فشل الحكومة العراقية..على من يحسب؟

مركز الامام الشيرازي/احمد جويد

 معروف إن الدول تبنى على أسس قانونية دستورية تحدد شكل وطبيعة الدولة والحكم فيها، وفق ما تقتضيه الضرورة وطبيعة الجمعيات الدينية والعرقية والاجتماعية، وذلك لإرساء قواعد الدولة القانونية، وقيام الحكم الناجح، حيث يكون تداول السلطة في الدول الديمقراطية المستقرة سياسياً عبر صناديق الاقتراع كي يضمن استمرار الاستقرار السياسي والاقتصادي دون تعرض إلى أزمات أو انتكاسات.  

لكن ما شهدته الساحة العراقية في زمن النظام السابق ولعدد من العقود لا يعد وضعاً طبيعياً إذ يعتبر العراق بلد غير مستقر سياسياً ولا حتى أمنياً، وكان نظام الحكم فيه لا يخضع لدستور دائم، بل لسيطرة عسكرية مباشرة ولنظام الحزب الواحد ولم يعرف الحكم المدني طوال تلك الفترة.

     وبعد التغيير الذي حصل في العراق بعد 9/4/2003 أصبح الأمل كبيرا في تغيير المفاهيم التي كانت سائدة في العراق آنذاك، وبذلك صارت رغبة الجماهير اختيار من يقود الدولة العراقية الحديثة بحرية وبدول أية ضغوط أو أملاءات من أية جهة.   

    ورغم أن المواطن العراقي أصبح يتمتع بدستور دائم يفيد بان نظام الحكم في العراق ديمقراطي نيابي برلماني، وقد تم تأسيس الحكومة على هذا الأساس، ورغم جميع التكهنات التي تثار حول مستقبل الحكومة في العراق إلا إن الاحتمال الراجح هو أن تفشل الحكومة العراقية المنتخبة بأدائها الوظيفي وبرنامجها الحكومي الذي وعدت به الشعب العراقي.

   وأعني بالفشل هو نهاية هذه التجربة التي لم يتمكن أصحابها والقائمون عليها من السير والاستمرار بها مدة نصف دورة انتخابية، وهذا ما من شأنها أن يطيح بالحكومة الحالية وفقاً لما يجري على الصعيد الداخلي والخارجي، حيث تجسد ذلك الفشل في:

1- الفشل في تبني مشروع سياسي وطني يشمل جميع مكونات الشعب العراقي أو تقديم رؤية واضحة لاحتواء حالة الانقسام التي تجري في المجتمع العراقي.

2- الفشل في الحفاظ على الأمن والنظام وتردي الحالة الأمنية رغم كل التدابير التي اتخذتها القوات العراقية متمثلة بوزارتي الداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية المرتبطة بها وبمساندة القوات الأمريكية والتي يقع على عاتقها الدور الأكبر والاهم، كون الملف الأمني لازال بيدها في أغلب مناطق العراق.

3- الفشل في توفير ابسط المستلزمات الخدمية والنقص الحاد في خدمات الماء والكهرباء والصحة والخدمات اليومية، إضافة إلى النقص الواضح والكبير في الوقود والذي يعاني منه المواطن بصورة مباشرة.

4-  الفشل في الوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية بين أبناء الطوائف العراقية رغم المحاولات الكثيرة.

5- الفشل في بناء مؤسسات الدولة بناءً علمياً قائما على أساس الخبرة والكفاءة وبعيداً عن تسلل الشخصيات غير الكفوءة من خلال المناصب الحزبية.

6-  الفشل في القضاء على البطالة وعدم توفير فرص العمل لطبقات وفئات كبيرة في المجتمع.

7-  الفشل في معاقبة وملاحقة المفسدين الذين استباحوا المال العام أو الذين قاموا بالفساد الإداري.

8-  الفشل في عدم وضع حد للانتهاكات التي تقوم بها القوات الأجنبية في العراق وبكل صورها.

    هذه هي ابرز واهم النقاط التي فشلت فيها الحكومة الحالية، وهي التي ستسبب بالتالي نهاية المشروع السياسي الجديد في العراق والذي يحرج كثيراً الإدارة الأمريكية الحالية بشأن العراق بعد تعالي الأصوات، وخاصة الرسمية داخل الولايات المتحدة في إنهاء عمل القوات المتواجدة في العراق والانسحاب منه، وهي نفس الأسباب التي استفادة منها دول إقليمية لتعطيل وعرقلة المشروع الديمقراطي في العراق لسبب أو لآخر.

   ولكن بالعودة إلى لب المشكلة نجد أن الحكومة الحالية ليست وحدها السبب في الفشل الحكومي الحاصل في العراق رغم أنها جزء لا يتجزأ من ذلك الفشل، فجميع الأطراف السياسية تتحمل مسؤولية ذلك الفشل ولكن بنسب متفاوتة.

    ويمكن أن ندرج الأسباب التي أدت بالحكومة الحالية إلى أن تصل إلى مرحلة الفشل الوشيك في النقاط الآتية:

1- اعتماد تجربة المحاصصة في الرئاسات الثلاثة وفي تشكيل الحكومة والتي أدت إلى تعطيل الكثير من القرارات التي من شأنها أن تتخذ الإصلاحات الحكومية.

2-  التعامل المزدوج الذي تقوم به القوات الأمريكية ضد الجماعات المسلحة في العراق.

3- عدم التنسيق الحقيقي بين القوات الأمريكية والمشتركة معها والأجهزة الأمنية الحكومية في العمليات التي تقوم بها، بحيث إن كثير من المداهمات والاعتقالات تحصل بدون علم القائد العام للقوات المسلحة(رئيس الوزراء).

4-  ضعف الكوادر الوزارية في كثير من الوزارات بحيث يصل ذلك الضعف في الأداء إلى الوزير نفسه.

5-  كثرة الأزمات السياسية بين الكتل السياسية داخل البرلمان، مما أدى إلى تعطيل الكثير من القرارات المهمة.

6- التلكؤ في الشروع بالمشاريع الهامة والاستراتيجية والتي من شأنها توفير الخدمات للمواطن ورفع الكثير من همومه اليومية، وبخاصة تلك التي تم التخطيط لها في المناطق الآمنة.

7- استمرار التدخلات الدولية والإقليمية والدعم اللامحدود للجماعات المسلحة من قبل دول ومؤسسات على شكل أموال وأسلحة.  

   ومن هنا أريد أن اذكر بالخطأ الذي لم ينتبه له السياسيون العراقيون أو أن بعضهم قد انتبه ولكن تماشى مع الرغبة الأمريكية في بناء العملية السياسية والتي أرادت من خلالها ترسيخ المحاصصة في شغل المناصب الرئيسة لمؤسسات الدولة العراقية، حيث كان هذا الخطاء يتمثل في اعتماد نظام برلماني وان تكون السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء، إذ كان من الأرجح أن يكون نظام الحكم في العراق نظاماً رئاسياً تصبح بموجبه السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية الذي ينتخب مباشرةً من قبل الشعب، وان يعطى صلاحيات تمكنه من اتخاذ القرارات المناسبة لأداء مهامه والسيطرة على وزرائه بدون تدخل الكتل الحزبية في التعديلات والتغيرات التي تتم في الوزارات والمؤسسات التابعة للجهات التنفيذية في حال الإخلال بالعمل أو عدم القيام بالمهام المناطة بهم بصورة صحيحة، أو في حال تجيّر وزاراتهم لصالح أحزابهم أو طوائفهم التي ينتمون إليها.

   وبذلك يكون دور البرلمان مراقبة أداء الحكومة واستجوابها في الحالات التي يراها من الضروري بمكان أن تأتي بالمسؤول مهما تكن خلفياته الحزبية أو العرقية أو الطائفية إلى قبة البرلمان ومحاسبته أمام مرأى ومسمع الشعب.

   وإذا ما أراد القائمون على العملية السياسية إتمام مهامهم بنجاح والوصول إلى حلول ناجعة من شأنها التغيير والإصلاح لبناء دولة القانون الخالية من العنف والتطرف عليهم:

أولاً: إجراء بعض التعديلات الدستورية وجعل نظام الحكم في العراق رئاسياً يعطي للرئيس صلاحيات التعديل والتغير في حكومته لتنفيذ برنامجه الحكومي، ويتم انتخابه مباشرة من قبل الشعب دون أن يتم تعينه من قبل البرلمان على أسس توافقية ترسخ المحاصصة.

ثانياً: جعل دور القوات الأمريكية والعاملة معها قوات مساندة وعدم قيامها بالمداهمات أو الاعتقالات إلا بعلم القائد العام للقوات المسلحة.

ثالثاً: لكون الوجود الأمريكي في العراق يسبب الكثير من المشاكل بين الكتل السياسية وهو الذريعة التي تتخذها العديد من الجماعات المسلحة للقيام بعملياتها داخل المدن، يجب على الحكومة والبرلمان التصويت على قانون يضع جدولة زمنية لتواجد القوات الأمريكية والعاملة معها في العراق.

رابعاً: إجراء تغيير على قيادات الكتل السياسية التي تتصف بالطائفية وانعدام المرونة في التعامل مع الآخر.

خامساً: الكشف عن نتائج التحقيق التي قامت بها الأجهزة بخصوص منفذي العمليات الإرهابية ضد المدنين والأماكن المقدسة والجهات التي تقف وراء منفذي تلك العمليات.

سادساً: تفعيل دور القضاء وقانون مكافحة الإرهاب. 

أحمد جويد

مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 تموز/2007 -8/رجب/1428