جدلية الحرية والإكراه

اعداد/ عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: هذه المتناوبة الفكرية اخذت حيزا كبيرا من التنظير المندفع في اغلب الاحيان من بؤرة التعصب والثقافة المتطرفة والتحيز لهاجس السلطة القائمة في شتى المراحل التاريخية ضمن المبررات والمسوغات لقهر المعارضين وما يمثلهم من حركات فكرية ودعوات الى اصالة الدين الاسلامي.

والحقيقة ان الدين الاسلامي طوال الحقب المأساوية قد اُعيد انتاجه وفق الرؤى السلطوية وحراسها المستفيدون.

وهذه الاعادة في الانتاج انما كانت على حساب الدين ثم تقاذفتها سنين الجور وتعاقبت عليها اجيال كثيرة حتى بدت للاجيال اللاحقة كامر واقع لا تشوبه الشوائب.

على ان هذه المتناوبة ظلت تدور في اذهان من يجلونها في فترات متفاوتة وكانها من ابداعاتهم الفكرية وهي مجرد بدع وضلالات تمرق عن الدين مروق السهم من الرمية.

وسعت السلطات الى وصم من ينادي باصالة الاسلام الفكرية بالجحود والزندقة او الميل الى الافكار الغربية التي توصم بالكفر.

ورغم ان هناك كثير من الرؤى الفرعية لهذا الموضوع الا انه يمكن اخذ جانبين مهمين في هذه الجدلية، فرؤية ترى بان الدين الاسلامي هو خاتم الاديان وطالما هو كذلك فان اي فئة او مجتمع يجب محاربته الى ان يؤمن ويترك ما كان عليه من دين آخر واما الآية التي تقول ـ لا اكراه في الدين ـ فان عملها في الحريات التعاملية والتحرك الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية كالزواج والطلاق وما شابه.

فيما يرى الطرف الآخر عكس هذه النظرة ويدعو الى التسامح والحوار والتوصل الى حل من خلال الاقناع والتفاعل الفكري او من خلال تقديم النموذج الاخلاقي او الاداري والعلاقات الانسانية التي تجسد مبادئ الدين الحنيف.

ولا يفوتنا ان نشير الى ان ما يحدث على هذه الشاكلة في جميع الاديان وليس الامر مقصورا على الاسلام.

فقد حدث في المسيحية واليهودية كذلك في المجوسية والبوذية والكونفوشيوسية والهندوسية كانت على الدوام تنفي الآخر واثبات ذاتها وصهر المجتمعات في بوتقتها الواحدة.

ولعل اخطر ما حدث في عبور خط التوحيد الديني الى محاولات محمومة الى التوحيد المذهبي ونفي المذاهب المنبثقة عن الدين الواحد واعتبارها مذاهب مارقة في حين لايوجد تحديد فقهي او نص قرآني يميز المروق لهذه المذاهب سوى اجتهادات ومنقولات من اواني الذاكرة التي قد تشابه الظن وربما تحت آلية الاقتناع الارسطية.

ويضاف الى ما تقدم ان النقل تعرض لكثير من الشك ولذا فقد دأب علماء الفكر والمحققين الى غربلة تلك المنقولات والابقاء على بعضها تحت قياس المستحسن والمقنع والمحتمل والارجح والاحوط.

 وهذه الصفات التي تطلق عليها لاتصل الى الدرجة البتات ولا توازي النص القرآني الذي هو بدوره يحتمل التاويلات بكونه حمال اوجه كما يقول الامام علي عليه السلام.

وقد تباينت القراءات للقرآن بين من يقرأها بدلالة المفردة او بدلالة القياس او بالدلالة الباطنة

فيما علق بعض فرق المسلمين القراءة بقراءة الراسخين في العلم على مذهب اهل البيت والكل يسوق الحجج على صحة قراءته ويضرب ببقية القراءات في عرض الحائط.

ونريد ان نصل الى ان القراءات غير موحدة ولا يبنى على ذلك الاكراه للاخرين وقسرهم على تبني الدين وهو غير متوحد لدى المسلمين بمفهوم محدد اتفق عليه الجميع لكي يكون قانونا يحكم بني البشر في مربع واحد وصهرهم بالقوة.

واذا فان المفهوم الاسلامي الذي اعيد انتاجه لايصلح ان يكون في موقع القوة والقسوة التي فقدت مسوغاتها الحقيقية وانما فقط هناك الجانب الجدلي والتفاعلي بين المسلمين والآخر المختلف من خلال العودة الى الاصالة الاسلامية وتقشير التراكمات عن الجوهر الحقيقي للاسلام.

يقول الكاتب احمد البغدادي:

المبدا الاساسي في الاسلام هو المبدا التشريعي الذي ينفي اية مشروعية للأكراه في الدين ويشدد على ان الناس جميعا ليسوا موضوعا للاكراه على اعتناق الاسلام والاسلام فضلا عن انه يسلب مشروعية الإكراه فان النصوص التشريعية وواقع التاريخ يثبت ان دار الاسلام تتسع لغير المسلمين وتوفيهم حقوقهم السياسية والانسانية بصورة كاملة، مما يعني بجلاء ان الاسلام مبدا يستوعب التنوع في العقائد دون ان يكون لهذا التنوع اي مساس بالحقوق السياسية والاقتصادية والانسانية لأصحابها، بل جميع هذه الحقوق مكفولة بمقتضى روح الدين وجوهره الثابت، الناس صنفان إما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، وهي الحقيقة التي اكدها الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام في هذه المقولة الشهيرة.

ثم تاتي كثير من النصوص في الكتاب العزيز وهي تدور في هذه الحقيقة الاصيلة:

** ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.

** لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.

** يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان.

** وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله.

الدين الاسلامي يحمل في طياته خطابا شاملا للكيان البشري وهو مستوعب لجميع الازمنة لا ينطفئ مصباحه مهما تقادم الزمن اذ يظل هو هو في خطابه للعقل والوجدان والفطرة السليمة لايعاضل اهل الاديان الاخرى ما داموا مسالمين فقد الزم الاسلام اهل الاديان الاخرى بما يلتزمون به واقر لهم الحرية في دينهم اذ لا يتعرض للمجوسي ونحوه ان نكح امه او اخته لان ذلك جائز في دينه بل يلجا الى مناقشته بالمنطق والحجة.

** ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن .

ويقول آدم متز: في ظل الدولة الاسلامية لايمكن التدخل في الشعائر الدينية لأهل الذمة.

ويقول جولد تسيهر:

سار الاسلام لكي يكون قوة عالمية على سياسة بارعة ففي العصور الاولى لم يكن اعتناقه امرا محتوما فان المؤمنين بمذاهب التوحيد او الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة كاليهود والنصارى والزرادتشية كان بوسعهم متى دفعوا ضريبة الجزية ان يتمتعوا بحرية الشعائر وحماية الدولة الاسلامية.

وهكذا فان مبادئ الاسلام وتعاليمه تربي الانسان المسلم على التزام دين الله وتوحيده فانها توجهه بان يحترم الانسان بما هو انسان مهما كان دينه او مذهبه والمعتقد الذي هو فيه.

..............................

المصادر/

مجلة النبأ العدد 55

احمد البغدادي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8 آب/2007 -24/رجب/1428