الوسط الذهبي

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: يقول الامام الشيرازي(قدس سره): ليس من طبيعة الفكر الاسلامي ولا من مبادئه الجنوح الى استعمال القسوة، كونه ينبع من الوسطية ويحيا في اطارها ثم يرتد اليها بكونها المرجع سواء من الناحية الفطرية او الشرعية.

يقول ارسطو ان الوسط الذهبي يكون بين المتهور والجبان وبين المبذر والبخيل.

ويعني ارسطو بذلك ان المتهور لايرعوي ولا يدقق ولا يتكئ على حكمة فيما يكون الجبان منزويا في ذاته لا يغادرها وليس له يد في صنع الاشياء التي تفيد الحياة ويتسم شخصه يالخنوع والسلبية.

لكن الشجاع الذي يتوسط الامور يفكر بروية ويستند الى الحكمة وهو الشخص الايجابي الذي لا يفوت اية فرصة سانحة.

والشجعان الوسطيون قد كانوا سببا في كثير من المنجزات الانسانية سواء على مستوى الفكر او المثال او في المستويات العلمية والعملية من فلاسفة ومفكرون او مخترعون او مصلحون اجتماعيون.

والمبذر يغره هاجس الكرم والاريحية واعلاء أناه بين افراد المجتمع لا لغاية مفيدة وانما يفعل ذلك بصورة اقرب الى العبثية، وقد وصف بالاخوة للشياطين كما جاء في القرآن الكريم.

اما البخيل فله صفاة الجبان ويتفوق عليه في قضية خطيرة جدا تؤثر في المجتمع تاثيرا قويا،الا وهي الاحتكار وكنز الاموال اذا كان ثريا ويوهن الناس اذ كان فقيرا.

فالوسط الذهبي اذا هو في لب التفكير والمبدا الاسلامي وهي الاصل لإدارة الانساق الاسلامية في الحياة الواقعية واما حالات الخروج من اطارها انما هي الحالة الشاذة والاستثناء والطارئ والنادر الذي لا يعد من القاعدة في شئ.

وكذا التضاد بين التطرف والتوسط كذلك التضاد بين المغالاة والاعتدال ، فالمغالاة هي المبالغة في قضية الى درجة فقدان المصداقية وهو يضر القضية من حيث اراد نفعها.

يقول الامام علي عليه السلام: هلك فيّ رجلان محب غال ومبغض قال.

وفي القرآن الكريم: قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا واضلوا عن سواء السبيل.

وهذه الآية لا تخطي المسلمين حيث ان خطاب القرآن للناس اجمعين.

ومن مصادر التطرف والغلو والافراط والتعصب هو الخطاب الديني، في غالبه بكونه خطابا مسموعا ومقروءا ولا يكاد هذا الخطاب ان يرى الافق الجامع بين البشر بحكم الفطرة، فهو لا يثمن الخبرة الانسانية المتطورة عبر الاجيال، والخطاب انما يتعصب ويتحزم باستمرار ضد آخرين وكاننا في حرب مستديمة مع خصوم دائميين.

اما استحقاقات الوسطية والاعتدال والاقتصاد والصفح من حيث انها اضداد حماقات التطرف والغلو والافراط والتعصب فقليلا ما او نادرا ما نلمس ندبا صادقا اليها او تاكيد حقيقيا عليها في غالب الخطاب المذكور.

حينما ترفع الديانات السماوية شعارات تدعي انها ومن خلالها تضمن سعادة الدارين ويعيش الانسان بكرامة ووئام فلا بد لنا ان ننهل من ذلك الافق المفتوح ونرى الى زلاله الرقراق من تلك الدوائر اللاهوتية فالرحمة والتسامح والحب والتراحم والتعاطف وغيرها من الصفاة الشفافة يتحلى بها الديّانون.

لكن يكون الامر غير طبيعي ان يتحول الدين في لحظة من الزمن الى غيوم سود مدلهمة لا تمطر غير الرصاص وتبث البارود والرعب فتحيل الدنيا الى جحيم لا يطاق.

وهذا بالضبط ما يفعله الارهاب او ظاهرة العنف الديني وهي ظاهرة التصقت بالارهاب وقد اقترنت مع ظواهر اخرى اكثر بشاعة مثل ظاهرة الذبح والتفخيخ والفتيا التكفيرية بالدين الاسلامي.

يقول الامام الشيرازي (قدس سره):  ان العنف ثمرته العنف، فالمجتمع الذي يؤمن بالعنف يتربى كل افراده على العنف وسيئات العنف لن تقتصر على الاعداء وانما تتعداهم الى الاصدقاء ايضا.

ويرى المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله): ان الانتصارات التي حققها الرسول لا تحمله على اجبار الناس باعتناق الاسلام بل يعرض عليهم الاسلام فمن قبله فبها ومن لم يقبله فلا جبر عليه بالقبول.

وعموما فان الاعتدال الوسطي او الوسط الذهبي للرؤية الاسلامية هي الحقيقة التي يحاول التطرف ان يقوم بالغائها اي الغاء المساحة بين معادلين متضاربين معادل التضييع ومعادل الالغاء والذي يؤدي في نهاية المطاف الى الغاء السبب الاصل والمبرر الاساس الا وهو الدين ذاته او على الاقل تشويهه بدرجة الانكفاء وطوي الصفحة.

ان ما يحدث الآن في الساحة العراقية من ويلات ومآس مرده الى سلوك العنف والتطرف والمغالاة والابتعاد عن القاعدة الذهبية التي اختطها الاسلام واستوى فيها باوج انواره في رحاب التاريخ المنصرم في زمن التوسعات والقوة، وبلوغه جغرافيا الى اقصى الشرق والشمال والغرب.

فعلى المسلم الحقيقي ان يتبع اسلامه ولا يزج نفسه بالمشتبهات وان لايبقى ضمن مربع التطرف بشتى صوره، و:

** ان لايضع نفسه على طاولة الجماعات وان يقطع علاقته السياسية بهم طالما آمن بان الاكثر منهم يمارس التطرف، فانه ماثوم وان كان يرفض الاعمال القاسية لانه ببقاءه معهم يكثر سوادهم بين الناس.

** ان يقنع غيره بوجوب الارتداد الى قاعدة الذهب الوسطية التي كان نهج الاسلام في دائرتها.

** ان لا يروج كل ما من شانه ان يشجع المتطرفين او يثني على افعالهم.

** ان لا يشجع دعاياتهم او مطبوعاتهم المتطرفة التي تدعو الى مزيد من العنف بشتى اشكاله.

** ان لا يستعملهم لنيل حقوق شخصية من الآخرين بكونه يعطيهم حق معين او بقدر ما من الشرعية او الاعتبارية.

** ان لا ينتخب ممثليهم في المجالس المحلية او البلدية لانه سيختار الرجل المضر بالأمة الاسلامية.

** ان يقوم بالاخبار عن كل ما يراه في غير الصالح العام ويستهدف الناس ويستعمل القسوة والارهاب والتفجير.

..............................................

المصادر/

نظرية اللاعنف للامام الشيرازي

جمال الخرسان- مجلة النبأ العدد -76،77

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13آب/2007 -29/رجب/1428