
شبكة النبأ: رغم ان الحكومة العراقية
وحسب تقرير الكونغرس الامريكي لم تحقق سوى اقل من نصف تعهداتها خلال
الفترة المنصرمة بسبب تعنت الكتل السياسية الا ان الرئيس بوش يصر على
انتهاج الاستراتيجية الحالية في العراق كمخرج لا حياد عنه باتجاه
محاولته التنسيق بين احلال الامن والتفاهم بشان سحب القوات الامريكية
مع الكونغرس في نفس الوقت.
وربما لم تواجه الادارة الأمريكية الحالية مأزقا سياسيا بهذا الحجم
من قبل بسبب الحرب في العراق، فقد وجدت نفسها في وضع حرج بعد تسلم
الكونجرس للتقرير الأزمة الذي يؤكد فشل الحكومة العراقية بقيادة نوري
المالكي في تحقيق الأهداف الثمانية عشر الموضوعة لها. وتساءل النواب
الجمهوريون فيما بينهم عن جدوي استمرار الوجود العسكري في العراق حتي
انشق بعضهم عن معسكر الادارة الأمريكية لينضموا الي نظرائهم
الديمقراطيين في معركة سيشهدها الكونجرس في الأيام القليلة القادمة حول
سحب القوات من العراق.
التقرير الذي كتبه مجلس الأمن القومي بمشاركة وزارتي الدفاع
والخارجية وغيرهما بناءا علي تقارير قادة ميدانيين كبار ودبلوماسيين في
العراق، تسلمه أعضاء الكونجرس. ويبين أن حكومة المالكي لم تحقق سوي 8
أهداف من 18 هدفا كان عليها انجازهم وبالتالي فان النتيجة "غير مرضية".
ومن أهم محطات الفشل التي حطت فيها الحكومة العراقية كان مثلث نزع
سلاح الميليشيات التي لا زالت تهيمن علي الأمن الداخلي، العفو عن
المسلحين وتوزيع الثروة النفطية توزيعا عادلا علي الطوائف العراقية.
أما الجوانب الايجابية التي أشار اليها التقرير فكان أهمها خفض حدة
العنف الطائفي وتخصيص 10 مليار دولار من عائدات النفط لمشاريع التنمية
لجميع الجهات. بحسب موقع تقرير واشنطن.
وزادت تصريحات الجنرال بيتر بيس رئيس هيئة الأركان المشتركة النار
اشتعالا عندما أكد أن عدد الكتائب العراقية القادرة علي القيام بعمليات
أمنية بمفردها ومن دون دعم من القوات الأمريكية قد انخفض في الشهور
الأخيرة رغم الجهود الأمريكية المركزة على تدريب وتأهيل قوات الأمن
العراقية.
ومع ذلك، فقد أعرب بوش عن ثقته في نجاح سياسته في العراق وأكد ثقته
في المالكي قائلا انه يجد العذر له لأن الوضع صعب. اقليميا، اتهم بوش
ايران وسوريا وحزب الله بالتورط في تدهور الوضع في العراق. واعتبر أن
الانسحاب المبكر سيخيف الحلفاء العرب وبناءا عليه سيقوم وزيري الخارجية
والدفاع بزيارة الي المنطقة في مطلع الشهر القادم لاستشارة حلفاء
أمريكا العرب.
مفاجأة بوب وودوارد
في غضون ذلك، فجر الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوارد مفاجأة مدوية
عندما كشف أن المخابرات الأمريكية حذرت قبل عام من أن الحكومة العراقية
بقيادة المالكي عاجزة عن الحكم وتبدو غير قابلة للاصلاح. وكتب في صحيفة
"واشنطن بوست" قائلا ان مجموعة دراسة العراق أو ما عرف باسم لجنة
بيكر-هاميلتون اعتمدت علي شهادة مايكل هايدن مدير وكالة المخابرات
المركزية الأمريكية "سي.أي.ايه" الذي التقته في الثالث عشر من نوفمبر
الماضي في البيت الأبيض. وخلصت اللجنة الي ضرورة سحب الثقة من المالكي
وهو ما أوردته في توصياتها التي لم يعتد بها الرئيس الأمريكي.
انشقاق جمهوري وتحفز ديمقراطي
لكن هذه التوصيات عادت مرة أخري لتصبح مثار جدل بعد انشقاق نحو عشرة
نواب جمهوريين في مجلس الشيوخ هم ريتشارد لوجار وجون وارنر و بيت
دومينيشي وسوزان كولينز وتشاك هاجل وجوردون سميث وجون سنونو وجورج
فوينوفيتش وأوليمبيا سنو ونورم كولمان في صفعة قوية وجهت الي الادارة
الجمهورية والرئيس بوش. وقدم السناتور لوجار والسيناتور وارنر اللذان
يتمتعان باحترام كبير في وسط الجمهوريين مشروع قرار يحصر مهام القوات
الأمريكية في تدريب القوات العراقية واستهداف عناصر القاعدة وتأمين
الحدود وحماية المنشآت والممتلكات الأمريكية. وقالا انه ينبغي تعديل
الاستراتيجية الأمريكية وفقا للمعطيات الجديدة خاصة أن العنف الطائفي
لا يبدو أنه سينتهي قريبا.
وفي المعسكر الديمقراطي، تزعم السيناتور كارل ليفين رئيس لجنة
الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ والسيناتور جاك ريد التحركات الرامية الي
المطالبة بتعديل المسار وتغيير طبيعة المهام الأمريكية في العراق
لتقتصر علي تدريب القوات العراقية واستهداف عناصر القاعدة وتأمين
الحدود.
وفي اجراء رمزي الي حد كبير يهدف للضغط علي الادارة الأمريكية، وافق
مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بأغلبية 223 صوتا مقابل 201
على قانون غير ملزم يقضي بسحب القوات من العراق بحلول أول أبريل من عام
2008. ومن المقرر أن يشهد مجلس الشيوخ أسبوعا ساخنا حيث سيناقش عدة
مشاريع لقرارات حول العراق أهمها علي الاطلاق مشروع قرار "ليفين – ريد"
الذي يطالب بسحب القوات في غضون 120 يوما ودون أن يحدد عدد القوات التي
ينبغي سحبها. مضمون هذا المشروع هو نفس مضمون توصيات لجنة
بيكر-هاميلتون التي أرادت انسحابا في غضون 120 يوما مع الابقاء علي
القوات اللازمة لمطاردة الارهابيين وتدريب القوات العراقية. وهناك
مشروع قرار ثان مقدم من السيناتور روبرت بيرد والسيناتور هيلاري
كلينتون لسحب التفويض الذي منح للادارة في البداية لشن الحرب علي
العراق، الا أن هذا الاقتراح لا يلق تأييدا من قيادة الحزب
الديمقراطي.
ولم يجد بعض مساعدي بوش مفرا من حثه علي الاعلان عن خطط لتحديد مهمة
أضيق وأصغر للقوات الأمريكية في العراق تسمح بانسحاب علي مراحل لوقف أي
انشقاقات جديدة في صفوف الجمهوريين.
لكن الرئيس الأمريكي يري أن وضع جداول زمنية للانسحاب من العراق
يعني وضع تاريخ للفشل ويرفض الاذعان لمطالب الديمقراطيين. وبينما يشدد
بوش نفسه علي أن الانسحاب سيأتي "في وقت ما"، الا أنه يطالب الجميع
بانتظار التقرير النهائي الذي سيرفعه الجنرال ديفيد بترايوس قائد
القوات الأمريكية في العراق والسفير رايان كروكر سفير الولايات المتحدة
هناك في منتصف سبتمبر القادم مشيرا الي أن قرار الانسحاب يعود للقيادة
الميدانية وليس القيادة السياسية. وسيعرض التقرير المفصل نتائج خطة
زيادة القوات بعد اكتمال التعزيزات العسكرية التي بدأت في يناير الماضي
لارسال حوالي 30 ألف جندي والتي يري الرئيس الأمريكي أن الوقت ما زال
مبكرا للحكم عليها.
المعركة السياسية بين ادارة بوش والكونجرس بدأت تلقي بظلالها علي
التقارير العسكرية الميدانية اذ قدم الجنرال بنيامين ميكسون وهو أرفع
قيادة أمريكية في شمال العراق خطة متصورة لعملية خفض القوات الي
الجنرال رايموند أوديرنو كبير ضباط العمليات العسكرية في العراق. وأفاد
ميكسون أن خفض عدد القوات الأمريكية في شمال العراق الي النصف يمكن أن
يبدأ مع مطلع العام المقبل ويستمر عاما ونصف العام دون اغفال تأثير
الأوضاع الأمنية علي عملية الانسحاب.
الجنرال بترايوس نفسه وفي سياق هذه التطورات، أدلي بحديث لهيئة
الاذاعة البريطانية "بي.بي.سي" قال فيه ان مواجهة التمرد في العراق
مهمة طويلة الأمد قد تستمر لعقود. وتوقع أن يستغرق القضاء علي المسلحين
9 أو 10 سنوات مؤكدا أن الجميع في أمريكا أو العراق يريدون رحيل القوات
الأمريكية.
بوش في وضع لا يحسد عليه
وإذا أدرك البيت الأبيض بالفعل صعوبة الوضع واحتدام المناقشات التي
ستجري في مجلس الشيوخ علي مدي أسبوعين تقريبا حول الميزانية الجديدة
للحرب التي وصلت تكاليفها حتي الآن 450 مليار دولار (أي حوالي نصف
تريليون دولار) وهي نفس تكاليف حرب فيتنام بواقع 10 مليار دولار شهريا
وحول مشروع قرار الانسحاب الذي يعده الديمقراطيون ويبذلون كافة جهودهم
لاستمالة أكبر عدد ممكن من الجمهوريين اليه. ولهذا فقد قرر كبار أعضاء
الادارة الأمريكية التفرغ للمعركة وتركيز جهودهم علي اقناع الجمهوريين
بعدم التصويت لصالح القرار الديمقراطي حتي لا يضطر الرئيس جورج بوش الي
حسم المسألة مستخدما الفيتو لنقض أي قرار يدعو للانسحاب.
وفي هذا السياق، ألغي روبرت جيتس وزير الدفاع زيارة كانت مقررة الي
أمريكا اللاتينية وقام ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي بقطع اجازته
كما تشارك كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية بجهود في نفس الاتجاه. حزبيا،
طالب السيناتور جون ماكين العائد لتوه من زيارة للعراق –والذي يعتزم
دخول سباق الرئاسة الأمريكية- الأمريكيين بالتحلي بالصبر وعدم جعل
التعب والارهاق من مهمة العراق يملي عليهم سياستهم.
ورغم ذلك فانه يبدو أن الحظ لا يحالف الرئيس بوش. ففي الوقت الذي
صدر فيه التقرير المرحلي، أشارت أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها
مؤسسة جالوب الي تهاوي شعبية الرئيس الأمريكي حتي وصلت الي 29%. أما
المعارضة الشعبية للحرب فسجلت ارتفاعا قياسيا بلغ 70% مع المطالبة بسحب
القوات من العراق بحلول ابريل القادم. وأظهر استطلاع آخر لمجلة
"نيوزويك" أن نحو ثلثي الأمريكيين يعتبرون أن خطة بوش لزيادة القوات هي
خطة فاشلة. وأعربت غالبية المستطلع آرائهم عن رغبتهم في خفض عدد القوات
الا أن أقل من 20% فقط أيدوا انسحابا فوريا.
لكن مع اقتراب ساعة الحسم هذا الأسبوع عندما تنعقد جلسات التصويت
علي مشروع القرار الديمقراطي، تبرز الحاجة لموافقة 60 عضوا علي الأقل
من أعضاء المجلس المائة. وبالنظر الي تركيبة المجلس الذي يملك فيه
الديمقراطيون 51 صوتا فيما يملك الجمهوريون 49 صوتا (منهم عشرة أعلنوا
بالفعل مساندتهم للقرار)، يتبين مدي الفرق الذي سيشكله الصوت الواحد
وسخونة أجواء المعركة التي ستحاول فيها الادارة الأمريكية بكل ما أوتيت
من قوة أن تجعل النواب الجمهوريين العشرة يتراجعون عن قرارهم .. أم أن
صافرة الانسحاب قد انطلقت بالفعل؟. |