولة إلى كل زاوية في عملية صنع القرار الأمني في الولايات المتحدة!

 لماذا يكلفون أنفسهم عناء التورط في صفقة تافهة مشبوهة مع شخص في موقع متدني نسبياً في البنتاغون عندما يكون ولفوفيتز وفايث وإليوت أبرامز وغيرهم مستعدين أتم استعداد للتعاون معهم؟

 حسب فهمي لهذه المسألة فإن ضجيج الاتهامات بشأن تجسس "إسرائيل" في الولايات المتحدة لا يبلغنا ما يفيد بشأن مساعي التجسس الإسرائيلية بقدر ما يشير إلى وجود خلافات جدية داخل إدارة بوش بشأن كيفية التعامل مع إيران.

 (إسرائيل ستواصل دائماً، لا ريب، التجسس إلى أقصى ما يمكن على الجميع، كما يوضح لنا ما كشف أخيراً في نيوزيلندا وكندا وغيرها).

 وفي ما يتعلق بادارة بوش، ليس سراً أن مسؤولين رفيعي المستوى كثيرين بدأوا يتحدثون علناً، في الفترة التي أعقبت مباشرةً انتصارهم العسكري على جيش صدام حسين في نيسان (ابريل) 2003، عن الحاجة إلى تحقيق «تغيير نظام» على نحو عنيف مماثل في إيران وسورية باعتباره هدفهم المقبل. لكن المزيد والمزيد من الأشخاص في المؤسسة العسكرية الإميركية والبلاد كلها اكتشفوا على امتداد الشهور الـ17 منذ ذلك الحين مدى صعوبة تحقيق ما كانوا يريدونه في العراق، وحده، وكم كانت الكلفة باهظة. وبالفعل، تعاني القوات المسلحة الأميركية جراء الحملة في العراق اجهاداً كبيراً يكاد يدفع بها إلى أزمة، فيما تلحق أيضاً الأذى بفاعلية الولايات المتحدة في القتال ضد «القاعدة».

 لذا تراجعت كثيراً رغبة الإدارة في شن أي مغامرات عسكرية جديدة ضد إيران أو سورية. ولا تزال هناك فرصة لتنفيذ عملية ضد هدف أو أهداف إيرانية تماثل الغارة الخاطفة التي استهدفت مفاعل «اوزيراك» النووي العراقي، ولربما جرى ذلك قبل الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. أما الانطلاق لاخضاع واحتلال بلدان اخرى في الشرق الأوسط، فكلا. لم يعد هناك من يضغط للقيام بذلك.

 وقد سعت «ايباك» بالتأكيد إلى إبقاء الضغوط ضد إيران (وسورية). لذا ربما كان روسن وفرانكلين يعملان في هذا الاتجاه.

 في غضون ذلك، كان القلق الرئيسي الذي عبّر عنه كثيرون من الإسرائيليين والأميركيين اليهود بشأن ما كشف من معلومات حول قضية فرانكلين لا علاقة له إطلاقاً بإيران، بل يرتبط بالأحرى بخوفهم من احتمال أن تذكّر هذه القضية الجمهور الأميركي بالدور القوي الذي لعبته هذه المجموعة من الشخصيات ذاتها تقريباً في دفع الإدارة إلى شن الحرب على العراق.

 هذه الحرب تفقد شعبيتها هنا، في الولايات المتحدة، كل يوم. ويبلغ عدد العسكريين الأميركيين الذين قتلوا في العراق حوالي 1000 شخص. ويخشى الإسرائيليون والأميركيون اليهود، وهم أصدقاء أقوياء لإسرائيل، أن تلقى المسؤولية عن الكوارث في العراق على "إسرائيل" وجماعة الضغط القوية التابعة لها في الولايات المتحدة. وهناك، بالطبع، أسباب كثيرة تبرر تحميلهما المسؤولية. لذا فإن الوقت غير مناسب اطلاقاً الآن لتسليط وهج الإعلام على أنشطة «ايباك» وأصدقائها ومن يتمتع برعايتها داخل الإدارة.

 مضى أكثر من عشرين عاماً على تولي ستيف روسن إدارة قسم «الأبحاث» في «ايباك»، ليصبح خلال هذا المسار أحد البارعين في التحرك وراء الستار الأكثر مهابة في واشنطن. وسيكون شيئاً مثيراً للاهتمام إذا بلغ السخط ضد «ايباك» - في «اف بي آي» وفي أجزاء أخرى من الحكومة - من القوة ما يكفي لإسقاط رجل مثل روسن. لكنني لا اعتقد، مع ذلك، أن هذا سيحدث. ربما كان أقصى ما يمكن أن نتوقعه هو أن تصبح «ايباك» وغيرها من جماعات الضغط المؤيدة لليكود أكثر حذراً بعض الشيء في انشطتها خلال الأشهر القليلة المقبلة.

أمريكا ومنظمات الضغط اليهودية(9)

تقرير يتهم اللوبي الإسرائيلي بإملاء إرادته على السياسة الأمريكية  

واشنطن : - يتلاعب اللوبي المؤيد لإسرائيل في سياسات واشنطن في الشرق الأوسط لدرجة أن الولايات المتحدة هي التي تقوم بمعظم أدوار الحرب والموت وإعادة البناء بينما تجني إسرائيل معظم المكاسب الأمنية. هذا ما تؤكده دراسة جديدة قام بها اثنان من العلماء الأمريكيين.

وتقول الدراسة المكونة من 83 صفحة، والتي صدرت بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية": "إن هذا الوضع لا مثيل له في التاريخ السياسي الأمريكي".

ويتساءل مؤلفا الدراسة، جون ميرشيمر بجامعة شيكاغو، وستيفن والت بكلية جون كينيدي للحكومة بجامعة هارفارد: "لماذا ترغب الولايات المتحدة في أن تنحي جانبا أمنها وأمن الكثير من حلفائها من أجل تقديم مصالح دولة أخرى؟"

والإجابة هي نفوذ اللوبي المساند لإسرائيل، وذلك بحسب الدراسة، التي أدت فعليا إلى إثارة الجدل بشأنها في الدوائر الأكاديمية، والغضب بين المنظمات المؤيدة لإسرائيل.

ومن بين هذه المنظمات لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية، والمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي (جنسا)، ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤخرا، المنظمات المسيحية الصهيونية.

وقد نُشرت نسخة مختصرة من الدراسة في لندن ريفيو أوف بوكس في 10 مارس الجاري. ويقول المؤلفان إن بحثهما قوي لدرجة أنهما يشكان في إمكانية أن تجرؤ أي من الإصدارات الأمريكية السائدة على نشره.

والدراسة مبنية على مصادر عدة من بينها علماء وصحفيون إسرائيليون، ومنظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، وشهادة من اللوبي نفسه وتأييد من دبلوماسيين لهذه الشهادة. وتقوم الدراسة بتقصي كيفية قيام اللوبي المؤيد لإسرائيل بتطوير نفوذه في واشنطن، كما تقول إن إرهاب هذا اللوبي للصحافة ومؤسسات التفكير والوسط الأكاديمي قد قاد إلى تقديم صورة مضللة عن إسرائيل.

وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة قامت منذ الحرب العالمية بتوجيه 140 بليون دولار دعما لإسرائيل. وتعترض الدراسة على الفكرة القائلة بأن إسرائيل تمثل "حليفا حيويا في الحرب على الإرهاب؛ لأن أعداءها هم أعداء أمريكا".

ويقول مؤلفا الدراسة: "إن القول بأن إسرائيل والولايات المتحدة يوحدهما تهديد إرهابي مشترك يعكس العلاقة السببية، ولكن العكس هو الصحيح؛ فمشكلة الولايات المتحدة مع الإرهاب ترجع في جزء كبير منها إلى كونها متحالفة بقوة مع إسرائيل، وليس العكس".

ويضيفان: "إن الأمر باختصار هو أن معاملة إسرائيل باعتبارها أهم حلفاء أمريكا في الحملة ضد الإرهاب والدكتاتوريات العديدة في الشرق الأوسط، يبالغ في قدرة إسرائيل على المساعدة في هذه القضايا، وفي نفس الوقت يتجاهل الأساليب التي تجعل بها سياسات إسرائيل مهمة الولايات المتحدة أكثر صعوبة".

وقد قامت منظمات اللوبي المساند لإسرائيل، بحسب الدراسة، باستغلال الحساسيات لدى وسائل الإعلام الرئيسية والسياسيين الأمريكيين للناحية المالية والتبرعات من أجل إدارة حملات مساهمات للحفاظ على تعاطف هؤلاء مع إسرائيل، بغض النظر عما تفعله في المنطقة.

فخلال مؤتمر الإيباك السنوي، والذي انعقد في وقت سابق من هذا الشهر، وهو الحدث الذي جذب كبار المسئولين الأمريكيين وقيادات الكونجرس، تعهد الزعيم الجديد للأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي جون بونر بعدم السماح مطلقا بدخول أي تشريع مناهض لإسرائيل إلى المجلس.

حيث قال بونر: "باعتباري الزعيم الجديد للأغلبية في الكونجرس فإنني أستطيع أن أؤكد لكم أنه لن يحدث في ظل قيادتي أن يتم بأية طريقة ممكنة مناقشة أي تشريع مناهض لإسرائيل في مجلس النواب".

وتشير الدراسة أيضا إلى دعم واشنطن الثابت لإسرائيل في الأمم المتحدة؛ حيث تقول الدراسة إنه منذ عام 1992 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض –الفيتو– ضد 32 قرارا لمجلس الأمن ينتقد إسرائيل، وهو عدد يفوق مجموع مرات استخدام الفيتو من جميع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن. كما أعاقت الولايات المتحدة جهود الدول العربية لوضع الترسانة النووية الإسرائيلية على أجندة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي الداخل عمل اللوبي المساند لإسرائيل بقوة من أجل قمع منتقديها، وهو ما يعتبر مؤلفا التقرير أنه ليس في صالح الديمقراطية، وخاصة بالنسبة لديمقراطية تدعي أنها تقوم بتعزيز الحرية في العالم العربي.

ويضيفان: "إن إسكات المتشككين من خلال تنظيم قوائم سوداء وعمليات مقاطعة –أو من خلال الإشارة إلى أن المنتقدين معادون للسامية– ينتهك مبدأ الجدل المفتوح الذي تعتمد عليه الديمقراطية".

وقد هوجمت الدراسة فور صدورها من قِبل عدد من المنظمات الداعمة لإسرائيل. وعلى سبيل المثال قالت لجنة الدقة في أخبار الشرق الأوسط في أمريكا (المعروفة اختصارا باسم كاميرا)، وهي منظمة مناصرة للصهيونية، في بيان لها إن الدراسة تضمنت العديد من الأخطاء، وأن "أي طالب تقدم بهذه الورقة سوف يرسب".

كما نشرت صحف مثل نيويورك صن، المعروفة بموقفها الداعم لإسرائيل والتي تصدر في نيويورك حيث اكبر تجمع لليهود الامريكيين، ردودا مؤيدة للدراسة من عنصريين بارزين من البيض ومن الإخوان المسلمين في مصر كدليل على أن مؤلفي الدراسة يخدمان الميول المتشددة.

كما قال إليوت إنجل، وهو عضو ديمقراطي بالكونجرس ويهودي من نيويورك، إن الورقة "تستحق بالفعل احتقار الشعب الأمريكي"، كما وصفها بأنها تمثل "نفس الهراء القديم المعادي للسامية والمعادي للصهيونية".

من جانبه قال البروفيسور ميرشيمر في تصريح لآي بي إس: "لقد كنا مدركين تماما أن اللوبي سوف ينتقم منا. لقد توقعنا أن ما قدمناه في المقالة سوف ينطبق علينا بعد نشرها. ونحن لا نشعر بالدهشة من تعرضنا لهجوم اللوبي".

وتشير الورقة إلى أن اللوبي المساند لإسرائيل كان مدعوما أيضا من مسيحيين إنجيليين بارزين، أو من يسميهم البعض متشددين، مثل جاري بوير، وجيري فالويل، ورالف ريد، وبات روبرتسون، إضافة إلى أعضاء الكونجرس ديك أرمي، وتوم ديلاي الزعيم السابق للأغلبية في مجلس النواب، حيث يعتقد جميع هؤلاء أن إحياء إسرائيل هو تحقيق لنبوءة توراتية ودعم لأجندتها التوسعية.

أما المحافظون الجدد "الأمميون" مثل جون بولتون، وروبرت بارتلي المحرر السابق لصحيفة وول ستريت جورنال، وويليام بينيت وزير التعليم السابق، وجين كيركباتريك سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة، وكاتب العمود المؤثر جورج ويل، هم أيضا مساندون ملتزمون للوبي المؤيد لإسرائيل.

وتؤكد الدراسة أنه رغم إدارة اللوبي المساند لإسرائيل لعدد من النجاحات لصالح إسرائيل إلا أن التكلفة التي تقع على الولايات المتحدة في تزايد مستمر.

وتقول الدراسة: "إن هذا الموقف مقلق بشدة لأن تأثير اللوبي يتسبب في مشكلات على جبهات عدة، ومن بينها الزيادة المحتملة في الخطر العسكري الذي تواجهه كل الدول، بما فيها حلفاء واشنطن الأوروبيين.

ويقول المؤلفان إنه بسبب منع اللوبي للقادة الأمريكيين من الضغط على إسرائيل من أجل صنع السلام جعل اللوبي المؤيد لإسرائيل من المستحيل إنهاء الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، وهو ما يعطي للمتشددين وسيلة فعالة للتعبئة، كما يؤدي إلى توسيع اتفاق المتشددين المحتملين. كما يرى المؤلفان أن المحاولات الجديدة التي يبذلها اللوبي لـ"تغيير أنظمة الحكم" في إيران وسوريا يمكن أن تقود الولايات المتحدة إلى مهاجمة هذه البلاد، وهو ما يحتمل حدوث نتائج كارثية.

وتقول الدراسة في هذا الصدد: "إننا لا نريد عراقا أخرى؛ فعداء اللوبي لهذين البلدين [إيران وسوريا] يجعل من الصعب بمكان أمام واشنطن أن تدرجهما في المعركة ضد القاعدة والتمرد في العراق، في الوقت الذي توجد فيه حاجة ماسة لمساعدتهما".

وقد أحصى المؤلفان عددا من التأثيرات السلبية الأخرى على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن بين هذه التأثيرات الطريقة التي تقوم من خلالها الولايات المتحدة في الوقت الحالي بمساندة سياسات إسرائيل التوسعية في الضفة الغربية، وهو ما يجعل واشنطن تبدو متورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وتقول الدراسة إن الدعم الأمريكي قد شجع المتشددين على رفض عدد من الفرص لعقد اتفاقيات سلام مع دول عربية مثل سوريا، ومع الفلسطينيين، ورفض تنفيذ اتفاقيات أوسلو.

وقال ميرشيمر إنه قد تحرك، وزميله وولت، تجاه كتابة الدراسة بعد سنوات من دراسة السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقال في تصريح لآي بي إس: "لقد كان واضحا لنا أن الكثير من الناس يفهمون المشكلة التي نصفها في التقرير، لكنهم خائفون من الحديث بشأنها... لأن اللوبي سوف ينتقم منهم".

(آي بي إس 22/3/ 2006)

المنظمات والأفراد والولاء المقدس لإسرائيل (1)

تتساءل الدراسة عن سر سيطرة اللوبي الاسرائيلي على السياسة الخارجية الاميركية، وتقول <<ربما أن إسرائيل لم تتصرف بأسوأ من دول عديدة، غير أنه من الواضح أنها لم تسلك منحى أفضل أيضا. وإذا لم يكن لأي من الأسباب الأخلاقية أو الاستراتيجية دور في دعم أميركا لاسرائيل، فكيف بالإمكان تفسير <<هذه السيطرة>>، أو ما وصف ب<<قوة لا نظير لها للوبي الإسرائيلي>>، على السياسة الخارجية الاميركية، حيث أن <<العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة لم تكن في الماضي قط بالحميمية التي هي عليها اليوم>>.

وتضم نواة اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة اليهود الاميركيين الذين <<يبذلون جهدا مهما يوميا في حياتهم من أجل تحويل السياسة الخارجية الاميركية بما يحقق مصالح إسرائيل... يتجاوز مجرد التصويت للمرشحين (الاميركيين) المدافعين عن اسرائيل إلى كتابة الخطابات، التبرعات المالية ودعم المنظات المدافعة عن اسرائيل>>.

غير أنه <<ليس جميع اليهود الاميركيين جزءا من هذا اللوبي، لأن إسرائيل ليست قضية بارزة للعديد منهم>>، فبالاستناد إلى استطلاع أجري عام 2004، <<يقول 36 في المئة من اليهود الاميركيين إنهم ليسوا متعلقين عاطفيا جدا، أو بتاتا، بإسرائيل>>.

ولا يخلو اللوبي الاسرائيلي من خلافات داخلية، فبعض منظماته مثل <<أيباك>> و<<مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى>> وهي من تلك <<التي يديرها أشخاص متشددون>>، تركز مثلا على دعم تمديد سياسات حزب الليكود الاسرائيلي، بما في ذلك رعايته لاتفاق أوسلو للسلام، فيما <<يرفض معظم اليهود الاميركيين، من جهة أخرى، تقديم التنازلات للفلسطينيين، وقلة منهم مثل منظمة صوت السلام اليهودي تؤيد بقوة الإقدام على خطوات من هذا النوع>>. غير أنه <<بمعزل عن هذه الاختلافات بين المتشددين والمعتدلين، فإنهم جميعا يتفقون على دعم ترسيخ الدعم الاميركي لإسرائيل>>.

وليس من المفاجئ القول إن قادة اليهود الاميركيين يستشيرون في معظم الاوقات المسؤولين الاسرائيليين، الذين يحرصون على أن يضاعف أولئك تأثيرهم في الولايات المتحدة. ويؤكد ذلك ما كتبه أحد الناشطين في منظمة يهودية كبرى <<إنه من الروتين لنا القول: إن هذه سياستنا في مسألة معينة، ولكن يجب علينا مراجعة ما يفكر به الاسرائيليون، فنحن كجالية نفعل ذلك طوال الوقت>>.

وتلاحظ الدراسة ارتفاع حساسية أفراد اللوبي الاسرائيلي من اليهود الاميركيين الذين يوجهون انتقاداً لاسرائيل أو يدعمون أي نوع من الضغوط عليها. مثال على ذلك، اتهام رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إدغار برونفمان، ب<<الخيانة>> حين بعث رسالة للرئيس الاميركي جورج بوش، في أواسط عام 2003، يحثه فيها على الضغط على إسرائيل لردعها عن بناء جدار الفصل المثير للجدل.

ويواجه كل صوت يهودي غير منسجم مع سياسة اللوبي المنحازة لاسرائيل عقوبة الطرد من الجالية، مثال على ذلك مهاجمة رئيس منتدى السياسة الاسرائيلية سيمور رايتش، حين نصح وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، بالضغط على اسرائيل لإعادة فتح معبر غزة في تشرين الثاني عام 2005، حيث وصفت خطوته ب<<التصرف غير المسؤول>>، ونبه من <<أنه ليس هناك أي مكان على الاطلاق في التيار اليهودي لنشاط يروج ضد السياسات المرتبطة بأمن إسرائيل>>، ما دفع برايتش للتراجع سريعا عن موقفه، مؤكدا ان <<كلمة الضغط ليست موجودة في قاموسي حين يتعلق الامر باسرائيل>>.

وتجزم الدراسة أن <<أيباك>> هي أقوى المنظمات اليهودية وأشهرها، وهي التي صنفها الكونغرس الاميركي في المرتبة الثانية من لائحة أقوى اللوبيات الموجودة في واشنطن، بعد <<الاتحاد الاميركي للمتقاعدين>>، في استطلاع نشرته مجلة <<فورتشن>> عام 1997.

ويضم اللوبي الاسرائيلي أيضا شخصيات مسيحية إنجيلية بارزة، مثل غاري بوير، جيري فالويل، رالف ريد، بات روبرتسون، وأيضا ديك آرمب وطوم ديلاي، وزعماء الاكثرية السابقين في مجلس النواب، بالإضافة إلى المحافظين الجدد أمثال جون بولتون، محرر صحيفة <<وول ستريت جورنال>> روبرت بارتلي، وزير التعليم الاميركي السابق وليم بنيت، وأيضا كاتب العمود جورج ويل... ويؤمن هؤلاء جميعاً <<أن بعث إسرائيل هو جزء من نبوءة الكتاب المقدس>>، وبالتالي فإن أي تصد لها يعني <<معارضة رغبة الله>>.

وتنطلق قوة اللوبي الاسرائيلي، في الاساس، من قدرته الفائقة على تركيز جهوده للتأثير على أولئك الذين يهتمون بالشأن العام أو بقضية معينة، وإن كانوا قليلي العدد نسبياً، وذلك لثقته بأن الاكثرية الباقية، غير المكترثة بالشأن العام أو بالقضية المعنية من الشعب الاميركي، لن تحاول معاقبته قط.

بالاضافة إلى ذلك، فإن ناشطي هذا اللوبي يؤدون في الحقيقة الدور الذي يفترض أن تؤديه أي جماعة ضغط أخرى، إنما بشكل أفضل، خاصة اذا كانت جماعات الضغط الأخرى كتلك العربية <<ضعيفة>> وشبه غائبة، الامر الذي يسهل مهمة اللوبي الاسرائيلي، في ساحة خالية من المنافسة . " السفير 27/3/2006 "

استراتيجية الضغط على الكونغرس والحكومة (2)

توفر طبيعة النظام الاميركي الحاكم الذي يتوخى الفصل بين السلطات أشكالاً عديدة للتأثير على سياسته، سواء عبر كسب النواب المنتخبين أو أعضاء الحكومة، منح التبرعات للحملات الانتخابية، التصويت كجماعات في الانتخابات وصناعة الرأي العام...

ويتبع اللوبي الإسرائيلي استراتيجيتين من أجل التحكم بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل. الأولى تركز على الضغط على كل من الكونغرس والحكومة، والثانية على دوام الصورة الإيجابية لإسرائيل لدى الرأي العام، عبر ترديد <<الخرافات>> حولها والترويج لصالحها في قضايا الساعة، وذلك بهدف الحؤول دون تطور أي انتقاد سلبي لإسرائيل ووصوله إلى المنبر السياسي.

الضغط على الكونغرس

إن مفتاح فاعلية اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة يتركز في تأثيره على الكونغرس حيث تحظى إسرائيل بمناعة ضد الانتقاد، وذلك على الرغم من أن <<الكابيتول هيل>> (مبنى الكونغرس) لا يتردد عادة في الجدال بجرأة حول أية قضية اخرى حساسة.

ويكمن أحد أسباب هذا <<المحرّم>> في وجود بعض الاعضاء <<المفاتيح>> في الكونغرس ممن تصفهم الدراسة الاميركية ب<<المسيحيين الصهاينة>>، أمثال ديك آرمي الذي قال في أيلول عام 2002 <<إن الرقم 1 في أولوياتي للسياسة الخارجية هو حماية إسرائيل>>، ما تعلق عليه الدراسة بالقول <<إن المرء ليظن أن الأولوية الأولى لأي عضو في الكونغرس (الأميركي) يجب أن تكون لحماية أميركا>>.

بالإضافة إلى هؤلاء <<المسيحيين الصهاينة>>، هناك أيضا أعضاء يهود في مجلس الشيوخ يحرصون دوماً على دعم إسرائيل في السياسة الخارجية الاميركية. وفوق هؤلاء وأولئك، ثمة دور بارز يؤديه موظفو الكونغرس ويشكل مصدراً آخر لقوة اللوبي الإسرائيلي، وذلك بالاستناد إلى <<اعتراف>> الرئيسة السابقة ل<<أيباك>>، موريس اميتاي، التي قالت إن <<هناك أشخاصا كثيرين يعملون ضمن فريق الموظفين أعلاه (في الكابيتول هيل) صدف أنهم يهود... والذين يرغبون في النظر في بعض القضايا انطلاقا من يهوديتهم... وهؤلاء هم جميع الاشخاص الموجودون في مواقع صناعة القرار لأعضاء الكونغرس... بالإمكان الحصول على نتيجة هائلة من هذا الفريق فقط>>.

والواقع أن <<أيباك>> هي التي تشكل بنفسها نواة اللوبي الضاغط في الكونغرس. ويعود نجاحها في ذلك إلى <<قدرتها على مكافأة مرشحي البرلمان والكونغرس الداعمين لأجندتها، ومعاقبة أولئك الذين يتحدون هذه الأجندة>>. وتجزم الدراسة هنا بأن <<المال هو الحاسم في الانتخابات الاميركية، وأيباك تحرص على أن ينال أصدقاؤها دعماً مالياً قوياً من آلاف اللجان السياسية الناشطة الداعمة لإسرائيل>>، فيما تمنح هباتها المالية لخصوم أولئك المعادين لإسرائيل.

ويتجاوز تأثير <<أيباك>> على الكونغرس كل خيال.

ويتضح ذلك في مقولة أحد موظفي <<أيباك>> السابقين، دوغلاس بلومفيلد، بأنه <<من الشائع لدى أعضاء الكونغرس وموظفيه أن يراجعوا أيباك أولا كلما احتاجوا إلى معلومات، قبل الاتصال بمكتبة الكونغرس، أو بقسم الابحاث البرلمانية، أو خبراء الادارة...>>. والأهم من ذلك ما أضافه حول <<دعوة أيباك في الكثير من الاوقات إلى المشاركة في إعداد مسودات الخطب، العمل على تشريعات، المشورة في التكتيكات، إجراء الابحاث وجمع الممولين وأصوات المسؤولين>>.

وفي عام 1984، ساهمت <<أيباك>> في إلحاق الهزيمة بالسيناتور تشارلز بيرسي في ولاية إيلينوي، وذلك عقاباً له على ما وصفه <<وجه بارز في اللوبي>> ب<<إظهار عدم الحساسية وحتى العدوانية للمسائل التي تهمنا>>. وفسر رئيس <<أيباك>> السابق، توماس دين، ما جرى آنذاك قائلا <<جميع اليهود في أميركا، من الساحل إلى الساحل احتشدوا لعزل بيرسي، وفهم السياسيون الاميركيون الذين يحتلون المناصب العامة الآن، وأولئك الذين يطمحون لها، الرسالة>>.

وفي المحصلة، يمكن القول إن أحد الأجنحة الرئيسية الثلاثة للقرار الاميركي بات في قبضة اللوبي الإسرائيلي وتحديداً منظمة <<أيباك>>. ولا يسعنا إلا أن نتذكر قول رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون <<حين يسألني الناس كيف بالإمكان مساعدة إسرائيل، أقول لهم ساعدوا أيباك>>.

الضغط على الحكومة

إن قوة ضغط اللوبي الاسرائيلي على الحكومة تكمن جزئياً في تأثير الناخبين اليهود في الانتخابات الرئاسية. فبمعزل عن حجم هؤلاء المحدود نسبياً (أقل من 3 في المئة من الناخبين) إلا أنهم يقدمون تبرعات مالية ضخمة في الحملات الانتخابية لكلا الحزبين.

وأكثر من ذلك، فإن الناخبين اليهود يحرصون على التمركز في ولايات تعتبر حاسمة في الانتخابات الرئاسية مثل كاليفورنيا، فلوريدا، إلينوي، نيويورك وبنسلفانيا. كل ذلك يجعل المرشحين الرئاسيين حريصين على تجنب معاداة الناخبين اليهود.

ويحرص اللوبي اليهودي أيضا على أن يحظى الأشخاص ذوو العلاقة الممتازة مع إسرائيل بمناصب حكومية مهمة. ومثال على ذلك ان السياسة الخاصة بالشرق الأوسط، خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، رسمها عدد من المسؤولين مثل نائب رئيس الابحاث السابق في <<أيباك>> ومؤسس <<معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى>> الموالي لإسرائيل مارتن إنديك، ودينيس روس الذي انضم للمعهد بعدما غادر الادارة عام 2001، وآيرون ميلر الذي عاش في إسرائيل ولا يزال يزورها بانتظام، الذين كانوا جميعا ضمن فريق المستشارين المقربين من كلينتون. ولم يكن من المفاجئ في اجتماع كامب دايفيد في تموز عام 2000، ان الفلسطينيين شكوا من أنهم <<يتفاوضون مع فريقين إسرائيليين، أحدهما يحمل العلم الاسرائيلي، والآخر العلم الاميركي>>.

هذه الحالة تبدو أشد وضوحاً في إدارة بوش الإبن، الذي يزخر طاقمه بأشخاص مناصرين لإسرائيل مثل إليوت أبرامز، جون بولتون، دوغلاث فايث، لويس (سكوتر) ليبي، ريتشارد بيرل، بول وولفويتز ودايفيد وورمسير.

ولا تزال هذه المعادلة سارية اليوم. فحين دعا المرشح الرئاسي في انتخابات عام 2004، هاوارد دين، الولايات المتحدة إلى تأدية <<دور أكثر إشرافاً>> في النزاع العربي الاسرائيلي، اتهمه السيناتور اليهودي جوزيف ليبرمان بأنه يهدد إسرائيل. ووقّع جميع الديموقراطيين البارزين في الكونغرس رسالة شديدة اللهجة وجهت إلى دين وأدانت تصريحه.

التلاعب بالإعلام الأميركي وتكوين رأي عام موالِ (3)

تنعكس وجهة نظر اللوبي تجاه اسرائيل، بشكل كبير في وسائل الاعلام الاميركية الرئيسية، لان معظم المعلقين ومقدمي البرامج، هم موالون لاسرائيل. ويقول الصحافي اريك الترمان إن مناقشة قضايا الشرق الاوسط في هذه الوسائل <<يتولاها اشخاص لا يمكن ان يطيقوا انتقاد اسرائيل>>. وفي مقابل 61 معلقا مؤيدا لاسرائيل، وجد الترمان خمسة معلقين فقط ينتقدون اسرائيل، بشكل منتظم، ويظهرون مواقف موالية للعرب.

ويظهر التحيز الكبير للاعلام الاميركي تجاه اسرائيل، في افتتاحيات الصحف الرئيسية، ومن بينها <<وول ستريت جورنال>>، و<<جورنال>>، و<<شيكاغو صان تايمز>>، و<<واشنطن تايمز>>، و<<نيويورك تايمز>>، اضافة الى مجلات مثل <<كومانتري>> و<<نيو ريبابليك>>، و<<ذي وويكلي ستاندرد>>.

والى جانب افتتاحيات الصحف، يسيطر اللوبي ايضا على عملية نقل المستجدات المتعلقة باسرائيل. وللحوؤل دون نقل أخبار معادية، فإنه ينظم حملات مكثفة من الرسائل والتظاهرات، ويدعو الى مقاطعة وسائل الإعلام التي قد تنقل اخبارا يعتبر محتواها معادياً لاسرائيل. ويقول أحد المدراء التنفيذيين في شبكة <<سي إن إن>>، إنه يتلقى احياناً 6 آلاف رسالة عبر بريده الالكتروني في يوم واحد، تزعم أن مضمون قصة وردت كان معادياً لاسرائيل.

مراكز الدراسات والتفكير في اتجاه واحد

تسيطر الجماعات الموالية لاسرائيل على مراكز الدراسات الاميركية، التي تؤدي دورا مهما في تكوين النقاشات العامة والسياسات الحالية. وقد أسس اللوبي مركزه الخاص للدراسات في العام 1985، عندما ساعد مارتن انديك على تأسيس <<وينيب>>. وبرغم أن المؤسسة تدّعي أنها تقدّم نظرة متوازنة وواقعية حول قضايا الشرق الاوسط، فإنها تدار من قبل اشخاص مرتبطين بشكل مباشر في عملية دفع البرنامج الاسرائيلي إلى الامام.وخلال ال25 سنة الماضية، اوجدت القوة الاسرائيلية حضورا اساسيا لها في عدد من الؤسسات المهمة مثل <<مركز السياسة الامنية>> و<<معهد الابحاث حول السياسة الخارجية>> و<<معهد هادسون>>. واصبحت هذه المراكز نادراً ما تتضمن انتقادات للدعم الاميركي للدولة اليهودية.

ومن الامثلة الاخرى على ذلك، التحول الذي طرأ على <<معهد بروكينغز>>. وبعدما كان يعتمد المعهد في ما يتعلق بشؤون الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي على ويليام كوانت، اصبح يعتمد على <<مركز سابان لدراسات الشرق الاوسط>>، الذي يموله حاييم يابان، رجل الاعمال الاسرائيلي الاميركي، والصهيوني.

مراقبة أكاديمية

واجه اللوبي صعوبة كبيرة في اخماد الجدل حول اسرائيل داخل حرم الجامعات، كون الحرية الاكاديمية قيمة جوهرية، ولانه من الصعب إسكات او تهديد بعض الاساتذة. وقد تصاعدت الانتقادات في هذه الأوساط ضد اسرائيل، بعد انهيار اتفاق اوسلو وعودة ارييل شارون الى الحكم في العام 2001. وقد ازداد هذه الانتقادات بعد استخدام القوة القصوى في وجه الانتفاضة الثانية. وتحرك اللوبي حينها بشكل عدائي من اجل <<استعادة حرم الجامعات>>. وانتشرت جماعات جديدة مثل <<كارافان للديموقراطية>>، التي وزعت المتحدثين الاسرائيليين على الجامعات. وظهرت في الاطار جماعات مثل <<هلال>> و<<المجلس اليهودي للشؤون العامة>>، حاولت التعامل مع الجماعات الاخرى التي تضع اسرائيل في صلب المناقشات في الجامعات.

من ناحيتها، ضاعفت <<ايباك>> من مصاريفها على برامج ادارة نشاطات الجامعات، اضافة الى تدريب جيل شاب من المحامين عن اسرائيل. كما حاول اللوبي مراقبة ما يكتبه ويعلمه الاساتذة. وفي العام 2002، اسس موقعا على الانترنت لنشر ملفات حول اكاديميين مشتبه فيهم، وشجع التلاميذ على نقل التعليقات او التصرفات التي قد تعتبر معادية لاسرائيل.

ويحارب اللوبي ايضاً بعض الاساتذة والجامعات التي تعينهم. وقد كانت جامعة كولومبيا التي عمل فيها (المفكر) الفلسطيني ادوار سعيد، هدفا مستمرا للجماعات الموالية لاسرائيل. ويقول رئيس الكلية السابق جوناثان كول <<يمكن لأحد ما أن يتأكد بأن أي موقف عام يدعم الشعب الفلسطيني يقوله الناقد الأدبي، المتفوق إدوارد سعيد، سيستدعي مئات الرسائل الإلكترونية، والورقية، والكتابات الصحافية التي تدعونا لنبذ سعيد، أو فرض عقوبات عليه أو طرده>>.

ولعل أهم ما اقدم عليه اللوبي في هذه السياق، الطلب مؤخرا من الكونغرس تبني مشروع قانون، ينص على مراقبة كل ما يقوله اساتذة الجامعات حول اسرائيل.

عامل الإسكات الأهم

لا شك في ان احد اقوى اسلحة اللوبي، هو الاتهام بمعاداة السامية. فان اي شخص ينتقد اعمال اسرائيل او يقول ان هناك لوبيا اسرائيليا، يخاطر بان يصنف معادياً للسامية ايضا، وذلك برغم اعتراف الاعلام الاسرائيلي بان هناك <<لوبياً يهودياً>>.

وقد أظهر الاوروبيون في السنوات الاخيرة، ارادة اقوى من الاميركيين في ما يتعلق بانتقاد اسرائيل. لذلك قام اللوبي بنشر اقاويل في اميركا، تزعم ان بعض الدول الاوروبية معادية للسامية، وهو ما لم يكن صحيحا طبعا (بحسب ما تظهره بعض الاحصاءات).

ولهذه الاسباب، فإن الجماعات الموالية لاسرائيل عندما تشعر بضغط ما، تدّعي ان هناك <<معاداة سامية جديدة>>. وبكلام آخر، انتقد سياسات اسرائيل فتصبح عندها معادياً للسامية. ومثال على ذلك ما حدث مع كنيسة انكلترا مؤخراً بعد تصويتها على سحب استثماراتها من شركة <<كاتربلير>>، التي تصنع الجرافات التي تهدم بيوت الفلسطينيين. وقد دفع ذلك برئيس الحاخامات، الى القول ان لهذا العمل <<أكبر النتائج العكسية على علاقات اليهود والمسيحيين في بريطانيا>>.

والانتقادات الموجّهة لاسرائيل، تصنف ايضاً في خانة تبني معايير غير عادلة، او التساؤل حول حق إسرائيل في الوجود. لكن هذه الاتهامات زائفة، لأن الانتقادات الغربية لإسرائيل، نادراً ما تتضمن حقها في الوجود. وبدلاً عن ذلك، فإن الغرب يطرح الاسئلة حول تصرفات اسرائيل تجاه الفلسطينيين، وهو انتقاد شرعي، لأن الإسرائيليين أنفسهم يطرحون الأسئلة حول ذلك.

حرب "جوجل" تضع قوة الأصوات مقابل قوة الرساميل(10)

إجماع الأمر في المعركة الدائرة حول "حياد الإنترنت" هو استخدام شبكة الإنترنت, للالتفاف حول جماعات الضغط ولتحدي الأمور السياسية التي تدعمها رؤوس الأموال الضخمة.

(المقصود بحياد الإنترنت هو المطالبة بأن تفرض شركات الاتصالات رسوماً موحدة على استخدام الإنترنت, بصرف النظر عن نوعية الاستخدام أو مدى سرعة انتقال البيانات، أي كأنها "تحيد" جانباً موضوع سرعة الاتصالات).

جاءت "جوجل" إلى واشنطن بصفتها تجسيداً للغريب القادم إلى العاصمة الأمريكية من الخارج، أي باعتبارها رمزاً ينتهج في تعامله مع الأمور, نهجاً جماهيرياً مضاداً للثقافة من أهل الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وهي في هذا تعتبر نقيضاً أبعد ما يكون عن الأسلوب المتبع لدى أهل كيه ستريت في واشنطن، وهو الشارع الذي توجد فيه أغلب جماعات الضغط، التي تعمل في جو خانق من التوتر وضغط الأعصاب وتتميز بالتزمت وضيق الأفق.

ومع ذلك، خلال الأشهر الماضية حققت "جوجل" وحلفاؤها من أصحاب الاقتصاد الجديد, انتصارات تدعو للإعجاب في معركتها الدائرة حالياً، التي تتحدى فيها ليس فقط أسلوب جماعات الضغط المتبع في واشنطن، وإنما الحقيقة الأساسية في العاصمة الأمريكية، وهي أن صوت المال في الغالب يكون أقوى من صوت الديمقراطية.

استخدمت "جوجل" ومعها تحالف من الشركات الأخرى التي تبيع المحتوى على الإنترنت، الشبكة العنكبوتية لشن تحد غريب من نوعه ضد السياسة التي تتحكم بها الرساميل الضخمة.

كان سلاحها في ذلك ميزانية متواضعة وجماعة ضغط لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. وتمكنت "جوجل" وحلفاؤها من جعل الناخبين يتحدثون مباشرة إلى النواب والشيوخ في الكونجرس، دون اللجوء إلى وساطة العاملين في جماعات الضغط الذين يرتدون الملابس الفاخرة والأحذية الثمينة.

فعلوا ذلك بطرق يمكن أن تحدث تغييراً عميقاً في مستقبل التشريع وطريقة عمل جماعات الضغط. (المقصود بشركات المحتوى الشركات التي تبيع منتجات تجارية من خلال الإنترنت، مثل الأغاني والموسيقى بشكل عام والأفلام والمقالات والكتب, وكل ما يمكن تنزيله من الإنترنت على شكل بيانات في الكمبيوتر).

وكان ذلك بإثارة قضية لا يهواها إلا الفنيون، وهي "حياد الإنترنت". والمقصود بهاتين الكلمتين اللتين لا يعرف أحد ما المقصود بهما: أن تطالب هذه الشركات بمبدأ عدم التمييز في الأجور والرسوم التي تفرض مقابل استخدام الزبائن للإنترنت.

واكتسب هذا المفهوم الآن أنصاراً من مختلف الجهات، ومنهم معظم المرشحين الديمقراطيين لمنصب الرئاسة، ونصف الشيوخ الأعضاء في لجنة التجارة في مجلس الشيوخ (التي تتمتع بقوة لا يستهان بها)، والتحالف خليط من عدد من الشركات، مثل ياهو و, إي باي, وأمازون، والتحالف المسيحي، وجمعية أصحاب البنادق والأسلحة الأمريكيين، والعاملين في صناعة الموسيقى مثل موبي وفرقة ديكسي تشيكس.

وغمرت مكاتب النواب والشيوخ مئات الآلاف من الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية. كما وقع أكثر من مليون شخص عريضة على الإنترنت تحض الكونجرس على تبني حياد الإنترنت. وبالنظر إلى قوة المدونات الشخصية على الإنترنت BLOGS في تحديد المواضيع التي تتناولها وسائل الإعلام الأمريكية، فإنه لن يكون بمقدور المرشحين في الانتخابات التشريعية التي ستعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، خصوصاً المرشحين المتنافسين الذين يحتلون مراكز قريبة في السباق، تجاهل هذه القضية.

برز موضوع حياد الإنترنت باعتباره قضية مهمة في وقت تجري فيه مراجعة قانون الاتصالات في الولايات المتحدة. وهناك جماعات قوية ذات نفوذ كبير على جانبي الموضوع. وتقول شركات الاتصالات أنه ما لم يسمح لها بتحصيل رسوم أعلى لإنشاء "الطريق السريع" على الإنترنت، فإنه لن يكون بمقدورها بناء الجيل المقبل من شبكات الاتصالات السريعة للغاية في مجال الإنترنت.

في المقابل تقول شركات المحتوى إن الفروق في الأسعار التي من هذا القبيل يمكن أن تعرض للخطر مفهوم الحرية، وهي الحرية التي جعلت من الممكن تحقيق ابتكارات كثيرة في الفضاء الإلكتروني, ولذلك فهي تريد من الكونجرس فرض قيود تنظيمية صارمة على شركات الاتصالات السريعة في الإنترنت.

يقول ألن ديفدسون، رئيس جماعة الضغط التي تمثل "جوجل" في واشنطن: استراتيجيتنا منذ البداية هي أن نأخذ هذا الموضوع خارج الطريق الدائري.

وهو يشير بذلك إلى الطريق الدائري السريع الذي يحيط بالعاصمة واشنطون، وهو كناية عن الثقافة السياسية التي تميز العاصمة الأمريكية.

جدير بالذكر أن شركات الاتصالات تتمتع بخبرة على مدى عدة عقود، ولديها القدرة على إنفاق مئات الملايين من الدولارات في سبيل الضغط لتحقيق مبتغاها في هذا الموضوع, بل إنها أنفقت حتى الآن مبالغ تقدر بخمسين مليون دولار لمحاربة حياد الإنترنت.

في المقابل، فإن مؤسس "جوجل" سيرجي برين كان في رحلة على عجل إلى واشنطن, لكنه لم يفلح في الاجتماع بأقوى عضو في الكونجرس من المسؤولين عن هذا الموضوع، وهو تيد ستيفنز، رئيس لجنة التجارة في مجلس الشيوخ.

ويقول فين فيبر، وهو من المخضرمين في عالم جماعات الضغط لصالح الحزب الجمهوري، ويمثل الجهات المطالبة بحياد الإنترنت، مثل شركات جوجل وإي بيه وأمازون ومايكروسوفت وغيرها: جماعة الحياد تواجه معركة شرسة في الكونجرس، في مواجهة شركات الاتصالات "المتمترسة" في واشنطن.

ويستخدم لاري ليسيج، أستاذ القانون في جامعة ستانفورد ومن المتخصصين في الإنترنت، تعبيراً أبسط حتى من ذلك، حيث يصف المواجهة بأنها "مواجهة تضع أكبر رؤوس الأموال في العالم في معركة ضد المطالبين بحياد الإنترنت."

ورغم ذلك كله، تمكنت "جوجل" والشركات الأخرى من تحويل هذا الموضوع إلى قضية "رأي عام" حول حرية استخدام الإنترنت، وهي قضية تلقى صدى واسعاً لدى ملايين الناخبين المطلعين على الأمور الفنية في هذا الموضوع.

يقول أحد العاملين في جماعات الضغط في واشنطن: هذا الموضوع هو أساساً قضية اقتصادية تهم شركات الاتصالات الكبرى, التي توفر خدمة الإنترنت.

وكان يشير بذلك إلى أن شركات الكمبيوتر (التي يشار إليها أحياناً بعبارة وادي السيليكون) ستستفيد فوائد ضخمة إذا تمكنت من هزيمة موضوع فرض الرسوم على طريق الإنترنت السريع.

ويضيف: لكنها تمكنت من إثارة الموضوع على أنه قضية تخص التعديل الأول للدستور الأمريكي (الذي ينص على منع الكونجرس من التدخل في الحريات الأساسية للمواطنين).

وبعد أن لقي أنصار حياد الإنترنت هزيمة منكرة في مجلس النواب، توجهوا إلى مجلس الشيوخ للتصويت على الموضوع للخروج بتعادل الأصوات في لجنة التجارة في مجلس الشيوخ. معنى ذلك أن من غير المرجح أن يسن قانون حول حياد التجارة هذا العام، ولكن يقول جميع المهتمين بالموضوع إن المعركة لا تزال على الأرجح في بدايتها.

أما الذين يضغطون لصالح الجانب الآخر، أي لصالح شركات الاتصالات، فإنهم يشكون في أن الناخبين سيختارون مرشحيهم بسبب مواقفهم من هذا الموضوع, الذي لم يسمع به الكثيرون.

ويصف سكوت كليلاند، الذي يسهم في الحملة لصالح الجانب المضاد لحياد الإنترنت، تكتيكات "جوجل" الريفية بأنها حركات تدل على السذاجة، ويقول إنه حتى ولو حقق الديمقراطيون مكاسب في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل, فإنهم مع ذلك لن يتمتعوا بالقوة الكافية لتغيير السياسة، ثم إن انتخابات 2008 لا تزال أمامها فترة طويلة. ويقول المدافعون عن جانب شركات الاتصالات إن الموضوع يلاقي صدى واسعاً في الساحل الشرقي والغربي، ولكن ليس له أثر يذكر فيما بينهما.

ويقول أحد المعارضين لموضوع الحياد: هذه السنة ليست من السنوات الانتخابية التي تحدد النجاح التام أو الفشل التام.

وتقول ماورا كوربيت، وهي ناطقة الجماعة المطالبة بالحياد: لا أدري أيهما أهم في نهاية المطاف, الأصوات أم رؤوس الأموال الذاهبة للأحزاب السياسية؟

لكن الجانبين يتفقان على شيء واحد: ستكون هذه القضية اختباراً ممتعاً لقوة رؤوس الأموال مقابل الأصوات في واشنطن.

المصالح الإستراتيجية المشتركة بين أمريكا وإسرائيل والدوافع الأخلاقية لهذا التحالف ، وهمان كبيران روج لهما اللوبي الإسرائيلي(11)

الحلقة الأولى من دراسة:

اللٌوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتّحده الأمريكية

 THE ISRAEL LOBBY AND U.S. FOREIGN POLICY

 المؤلفان :

ستيفن وولت: استاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد

John J. Mearsheimer: Department of Political Science University of Chicago

جون ميرشايمر: استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو

Stephen M. Walt: John F. Kennedy School of Government Harvard University

تمهيد

لقد شاعت دائما مقولة في الدوائر العربية بأن السياسة الأمريكية الخارجية في الشرق الأوسط توجهها جماعات الضغط (اللوبي) الإسرائيلية التي تصول وتجول وترهب الساسة الأمريكيين بحيث يقدمون دائما المصالح الإسرائيلية حتى لو تعارضت مع المصالح القومية الأمريكية. ولكن لم تظهر دراسات تسلط الضوء على هذا اللوبي الإسرائيلي من داخل الولايات المتحدة بشكل موضوعي لتثبت كيف يتحكم هذا اللوبي وكيف يضر بمصالح الولايات المتحدة وكيف كان سببا لحملة العداء التي تزداد في العالم ضد الولايات المتحدة. ثم ظهرت دراسة أكاديمية ألفها أستاذان أمريكيان مرموقان من كبريات الجامعات الأمريكية ، قاما فيها بتشريح اللوبي الإسرائيلي بالوثائق والمستندات التي تفضح هذا اللوبي وتكشف دوره المباشر والمؤثر في ظهور الإرهاب الدولي.

لقد تعرض المؤلفان بعد هذه الدراسة التي ظهرت عام 2006 ، لحملة تخويف وتشهير نظمتها نفس جماعات الضغط اليهودية صورتهما فيها بمعاداة السامية وبافتقار دراستهما للنزاهة العلمية وأنهما واقعان تحت تأثير اللوبي العربي (وهو شيئ غير موجود أساسا). وبرغم توقع المؤلفين لتداعيات هذه الدراسة ، إلا أنهما لم يظنا أبدا أن الأمر سيصل لهذه الدرجة من التشويش بحيث يتوقف أي حوار جاد عن الدراسة ، ويحل محله حملة تشهير أضطرت معها الجامعتان لرفع شعارهما عن الدراسة ، وأغلقت كثير من وسائل الإعلام أبوابها أمامهما.

ويبقى لنا – نحن العرب والمسلمين – أن نتلقف مثل هذه الدراسات وننشرها ونذيعها ونستفيد من الحجج القوية في رسم سياساتنا الإعلامية ، وبل نستفيد أيضا من فهمها في تبني إنشاء لوبي عربي قوي في الولايات المتحدة. لقد صدرت بعض الترجمات لتلك الدراسة ولكنها كانت ضعيفة بعض الشيئ ، وصدرت بعض التعليقات اتسمت بالاختصار والعمومية ، فرأينا في الوسط ترجمة الدراسة كاملة بمراجعها (وستكون المراجع دائما بين قوسين وباللون الأزرق وتحتها خط) ، وتحليل محتواها وعرضه ، وقسمناها على سبع حلقات تتناول موضوعات قائمة بذاتها.

وفي البداية لابد لنا أن نعرف أن النظام الأمريكي يسمح بسهولة بتكوين جماعات الضغط المختلفة ، بل إن هذه الجماعات تمثل ملمحا طبيعيا ومنتشرا في ذلك النظام. بل إن أردت فقل إن النظام قائم على تصارع جماعات تحمي مصالحها بالوسائل التي تضمنها الحريات السياسية. ولذلك تتعدد جماعات الضغط من جماعة تحمي مثلا مصالح زارعي السكر أو البن الذين يحاولون الحصول على الحماية الجمركية الكافية لترويج منتجاتهم داخل الولايات المتحدة ، وهناك جماعات مصنعي الغزل والنسيج وهناك اتحادات الأطباء والحرفيين وهناك جماعات الأقليات المختلفة من الهنود والصينيين واللاتينيين واليهود. وكل تلك الجماعات تستخدم الوسائل الديمقراطية المتاحة للتأثير على صانعي القرارات في الدوائر التي تهمها. وهذه الوسائل تبدأ من كتابة الرسائل والبرقيات للمسئولين الحكوميين ، وجمع التوقيعات على عرائض ، إلى دفع إسهامات مالية في الحملات الانتخابية إلى لقاء أعضاء الكونجرس وشرح قضاياهم ... وتصل إلى التحكم فيمن يتم انتخابه ومن يتم استبعاده ، وكل هذا بحسب قوة جماعة الضغط وإمكانياتها.

وهذا كله طبيعي في النظام الأمريكي ، ولكن المختلف هنا في حالة اللوبي الإسرائيلي ( وهي أقوى جماعة ضغط على الإطلاق في الولايات المتحدة بعد اتحاد المتقاعدين) ، المختلف هنا أن هذا اللوبي لا يكتفي بتحقيق المصالح الإسرائيلية بل يتعداها إلى الإضرار الصريح بالمصالح القومية الأمريكية ويضرب بها عرض الحائط ، إنه يمثل دولة داخل الدولة.

يستعرض المؤلفان في هذه الحلقة الخطوط العريضة للوبي الإسرائيلي وكيف استطاع بناء أوهام دعائية حول المصالح الإستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرئيل ، حتى أصبحت حقائق يصعب منازعتها ، وكيف هيأ اللوبي دواع أخلاقية مغلوطة تبرر هذا الدعم الأمريكي اللا محدود.

الحلقة الأولى

عرض وترجمة : تُشكّلُ السياسة الخارجية الأمريكيّه الأحداثَ في كُلّ ركن من أركان الكرة الأرضيةِ. وهذه الحقيقه نجدها أكثر وضوحاً في الشرق الأوسط ، والسبب الواضح لنا جميعاً هو لأنّها - نقصد منطقة الشرق الأوسط - تعتبر من أكثر بقاع الأرض من حيث عدمِ الإستقرار علاوة علي الأهميةِ الإستراتيجيةِ الهائلةِ المتوفره في جميع جوانبها وأرجائها شمالاّ وجنوباً وشرقاً وغرباً. ولقد قامت إدارة الرئيس الأمريكي بوش خلال الأعوام القليلة الماضية في محاولة  ما أسماه بتحويل المنطقة إلي مجتمعات ديموقراطيّة . ولقد تسبب هذا في تفجر النزاعات الطائفيّة المستمرّة في العراق ممّا خفّض مستويات الأمان بالمنطقة ، كما تسبب في ارتفاعات حادّة ومتتالية لأسعار النفط  ، ثم ظهرت تلك التفجيرات الإرهابيّة في مدريد ,ولندن ، وعمّان بالأردن . كما زادت درجات الغليان في جنبات الشرق الأوسط ممّا أصبحت معه دولاً عديدة مهدّدة بالضياع والحروب الأهلية ، لذا فإننا نجد أنّ فهم تلك السياسة الأمريكيّة مازال يحمل من علامات الإستفهام والتعجب خاصّةً وأن من حق جميع الدول فهم القوى التي تؤثر في تشكيل سياسات الولايات المتحدة الأمريكيّة في الشرق الأوسط .

اللوبي الإسرائيلي جعل علاقة الولايات المتحده مَع إسرائيل علاقة خاصّة جداً ويجب الحفاظ عليها وتنميتها بأي قدر من التنازلات أو التضحيات من جانب أمريكا

إنّ ممّا لا شك فيه أنّ المصلحة الوطنية الأمريكية دائماً تَكُونَ الهدف الأساسيَ والأسمى للسياسة الخارجية الأمريكيةِ، مهما حاول البعض من ذوي المصالح التشكيك في ذلك . ولقد أفرزت العقود القليله الماضيه ، وخاصة بعد حرب الأيّام الستّه عام 1967 ومنذ ذلك الحين ، أنّ علاقة الولايات المتحده مَع إسرائيل هي علاقة خاصّة جداً ويجب الحفاظ عليها وتنميتها بأي قدر من التنازلات أو التضحيات من جانب أمريكا، وهكذا أصبحت إسرائيل بالنسبة لأمريكا كالدرّة الغالية جداً والتي عليهم حفظها وحمايتها مهما كلّفهم ذلك . ولقد كان لتركيز مجموعة الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيلِ ، والجُهودِ الأخرى من القوى  ذات العلاقةِ علي نشر فكرة فرض الديمقراطيةِ في كافة أنحاء المنطقة بأسلوب الكاوبوي، مما تسبب في إشعال لهيب الرفض في المنطقة مفرزاً رأياً موحداً متحدِّياً وساخطاً عربياً وإسلامياً ، ومن جهه أخري فلقد بدأ في التسبب في المساس بالأمن الأمريكي في المنطقه الأوروبيّه لأول مرّه.

ولقد أفرزت تلك الحالة سابقة لَيْسَ لَها نظيرُ في التأريخِ السياسيِ الأمريكيِ. فكيف تسنّي للولايات المتّحده الأمريكيّه أن توقع نفسها في هذا الخطأ وتُعَرِّض أمنها للخطر من أجل تحقيق بعض الإهتمامات لدولةٍ  أخري !. إن المدقق والخبير في العلاقات الدولية قَدْ يَفترضُ بأنّ الرابطةَ بين البلدين مستندة على المصالح الإستراتيجيةِ المشتركةِ بينهما ،أَو مبنيّه علي مغزي أو دافع أخلاقي . وعلي الرغم من ذلك ، فكما سنوضح فيما يلي، فسنري أنّه لا علاقة بالمرّة بين تلك الأسباب المنطقيّة الموضّحة أعلاه وبين ذلك المستوى البارز والّلا محدود للدعمِ الماديِ والدبلوماسيِ الموجّه من أمريكا إلى إسرائيل .

سنرى كيف إستطاعت أنشطة اللوبي الإسرائيلي أن تُشكِّل الضمير الأمريكي وبالتالي مواقفه في منطقة من أكثر مناطق العالم غلياناً على النقيض تماماً من ذلك فكما أسلفنا إنّ الدّافع الرئيسي ليس  مستنداً لا على المصالح الإستراتيجيةِ المشتركة ولا علي دافع أخلاقي، ولكن تلك السياسه تكتسب تلك القوّة الدّافعة الهائلة والممتدّة والتي تزداد تعاظماً مع الأيام من خلال سياسات أمريكيّة محلِّية بحتة وخاصّةً فيما يتعلّق بـ "اللوبي الإسرائيلي "  . في حين أن مجموعات أخري من ذوي الإهتمامات الخاصّه تمكنوا من تعديل السياسه الخارجيّه الأمريكيّه في المنطقه بما يخدم أيضاً نفس الأهداف الأصليه ألا وهي دعم إسرائيل العشوائي ، وفي نفس الوقت يقومون بإقناع المواطن الأمريكي أنّ إهتمامات واشنطن وإسرائيل هي في الأساس متماثلة (من المعروف أنّ وجود  لوبي  يَقترح  دعم غير مشروط لإسرائيل لَيسَ من ضمن الإهتمامات  الوطنّية الأمريكية،  لأنّها لو كانت كذلك,  لما كان هناك حاجة لمجموعات منظّمه ذات إهتمامات خاصّه لإظهارها  ،  ولكن فإن الواقع شاهد على أن هذا اللوبي الإسرائيلي يمارس الضغط السياسي بإستمرار وبشكل يومي لضمان دوام الدعم الأمريكي لإسرائيل دون مساس. وقد أعلن مرة زعيم الأقلية في الكونجرس ريتشارد جيفارد أمام منظمة الإيباك اليهودية " ... بدون جهودكم المستمرة ومعاناتكم اليومية لتقوية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ، ما كانت هذه العلاقات لتصمد ...".).

وسنجد في الصفحات التاليه, توضيحا دقيقا عن كيفية قيام ذلك اللوبي الإسرائيلي بتحقيق ذلك الإنتصار، وكيف أنّ أنشطته إستطاعت أن تُشكِّل الضمير الأمريكي وبالتالي مواقفه في منطقة من أكثر مناطق العالم غلياناً . ولمّا كان لمنطقة الشرق الأوسط أهمية إستراتيجية ذات تأثير عالمي من العيار الثقيل لا ينكرها أحد ، فإنّ على صانعي السياسة الأمريكيّة وغيرهم إدراك ذلك جيّداً وأخذه  في الإعتبار وذلك بإعادة تقنين تأثير ذلك اللوبي .

الحقائق التي نسردها هنا  ليست محل خلافِ أو جدال بين المتخصصين الموثوق في علمهم وبين ذوي الخبرة التي يُعتَدٌ بها عالمياً

إننا نعلم أن البعض سَيَجِدونَ - بعد قراءة هذا التحليل - أنّه مقلقٌ, إلاّ أنّ  الحقائق التي نسردها هنا  ليست محل خلافِ أو جدال بين المتخصصين الموثوق في علمهم وبين ذوي الخبرة التي يُعتَدٌ بها عالمياً, وذلك لأنّها أساساً تم تحديد هياكلها عن طريق صحفيين ومتخصصين من الإسرائيلين أنفسهم، يستحقون عظيم الفضل لتسليطهم الضوء بشدّه علي تلك  بناءً علي آراء حسابنا   يَعتمدُ   بشدّة   على تلك القضايا.

نحن   أيضاً   اعتمدنا علي أدِلّة مُوَثّقة واضحة من مصدر إسرائيلي محترم وكذلك من منظّمة دوليّة لحقوق الإنسان . كما أنّ إدّعاءاتنا المًفَنَّده هنا حول تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط قد تم اعتمادها من أعضاء اللوبي نفسه، علاوة على شهادة سياسيين تعاونوا مع اللوبي الإسرائيلي وعملوا معهم. نحن نتوقع أن يرفض بعض قراء هذا البحث ما قد وصلنا إليه من استنتاجات ,   وبالطبع فإنّ ذلك الرفض لا يَدْحَْض بأي حال أيِّا من ادعاءاتنا المُوَثَّقة ذات الأدلّة الدامغة .

المحسن الكبير :

منذ أكتوبر 1973 قامت واشنطن بتزويد إسرائيل بمستوى من الدعم يتضاءل معه أي دعم قُدِّم لأي دولة أُخرى من قبل , فلقد كانت إسرائيل أكبر مُتَلقّي للدّعم إقتصادياً وعسكرياً منذ حرب 1967 , ويمثِّل أكبر دعم منذ الحرب العالميّة الثانيّة . فلقد وصل مجموع ما حصلت عليه إسرائيل حتي عام 2003 من مساعدات ما يربو علي 140 بليون دولار امريكي (وطبقا لتقارير هيئة المعونة الأمريكية USAID فإن إسرائيل استلمت أكثر من 140 بليون دولار حتى عام 2003) . ولقد إستلمت إسرائيل بإنتظام 3 بليون دولار  كمساعده مباشرة سنوياً, والتي تُمَثِّل تقريباً خُمْس ميزانيّة المساعدات الأمريكيّة الخارجيّة. وبحسبة بسيطة نجد أن الولايات المتّحدة الأمريكيّة أعطت كل إسرائيلي إعانة مباشرة سنوية قدرها 500 دولار (تشير تقارير هيئة المعونة الأمريكية أن إسرائيل استلمت 3,7 بليون دور عام 2003 ، وتشير وثائق وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA أن تعداد إسرائيل في 2003 بلغ 6,3 مليون نسمة ، وهذا يعني أن كل فرد إسرائيلي يحصل على 589 دولار سنويا من المعونة الأمريكية ..) .  هذه الهبة تبدو فعلاً صادمة عندما نعلم أنّ إسرائيل أضحت دولة غنيّة صناعياً تضارع مستويات الدخل فيها نظرائها في كوريا الجنوبية أَو في إسبانيا (بحسب تقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA في كتابها السنوي ، وأطلس البنك الدولي). 

ولقد حصلت إسرائيل علي عدَّة صفقات خاصّة أخرى مِنْ واشنطن (للاطلاع على هذه الصفقات: انظر الدراسة التي قدمها كلايد مارك عن المعونة الأمريكية لإسرائيل وقدمها للكونجرس ونشرت ضمن الخدمات البحثية للكونجرس الأمريكي في 2005) .

إسرائيل هي الدولة الوحيدة من ضمن الدول المتلقية للمساعدات الأمريكيّة والتي لا يتم مراجعة كيفية إنفاق قيمة المساعدات.

هناك من يحصل علي المساعدات علي أربع أقساط سنويّة ، في حين أن إسرائيل تستلم مساعداتها كاملةً مع بداية السنّة الماليّة ، ممّا يعتبر إضافة حقيقيّة لقيمة المساعدات. وهناك اتفاق على أن تقوم الدولة التي تتلقى المساعدات من واشنطن للأغراض العسكريّة بإنفاق تلك المساعدات كاملة في شراء معدّات عسكريّة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، ما عدا إسرائيل فإن لها معاملة أخرى ألا وهي إنفاق  25 % من المساعدات العسكريّة التي تتلقاها سنوياً في الإنفاق ودعم تطوير الترسانة الدفاعيّة لصناعاتها العسكريّة . ونضيف أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة من ضمن الدول المتلقية للمساعدات الأمريكيّة والتي لا يتم مراجعة كيفية إنفاق قيمة المساعدات، وهو إستثناء يجعل من المستحيل التأكد من عدم تِوِجٌه تلك المساعدات - أو منع تِوِجٌهُها أو إستخدامها- فيما يتعارض مع أهداف الإستراتيجيّة العليا للسياسة الأمريكيّة لبرنامج المساعدات الخارجية لواشنطن ، مثل بناء المستوطنات في الضفّة الغربيّة لنهر الأردن . علاوة على ذلك , فلقد قامت الولايات المتّحدة بتزويد إسرائيل بما يقارب 3 بليون دولار لتطوير أسلحة ونظم مثل " الطائرة لافي Lavi aircraft " والتي لا يحتاج إليها البنتاجون ولا يريدها, بينما أعطت لإسرائيل أيضاً إذن بالدخول على مراكز الإستخبارات الأمريكيّة العليا  وبتزويدها بطائرات الهليكوبتر طراز بلاك هوك والنفاثات من طراز إف 16 . وأخيراً ، فهي بهذا قد أعطت إسرائيل تكنولوجيا وتصريح للإطلاع على أسرار الإستخبارات الأمريكية والتي حرمت منها حلفائها من حلف شمال الأطلسي وأغمضت عينها إزاء إمتلاك إسرائيل للسلاح النووي (انظر كتاب أفنر كوهين "إسرائيل والقنبلة" ، الناشر جامعة كولومبيا ، وكتاب سيمور هارش "الترسانة الإسرائيلية النووية والسياسة الخارجية الأمريكية" الناشر راندوم هاوس – نيويورك).

ومن جانب آخر، فلقد قامت واشنطن بإمداد إسرائيل بدعم دبلوماسي راسخ ودائم ومنتظم . ومنذ  عام 1982, فلقد استخدمت الولايات المتّحدة الأمريكيّة حقْ النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي لعدد 32 من القرارات التي أصدرتها المنظّمة الدوليّة للأمم المتحدة ممّا رفع عن كاهل إسرائيل الحرج إزاء مواقفها المتأزمة والخطيرة في الشرق الأوسط، وهذا العدد من القرارات التي أُسْتُخْدِم فيها حق الفيتو لصالح إسرائيل يربو على جميع ما تم استخدامه من حقوق النقض - الفيتو - بواسطة جميع أعضاء مجلس الأمن (من الملحق الثالث للسجلات الرسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة  ، تقرير 47 لعام 2004 ، وكذلك تقرير مجلس الأمن "تقرير واشنطن عن شئون الشرق الأوسط ، يونيو 2005 ...)  . وتسبب ذلك الدعم  في إهدار جهود الدول العربيّة حتى توضع الترسانة النوويّة الإسرائيليّة ضمن جدول أعمال الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة (تقرير مارك بريلمان "الوكالة الدولية ترقب الترسانة النووية الإسرائيلية") . 

إنّ إستراتيجيّة إدارة بوش الطموحة لإجراء تغييرات في الشرق الأوسط  والتي بِدأت مَع عمليّة احتلال العراق  قد تمّت بنـيّـة تحسّين الموقف الإستراتيجي لإسرائيل  في المنطقة

  ولقد قامت الولايات المتّحده بنجدة إسرائيل في وقت الحرب، ثمّ ساندتها ووقفت إلى جوارها خلال مفاوضات السلام. كما هبت إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون بتجهيزها وتزويدها بجميع احتياجاتها خلال حرب أكتوبر 73 ، وقامت بوقايتها وصيانتها و حَمايتها مِنْ التهديد والتدخل السوفييتي الذي كان وشيكاً ومؤكداً آنذاك.

ولقد شاركت واشنطن بعمق في المفاوضات التي أدّت إلي إنهاء تلك الحرب، وكذا ما تبعها من المفاوضات المُطَوَّلة ( مفاوضات الخطوة خطوة ) ، كما لعبت دوراً رئيسياً ومحورياً خلال المفاوضات التي سبقت إتفاقيات أوسلو عام  1993 ، وكذلك تلك الإتفاقيات التاليه لها (انظر كتاب ويليام كواندت "عملية السلام: السياسة الأمريكية والصراع العربي الإسرائيلي منذ 1967" الطبعة الثالثة 2005) . ولم يخل هذا الدعم الأمريكي الغير مسبوق لإسرائيل من بعض الاحتكاكات بين المسئولين الرسميين لكلا الفريقين, ولكن قامت واشنطن بتنسيق مواقفها خلال ذلك مع إسرائيل متّخذةً موقفاً داعماً وراسخاً لمصلحة وجهة نظر إسرائيل  في المفاوضات . في الحقيقة , فلقد قال لاحقاً  واحد من المشاركين في كامب ديفيد 2000 ،  قالَ: “ لقد عملنا بشكل أو بآخر ، كما لو أنّنا المحامون المدافعون عن إسرائيل ، وليس بالعدل الواجب مع كلا الطرفين " (مقال لنوثان جوتمان في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في إبريل 2005 ، ومقال آرون ميلر بالواشنطن بوست بعنوان "محامي إسرائيل" في مايو 2005 ومقالات أخرى عديدة في مراجع الدراسة ....).

وكما سيتم بحثه فيما بعد, فلقد قامت واشنطن بإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للتصرف بحريّة في الأراضي المحتلّة ( الضفّة الغربيّة ، وقطاع غزّة )،  حتّي لو كانت تلك التصرفات تتعارض مع مصالح واشنطن . علاوة على ذلك , إنّ إستراتيجيّة إدارة بوش الطموحة لإجراء تغييرات في الشرق الأوسط  — والتي بِدأت مَع عمليّة احتلال العراق — قد تمّت ولو جزئياً علي الأقل بنـيّـة تحسّين الموقف الإستراتيجي لإسرائيل  في المنطقة .   وبعيداً عن التحالفات التي تتم في زمن الحروب , فإنّه من العسير أن تجد مثيلاً لما حدث من دعم مادي وعَـتَـادي ودبلوماسي لفترة زمنيّة طويلة من إحدي الدول لأي دولة أخرى مثلما حدث من أمريكا   إلي إسرائيل , بإختصار دعم لا نظير له من قبل . إنّ هذه الحالة من الكرم الزائد المنقطع النظير قد تكون مفهومة ومهضومة إذا كانت إسرائيل تُقَدِّم دعماً حيوياً وإستراتيجياً إذا كانت هناك قضيّة إخضاع معنوي مثلاً أو ما شابه ممّا يحتاج مساندة من إسرائيل للولايات المتّحدة ، لكن لا توجد أسباب  جوهريّة مقنعة.

تجمعات الضغط الصهيونية وجرائم إسرائيل: خريطة الوضع في أوربة(12)

 مفهوم معاداة السامية بين الأيديولوجية والسياسة والقانون: الأبعاد والتداعيات المستقبلية القاهرة 8- 10 مارس 2005

 في أبريل 2004، وضعت خمس وخمسون دولة و220 منظمة غير حكومية نفسها في خدمة اللوبي الموالي لإسرائيل. ذلك في مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي عقد في برلين تحت عنوان: الوقوف ضد معاداة السامية والذي ناقش مكافحة العداء للسامية، وتشجيع التسامح، ودور التعليم، ودور وسائل الإعلام مع شبكة الإنترنت.. افتتح المؤتمر الرئيس الألماني "يوهانس راو" وحضره وزراء خارجية على رأسهم كولن باول وممثلون عن دول عربية وإسلامية خلصوا إلى بيان وخطة عمل. المشكلة هنا ليست في تبني المؤتمر لمبدأ اقتران العداء للسامية بالعداء للديمقراطية في بيانه الختامي، حيث لا ديمقراطية، برأينا، مع أي شكل من أشكال العنصرية، لكنها في التركيز على تعريف جديد للعداء للسامية يشمل ما يترتب على السياسة الإسرائيلية! توجه جديد يحتل قلاع جديدة، ليس فقط على مستوى مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل، ولكن أيضا في القوننة المتصاعدة لما يتعلق بالعداء للسامية والعديد من الأوساط الحكومية والحزبية والثقافية.

في 16/10/2004، وقع الرئيس الأمريكي على قانون مراجعة معاداة السامية 2004 (Global Anti-Semitism Review Act of 2004) وبعد ذلك بيومين قدم الكاتب الفرنسي جان  كريستوف روفان Rufin تقريره حول العنصرية والعداء للسامية  لوزير الداخلية الفرنسي.

إن كان بوسع أي مراقب القول بأن ما جرى هو محض صدفة، كيف يمكن أن يفسر الهجوم المنظم على قناة المنار بعد كسبها الجولة الأولى أمام مجلس الدولة في الصيف الماضي؟ ثم حصولها على رخصة رسمية من المجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا في 19 نوفمبر 2004؟ في اليوم نفسه، انطلقت في فرنسا حملة مضادة تتوجت بعد 11 يوما بطلب المجلس عينه من مجلس الدولة منع القناة في ظروف لا سابق لها. محاسبة بطريقة أقل ما يقال فيها أنها تكفي لمنع عشرين قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية على الأقل دون سابق إنذار، (يمكن متابعة فيلم من ثلاثين دقيقة تأسس المنع عليه). ثم بعد أقل من 72 ساعة صدر تصنيف القناة من قبل الإدارة الأمريكية على قائمة الإرهاب.من المؤكد، أمام مشهد كهذا، أن ثمة حالة استنفار وتعبئة تعيشها مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل، وبتنسيق عال فيما بينها ومع الحكومة الإسرائيلية، من أجل إعادة رسم إستراتيجيات الحماية لدولة توسعية لم يعد بالإمكان الدفاع عن سياساتها العدوانية تجاه شعب فلسطين.

إن كانت جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في أمريكا لها اسم ومؤسسات، ففي أوربة ثمة مؤسسات تاريخية مرتبطة بالجالية اليهودية وأخرى واضحة الانتماء للحركة الصهيونية أو تعكس جغرافية الأحزاب السياسية في إسرائيل. وهي تركز عملها على عدة محاور أهمها: 

صناعة المثقف الأوربي

السيطرة على السلطة الرابعة وإرهابها

إيجاد جماعات متابعة للأحزاب السياسية والرموز السياسية

التأثير في الأوساط غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان

التأثير في السلطة القضائية والقوانين

يمكن القول أن البنية التنظيمية هلامية أو مرنة، أما أسلوب العمل فهو جد منظم. وبعكس ما هو شائع، هناك أشخاص هم أصحاب دور فاعل في جماعة الضغط الموالية لإسرائيل من غير اليهود، بما في ذلك ما يعرف بعرب الخدمات. ويهود لا يشعرون بأي تعاطف مع السياسة الإسرائيلية أو دولة إسرائيل نفسها.

كان أول تحول في الرأي العام الإوربي برأينا إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان. أسطورة الجيش الذي يدافع عن شعب يتعرض لخطر الإلقاء في البحر زالت. الجيش العبري يحتل عاصمة عربية في حرب غير دفاعية بكل المعاني. النداء الأساسي لأصحاب الضمائر كان: آن الأوان للتعامل مع إسرائيل كدولة مثل غيرها، دولة تمارس العدوان وتحتل أراضي الغير. لكن لم يكن التغيير من العمق بحيث يترك آثارا كبيرة. يومها، بدأ كلود لانزمان، رئيس تحرير "الأزمنة الحديثة" بهجوم مضاد يقوم على أن ما يحدث لا يشكل خطرا على دولة إسرائيل فحسب، وإنما هو الوقود الأكثر خطرا لنار اللا سامية. بعدها بعامين عاد شامير يتحدث بخطاب متطرف ومتعجرف. يسأله محرر النشرة الرئيسة للقناة الأولى: لم لا تضمون الضفة الغربية وقطاع غزة فيجيب: "لا يضم المرء ما هو له". أما الموالون لإسرائيل فبدأوا يستعدون لمعركة صعبة، خاصة مع انطلاقة الانتفاضة الأولى. من ناحيته، كان الشعب الفلسطيني يكسب في صفوف الشبيبة واليسار غير التقليدي والمجتمع الأوربي المولود بعد جرائم النازية. هذه الشرائح التي ترفض عملية تحميلها ذنبا لم تقترفه وإن كانت تتعاطف بشكل كبير مع ملايين اليهود الذين كانوا ضحية أكبر مدرسة عنصرية في التاريخ المعاصر: النازية.

كان لحرب الخليج الثانية دورا سلبيا كبيرا في ذلك، حيث خلطت الأوراق وعادت بصورة إسرائيل الضحية. لقد استغلت جماعات الضغط الموالية لإسرائيل فكرة بلع دولة عضو في الأمم المتحدة من جارها العربي، مع ترويج لا سابق له لخطر الكيماوي في الصواريخ العراقية على الأبرياء الإسرائيليين. "الهزيمة التي أصابت كل العرب" يومئذ، مهدت لهجمة إسرائيلية أوربية جديدة على أساس تحجيم القرارات المناهضة للصهيونية في الأمم المتحدة، ضمن التوازن العالمي الجديد والانهيار الجماعي العربي.

هذا الاستنفار كان له أن ازداد منذ نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في 16 ديسمبر/ كانون الأول1991 في إلغاء القرار 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/11/1975 والذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.

 معاداة السامية أم تغطية إسرائيل؟

 لقد شهدت التسعينيات العديد من الندوات والتحركات التي وظفت مرحلة اتفاقيات أوسلو في إعادة تجميل صورة الدولة العبرية ومقاومة أشكال النقد والشجب المختلفة لسياستها. واكب ذلك نشأة اتجاه صهيوني يعتبر انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة انتصارا لإسرائيل. وهو بالتالي يفترض أن يتم توظيفه في كل المجالات، بما في ذلك توسيع مفهوم معاداة السامية ليشمل كل انتقاد لدولة إسرائيل.

يضاف إلى ذلك قراءة وتحليل كل ما يتعلق بالتاريخ اليهودي المعاصر وتحجيم دور كل مجموعة أو جالية أو دولة يمكن أن تشكل خطرا بعيد المدى على إسرائيل. كيف يتم ذلك؟ سأعطي بعض الأمثلة القريبة جدا:

تشهد أوربة اليوم محاولة استشراس ضد الرأي المخالف لأطروحات مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل قائم على تعزيز رهاب الإسلام وتقديم مناهضي العولمة بشكل شيطاني. بالطبع مع التذكير باستمرار بأن أوربة مذنبة بحق اليهود، ولم تعتذر بعد بتقديم الدعم اللازم لأول دولة يهودية في الأزمنة المعاصرة. كمثل على هذا التوجه، سآخذ كلمة ألقاها المحامي جان لوك ميدينا Medina في 16 ديسمبر 2004 وهو مسئول الكريف CRIF في مدينة غرونوبل (الكريف اختصار "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا" يضع أمامه وفق تفديمه لنفسه ثلاث مهمات أساسية: الأولى النضال ضد كل أشكال معاداة السامية والعنصرية وغياب التسامح والنبذ، الثانية التأكيد على التضامن مع دولة إسرائيل ودعمه لحل سلمي في الشرق الأوسط والمحافظة على ذاكرة الشوا (المحرقة النازية) حتى لا تنسى الأجيال المقبلة الضحايا اليهود للبربرية النازية).

يذكر السيد مدينا بأن أهالي المنطقة قد اتهموا في القرن الرابع عشر اليهود بالطاعون الذي أصابهم. كذلك كان هناك تواطؤ مع عملية نقل أطفال يهود لمعسكرات الاعتقال النازية في 26 آب/أغسطس 1942. ثم ينتقل ليحدد بأن مهمة منظمته دحر الشعور المعادي للسامية ومحاولات المراجعة التاريخية. يبدأ الخطاب بنيل المراد عندما يصل للجالية الإسلامية في فرنسا. هنا يركز المتحدث على أن تقريرا للمخابرات العامة يظهر أن جماعات التبليغ والسلفية أصبحت العنصر الأساسي في الأحياء الصعبة حيث تسيطر على أكثر من 200 حي في مراكز تجمع المنحدرين من أصول مغاربية. النتيجة بالطبع، هي انتاج واسع للمتطوعين لمحاربة القوات الفرنسية في أفغانستان وقوات التحالف في العراق.

نحن أمام مشهد لشبح مصعب الزرقاوي في الضواحي الباريسية. هناك جالية يغلب عليها التيار المتطرف الذي يغذي معاداة السامية والغرب والديمقراطية والمبادئ الجمهورية ويعزز الأفكار الجهادية. لكن هذا الأسلوب التخويفي لا ينسجم مع الوقائع. فكل ما أعطت الجالية المسلمة (يتجاوز عددها الخمسة ملايين) لحرب أفغانستان ستة معتقلين في غوانتانامو، تمكنا كمنظمات غير حكومية لحقوق الإنسان من إعادتهم لفرنسا لأن ملفاتهم فارغة. أما في العراق، والكل يعلم أن رصيد الحكومة الفرنسية داخل وخارج أوربة جاء من موقفها الحكيم من العدوان على العراق، فكما أخبرني الصحفي المتابع للموضوع أوليفييه أوماهوني، عدد الفرنسيين المسلمين، وفق معطيات الأمن الفرنسي، ثلاثة معتقلين من قبل القوات الأمريكية، وثلاثة قتلى، واثنان مفقودين، ومعتقل في دمشق.

بالطبع خطاب الكريف سياسي ومستقبلي. هو يهدف لتحجيم الدور السياسي للجالية العربية والمسلمة عبر التخويف الدائم منها، بما في ذلك الهجوم المنظم على أكبر تجمع منظم لها (اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا UOIF). هذا التجمع الذي طالب مركز سيمون روزنتال الصهيوني في 2/11/2004 بحله (كذا!) بدعوى أنه يجمع تبرعات لإغاثة المنكوبين الفلسطينيين.

إن كان للانتفاضة الثانية في انطلاقتها أن تضع أمام أنظار العالم هشاشة وتعارض الممارسات الإسرائيلية منذ أوسلو مع القانون الإنساني الدولي والحقوق الأولية للشعب الفلسطيني، فقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول لتبني كل صمامات الوقاية للتطرف الإسرائيلي من قبل الإدارة الأميركية. ففي الوقت الذي مورست فيه أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، أعطت الإدارة الأميركية الحماية السياسية الضرورية للدولة العبرية ضمن ما سمته الحرب على الإرهاب.

إلا أن هذا الغطاء السياسي لإسرائيل جاء في خضم تشكل جبهات مقاومة جديدة لمناهضة السيطرة الأميركية. بعض هذه الجبهات قدم من خلفيات يسارية ومن أنصار البيئة، وبعضها الآخر من حركات السلام والدفاع عن حقوق الإنسان، وقطاع واسع منها تحدر من التيارات الديمقراطية المختلفة التي وجدت في السياسة الأمنية الأميركية وإعلان حالة الطوارئ على الصعيد العالمي تهديدا مباشرا لكل المكتسبات الحقوقية والديمقراطية التي جنتها البشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

هذه الاتجاهات أصبحت أيضا مع التعنت الإسرائيلي قوة دعم معنوية كبيرة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فلم يعد من الغريب الحديث عن إسرائيل كدولة عنصرية معتدية ومحتلة، بل واعتبارها المصدر الأول للخطر على البشرية اليوم عند شرائح واسعة من الرأي العام الأوروبي.

في هذا المعمعان،  تركزت سياسة اللوبي الموالي لإسرائيل على إعادة تعريف العداء للسامية ليشمل العداء للصهيونية. وصار من الضروري توظيف الحملة على معاداة السامية في الدفاع عن السياسة الإسرائيلية. كون معظم الدول الأوربية قد سنت قوانين للحماية من معاداة السامية في الكتابة والصحافة والإعلام السمعي والبصري والتجمعات السلمية الخ منذ عام 1881 وحتى اليوم. الأمر الذي يتجسد عمليا بحماية دولة إسرائيل من نشطاء حقوق الإنسان والخضر والحمر وكل من تسّول له نفسه التعرض للانتهاكات الجسيمة والمنهجية التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية.

في هذا الإطار تقف الحركة العالمية لحقوق الإنسان اليوم أمام تحدّ جديد. تحدّ من نوع خاص توضع فيه مصداقيتها على المحك. فمن جهة، تستنكر هذه الحركة بكل أطرافها وتياراتها أي عمل مناهض للسامية، وترفض بنفس الوقت أن تعتبر المعضلة المركزية في العنصرية مشكلة العداء للسامية.

فلسنا اليوم أمام حملة إبادة نازية أو أمام الجماعة المستهدفة الأولى والأهم في أوروبا والولايات المتحدة والعالم الإسلامي. ومن غير المعقول مطالبة المدافعين عن حقوق الإنسان بتصنيف دولة فوق الدول وفوق القانون وتنصيب شعب في مرتبة أعلى من غيره.

 إنتاج أم مقاومة العداء للسامية؟

 لا يمكن معالجة الظواهر المجتمعية والثقافية بمجرد مراقبة أعراضها. ومن الصعب كذلك في القضايا ذات البعد الأخلاقي والحقوقي اتباع وسائل ردعية وقمعية.

فإذا كانت معاداة السامية (كمأساة عاشها اليهود في أوروبا عبر جرائم لا إنسانية ارتكبت بحقهم من الغيتو إلى المحرقة النازية) قد دخلت الوعي الجماعي الغربي بوصفها أهم التعبيرات العنصرية في قاموس المدافعين عن الكرامة الإنسانية، فهي لم تكن كذلك في الثقافتين العربية والإسلامية، وإلى حد كبير الهندية والصينية.

بالتالي، لا يمكن الحديث عن مجازر جماعية أو ممارسات عنصرية بحق اليهودي في جنوب شرقي أسيا، وما كان اليهودي في فلسطين الطرف الأضعف في الستين عاما الأخيرة.

وفي حين يملك الإسرائيليون أحدث أسلحة الدمار التي عرفتها البشرية، لا يملك الفلسطيني سوى جسده ورمزية صواريخ القسام التي تذكرنا بأسلحة الهندي الأحمر.

اعتبار معاداة السامية ظاهرة عالمية هو تجنّ على التاريخ والحاضر. كما أن مساواة الضحية، التي تعرضت لشكل ما من أشكال الأذى النفسي أو الجسدي لمجرد كونها تنتمي للدين اليهودي، بالجلاد الذي يمارس جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، هو استغباء للعقل وتدنيس منظم للوعي.

هذا الأسلوب، الذي يحاول توسيع جبهة المعادين للسامية لتشمل من يناهض السياسة العدوانية للحكومة الإسرائيلية، يفقد الكلمة براءتها الأخلاقية وعمقها التاريخي ومخاطرها المعاصرة.

 يتم ذلك بتوظيف للألم التاريخي والخطر الذي لم يختف بعد، في خدمة جرائم يومية ترتكب بحق شعب بلا دولة وبلا حقوق.

لقد حرصت الحركة الصهيونية على تأصيل فكرة التفرد لكل ما هو يهودي. تفرد الغيتو وتفرد العداء للسامية وتفرد المحرقة وتفرد الوضع التاريخي لدولة إسرائيل. لكنها بهذا الحرص على التمييز خلقت مشاعر كارهة لهذا الغياب الصارخ لفكرة المساواة في الألم، والمساواة في المعاناة والمساواة في أسلوب التقييم والتناول.

فالجريمة هي الجريمة والعنصرية هي العنصرية والقتل هو القتل والعزل العنصري هو العزل العنصري. أما الاستثناء فهو الذي يخصب براعم العنصرية في المجتمع.

وعندما يأتي المثقف الموالي لإسرائيل بفكرة مفادها أن التعرض للدولة العبرية يمهد التربة لمعاداة السامية، فهو ينتقل من الحقل الثقافي النقدي لحقل الإرهاب الفكري لعالم بأكمله. عالم حقوق الإنسان الذي اعتبر نفسه، حقا أو باطلا، فوق الحدود والثقافات والدول. كما اعتبر مهمته شجب الانتهاكات التي يتعرض لها الأشخاص والشعوب دون تمييز، ودون معايير مزدوجة، ودون أبناء ست وأبناء جارية.

هنا يتحول المدافع عن القضية اليهودية إلى منتج لمعاداة السامية، باعتبارها رد فعل على هذا التسلط الفكري والسياسي. ومن المضحك أن يحاول المثقف نفسه الاختباء وراء جلباب مصطلحات علمية يمرر بها المبدأ العصبي القائل: انصر إسرائيل ظالمة أو مظلومة.

لكن من المؤسف أن تجد حكومات دول غربية نفسها مضطرة إلى أن ترضخ للضغوط، معتبرة هذه الأطروحات أساسا للتعامل مع ظاهرة العداء للسامية. ومن المؤسف أيضا أن نجاح مجموعات الضغط في التأثير على الطبقة السياسية التقليدية قد انعكس بصيغ رد فعلية عند الجمهور الواسع في أوربة. هذا الجمهور الذي يرى بأم عينيه التوظيف الرخيص لإحدى أهم المآسي المعاصرة في خدمة سياسات عدوانية. ففي بلد كفرنسا، نجحت المنظمات المدنية والمعادية للعنصرية في تعبئة قرابة 400 ألف شخص في 1989 بعد الاعتداء الآثم على مقبرة كاربتراس اليهودية، لم تعبئ تظاهرة مايو 2004 المستنكرة للعداء للسامية أكثر من 20 ألف شخص. لأن المواطن البسيط المناهض للعنصرية يشعر اليوم بأن المطلوب منه هو التستر على سياسة أرييل شارون والسكوت عن احتلال أراض عربية بالقوة وبناء المستوطنات والجدار الواقي. صحيح أن الإرهاب الفكري قد أجبر آلان مينارغ على الاستقالة من منصبه في إذاعة فرنسا الدولية، إلا أن مؤلف "جدار شارون" أعطى أحد الكتب الأوسع مبيعا في العام الماضي. حيث ثمة تعاطف عفوي يتجاوز المؤسسات.

 المعاداة الجديدة للسامية

ربما كان حزب الليكود أول من استعمل مصطلح معاداة السامية الجديدة (New Anti-Semitism). لكن لم يلبث هذا المصطلح أن أصبح موضوعا لندوات وحلقات فكرية وحقوقية. فقد تلقفته الـLICRA (رابطة مناهضة العنصرية ومعاداة السامية في فرنسا) و ADL (رابطة مناهضة التثليم الأميركية), والمراكز المتخصصة في معاداة السامية في الغرب، بحيث شمل معاداة الصهيونية باعتبارها شكلاً من أشكال العداء للسامية.

لقد باشرت عدة مراكز ما يمكن تسميته إصدار تقارير سنوية عن مظاهر معاداة السامية في العالم. لقد تساوى في هذه الإصدارات بين الاعتداء على مقبرة يهودية، والهجوم على عالم اجتماع، والتشهير بمسئول سياسي رفض استقبال مسئول إسرائيلي. ولعل الكاريكاتير الأشبه بالمهزلة هو ما تقوم به MEMRI من برنامج مراقبة العداء للسامية في العالم العربي و Dhimmi Watch وغير ذلك، بإشراف كولونيل سابق في الجيش الإسرائيلي تساعده زوجة وولفوفيتز.

تحاول هذه المراكز تقديم صورة سوداء عن علاقة العالمين العربي والإسلامي باليهودية. ونادرا ما تشير إلى مقالة معمقة أو جهد أكاديمي، باحثة في الصحف الصفراء والتصريحات العرجاء عن كل ما يخلق فجوة لأي تواصل مع العربي والمسلم. كذلك، لا يمكن القول أن تقارير بعض أعضاء الكونغرس أو مداخلاتهم أكثر دقة وجدية. فهي غالبا ما تكون مستقاة من مصدر للمعلومات كهذه المصادر المذكورة هنا.

كانت وحدها المؤسسات الصهيونية الأوربية تتبنى علنا هذا المصطلح، وجرت مواجهات عديدة بين المثقفين الأوربيين وجماعات الضغط الموالية لإسرائيل. لكن بالإمكان القول إن تقرير جان كريستوف روفان هو أول تقرير من رئيس لجمعية غير حكومية، عرف بتاريخه المؤيد لبعض قضايا الجنوب، قبل أن يعيش انقلابا ذاتيا يعبر عنه في هذا التقرير، يتبنى أطروحات حزب الليكود.

بالنسبة لهذا الكاتب، هناك ثلاثة أشكال اليوم لمعاداة السامية:

-الأول غريزي Pulsion:هذا الشكل يراه عند "صناع العنف"، المصنفين من اليمين المتطرف أو من الشبيبة المنحدرة من المهاجرين الذين يفتقدون للجذور ونقاط الارتكاز ويعانون من الفشل الاجتماعي وضبابية الهوية. هؤلاء  سيجدون في معاداة السامية برأي الكاتب غذاء للروح، في اعتراف ضمني بأن المجتمع المضيف قد حرمهم من أية وسيلة للتعبير عن الذات. بالطبع، وكما سبق وذكرنا، يوجد تبني لأطروحات الرهاب من الهجرة المسلمة والإسلام بشكل غير مباشر، باعتبار أن هذا الوسط لا يختلف عن اليمين المتطرف.

روفان يصنف هذه الشبيبة في عداد منتجي عنصرية هم أنفسهم ضحاياها بكل المعاني. هنا، نقف أمام توظيف تبسيطي لمصطلح Pulsion الفرويدي يخرجه عن معناه ومبناه.

-الثاني كإستراتيجية Stratégie، بحيث نجد أنفسنا أمام جماعات منظمة لاحتواء وتوظيف الناس من اليمين المتطرف والجماعات الإرهابية، بحيث نحن أمام حالات سوسيولوجية كلاسيكية.

عند الحديث عن الجماعات الإرهابية، من المفيد التذكير بزج أنصار إسرائيل، بمناسبة وبدون مناسبة، لحركة المقاومة الإسلامية حماس فيها. ووجود سياسة منظمة تعتمد طرح السؤال بشكل منهجي: "لماذا ندين إرهاب القاعدة والباسك والشاشان ولا ندين الإرهاب الفلسطيني"؟ يترافق ذلك بتنظيم دعوات وحفلات غالا للجيش الإسرائيلي لتجميل صورة المحتل. في هذه الحالة، ليس من قانون دولي أو أمم متحدة أو احتلال أو مستوطنات، كن في الحالة الأخرى، هناك إرهاب يجب استئصاله.

-الثالث بالوكالة Par procuration، وهنا ندخل في صلب التعريف الصهيوني للعداء للسامية. فهو يتحدث عن الذين يسهلون، بوجهة نظرهم أو بصمتهم، القيام بأعمال معادية للسامية.

هذه المعاداة الجديدة للسامية، كما يقول، نشأت في أوساط النضال المناهض للاستعمار والعولمة والمدافع عن العالم الثالث والبيئة ومن اليسار الثوري والخضر، وكل من يجتمع حول ما يسميه رئيس جمعية "العمل ضد الجوع"، المعاداة الراديكالية للصهيونية.

كل الأديان يمكن أن تكون موضوع نقد، إلا اليهودية. وكل الدول يمكن أن تكون موضوع شجب، إلا إسرائيل. هذا باختصار تصور اللوبي الموالي لإسرائيل لطريقة مواجهة العداء للسامية. أما السبب فيكمن، كما يقول الكاتب الصهيوني آلان فنكلكراوت، في أن المجتمع الأوربي قابل للعودة إلى العداء للسامية. بل يصل به الأمر للعب دور الضحية المطلقة بالقول: "أن تكون يهوديا في فرنسا يعني أن تكون مشبوها".

المشكلة برأينا، أن الخوف من القوة المنظمة والضاربة لجماعات الضغط، تجعل بعض السياسيين يخوضون في مزاودة علنية معها. فعوضا عن أن يتوقف الشاعر دوفلبان، وزير الداخلية، عند مخاطر التعريف الجديد للعداء للسامية الذي يغطي جرائم دولة، يقترح علينا شيئا آخر. التفكير في فائدة نص يسمح بمعاقبة الذين يصدر عنهم مواقف أو تهم بالعنصرية أو يقارنون الجماعات، الدول أو المؤسسات بالأبارتايد والنازية. بكلمة أخرى، يجب معاقبة صديقنا محمد حافظ يعقوب مثلاً لإصداره كتاب: بيان ضد الأبارتايد، كونه يعطي صورة سلبية عن الدولة الجميلة، إسرائيل. لحسن الحظ لم تعترض اللجنة العربية لحقوق الإنسان وحدها على هذا الاقتراح، بل أخذت الموقف نفسه الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والحركة ضد العنصرية من أجل الصداقة بين الشعوب.

مناقشة العداء للسامية تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، للأمانة الفكرية والنزاهة الأخلاقية، ومناهضة العنصرية بكل أشكالها بما في ذلك معاداة السامية ورهاب الإسلام والتمييز العنصري. وهي أمور لا يمكن أن تحدث إلا ضمن منظومة أخلاقية وحقوقية ذات مصداقية عند الشخص المتلقي، إذ لا يمكن استخدام أسلحة مشبوهة للدفاع عن قضايا نبيلة. فمن الصعب إقناع إنسان بسيط بأن الفضيلة يمكن أن تأتي من مجرم حرب، وأن أنصار هذا المجرم يمكن أن يكونوا على رأس مرصد عالمي لمناهضة العنصرية.

لقد نشأ مصطلح "معاداة السامية" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ليعبر عن إيديولوجية عنصرية نابذة للآخر المختلف والمقموع. أما إعادة تعريفها اليوم بشكل يغطي ممارسات القامع الإسرائيلي، أمر يخلط الحابل بالنابل، ويفقد الضحايا الفعليين لمعاداة السامية التخوم الضرورية للحئول دون توظيف قضية عادلة في خدمة الآلة الجهنمية للعدوان.

............................................................ 

المصادر/ 

1- ياسر خليل / ميدل ايست اونلاين

2- إيمان شمص شقير / صحيفة الصحافة

 3- المهندس فؤاد الصادق/ معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات

 4- اعداد : د. حنان اخميس  / مجلة اقلام الثقافية

 5-  هشام محمد علي/ جريدة الصباح العراقية

 6- وكالة الاخبار الاسلامية

 7- شلومو غازيت  / معاريف

 8- هيلينا كوبان/ موقع العرب نيوز

 9- منتديات المهدي

 10- ستيفاني كيرشجاسنر ورتشارد ووترز/ صحيفة الاقتصادية الالكترونية

 11- جريدة الوسط

 12- موقع الدكتور هيثم مناع 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14 آب/2007 -30/رجب/1428