ذل اللجوء

حسين ابو سعود

 اسمه سعيد وهو شقي، تخصص في الفنون المسرحية، ووصل الى هذه البلاد ليعمل في غسل الصحون  وتقشير البصل، داخل محل شاورما  بعيدا عن العيون، رأيته في حديقة الهايد بارك انتقى له زاوية مهجورة، مستندا على جذع شجرة هرمة يرمق المجهول وهو ينفث دخان سيجارته في الفضاء، سلمت عليه، فابتسم، جلست عنده بلا استئذان، فقال لي: من العراق أنت ايها الغريب ؟

قلت: نعم وكيف عرفت ذلك، قال:  من شارة الذل المرتسمة على جبينك، انها نفس الشارة التي احملها، ومضى يقول وكأنه لم يتكلم منذ سنين:

انا لاجئ ومرفوض لاني لم اتقن صياغة القصة، اذ لم يخبرني احد بان القصة تحتاج الى حبكة درامية واثارات مفتعلة، مع اني متخصص بالفنون المسرحية ولكني رسبت في الامتحان العملي الفعلي، فانا رغم كل الامطار وكل الانهار في المنفى اشعر بالظمأ، تغلفني المرارات من كل جانب، اقف حزينا مكسورا مقهورا منهزما امام دائرة الاقامة، اجدها جافة لا احاسيس لها، البناية صماء بكماء مغلقة لاتضحك ولا تبكي وابوابها المضللة تشعرني بالاختناق، يغلقون الابواب بعد انتهاء الدوام ويغادر الموظفون الى منازلهم غير عابئين بحزني  وانكساري ومرارات انتظاري، وساعي البريد الذي يمر ببابي كل يوم لا ياتي الا بفواتير الماء والهاتف والكهرباء، ويخطر على بالي احيانا ان اقوم من مكاني، واحزم امتعتي لاعود ادراجي ولكن الى اين؟

فذلك الوطن المملوء بالعذاب والاحقاد والالغام قد لفظني ولفظته،وقد تحولت الحدود الوهمية الى حقيقة تمنعني من دخول البلدان النظيفة والمدن الوضيئة.

لقد غادرت الوطن الى الابد بعد ان قبلت جدران بيتي وبابه الخشبي.

انا والالاف مثلي اصبحنا اجسادا بلا ارواح وبلا قلوب، وصرنا نتناول في الفطور سندويتشا من الحزن وغداؤنا الظهر طبق من الاشواق وفي الليل  نخلط بعشائنا مرارات الغربة، هناك متسع من الحزن.

على احر من الجمر او ابرد من الجليد اصارع الوهم في النفق الطويل الذي لا يؤدي الى فضاء، لم يبق لي احد، لقد مضوا جميعا، لقد قضوا جميعا، مع من سيلتم شملي ؟ حتى امي التي (طشت ) طاسة من الماء  خلفي بعد سفري على امل العودة، ماتت، وصارت عظاما.

كان يغالب دموعه، لم يتمالك نفسه فبكى بحرقة بالغة، بكيت معه اخذت بضع قطرات  من دموعه، خلطتها بعناية مع بضع قطرات من دموعي والقيت بها نحو السماء، فما نزلت منها قطرة، وقلت: يارب تقبل منا هذا القربان.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد 29 تموز/2007 -14/رجب/1428