مراسم مهرجان الإمام علي(ع) العالمي السابع في المركز الثقافي العربي بسوريا

مراسل مؤسسة الرسول الأكرم (ص) الثقافية/ دمشق

 شبكة النبأ: عديدة هي مشاهد العنف الدامية والقانية التي ملأت وما زالت تملأ صفحات أطول فصول التاريخ البشري, وعديدة هي الأحداث التاريخية التي اصطبغت حروفها وكلماتها بألوان الحرب السوداء الكالحة.

 وعديدة هي الوقائع والفجائع التي تمر في كل يوم من سني زماننا هذا حاملة أخبار الرؤوس المقطوعة والجثث الموزعة الأوصال وصور بقايا إنسان يحترق وأشلاء متناثرة لأطفال ونساء ومدنيين أبرياء بدمائهم المسفوحة دون عناء ودون سبب في الشوارع والأسواق والمدارس والجامعات والمساجد والحسينيات والحدائق والأزقة والمكتبات.

 وكل ذلك يحدث اليوم, وجل ذلك الذي يحدث إن لم يكن كله هو بدوافع نزعة فكر يؤمن بالـ(لا سلام - لا حوار – لا آخر) طريقاً وحيداً لحل المشاكل والأزمات والوصول إلى الأهداف, وسبب آخر يكمن من وراء تلك المشاهد والصور الإنسانية القاتمة ومن وراء حركة الإرهاب التي تجتاح العالم ألا وهو فهم متطرف ومتشدد وشاذ للدين ينطلق من رؤية قاصرة ومتشنجة للأحكام الإلهية ورسالاتها التي جاءت رحمة للعالمين.

وفي هذه الأجواء التي هي أجواء صراع هائل على مستوى التاريخ الإنساني بين أصحاب قيم الحق والخير والإنسان من جهة وأصحاب نزائع الباطل والشر والشيطان من جهة أخرى, يسعى المخلِصون والمخلِّصون والحالمون بالخلاص للاستنارة بنتاجات الفكر الإنساني التي ارتوت من عيون رسالات السماء ونمت بتعاليم الأنبياء, والاستضاءة بما أينعت به حدائق الضمير والفطرة السليمة من قيم إكرام الإنسان واحترام عقله وحريته وكرامته ووجوده, وقد خاض غمار سفر الخلاص هذا وعبر قرون وعقود علماء ورهبان وزهّاد ومتصوّفون وأحرار وثائرون وساسة ومثقفون وملوك وحاكمون ومعذَّبون ومحرومون ومستضعَفون وحالمون وأبرار وصالحون.

 ومن بعدهم خاض السفر استكمالاً للمهمة وأداءً للأمانة القائمون على (مركز الفردوس للثقافة والإعلام) وقد حط رحالهم عند واحة غنّاء بعبق الأنبياء والمرسلين ومعاني الرحمة والرأفة, وعطرة بتوهجات الحق والقسط والعدالة والأمان والسلام والخير والجمال, إنها واحة بل جنة وجنان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه سلام الله تعالى عليه وملائكته وأنبياءه ورسله والصدّيقين والشهداء والصالحين, الإمام الذي عند بابه تواضعت تضحيات المضحين وآلام المقهورين وهموم وغموم المهمَّشين, والذي على أعتابه يعرض المستضعفون أحلامهم وتفترش عندها دموع اليتامى والأرامل والثكالى والمساكين...

فمنذ سبع سنين متألقة ومشرقة, دأب (مركز الفردوس للثقافة والإعلام) سنوياً على إقامة مهرجان الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه العالمي في أكثر من مدينة وأكثر من دولة, وقد انطلق هذا العام في دورته السابعة من أرض الشام, بلاد السيدة الحوراء زينب وطفلة بيت النبوة رقية سلام الله عليهما وكان الموعد في العاصمة السـورية دمشـق, وكان الشعار «السلام واللاعنف في فكر الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه» والذي هو من وحي وجدان الواقع الفكري والديني والسياسي والاجتماعي العالمي المثخن بجراحات المغدورين بإرهاب الاستبداد والتكفير.

 والذي يإن بمعاناة ضحايا أعداء السماء والحياة والإنسان, وكان زمان إطلالة المهرجان, مساء الخميس الحادي عشر من شهر رجب الأصبّ 1428للهجرة - 26/تموز/2007م على أن تستتبعه أيام أخر ليختم في الرابع عشر من هذا الشهر الفضيل, وكان الحضور, وفود ملأت مقاعد ومدرج المركز الثقافي العربي بالمزة من علماء أديان ومذاهب ومفكرين وسياسيين ومثقفين وإعلاميين وحشد من الرجال والنساء المهتمين بالفكر الإنساني العلوي.

استهل الحفل بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم وكلمة ترحيب وافتتاح المهرجان لمقدم الحفل الأستاذ المحامي زكي النوري ضمنها أبيات شعرية تتحدث عن عظمة صاحب الذكرى المباركة والكريمة.

 ثم كلمة (مركز الفردوس للثقافة والإعلام) التي ألقاها فضيلة السيد فاضل الطباطبائي مسؤول المركز التي أشار فيها الى ندرة الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن مواقف وأحاديث الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه في السلم واللاعنف وكأن سيرة هذا العملاق الفواحة خلت من هاتين المفردتين، والحال أنه عليه أفضل الصلاة والسلام إلى جانب شجاعته وبأسه الشديدين كان مميزاً في صناعة قيم ووقائع السلم واللاعنف.

وقال: نجد أن الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه قد حارب وبشدة العنف بشتى مفرداته حتى صارت كلماته ومواقفه تجاه كل ما يرتبط بالعنف مضربا للأمثال عبر العصور المختلفة. أما الجانب الآخر من منهجيته المباركة في بسط السلم واللاعنف فيتجلى أيضا كالشمس في رابعة النهار من خلال كلماته الخالدة ووصاياه القيمة ومواقفه العظيمة التي بيّن من خلالها الصورة الحقيقة للإسلام الخالد الذي جاء لينعم البشرية بنعمة السلم واللين.

ويكفي أن نلقي نظرة عابرة على وصاياه سلام الله عليه لعماله لنرى ما يؤكده عليهم وبشدة أن يتخذوا السلم واللين شعارا في تعاملهم مع الرعية، ومن ذلك كتابه لحذيفة بن اليمان لما استخلفه على المدائن.

وأضاف السيد الطباطبائي: اليوم ونحن نرى العالم يعاني من مشكلة العنف في كثير من البلاد يحق لنا أن نتساءل قائلين: لماذا هذا العنف عند بعض المسلمين؟ وكيف نعالج مشكلة العنف في العالم؟ ان منشأ العنف هو عدم الفهم الصحيح للإسلام الأصيل الذي دعا إلى السلم واللاعنف، والجهل الكبير برؤيته إزاء العنف، بل والجهل الكبير بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم.. فلو تفهم أهل العنف السيرة الصحيحة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار خاصة أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين لعرفوا شدة مبغوضية العنف في الإسلام ومدى حرص الإسلام وتأكيده على السلم واللاعنف.

وفي جانب آخر من كلمته قال مسؤول (مركز الفردوس للثقافة والإعلام): إن علياً سلام الله عليه لا يقيده مذهب ولا يحدده دين، وإن كان ثمة حدود لشخصية علي سلام الله عليه وفكره ومنهجه فهو الفكر الإنساني العام والسلوك الأخلاقي العالي الذي يقتدي به كل فرد من أفراد البشر, أليس هو القائل عليه السلام في عهده لمالك الأشتر واليه على مصر: «الناس صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق», وهو القائل: «لا عاقبة أسلم من عواقب السلم»، وكذلك قال: «من ركب العنف ندم»... ونحن نظن بل نقطع لو أن البشرية كلها اطلعت على حياة ومبادئ وسلوك هذا الإمام العظيم لما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تصارع وتقاتل وعنف.

أولى كلمات المشاركين كانت للعلامة الشيخ عبد الكريم عبيد من لبنان تحدث فيها عن أهمية هذا المهرجان الذي يهدف الى نشر القيم والمبادئ والأخلاق العلوية التي هي مادة حقيقية وفاعلة في بناء الإنسان نفسياً ومعنوياً وإيمانياً صناعة حياة أمان وسلام واستقرار ورفاه.

كما أشار فضيلة الشيخ عبيد إلى ان هناك صفحات بيضاء وفصول مشرقة من حياة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كتب فيها سلام الله عليه أجمل وأروع وأصدق الكلمات النظرية والعملية التي تحث على احترام الإنسان وضرورة الحفاظ على حريته وكرامته ووجوده.

وقد حث الشيخ عبيد في كلمته على ضرورة بلورة ما يطرح من رؤى وأفكار في مثل هذه المهرجانات ونظيرتها من المؤتمرات والمنتديات الفكرية والفقهية والتاريخية الى منهج عمل وتطبيق محذراً من خطورة الأزمات الأمنية والمعنوية والروحية والمادية والحياتية التي يعاني منها الإنسان اليوم وخاصة في عالمنا الإسلامي.

من جهته أشار الأستاذ عدنان عويّد في جانب من كلمته الى مشروع دولة تحمل سمات ومعاني العدل لشعبها ولشعوب العالم، أراد أن يؤسس لها منذ نهاية النصف الأول للقرن السابع ميلادي, رجل قدّر له أن يعيش تجربة حياة تعلم فيها أسس القيادة والحكمة على يد نبي استطاع أن يغير مجرى التاريخ لحياة أمة، كانت تعيش في دياجير الظلمة والجهل فأخرجها إلى عالم النور والمعرفة، ومن عقيدة رسمت في خطها العام أسس حياة لتكوين إنسان أراده الله أن يكون خليفة له على الأرض، أما رجل الدولة هذا فهو علي سلام الله عليه.

وبالرغم من أن ما يطمح إليه علي سلام الله عليه من إقامة دولة إسلامية عادلة راشدة كان قد حدد معالم أسسها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ الأيام الأولى لاستلامه الخلافة، وبخاصة فيما كان يوصيه لرجالاته الذين كلفهم بقيادة أمور المسلمين في الأمصار، كوصيته لـ(مالك بن الأشتر)، عندما ولاه على مصر، هذه الوصية التي اعتبرت تاريخياً لدى الكثير من السياسيين وثيقة لمشروع تأسيس دولة - نقول بالرغم من طموحه هذا ـ إلا أن رؤيته لمفهوم الدولة بصيغتها العقلانية المطروحة في (وصيته للأشتر) كانت قبل ذلك بكثير، حيث تجلت هذه الرؤية الدولتية العقلانية منذ اليوم الأول لوفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأثناء حادثة السقيفة التي ترك فيها الصحابة الرسول صلى الله عليه وآله على فراش الموت مع علي سلام الله عليه وأهله.

 وراحوا يتفاوضون ويتبايعون على الخلافة، مثلما تجلت أيضاً عبر حكم الخلفاء الراشدين، حيث كان علي سلام الله عليه المرجع الحكيم الذي كثيراُ ما لجأ إليه الخلفاء الراشدون لاستشارته عند الضرورات في أمور سياستهم لشؤون الدولة.

وقال الأستاذ عويّد: لقد كان علي سلام الله عليه يدعو إلى العدل والإنصاف والتسامح والمحبة والرحمة والصبر على حوائج الناس، وإلى حسن المعاملة بين الرعية والراعي، وإلى احترام القضاء والاهتمام بالقضاة، وتأمين حاجاتهم وزيادة الإنفاق عليهم حتى لا يقعوا في ظلم الناس بسبب الحاجة، فتعم بسبب ذلك الرشوة والفساد بينهم.

 وكان الإمام علي سلام الله عليه رجل دولة, أراد للإسلام أن يكون دولة قوية منيعة ليس للعرب وحدهم بل لكل من آمن بالإسلام من بني البشر، أراد لهذه الدولة أن تكون دولة عقيدة تدعو إلى الخير والمحبة والإنسانية، ولكن الآخر أراد لها أن تكون دولة غنيمة، بيد أنهم سقطوا مع غنيمتهم هذه واسقطوا معهم الدولة، ولكن التاريخ لم ينته بعد، ولا يزال هناك في الإسلام رجال دولة آمنوا بالإسلام عقيدة منفتحة في نصها المقدس، وآمنوا بأن الحياة في حالة تطور وتبدل، وأن عمران البلاد والعدل بين أهلها يقع على عاتق الإنسان، الذي خلقه الله ليفكر ويتدبر أمور حياته.

وعن السلم واللاعنف بين النظرية والتطبيق في نهج الإمام علي سلام الله عليه تحدث الأستاذ راجي أنور هيفا في مستهل كلمته, قائلاً: يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله الكريم: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ًولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين»... أعتقد أن أبسط ما يمكن أن نفهمه من هذه الآية المباركة هو أن السلم عمل الرحمن في حين أن الحرب والعنف هو عمل الشيطان، فكل حرب لسبب غير معقول إنساني ومع وجود الخيار السلمي هي حرب تسير بلا شكٍ على نهج شيطاني لا على نهج قرآني أو إنساني بل كيف لا تكون حرب كتلك الحرب حرباً شيطانية والله يدعونا دائماً للسلم والسلام حتى أنه عز وجل قد أسمى نفسه (السلام) ووصف نفسه أيضاً في مبدأ كل سورةٍ من سور كتابه الكريم بـ(الرحمن) و(الرحيم), وبالتالي هل يكون الإسلام غير الرحمة والمحبة ؟!!

وقال: مسألة العلاقة بين السلم واللاعنف في الفكر الإسلامي الأصيل عموماً، وفي فكر الإمام علي سلام الله عليه خصوصاً هي علاقةٌ واضحة ُالمعالم إذ أنها تستمد وجودها من عمق الآداب الإلهية والأخلاق الرسالية.. فأمير المؤمنين علي سلام الله عليه وعلى الرغم من قصر فترة خلافته وعلى الرغم من الاضطرابات الخطيرة التي شهدتها الأمة الإسلامية وقتئذٍ كان خير معلم في رسم الخطوط العريضة لمذهب اللاعنف في الإسلام .

وتناول د. لبيب بيضون مدير كلية الشريعة في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن – فرع دمشق في كلمته نظرة الإسلام في الحرب والسلام قائلاً: ليس هناك في الإسلام صراع وقتال وعداء بل هناك محبة وتفاهم وإخاء, فكل ما في الكون متوافق ومتكامل ومسخر لخدمة الإنسان, فالمسلم ينبغي أن يشعر أنه يحب كل ما في الكون, وان كل ما في الكون يحبه, وان كل المخلوقات مطيعة لله تسير بأمره, تربطها المحبة والتفاهم لانتمائها إلى خالق ومهيمن واحد, وحتى الظواهر التي يبدو في ظاهرها الاضطراب والتدمير وعدم السلام, فهي تنطوي في نتيجتها على السلام وتؤدي في حقيقتها إلى خدمة الإنسان, إنها مسخرة لخدمته لأنها تضم في وظيفتها الخير والسلام.

وأضاف د. بيضون: لقد بعث الله للبشرية نبياً يدعو إلى السلام, بعثه صلى الله عليه وآله بدين السلام والإسلام, وفي حين كان بعض الأنبياء عليهم السلام يدعون على قومهم بالهلاك بعد أن دعوهم الى الهدى فلم يستجيبوا, كما فعل نوح وعاد وصالح وغيرهم, فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وآلع لم يرض أن يدعو على قومه, رغم كل ما فعلوه به, بل اكتفى بالقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».. وعلى هذا الهدي المبارك سار صنوه وحبيبه الإمام علي سلام الله عليه فكان يعفو عند المقدرة حتى عن أكبر أعدائه, صفح عن مروان بن الحكم يوم الجمل, ولما ظفر بعائشة أرجعها الى بيتها في المدينة معززة مكرمة, وحين ملك مشرعة الفرات في صفين لم يعامل معاوية بالمثل فيمنع عنه الماء, وكان دينه وديدنه أن يهدي كل الناس, لأنه إمام الهداية والمحبة والسلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 5 آب/2007 -21/رجب/1428