الفساد السياسي..افكار ومعطيات

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ: ان مهمة جمع المؤيدين للفكرة السياسية تتشح بكثير من الغايات والمصالح والاهداف، وتكون هذه المهمة سهلة للغاية في الدول العربية بصورة عامة حيث ان التخلف والجهل وعدم الفهم السياسي قد قوّم الطرق للمخضرمين الكاريزمية من ان يعبئوا من الافراد المناصرين والمستعدين ببذل ارواحهم متى ما سيطر عليهم الاعجاب والوله بتلك الشخصيات، حيث ان هذا الاعجاب قد يتحول الى ما يشبه العبادة من خلال تقديس المخضرمين واستناداتهم التي يدعونها والتي هي غالبا استنادات طائفية او قومية او موجهة نحو بيئة بسيطة او ممن يحتاطون المدن ما يسمى بمدن الصفيح على غرار الارهاب المغربي وبيئاته التي ينطلق منها، وهذه تغري المهمشين والمحرومين حد العقدة والمركب النفسي، والذين يعانون من اشكالية الحياة بزمن يتطور ويتسارع بخطوات واسعة وهم في نقطة واحدة لا يلقى لهم غير فتات بائسة من حياة باذخة زاخرة بالتامل والاحلام ومليئة بالمغريات.

وينطلق، الكاريزما، من هذه البيئة النفسية والاشكالية الثقافية المضطربة ليعبئ من الانصار ما يشاء عندما يكون مقنعا بدرجة معقولة ومقتدرا على زراعة الاحلام الزائفة في رؤوس المؤيدين ويمنيهم بالمستقبل الخارق الموصول بقوى فوق الطبيعة وتحت التكوين.

وتحقيق احلامهم المؤجلة في حياة باذخة وسلطة قاصمة ترفعهم من مربع العبيد الى مربع الاسياد المترفين في الحياة الدنيا والحياة الآخرة.

وقد ساعد تطور الاتصالات بالجماهير، صورة وصوت وتماس، المخضرمين مع المؤيدين المحتملين والتاثير عليهم من خلال المحطات الفضائية ووسائل الاعلام الاخرى ورسم افضل صور الحماسة والحميمية والتي هي بمجملها دفاعات كلامية وشعارات براقة في رؤوس المهمشين والمحرومين الفاقدين لإتزانهم النفسي واتزانهم المبدأي او العقائدي.

ولعل القيادات التي تنبثق منهم فيما بعد هي الطينة الحقيقية التي تمثلهم ففي غالب الاحزاب او الكيانات المسيّسة حيث ان قطاعي الطرق وخريجي السجون وافراد العصابات او الشقاوات ( الفتوه)هم من يتسنمون القيادات الجديدة التي تخلف او تساير الكروزوما الاصل، ويستبعد كل ما من شانه ان يضعف المسار المتطرف ممن يميلون الى المهادنة، او الافراد الذين يفكرون قبل التنفيذ تحت طائلة هذا يجوز او هذا لا يجوز وهؤلاء من المحتمل ان تلفظهم القوة المتفاقمة كمتخاذلين او ضعفاء يعرقلون المسيرة الدموية ويؤجلون الاهداف او ان وجودهم لايحقق التمويل المطلوب الذي سيكون فيما بعد تمويلا ذاتيا يجمع من خلال العمليات الارهابية والاختطاف والابتزاز السياسي.

ونصل الى ان كثرة المؤيدين لا تعني بالضرورة صدق التوجه السياسي او اصالته في ان يقال هذا حزب جماهيري. وذاك كيان تلتف حوله الرجال وذاك حزب بائس يكذب على الناس ويروج الشعارات ولا يجد له من المناصرين سوى بعض الموتورين والصعاليك لان اهدافه غير حقيقية، هذه كلها مجرد اقاويل تتقاذف بها الاحزاب فيما بينها وكل يروج لمساره وفق المصلحة العليا التي اسست للانشاء اول مرة.

لقد بلي العراق بكثير من هذه الكيانات ومحتواها الدموي منذ التغيير الذي حصل في العراق سنة 2003 واضاع الجهد الارهابي فرصة الخمس سنوات من عمر العراق وتعطلت بناه الاساسية ولم تتقدم التنمية حتى ولا خطوة واحدة باتجاه الاستقرار السياسي او الامني او الاعمار والخدمات.

ويكمن السبب في وجود تلك المنظمات الارهابية او الكيانات العديدة التي دخلت الساحة السياسية واخذ تأثيرها السلبي يتفاقم يوما بعد آخر، وان اية حكومة لا يكتب لها النجاح ما لم تبدأ بحرب تلك المنظمات وذلك لأنها اي المنظمات ليس لها مطالب جادة في نقطة معينة او هدف وطني محدد وانما هي هائمة عائمة في تبني كل المسوغات التي من شانها ان تسقط اي حكومة ومهما كانت للابقاء على الفوضى والاضطراب لتنفيذ اجندات اجنبية او فئوية او آمال سلطوية يتوخاها الكروزوما او القائد المزعوم لتلك المنظمات والقوى الارهابية.

ويتمثل الفساد السياسي في حالة كثير من السياسيين في الوسط الحكومي بالفساد الاداري واعتبار تسنم المنصب الحكومي فرصة مؤقتة عنوانا وزمنا فان استغلالها يعد الهدف الاول والاخير والخروج من هذا المولد باطنان من الحمص المجروش والمنظف.

ففي اكثر المشاريع العمرانية والتنموية وفي قطاع الخدمات يرصد مبلغ كبير جدا مئات الملايين من الدولارات، تجري المصادقة على صرفها والبدء بالمشروع لكن الذي يصرف فعلا عليه قد لايصل الى الربع لأنه يخضع الى التقشير المستمر من قبل الفساد الاداري وبالتالي فان المتحصل من المشروع هيكل بائس وردئ وبادنى المواصفات الهندسية ولا تتحقق فيه المتانة والاعتمادية.

والفساد السياسي ينمو باطراد في ظل عدم تفعيل القوانين وطرق التفتيش والمسائلة ومكافحة الفساد وايضا انعدام الاستقرار السياسي عامل مشجع بدرجة كبير لأن يخطو هذا الفساد خطوات واسعة باتجاه التخريب واتلاف البنية ومرتكزاتها الاولية في البلد، وهو ايضا سيكون بديلا مظلما للثقافة المتوارثة والهيمنة عليها بثقافة اخرى هي ثقافة الفساد والقسوة والدم.

الفساد السياسي يستشري عندما يكون المسؤول الحكومي غير مرتبط مصيريا مع الشعب كان يكون ذا ملجا خارج البلد وهذا ايضا لايعني ان الساكن في البلد سيكون نزيها ولكنه على الاقل يكون بشكل او آخر خاضع للمسائلة والضمان بواسطة امواله المنقولة وغير المنقولة.

فذا الجنسيتين مثلا يمتلك حصانة تستدعيها جنسيته الاخرى. فلا تطوله الملاحقة بالدرجة المؤثرة عندما تكون في داخل البلد وكذلك قد تختلف العقوبة نفسها من بلد الى آخر.

وتتكاب الكيانات على تسنم الوزارات طمعا في استخدامها لاغراض تمويلية او مصادر مالية باسم التمثيل الحزبي لفئة من المجتمع او المناطقية بصورة الحصة السياسية المتبعة عمليا في العراق باسم التوافق والمراضاة، كل هذا على حساب الشعب العراقي واطالة زمن حرمانه وبؤسه، والرعب الذي يعيش فيه.

نتامل في الانتخابات القادمة ان نحضى بحكومة قوية لا تؤمن بمهادنة المارقين الذين مزقوا الجسد العراقي ولا تؤمن بالتوافق والمحاصصة وتنظر الى الشعب العراقي ككل واحد لا يتجزأ وتضرب بقوة وقسوة كل الطفيليات التي سببت التناحر والتحارب والاستقطاب بين ابناء الامة الواحدة، الامة العراقية التي عاشت كوحدة موحدة منذ اقدم الازمان ثقافة وفكرا وحضارة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 5 آب/2007 -21/رجب/1428