الإستراتيجية الدموية: تلعفر نموذجا.. من المسؤول؟

علي الطالقاني

 ما الذي حدث ويحدث في تلعفر، تلك المنطقة التي يسكنها مزيج من مكونات الشعب العراقي ، وهي تشهد مزيد من الدمار والتشريد والاستهداف ، سواء بالسيارات المفخخة، او عن طريق ترويع سكانها من قبل العصابات التكفيرية ، فأن حصيلة آخر الانفجارات بشاحنة مفخخة يقودها انتحاري في تلعفر، الاثنين، راح ضحيتها 28 قتيلا بينهم 12 طفلا واصابة 50، من المسؤول الاول؟ الاحتلال؟ ام قوى الظلام التي هي بالتالي الجهة المنفذة لاستراتيجية الولايات المتحدة؟.

لقد خاطبت الجماهير والمؤسسات، في أكثر من مناسبة، مسؤولين حكوميين عراقيين، بالقول "اعملوا أكثر مما تصرحوا"، وإذا ما طبقنا هذا المعيار على ما تقوله اليوم، التفجيرات المتتالية لقضاء تلعفر وعلى النتائج الفعلية للارهابيين، يمكن لنا أن نكتشف مرامي السياسة الارهابية، وللفترات المقبلة، من دون أن نضطر إلى تفسير العبارات الغامضة التي يدخلونها بشكل متواصل على قاموس الصراع العراقي ـ الارهابي، وخاصة تلك التي تتعلق بالحقوق المشروعة لابناء للشعب العراقي .

 الولايات المتحدة الامريكية وعلى لسان رئيسها جورج بوش حسم منذ أيام التساؤلات التي أثيرت حول هذه المدينة عن ثقته في تحقيق النجاح بالعراق بتسليط الضوء على مدينة تلعفر الواقعة في شمال العراق وتضم مزيجا متنوعا من الأصول العرقية بين سكانها، ووصفها الرئيس بوش بأنها نموذج صلب للتقدم في العراق.

 ويستطرد بوش بالقول في حديثه يوم 20 آذار/مارس أمام نادي مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، حيث يقول إن تلعفر كانت يوما ما محطة على الطريق الرئيسي لعمليات القاعدة في العراق، وإن تلك الجماعة الإرهابية سرعان ما عاودت سيطرتها على المدينة بعد أن أخرجتها قوات التحالف لفترة مؤقتة في أيلول/سبتمبر، 2004.

 ولم يكترث بوش طبعاً بذكر الالاف من العراقيين الذين تم قتلهم أو إعاقتهم أو سجنهم أو تعذيبهم أو تهجيرهم، وذلك لأن كل هذه الجرائم هي تمثل الاستراتيجية الدموية التي يتبناها المحافظون الجدد، وهذا ما أكده تشيني في تصريحه الذي تناقلته وكالات الانباء حين أضاف: أعتقد جازماً أن القرار الذي اتخذناه في ما يتعلق بالعراق كان صائباً من حيث الاستراتيجية والهدف.

 ولكن الحق يقال "ان صفقات الأسلحة الأمريكية إلى المنطقة تعتبر خطوة فاعلة في نقل هذه الإستراتيجية الأمريكية من المرحلة التي بدأتها عام 1980 بزج العراق في حرب إباده مع جارتها ايران انتهت بعد عقدين من السيناريو حيث تسليح ومقاطعات وحصار وحروب لتستمر هذه الاستراتيجية الدموية بالمزيد من الخراب، في تدمير البنى التحتية للعراق وسلب الثروات، وقتل أبنائه، وتحويلهم إلى نازحين ومهجرّين، أو اقتتال بين طوائفه ليبقى الاحتلال المستفيد الوحيد من كلّ هذه السيناريوهات وتنتعش الشركات الخاصة لتدعم قرارات أخرى تدرّ أرباحاً خيالية عليها، وبذلك تستمر استراتيجية تدمير المنطقة، واضعافها كي تحقق الولايات المتحدة تفوقها الاستراتيجي عليهم جميعاً.

إن القاعدة طبقت "محاولات مدروسة ومنظمة بدرجة كبيرة لإبقاء السيطرة على المدينة عن طريق الترويع" ولتغرق المدينة بالمزيد من الدماء والخراب، عبر تأجيج سلسلة متتالية من الصراعات الطائفية، ، وتكون القوى الارهابية خلال كلّ هذه الفترة قد ثبتت احتلالاً استيطانياً في المنطقة، وأصبحت قوة عسكرية ضاربة، يزيدها قوةً انقسام السياسيين على أنفسهم وانشغالهم بمعاركهم الداخلية التي لا تخدم مصلحتهم أو مستقبلهم.

الأفعال الارهابية هذه تؤدي بنا إلى استنتاجات هامة:

 الأول: هو أن المآسي والكوارث، التي نزلت بالعراق والعراقيين هما هدف استراتيجي امريكي تنفذه القوى الارهابية، ولا يتعلق بالعراق وحده بل يستهدف التخلص من أي بلد قويّ أصبح يشكّل بثرواته المادية و البشرية خطراً محتملاً على خطط أمريكا التوسعية.

 ولا يكتفي احد بقياس أفعال الولايات المتحدة الامريكية من منطق أخلاقي باعتبارها المسؤول الاول عن مقتل وجرح ونزوح ملايين العراقيين وتدمير بلد باكمله من مؤسسات ومستقبله، لأنّ إخراج الدول من الوجود الحضاري يقع في صلب أهداف الولايات المتحدة الامريكية.

 الاستنتاج الثاني: هو أنّ ما تمت تسميته بالدعوة إلى "مؤتمر صحوة للمدن العراقية " هو عبارة عن جهد استراتيجي أمريكي تمهيدي لزجّ ما تبقى من الجهات الغير متقاتلة في أتون المحرقة الدموية القادمة، وفي خضم زيارات  المسؤولين الأمريكيين، وتصريحاتهم الداعمة لهذا وذاك، كما لا ننسى الرعاية بكل تفاصيلها التي حظي بها صدام ونظامه، من قِبَلِ هؤلاء المسؤولين، قبل وأثناء استلامه للحكم وحربه مع بلدان المنطقة، والتي شجعه عليها سيل من هؤلاء المسؤولين الذين توافدو على العراق، ولهذا كان الغموض والرمزية، هذه المرة أيضاً، سيؤدي الموقف في كل ما قيل حول محتوى وهدف هذه الدعوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8 آب/2007 -24/رجب/1428