استراتيجية الخروج من العراق تستند على ألعاب حربية عسكرية!

شبكة النبأ: مثلما كانت التصورات قليلة ومتواضعة عن حرب العراق، وهي الان في سنتها الخامسة او عن الانتكاسات العديدة على طول طريقها، لا توجد استنتاجات قاطعة بشأن عواقب خفض القوات الامريكية المتواجدة حاليا او مخلفات انسحاب امريكي مفاجئ، وحتى اكثر السيناريوهات قتامة وسوء هو مرشح ان يحدث في العراق اذا ما تم ذلك الانسحاب. ومن ضمنه تقسيم العراق او اللجوء الى فقرة اقامة الاقاليم الدستورية، حيث ان المسالة محسومة بالنسبة لفكرة اقليم الوسط والجنوب العراقي.

وتحت عنوان "استراتيجية الخروج" نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية، تقريرا يحاول رسم سيناريوهات محتملة لوضع ما بعد خروج القوات الامريكية من العراق حاولت فيه الاجابة على سؤال يقول .. هل ستسيطر ايران على العراق؟ ام القاعدة ستفرض سيطرتها؟ .

وقالت الصحيفة فى تقريرها إن هذين السؤالين هما مركز الجدل الذى يشغل دوائر القرار الامريكية الحالية عما سيحدث بعد مغادرة قواتها العراق.

وأضافت، اذا ما انسحبت القوات الامريكية من العراق في المستقبل القريب، من المرجح ان تتجلى ثلاثة تطورات، ربما ستطرد الغالبية الشيعية السنة الى خارج المناطق المختلطة طائفيا في محافظة الانبار، وربما ينحدر جنوب العراق الى حرب اهلية تتقاتل فيها جماعات شيعية، وربما يعزز الاكراد في الشمال من حدودهم ويدعون الى وجود عسكري امريكي على اراضيهم،  اختصارا، سيتحول العراق حقا وفعلا الى ثلاث امم منفصلة عن بعضها.

واوضحت الصحيفة أن هذه هي النتيجة التى تمخضت عن "العاب حربية" أجراها مؤخرا، لصالح الجيش الامريكي، الكولونيل مارينز المتقاعد جراي اندرسون، الذي خدم في العراق ويعمل الان في شركة عقود دفاعية ضخمة.

ونقلت عن اندرسون قوله، بأمانة، انا لا اعتقد ان هذا الحال ضرب من الخيال. بل سيكون واقعا قبيحا.

وأشارت الصحيفة فى هذا الصدد الى أن الرئيس الامريكى جورج بوش عرض فى وقت سابق اكثر تكهناته حدة متمثلة بفكرة إما القاعدة او ايران ـ او كليهما ـ سيفرض سيطرتها على العراق بعد "انسحاب متعجل" للقوات الامريكية،  فالقاعدة، كما قال بوش مؤخرا، "ستكون قادرة على التجنيد بشكل أفضل وستحصل على اموال كثيرة توظفها في السعي الى اهدافها" في مهاجمة الوطن الامريكي، ومعارضو الحرب في الكونجرس يناهضون كلام بوش هذا عن القاعدة ويرون فيه خوف متضخم، وان لا شيء يمكن ان يكون اسوأ من الوضع الراهن.

ويحتدم جدل واشنطن حول متى ينبغي على القوات الامريكية المغادرة مركزا على ما يمكن ان يحدث حال رحيلها عن العراق. وتقول الصحيفة "ان العسكريين الامريكان، ممن على دراية بتفاصيل هذه المعارك السياسية، يتحسسون بهدوء السيناريوهات التي قد تحدث اثر تخفيض الوجود العسكري، ويفحصون الادوار التي يمكن لعبها ويدرسون حالات تاريخية موازية،. فهل ستجد الحكومة العراقية طريقها الى الرسوخ، ام ان البلد سيقسم بخطوط طائفية؟ هل ستفرض القاعدة سيطرتها؟ او ان ايران هي التي ستهيمن على البلاد؟ هل سيتحسن الامن الامريكي ام سيسوء؟ هل الاجابة على ذلك تعتمد على متى، وكيف، وكم عدد القوات التي سترحل؟."

تواصل الصحيفة القول، بعض الضباط العسكريين يؤكدون انه بغض النظر عما اذا سيتقسم العراق الى اجزاء او ان اللاعبين الخارجيين سيسيطرون عليه بعد الانسحاب الامريكي، فانه لا يمكن تفادي حدوث خراب هائل، يقول ضابط خدم في العراق (على ما اعرف... عندما نغادر سيحدث انفجار عنف الى الحد الذي يجعل من وضع الاستقرار الحالي في البلاد وكانه غاية في الهدوء).

واستطردت الصحيفة تقول، ولكن مثلما كانت التصورات قليلة عن حرب العراق الطويلة، وهي الان في سنتها الخامسة، أو عن الانتكاسات العديدة على طول طريقها، لا توجد استنتاجات قاطعة بشأن عواقب خفض القوات الامريكية، احد كبار مسؤولي الإدارة الذي على دراية بالسياسة المتبعة في العراق يتصور حدوث مذابح واسعة كلما انحدر العراق الى قاع الفوضى، لكنه يحذّر من ان من المحال معرفة ما سينتج عن رحيل القوات، ويشدد "علينا ان نكون متواضعين جدا بخصوص قدراتنا التكهنية."

وتقول الصحيفة، في نيسان من العام الماضي، رعت قيادة هيئة الاركان المشتركة لعبة حربية اطلق عليها تسمية (المسعى الموحد 2007) جرت تطبيقاتها في الكلية الحربية في بنسلفانيا،. ويقول احد اللاعبين الذين طبقوها، الكولونيل المتقاعد ريتشارد سنريك، انها افترضت تقسيم العراق مع رحيل القوات الامريكية سريعا خارج العاصمة لتنتشر في الشمال والجنوب، يقول الكولونيل ( لدينا التزاماتنا ازاء الاكراد والكويتيين، ثم انهم سيقدمون لنا مواقع اكثر امنا واستقرارا وبوسعنا منها الاستمرار في وجودنا)." ويستدرك "لكن خلاصة اللعبة هذه لم تكن كثيرا في صالح الولايات المتحدة."

وتقول الصحيفة ان اندرسون، المارينز المتقاعد، قد اجرى على مدى السنتين الماضيتين اختبارا لعشرات الالعاب الحربية بخصوص العراق، وبعضها سمح باجراء انسحاب للقوات المقاتلة عبر جدول زمني ـ مع الابقاء فقط على مستشارين ووحدات دعم واسناد ـ واستنتج ان تقسيم العراق سيكون نتيجة لذلك، كما تكهنت الالعاب بتدخل ايران والسيطرة على جنوب العراق والوقوف الى جانب الشيعة في حرب اهلية.  

مذبحة أعظم آتية

من جهة اخرى يقول المحللان كارين ديونغ وتوماس ريكس في مقال بصحيفة واشنطن بوست: اذا ما انسحبت القوات الأميركية من العراق في المستقبل القريب، فانه من المحتمل ان تظهر على السطح ثلاثة تطورات؛ الشيعة الأغلبية سيطردون السنة من المناطق المختلطة، اوستندلع حرب اهلية في جنوب العراق بين الجماعات الشيعية، اوسيعزز الشمال الكردي حدوده ويدعو قوات أميركية الى هناك.

وعلى نحو متزايد، يركز الجدل في واشنطن حول توقيت مغادرة القوات الأميركية على ما يمكن أن يحدث بعد مغادرتها.

ويرى بعض ضباط الجيش الامريكي أنه، بغض النظر عما اذا كان العراق سيقسم أو أن قوى خارجية ستسعى الى الهيمنة عليه بعد انسحاب القوات الأميركية، فان مذبحة أكبر وأعظم ستحصل لا محالة. وقال ضابط خدم في العراق ان «الحديث الذي أسمعه في الغالب هو انه سيكون هناك اندلاع للعنف عندما نغادر». غير ان قلة تخيلوا الحرب الطويلة في العراق التي هي الآن في عامها الخامس، او النكسات التي حدثت خلالها، ولا استنتاجات راسخة فيما يتعلق بعواقب تقليص القوات الأميركية.

ويضيف المحللان، قضى ما يزيد على 20 مشاركا من الجيش ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية والقطاع الخاص ثلاثة أيام يدرسون ما يمكن أن يحدث اذا ما نفذت توصيات مجموعة دراسة العراق.

وكان أحد الأسئلة يتعلق بالكيفية التي يمكن أن ترد بها سورية وايران على الخطوات الدبلوماسية التي اقترحتها المجموعة التي يترأسها وزير الخارجية السابق الجمهوري جيمس بيكر وعضو الكونغرس السابق الديمقراطي لي هاملتون. وتوصل المشاركون الى أنه من الصعب على ايران المساهمة لأن حكومتها المنقسمة عاجزة عن الوفاء بوعودها. أما اللاعبون الذين يمثلون سورية فقد شاركوا مع الدبلوماسيين الأميركيين في النقاش، لكنهم ربطوا المساعدة في بغداد بتخفيف الضغط الأميركي في الملف اللبناني.

وقال احد المشاركين إن المسألة الجوهرية هي، ما نراه الى حد كبير منذ أن بدأت ادارة بوش محادثات مع دمشق وطهران: نتائج ملموسة ضعيفة.

ووسط الجدل السياسي في واشنطن حول مغادرة القوات العسكرية، أكد قادة عسكريون اميركيون اهمية إعداد خطة انسحاب شاملة ومعدة بعناية. وقال الجنرال بنجامين ميكسون، وهو من كبار القادة العسكريين الاميركيين في العراق، انه بصرف النظر عما يقرره الساسة «هناك حاجة الى ان تكون هذه الخطة معدة بعناية وقائمة على المعطيات الواقعية وليس على مجرد الشعور بالحاجة الى الخروج من العراق»، على حد تعليقه.

التاريخ يعج بعمليات انسحاب افرزت نتائج سيئة؛ حالة الانسحاب الأكثر بشاعة حدثت لدى مغادرة البريطانيين افغانستان عام 1842، عندما ترك 16500 من الجنود والمدنيين كابل ظنا منهم ان الطريق الى الهند آمن. وبعد مرور حوالي أسبوعين وصل اوروبي واحد فقط على قيد الحياة مدينة جلال آباد على الحدود الافغانية ـ الهندية. كما ان انسحاب الاتحاد السوفياتي من افغانستان، الذي بدأ في مايو (أيار) 1988، عقب عشر سنوات تقريبا من الاحتلال، كشف عن أخطاء. وشأنها شأن القوات التي وصلت العراق عام 2003، كانت القوات السوفياتية في أفغانستان في ذلك الوقت مدججة بالسلاح العتيد.

وبمجرد إعلان موسكو خططها الخاصة بالانسحاب من أفغانستان، أسفرت الأوضاع السياسية والأمنية عن تطورات اسرع بكثير مما كان متوقعا. وقال الجنرال دانيال مورغان ان القوات السوفياتية اضطرت للقتال وهي في طريق انسحابها من افغانستان، واضطروا ايضا للانسحاب جوا من مدينة قندهار، حيث كان القتال شرسا.

ويختلف مؤيدو ومعارضو الحرب في واشنطن حول الدروس المستخلصة من انسحاب القوات الاميركية من فيتنام. وقال السناتور جون ماكين، الذي شارك في حرب فيتنام، في معرض حديث له الاسبوع الماضي حول انسحاب مبكر من العراق، انه شاهد جيشا مهزوما، كما ان الفترة التي استغرقها الجيش للتخلص من آثار تلك الهزيمة كانت طويلة؛ في إشارة الى انسحاب القوات الاميركية من فيتنام.

اما السيناتور الديمقراطي جوزيف بيدن، فقد قال ان بغداد ستصبح «سايغون اخرى» في حال أي انسحاب مبكر للقوات الاميركية من العراق. وأضاف: «سنرى عمليات إخلاء الجنود الاميركيين من على سطوح بنايات المنطقة الخضراء اذا لم نغير سياستنا». الأمر المثير للانتباه في سيناريوهات ما بعد خفض حجم القوات، انها تركز على الحرب الأهلية والتدخل الاقليمي والاضطراب اكثر من تركيزها على تأسيس مركز لشبكة «القاعدة» في العراق. ويشكل هذا الجانب لدى بوش الخطر الرئيسي للانسحاب. وقال في هذا السياق خلال مؤتمر صحافي، ان الانسحاب من العراق يعني تسليم مستقبله الى «القاعدة».

وأضاف،يعني ذلك حدوث عمليات قتل جماعي بمعدل مثير للفزع. يعني ذلك ايضا اننا سنسمح للارهابيين بتأسيس ملاذ آمن في العراق بدلا عن ملاذهم الذي فقدوه في أفغانستان. وقال بوش ايضا،ان القوات الاميركية اذا انسحبت من العراق في وقت قريب، فإنها قد تضطر للعودة مجددا في وقت لاحق لمواجهة عدو اكثر خطرا. وأضاف أيضا في نفس السياق، إن الانسحاب سيربك ويثير مخاوف اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وسيشجع سورية، وإيران على وجه الخصوص، ويدفعها الى ممارسة نفوذها في منطقة الشرق الاوسط. إلا ان ثمة محللي استخبارات أميركيين لديهم نظرة مختلفة حيال وجود القاعدة في العراق؛ إذ يرى هؤلاء ان أسامة بن لادن يمثل مصدر إلهام وليس مصدر تعليمات بالنسبة للفروع المحلية لشبكة القاعدة. يرى هؤلاء ايضا ان أعداء القاعدة، وغالبيتهم الساحقة من العراقيين، يقيمون في بغداد والمناطق التي تقطنها غالبية شيعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 22 تموز/2007 -7/رجب/1428