مصطلحات سياسية:إرهاب

مصطلحات سياسية:إرهاب

Terrorsme, Terrorism 

شبكة النبأ: استعمال العنف لغايات سياسية بممارسات خارجة عن القانون وعن نطاق اختصاص الدول بالمحافظة عليه على الساحة الدولية. هكذا يساهم الإرهاب بنشر العنف السياسي وينزع إلى إثارة التساؤلات حول طبيعة العلاقات الدولية، ويتكوّن التخوّف من الإرهاب عند أول نشأته (سلاح الفقراء، نتيجة ملتوية للمكانة التي تخصصها القوى العظمى للتسلح النووي، مفعول مرتبط بهشاشة المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية، حصيلة التطور التكنولوجي...) وفي عمله (خلق جو من الرعب في إبداء الآراء، بلوغ وسائل الإعلام لجلب الشعبية لقضية معينة، تحديد هامش تحرّك الحكام...).

متعلقات

ارهاب(1)

الإرهاب هو أي عمل عدواني يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل العنيفة. ويتخذ الإرهاب أماكن متعددة بين العدو إلا ساحة المعركة التي يشرّع بها استخدام العنف. فنجد الإرهاب يستهدف الطائرات المدنية وما تتعرض له من اختطاف، والمدينة المكتظة بالسكان وما ينالها من تفجيرات واغتيالات. ويُعرف كل من يضلع في بث الخوف والرهبة في قلوب الامنين بالإرهابي او الإرهابية.

 تاريخ

العمل الإرهابي عمل قديم يعود بنا بالتاريخ مئات السنين ولم يستحدث قريباً في تاريخنا المعاصر. ففي القرن الأول وكما ورد في العهد القديم، همت جماعة من المتعصبين على ترويع اليهود من الأغنياء الذين تعاونوا مع المحتل الروماني للمناطق الواقعة على شرق البحر المتوسط. وفي القرن الحادي عشر، لم يجزع الحشاشون من بث الرعب بين الامنين عن طريق القتل، وعلى مدى قرنين، قاوم الحشاشون الجهود المبذولة من الدولة لقمعهم وتحييد إرهابهم وبرعوا في تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الإرهاب.

ولاننسي حقبة الثورة الفرنسية الممتدة بين الاعوام 1789 إلى 1799 والتي يصفها المؤرخون بـ"فترة الرعب"، فقد كان الهرج والمرج ديدن تلك الفترة إلى درجة وصف إرهاب تلك الفترة "بالإرهاب الممول من قبل الدولة". فلم يطل الهلع والرعب جموع الشعب الفرنسي فحسب، بل طال الرعب الشريحة الارستقراطية الاوروبية عموماً.

ويرى البعض ان من أحد الأسباب التي تجعل شخص ما إرهابياً أو مجموعة ما إرهابية هو عدم استطاعة هذا الشخص أو هذه المجموعة من إحداث تغيير بوسائل مشروعة، كانت إقتصادية أو عن طريق الإحتجاج أو الإعتراض أو المطالبة والمناشدة بإحلال تغيير. ويرى البعض أن بتوفير الأذن الصاغية لما يطلبه الناس (سواء أغلبية أو أقلية) من شأنه أن ينزع الفتيل من حدوث أو تفاقم الأعمال الإرهابية.

وقد ورد معنى الارهاب في القران الكريم بصيغة واضحة لاتقبل التأويل و لكن ليس المعنى قتل المدنيين ، ومنها الرهب ، والاسترهاب، حيث جاء في القرآن الكريم في سورة الانفال" وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوَّكم وءاخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم ".

ان الخلط في مفهوم الارهاب يرجع إلى ترجمة لغوية ليست غير دقيقة فحسب بل غير صحيحة مطلقا لكلمة Terror الانجليزية ذات الاصل اللاتيني . المعبّر عنه اليوم بالارهاب هو ما استُخدِم للتعبير عنه في اللغة العربية كلمة " الحرابة " اخذا مما ورد في القران الكريم في سورة المائدة " إنما جزآؤُاْ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي ٌ في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33) " وفي فترة لاحقة توسّع فقهاء الاسلام في توسيع دلالات هذا التعبير ، لينطبق على مخالفة أولي الامر . و استغل الخلفاء الامويون والعباسيون هذا المفهوم ، ومن بعدهم السلاطين والامراء ليشمل من يخالفهم الرأي في الحكم ، اوما يعرف بالمعارضين السياسيين على تعبير اليوم.لذا فمن الضروري البحث عن مصطلح أكثر دقة يعبر عن الترويع وفق الفهم الاسلامي.

 الأعمال الإرهابية

قبل القرن الحادي عشر، أبرز عمليتين ارهابيتين هما عملية سرية قامت بها طائفة من اليهود ضد الرومان وتضمنت اغتيال المتعاونين معهم، وعملية اغتيال علي بن أبي طالب على يد الخوارج.

من أعمال الارهاب حادث نشر غاز السارين في نفق قطارات في اليابان، حادثة تفجير طائرة البان آم فوق سماء لوكربي الاسكتلندية، ومن أعمال الارهاب أيضا تفجير المبنى الفيدرالي في ولاية اوكلاهوما الامريكية. تفجير فندق الملك داوود بواسطة عصابات صهيونية مستهدفة المندوب السامي البريطاني في فلسطين، وكذلك قامت مذابح ضد المدنيين دير ياسين وقانا بواسطة العصابات الصهيونية هاجاناه، تفجيرات الرياض عام 1994 والخبر كانت بعض العمليات الإرهابية في السعودية واستهدفت في الغالب الوجود الغربي. تفجيرات سفارات الولايات المتحدة في نيروبي و دار السلام كان عمليات لاحقة في أفريقيا، ووجدت أدلة على تورط تنظيم القاعدة فيها. ولعل أكثر الحوادث التي هزت العالم بأسره تلك الأحداث التي ألمّت بالولايات المتحدة من أعمال 11 سبتمبر 2001 والتي خلّفت نحو ثلاثة آلاف قتيل من جميع دول العالم ،وتكبّد العالم بأسره خسائر تقدّر بمليارات الدولارات. تم استهداف مدنيي إسرائيل بكثير من العمليات الإرهابية مما جعل إسرائيل أحد الدول الخبيرة في تكنلوجيا مكافحة الإرهاب، لذا تم الاستعانة بخبراتها في الحرب الأخيرة على الارهاب. عمليات الإرهاب في جنوب شرق آسيا من قبل جماعات إرهابية كأبو سياف، لها في الغالب علاقات مع جماعة القاعدة. عمليات الإرهاب في روسيا وتتهم روسيا التنظيمات الشيشانية بالضلوع فيها بينما ينفي الشيشان. السعودية تعرضت لهجمات ارهابية منذ 2003 من قبل خلايا إرهابية في السعودية يشاع أن لها علاقة بالقاعدة. تعرضت اسبانيا ثم المملكة المتحدة لعمليات ارهابية استهدفت وسائل النقل العامة، حيث تعتبر هدف سهل للإرهابيين، أيضا العمليات الإرهابية لا تزال مستمرة في العراق مستهدفة المدنيين.

 من هو الإرهابي؟

في الوقت الذي يُنعت فيه أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بالإرهابي، نجد في العالم العربي والإسلامي عدد غير هين من المتعاطفين معه ويرفضون وسمه بالإرهابي. ولعل السبب يكمن في التبريرات الشرعية التي يقتدي بها بن لادن ومن يهتدي بفكره والتي تضفي صفة الشرعية لأعمال القتل والتفجير التي قامت بها منظمة القاعدة في حق الكثير بهدف ضرب المصالح المدنية والعسكرية الغربية. كذا نجد أن كثيرا من الأعمال التي تستهدف المدنيين تقوم بها دول كبرى في حين تعامل إعلاميا معاملة العمليات العسكرية، وهو ما انطبق على كثير من الغارات الأمريكية على العراق واستهدافها لمستشفى مدني في السودان وإغارتها أيضا على أهداف مدنية في أفغانستان. نجد أيضا كثير من العمليات التي تقوم بها تنظيمات مسلحة ضد عسكريين بغرض إجلائهم تعامل إعلاميا كما لو كانت عمليات إرهابية، كقيام حركة حماس بالتعاون مع منطمتين أخريتان بأسر جندي اسرائيلي وتدمير موقع عسكري..

الإرهاب بالإرهاب

1-تقديم: إذا كان جيل دولوز قد حدد وظيفة الفلسفة في نحت وبناء المفاهيم، فإن مفهوم الإرهاب اليوم بات من أكثر المفاهيم تطلبا إلى التمحيص الفلسفي والمساءلة النقدية، ذلك أن الدعوات التي أخذت تتعالى بضرورة إشاعة وإنعاش الفكر النقدي لدى الأوساط الجماهيرية العريضة، بغية تقويض أشكال التفكير المتطرفة والمولدة لجملة الأفعال المصنفة إرهابية، لم تشمل دعواتها هذه إعمال المساءلة النقدية لمفهوم الإرهاب نفسه، بل انطلقت منه كمسلمة مسكوت عن ماهيتها الحقيقية. ولعل أنجع ما يمكن أن نستهل به مساءلتنا النقدية لهذا المفهوم خاصة بالشكل الذي باتت تلوكه به وسائل الإعلام هو أن الأمور تعرف بخواتمها. فلنتساءل من استفاد أكثر من أحداث 11 شتنبر بنيويورك ؟ ومن استفاد أكثر من أحداث 16 ماي المغربية ؟ ومن المستفيد من الأحداث الدموية المتتالية بالعراق اليوم؟

2-الارهاب وتطويق المقاومة السياسية: إن جملة هذه الأحداث قد خلقت ما يمكن أن نصطلح عليه بحالة الاستثناء وما تستتبعه من سياسات وقوانين الطوارئ على مستوى المنتظم الدولي بأسره، وهو ما مكن الطغمة النافذة سياسيا واقتصاديا وعسكريا في الولايات المتحدة الأمريكية ومختلف حلفائها في شتى بقاع العالم المتقدم وأذنابها في المجتمعات الخائبة من تحقيق وربح مزيد من الأهداف : ا- إحكام السيطرة على العالم عبر دول أو بلدان ذات مواقع استراتيجية (العراق وأفغانستان...) ب- منح الأنظمة التابعة مشروعية جديدة – حفظ الأمن – خاصة وأنها باتت مهددة بمواجهة غليان شعبي تؤججه السياسات المملاة من طرف الصندوق والبنك الدوليين (تحرير الأسواق وخوصصة الأملاك العامة والتنصل من مهام الرعاية الاجتماعية ...) وتجدر الإشارة هنا إلى نبوءة المهدي المنجرة بخصوص اندلاع انتفاضات شعبية عارمة. ج- إشاعة النمط الاستهلاكي الأمريكي عبر تنفير الجماهير من الأنماط الثقافية التي تظهر تميزا عنه خاصة النمط الأصولي وما يظهره من معاداة لهذا النمط سواء على مستوى الزي أو المأكولات المصنعة وغيرها ... د- إحداث نوع من الاستجابة العكسية لدى شعوب البلدان العربية المستهدفة ثرواتها أولا بجعلها تعلق أملها في الخلاص على أفراد وجماعات على الأرجح متحكم فيها إن لم يكن تأثيرها سلبيا من أساسه. ه- الإبقاء على رواسب الأيديولوجيات المتمسحة بالدين والمكرسة لوهمية الخلاص كعائق أمام التغيير جنبا إلى جنب مع القيم الاستهلاكية الأمريكية وما تشيعه .من دخول في دوامة اقتناء أشياء فاقدة لأي قيمة استعماليه حقيقية مقارنة بقيمتها الاستبدالية .

3 –غاي ديبور والتفسير الجدلي للارهاب: لا شك أن هذه الأهداف التي سطرناها هاهنا تثير أكثر من سؤال، ولعل أهمها يتلخص في الإيحاء بوجود مؤامرة عالمية هدفها الأوحد السطو على حقوق الشرائح العريضة في العيش في ظل الديمقراطية والسلم الاجتماعي والمساواة، فالمسألة أبعد بكثير من أن تقلص في مجرد مؤامرة تحوكها أطراف معدودة، بل يمكن القول بأنها متغلغة ومتأصلة في ثنايا الكثير من سلوكاتنا العادية والبسيطة أحيانا إذ لكل منا إسهاماته في صنع الأحداث مهما كانت ضعيفة. ولعل ما سيقربنا أكثر من جوهر المسألة هو ما أورده غاي ديبور GUY DEBORD في كتابه:"تعليقات حول مجتمع المشهد" du spectacle commentaires sur la société : " هذه الديمقراطية وصلت من الاكتمال بحيث أخذت تصنع بنفسها عدوها اللذوذ : الإرهاب، وتريد بالأحرى أن يتم تقييمها بوساطة أعدائها قبل محصلة إنجازاتها." ويضيف : " البعض لا يرى في الإرهاب شيئا أكثر من تلاعب قذر تمارسه الأجهزة السرية والبعض الآخر يرى أنه لا ينبغي سوى انتقاد الافتقاد الكلي لدى هؤلاء الإرهابيين لكل حس تاريخي. في حين أن إعمال قليل من المنطق التاريخي يسمح بأن نستنتج أنه لا يوجد تناقض في القول بإمكان وجود أشخاص مفتقدين لكل حس تاريخي بحيث يمكن التلاعب بهم من طرف الأجهزة السرية." وتوريطهم بالتالي في مثل هذه الأنشطة الإرهابية. ويجد مثل هذا الكلام معناه حقيقة إذا ما ذكرنا بالارتباط الحيوي بين ما يلي : -تعزيز السلطة السياسية –الدعاية السياسية –وجود عدو خارجي او داخلي. ذلك أن ما يضمن للسلطة السياسية قوتها و نفوذها هو الدعاية السياسية التي تمارسها خاصة مع الانحسار المتزايد الذي أخذت تعرفه طرق الإكراه المباشرة: المعتقلات.التعذيب.القمع التصفية... و هذه الدعاية السياسية لا تستطيع تحقيق هدفها بنجاعة، إلا إذا وجهت أنظار الشرائح العريضة إلى عدو تتمكن من خلاله من بلورة إجماع على أولوية محاربته على أي متطلبات أخرى. ليصبح مطية للتنصل من المسؤوليات الحقيقية لهذا النظام .ولننظر مثلا كيف استفاد النظام المغربي من مشكلة الصحراء باعتبارها بوابة استراتيجية على حد ما أوحى به على الأقل الدكتور محمد معتصم في كتابه الحياة السياسية المغربية من 1962 الى1992 مكنت النظام من تحقيق إجماع على كونها القضية الوطنية الأولى و بالتالي صرف مختلف الأحزاب عن التدخل في شتى الشؤون الداخلية والخارجية الحساسة  و بالمثل شكلت القضية الفلسطينية على مستوى العالم العربي اجمع المشجب الذي تعلق عليه مختلف أزماته و رهاناته . فالدعاية السياسية لصيقة دائما بإثارة الخوف و بالموت ماعدا في حالة الحملات الانتخابية حيث يغلب عليها النمط الإعلاني الإشهاري الصرف، إلا أنها سرعان ما تعاود تركيزها على إثارة المخاوف مع استئناف الحياة السياسية و بعيد الحملات الانتخابية وهو ما يملى تضحيات فردية و جماعية من لدن المواطنين، يستلبون من خلالها و تسلب منهم باسمها حقوقهم الاجتماعية الأساسية, فمكافحة الإرهاب صرفت أنظار المواطنين الأمريكيين عن مطالبهم الاجتماعية و بررت في الآن نفسه مزيدا من استهداف شعوب العالم العربي والإسلامي , الشعب الأمريكي يمول الحرب و الشعوب العربية تؤدى ضريبة الهزيمة. لكن ماذا الآن عن المقاومة ؟ وكيف نميزها عن هذه الأنشطة المكناة إرهابية ؟ يمكن القول أن المقاومة هي جملة الأفعال الرامية إلى الدفاع عن حقوق مشروعة، و بطرق مشروعة إنسانيا و تعد الروح الجماعية التي تصطبغ بها هذه الأفعال وما تقابل به من تأييد شعبي، أهم سمة تميز المقاومة عن الأعمال الإرهابية، ذلك أن هذه الأخيرة تبادر إليها جماعات أو خلايا محصورة العدد، وعادة ما تكون نتيجتها عكسية بحيث أنها من جهة تصبح مطية للنظام أو القوة المستهدفة لفرض مزيد من الإخضاع والسيطرة، ومن جهة أخرى تروع المواطنين وتزيد من نفورهم وعزوفهم عن العمل أو الفعل السياسي. فمثلا لا يمكن بتاتا أن نصطلح على العنف الذي تعرفه أو عرفته الساحات الجامعية المغربية بالمقاومة بل هو عين الإرهاب، ذلك أن مثل هذه الأحداث لم ينجم عنها إلا نوعا من الصد النفسي والانكفاء على الذات لدى الطالب إزاء التفاعل الإيديولوجي، الذي كان يشكل بالفعل حافزا مهما لخوض الطلبة غمار التثاقف والتحاور وتكوين شخصياتهم السياسية والفكرية، عكس ما هو عليه الحال اليوم حيث بات التسطيح واللامبالاة من أهم عناوين الساحة الجامعية. وبالمثل نجم عن الإرهاب قانون مكافحة الإرهاب الذي صادر حتى الحق في التعبير عن السخط بعبارات تشيد أو تتمنى التغيير العنيف ...!

4-دور العامل السوسيونفسي في استنبات الخلايا الارهابية: بقي أن نتساءل عن التربة الاجتماعية التي تمكن مثل هذه الخلايا أو التنظيمات من الاستنبات داخلها. ولا محيد هنا عن الانفتاح على كتاب الدكتور مصطفى حجازي : " سيكولوجية الإنسان المقهور "، فعلى مستوى الخصائص الذهنية نجد أن غالبية أفراد المجتمعات المتخلفة يعانون من اضطراب في منهجية التفكير، إذ يتعاملون مع واقعهم متجردين من أي خطة مسبقة تساعدهم على مقاربته منطقيا، بل تسود الفوضى والتخبط والعشوائية، فالحديث عادة ما يتشعب ويذهب في أي مذهب في حالة من التداعي الحر للأفكار، والتي سرعان ما تبتعد عن الموضوع الأصلي مما يوقع في الغموض والحيرة اللذان يجعلان الفرد يلجأ إلى التمنيات بخروج سحري. ولهذا يسود التعصب والتشبث بالأحكام القطعية بعيدا عن أي محاولة للتحليل أو التوليف وبالأحرى امتلاك القدرة على التفكير الجدلي والعلمي تبعا لمبدأ التناقض (الديالكتيك) بدل مبدأ السببية الميكانيكية الجامدة. وعموما تنظر الذهنية المتخلفة إلى الواقع نظرة تفتيتية تكديسية في غياب تام لأي ترابط أو اتساق يعيد سبك ظواهر الواقع ويعيد إليها لحمتها في بنيات وعلاقات عضوية تمكن من ضبط حركيتها. أما على المستوى الانفعالي فالغالبية العظمى تعاني من طغيان الانفعالات بسبب المأزق المعيشي المزمن حيث يغلب التعاطي الانفعالي والوجداني مع المواقف بدل تحكبم العقل والمنطق قصد إرصانها. إذ الانفعالات ينبغي ضبطها ضمن حدود لا تتعداها فالإفراط في الانسياق خلفها يفقد الفرد القدرة على امتلاك واقعه علميا وعقلانيا ويؤدي اضمحلالها تجاه الواقع إلى حالة من البرود وعدم الاكتراث مما يوقع في التبلد الكلي. أما الإفراط في قمع الانفعالات فينجم عنه الوقوع في هوس التحليل والدقة والتركيز على التفاصيل التي ترهق الذهن وتفقد المرء دفء الحياة وحرارتها. وإذا أضفنا إلى كل هذا فشل التعليم في التأصل والتجدر في شخصية الفرد وتشكيله فقط لمجرد قشرة سطحية في النهاية وتغطي جميع أشكال التفكير السقيمة والسائدة نستطيع وبالضبط فهم الأسباب الكامنة وراء تفشي التعاطي الخرافي والغيبي مع ظواهر هذا الواقع. غير أن الأدهى هو ما يكمن في الحياة اللاواعية للأفراد حيث تدفعهم علاقات التسلط والقهر ( السادو- مازوشية) المفروضة عليهم من كل صوب وحدب إلى التمسك بالتقليد والنكوص إلى أمجاد الماضي والتماهي بالمتسلط نفسه من حيث قيمه وأحكامه وعدوانه مما يعيد إنتاج نفس الذهنيات ونفس الأوضاع. اذا نظرنا من جهة اخرى الى الباراديغم الذي قياسا عليه يحدث الحراك الاجتماعي واقصد هنا "الحريك" أو ما اسماه حجازي مرة أخرى بالهدر , سنتمكن لا محالة من الخروج بفهم اعمق لهذه الظاهرة .فما يصطلح عليه بالهجرة السرية هو مجرد نتاج لبنية اوسع و اشمل. ذلك ان " الحريك " لا يتمثل في الهجرة السرية فقط بل يمكن ان نتحدث ايضا عن: - حريك مافيات تخريب الاقتصاد الوطني الى البرلمان عن طريق شراء الأصوات . - حريك التلميذ الى مستوى أعلى عن طربق الغش . - حريك صغار الموظفين ومحدودي الدخل الى مظاهر الفئات الميسورة عن طريق الغرق في القروض. - حريك المفكرين الى معالجة قضايا بعيدة عن ماهو راهني وماهو ملح عن طريق الهروب الى التراث او اللوك التكراري لما أنتجه الغرب ... . فكيف لا يمارس الحريك شباب مدفوع من الخلف بمرارة الفقر ومجرور من الأمام بوعد جنة الاستشهاد الموهوم ومحاصر سياسيا ومعرفيا من أعلى وأسفل .

5-الاستخلاص: فمن الواضح أن تربة اجتماعية كهذه خصبة وطيعة لاستنبات مثل هذه الخلايا أو التنظيمات، والتي إما أن تزيد من تعليق الآمال على حلول وهمية، أو أن تزيد من لبس الواقع وبالتالي خلط الحابل بالنابل (المقاومة بالإرهاب ) ، وفي كلا الحالتين إحداث استجابة عكسية بدفع الناس إلى مزيد من العزوف ومزيد من تطليق الحياة السياسية نفورا أو انتظارا واهما. بقي ان نؤكد في الختام على العلاقة الجدلية بين بحث السلطة الاستبدادية عن ذريعة تتنصل بموجبها من مسؤولياتها الحقيقية، عن طريق فرض حالة الاستثناء و ظهورها في نفس الوقت بمظهر الحريص على الحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة، ومن جهة أخرى تزايد أعداد المقدمين على مثل هذه الأعمال معتقدين وهماً أنهم يقاومون في حين إنما يسدون اكبر خدمة لخصمهم. الإرهاب=هو تفاعل الشرعنة الجدلي بين تدرع الطغم السياسية في استبدادها بعنف الجماعات المتطرفة من جهة، ومن جهة أخرى عنف الجماعات المتطرفة المرتد على نفسه، وهو مايخدم بشكل فعال تطويق النضال السياسي الحقيقي.

مفهوم العنف، مفهوم الإرهاب(2)

مع اننا معشر العرب أفشل أمم المعمورة في تنظيم العنف (الحروب، الجيوش)، فإننا أكثرها زعيقاً في تأليه هذه الوسيلة النهائية، القصوى، في حل النزاعات. وبينما تبلور أمم كثيرة أساليب وميكانيزمات للتسويات، والحلول الوسط، مطورة النظم الديمقراطية خصوصاً في المجتمعات غير المتجانسة، نرفع نحن عقيرتنا بتجانس متخيل، وانسجام من نسج الأوهام. غير أن ثمة فرصة لخرق هذه القاعدة، في العراق.

ثمة حالة من النزاع مستمرة منذ 1968 عند كثرة من العراقيين، ومنذ 2003 عند بعضهم. لا مراء في ان نزاع الحقبة الثانية منكشف للملأ، بخلاف نزاعات الحقبة الأولى، الجارية بمعظمها في الخفاء.

النزاع بذاته ليس سالباً بإطلاق ، فهو مصدر حيوية، وسبب للتطوير، شريطة أن يجري بوسائل مدنية، اي عن طريق المؤسسات. وهو بلا شك ليس ايجابياً بل مصدر تدمير وتقهقر، ان جرى بوسائل عنيفة. ثمة مساع عراقية لحل النزاع اسمها مشروع المصالحة الوطنية. وما من تسوية أو مصالحة ستلغي الفروق والخلافات، بل تظل مسعى لايجاد حلول وسط، وارساء وسائل جديدة لتلطيف الخلافات والتعايش معها .

يبدو ان هذه التصورات، الجديدة على عالم السياسة العراقي، المعروف بحديته وحدته وقطعيته، أخذت تشق طريقها الى تفكير معظم السياسيين. ولعل مبادرة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، تندرج في هذا السياق، وتشكل نقطة افتراق بينة عن تفكير سلفه. فهل نحن امام فرصة جديدة لحل النزاع، أم حسب الصياغة الرسمية: « المصالحة الوطنية»؟ ربما.

يلاحظ في برنامج المالكي ثلاثة عناصر محورية اولها واخطرها هو: المبادئ الناظمة، وثانيها: السياسات المطلوبة، وثالثها الآليات، اي وسائل التنفيذ. لعل هذا التقسيم لبرنامج او خطة المصالحة، او حل النزاع، يشي بقدر من الوضوح مفتقد عادة في العمل السياسي.

ويلاحظ ان حقل المبادئ مليء بألغام الخلاف والاختلاف. ثمة في الاقل ثلاث مقاربات لهذه المبادئ، الناظمة لعملية المصالحة. ثمة المقاربة الايديولوجية التي ترى الى اصحاب العنف بمنظار جماعة ايديولوجية مرفوضة ومنبوذة بقضها وقضيضها، وذلك انطلاقاً من اعتبار البعث، المنظم الاساس للعنف، حركة ايديولوجية عنصرية واجبة الاجتثاث، واعتبار الاصولية المحاربة (القاعدة وسواها) جماعة تكفيرية، تنحو منحى طائفياً، لا قبل للتعايش معه. ولعل الشق الاول من النظرة الايديولوجية (الخاص باعتبار البعث عنصرياً) مستمد من ترسانة فكر حداثي ، يستنسخ دون ابداع تجربة اجتثاث النازية في المانيا، باعتبارها نمطاً من العنصرية التدميرية. وقد تلقفت الاحزاب الاسلامية الشيعية هذه الفكرة وتمسكت بها، مدعمة بإيران، التي تحبذ ازالة البعث، لاعتبارات ايديولوجية واستراتيجية في آن.

هناك مقاربة ثانية لمسألة العنف والبعث، ذات طابع قانوني، ترى الى اقطاب النظام السابق على قاعدة التزام القانون أم خرقه وبالتالي تمييز البعث ليس على اساس الانتماء( المرتبة الحزبية)، بل على اساس نظافة السجل القانوني. بتعبير آخر، ان اجتثاث البعث، كسياسة رسمية، ينبغي ان يحل في اروقة القضاء، وليس في ادراج هيئة شبحية اتهمت، مراراً، بأنها تبيع خدماتها في الاقصاء والادراج، بيعاً سياسياً او تجارياً.

هناك مقاربة ثالثة لمسألة العنف واجتثاث البعث، هي مقاربة براغماتية، او عملية تقوم على ارجاع الحقوق المدنية، والسياسية، لقاء وقف العنف، بصرف النظر عن حصول خروقات قانونية (عدا عن قيادات الصف الاول). والمفارقة ان هذه السياسة كانت موضع تطبيق فعلي عند سائر الاحزاب، وبخاصة الاسلامية الشيعية، حيث ضمت الكثير من البعثيين السابقين مقابل الولاء الجديد لها ، ولكن هذه النزعة البراغماتية بقيت بمثابة السر المعلن، سياسة متاحة للاحزاب، ممثلة المصالح الضيقة ومحظورة على الدولة، ممثلة المصالح الكلية للمجتمع.

ونلاحظ ان هذه المقاربات الثلاث، الايديولوجية والقانونية والبراغماتية، تكاد ان تكون ماثلة في عدد من حالات الانتقال من مجتمع الواحدية الى مجتمع التعددية، في المانيا النازية (1945)، وفي تشيلي، وجنوب افريقيا.

في المانيا النازية، طبقت المقاربة الايديولوجية وان يكن بوسائل قانونية، حيث حوكم كل النازيين على انتمائهم، مثلما حوكم النازيون وغير النازيين على ضلوعهم في جرائم ضد الانسانية. ورغم الصرامة في تطبيق هذه السياسة تراجع الحلفاء عنها لحظة احتدام الحرب الباردة .

وفي تشيلي، مثال معاكس تماماً، على غلق كل ملفات الماضي بما فيها من انتهاكات وخروقات وقتول، مقابل فتح الباب اما انتقال سلمي. لم يكتب السياسيون حرفاً عن هذه المساومة التي كانت مؤلمة من الوجهة الاخلاقية، حيث رأت الضحية جلادها يتبختر ببزته الرسمية ونياشينه، مخفياً دماء قتلاه تحت قناع بطولة قومية زائفة. وكان من نصيب الادب ان يسجل الحقائق في مسرحية بعنوان: الموت والعذراءن التي تلقفتها هوليوود لحسن الحظ.

واخيراً ثمة الحل الجنوب افريقي: الحوار والمكاشفة، والمصالحة والعفو، اعتماداً على تقاليد الاعتراف المسيحية.

يحتاج العراق الى هذا كله، فثمة اصحاب القرارات المدمرة، الذين زجوا العراق في أتون حروب مدمرة، او مزقوا نسيج الوئام الوطني، وانزلوا الأمة الى درك قبيلة مهلهلة.لا شفاء لأولاء الا بالحل الالماني. وثمة حاجة الى غلق الملفات، على الغرار التشيلي، بروح براغماتية هدفها الاسمى هو السلم المدني. واخيراً ثمة حاجة الى محاكاة نموذج مانديلا.

ويلاحظ ان الحوار او الخلاف الدائر حول تعريف «الارهاب» و»الارهابي»، يحوي كل هذه العناصر، بين من يرى الارهاب تعريفاً ينطبق على كل هيئة غير قانونية(دولة) تمارس العنف لتحقيق اغراض سياسية (التعريف الاميركي الشامل).

في المقابل يردد السياسيون العراقيون ان الارهاب تعريف ينطبق على كل من مارس او يمارس العنف ضد العراقيين، وهو تعريف يستثني كل من استهدف ويستهدف القوات الاجنبية، وثمة تعريف ثالث، يرى ان الارهاب هو كل اعمال العنف المرتكبة ضد المدنيين بعامة والمؤسسات العراقية، بعد تأسيس مشروعية هذه الاخيرة عبر الانتخابات.

هذه الآراء المتضاربة تشي بالتنوع. وتميل الحكومة الحالية الى النأي بنفسها عن الموقف الحكومي السابق، والاتجاه الى مزيج من نظرة قانونية-براغماتية، لعل لها حظاً أوفر من النجاح.

إرهاب تحت خيمة الإسلام(3)

تجري أحداث في بلاد العرب والمسلمين من مغربها إلى مشرقها أقل ما يمكن أن يطلق عليها من وصف هو العبث والجنون، مما أدى ويؤدي إلى إضعاف مسيرة الأمة وإيقاف تطورها والإساءة لسمعتها ودينها والتشكيك بقيمها العظيمة التي راكمتها خلال التاريخ الطويل.

وفرض قيم جديدة أقلها استسهال القتل وسفك الدماء وإطلاق الفتاوى ممن لا يعرفون من الفقه والدين شيئاً، وتفتيت المجتمعات العربية والإسلامية وتحويلها إلى شيع وطوائف وتيارات متناقضة متحاربة لا يجمعها جامع ولا تتفق على شيء، ويهيئ المناخ للفوضى والضعف واستقدام الغزاة والطامعين، وهدر قدرات الأمة وثروتها وطاقاتها وإعادتها إلى عصور الانحطاط بل إلى ما هو أشد من عصور الانحطاط.

وذلك كله تحت شعارات حماية الدين وصونه والجهاد في سبيله وإرضاء وجه الله، في الوقت الذي تؤدي هذه الممارسات إلى تشويه الدين الحنيف والاستخفاف بتعاليمه وإغضاب الله وملائكته ورسله، والسير بالمجتمعات العربية والإسلامية إلى التهلكة، ومن يعرف؟ فقد يكون جرها إلى سلوك سبيل الانقراض والتلاشي.

لقد استسهلت تنظيمات عديدة توجيه السلاح بلا هدي للآخرين، وفرحت بالحصول على السلاح وإتقان التدريب على استخدامه وتفخيخ السيارات وتفجير العبوات الناسفة والمتفجرات الأخرى، ولم تستفد من التقنية والمخترعات سوى بهذا الجانب، فأخذت تستعمله كما يستعمل الأطفال لعبهم دون مسؤولية أو تفكير أو تعقل أو امتلاك رؤى سياسية أو أخلاقية، فصار الهدف هو التفجير وإطلاق النار كيفما كان.

ونشأت طبقة من المفتين الجهلاء الذين لا يعرفون من الدين شيئاً ويعتمدون على بضع آيات يحفظونها بعد تجريدها من سياقها التاريخي وجهل أسباب نزولها ومقاصد الشريعة منها، حتى ان بعض هؤلاء المفتين لم ينه دراسته الابتدائية ومازال يخطئ في الإملاء، ومع ذلك ينصب نفسه قائداً ومفكراً ومحللاً ومحرماً مما كان الأنبياء والرسل لا يدّعونه ولا يمارسونه إلا بوحي من الله تعالى.

لقد عمت ظاهرة هؤلاء الإرهابيين مشرق البلاد العربية والإسلامية ومغربها، ولمّت تنظيماتهم العاطلين عن العمل والجهلة والمهووسين وأنصاف المؤمنين الذين أعطوا لأنفسهم حق المحاكمة وتنفيذ الحكم بيقين قل مثيله، وببرودة أعصاب نادرة، وبإيمان لا يتزعزع بقدسية ما يعملون، ويعتقدون أنهم بذلك يخدمون الإسلام مع أنهم يعطون للسياسة الأميركية والإسرائيلية المبررات التي تبحث عنها لغزو بلادنا وتشويه قيمنا وديننا.

لم تسلم المملكة المغربية والجزائر وتونس ومصر وسوريا والعراق ولبنان والسعودية والأردن وباكستان وأفغانستان واندونيسيا ولا حتى بنغلاديش ولا غيرها من الممارسات الإرهابية لهؤلاء، فعم التفجير والقتل دون تمييز بين المستهدفين وسالت الدماء، وكان أبناء الأمة الأبرياء والبسطاء هم الضحايا في الغالب الأعم، وتم تصنيف هذه الحركات كلها على أنها إسلامية.

وتبنت أسماء إسلامية من جند الشام إلى فتح الإسلام إلى الجيش الإسلامي إلى عصبة الأنصار ومنظمة أنصار الله وتنظيمات القاعدة على مختلف تنوعاتها وأسمائها وكل بما لديهم فرحون، ويعتقد كل منهم أنه يجاهد مع أن مفهوم الجهاد ومعاييره في الإسلام مبنيان على فلسفة شاملة متماسكة واسعة وغنية مازال الفقهاء يتحاورون حولها منذ نزول الوحي، فجاء هؤلاء وأعطوا مفاهيم جديدة للجهاد غير مبنية لا على الدين ولا على الشريعة والفقه ولا على فلسفة الإسلام، واكتفوا بأن سموا أنفسهم بمسميات إسلامية ليبرروا ارتكاب أكبر الجرائم معتقدين أنهم يجاهدون في سبيل الله والدين والشريعة.

كان من المفروض أن يؤدي عصر النهضة والتحديث والحداثة والتقدم العلمي والتقاني وثورة التقانية والديمقراطية إلى تجديد الخطاب الإسلامي والعودة به إلى أصوله ونقائه ومقاصده، لكن الذي حصل هو السير بعكس التيار، فبدلاً من إزالة الشوائب عن أكداس اجتهاد الفقهاء وتنقية خطابهم منها حصل العكس تماماً فازدادت الشوائب واستسهل كثيرون تفسير الدين ورسم ملامح جديدة للشريعة ورفض التطوير والاعتماد في حالات كثيرة على الأحاديث الضعيفة حتى لو خالفت أحكام القرآن.

وأخذ النصوص دون الاعتماد لا على مقاصدها ولا على مصالح الناس، فصار لكل فريق اجتهاده وسياسته وإيديولوجيته ووسيلته لتطبيق هذه الأيديولوجية، وساد المطلق والإطلاق وأعطت هذه المنظمات لنفسها الحق بتكفير الآخرين مسلمين وغير مسلمين، دون الاهتمام بمدى الضرر الذي يلحق بالإسلام جراء ذلك، والمآسي التي تصيب المجتمعات العربية والإسلامية منه.

فأي هدف إسلامي يمكن أن يكون قد حققه تنظيم (فتح الإسلام) مثلاً من مهاجمة الجيش اللبناني وإشعال حرب محلية قتل فيها مدنيون وعسكريون وهُجّر عشرات الآلاف من مخيم نهر البارد في لبنان، وأي مكسب يمكن أن تحققه منظمة (جند الشام) من استهانتها بالجيش اللبناني وتفجير حرب معه قد تؤدي إذا استؤنفت إلى قتل مئات وتهجير عشرات الآلاف من مخيم عين الحلوة، وأية فائدة حققتها عصبة الأنصار من قتل أربعة قضاة في صيدا، وأي نصر حققته التنظيمات الإرهابية في المغرب من تفجيرها مقهى في الدار البيضاء، أو مثيلتها في الجزائر من تفجيرها مقرات حكومية أو اجتماعية وكذا الأمر في أكثر من بلد عربي وإسلامي.

عندما يضعف الجسم تكثر أمراضه وتفاجئه الظروف كل يوم بمرض جديد، ويبدو أن ضعف أمتنا ومرضها أتاحا لمثل هذه التنظيمات مناخاً ملائماً لتقوم وتعيش وتملأ الدنيا صخباً وضجيجاً خاصة وأن تأسيس منظمة من مثل هذه المنظمات غدا أسهل من شرب الماء فما أكثر الممولين والمزودين بالسلاح في داخل البلاد وخارجها. وهكذا فالخاسر الأكبر هو الدين الإسلامي الحنيف والعرب والمسلمين دون أن تحقق هذه التنظيمات الإرهابية ربحاً مهما كان صغيراً.

لقد قدم هؤلاء تلقائياً لأعداء الأمة العربية وأعداء الإسلام سواء اعترفوا أم أنكروا المبررات التي يرغبها هؤلاء الأعداء لاستمرار عدوانهم واستفزازهم وتشويههم للدين والقيم، وألحقوا الضرر ليس فقط بالبلدان العربية والإسلامية وإنما أيضاً بأفراد الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وأميركا سواء كانوا عرباً أم مسلمين، وأصبح من السهل على المعادين والموتورين أن يستخدموا عشرات الأمثلة من تصرفات هؤلاء لإثبات ما يقولون وتبرير ما يفعلون، ومع ذلك تستمر التنظيمات الإرهابية في غيها وفي اعتقادها الفاسد في أن ممارساتها مبررة شرعاً ولا نعرف في الواقع أي شرع بررها. أما آن الوقت كي تقف الأمة بمثقفيها وأحزابها ورجال دينها ومنظمات المجتمع المدني فيها بوجه هؤلاء لتضع حدوداً لانحرافاتهم؟.

العرب والمسلمون في أمريكا و"مرارة" 11 سبتمبر(4) ‏

كيف غيرت هجمات سبتمبر العالم؟

بعد 9/11 توجهت الأنظار أكثر إلى المسلمين داخل أمريكا

على مشارف العاصمة واشنطن دي سي وفي منطقة فولز تشيرش بولاية فيرجينيا، يقع مركز ‏دار الهجرة الإسلامي، تختلف نوعية المصلين هنا عن الذين يتجهون للصلاة في المسجد ‏المركزي بالعاصمة واشنطن. ‏

يتدفق على المسجد عشرات المسلمين من أصول شتى ولا يشعرون أن عليهم مهمة تقديم خطاب ‏سياسي متودد أو مهادن إلى الإعلام أو الحكومة في الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من ‏سبتمبر ، بل أن محاولاتنا لحضور الصلاة كادت تبوء بالفشل لولا تدخل إمام المسجد الشيخ ‏شاكر السيد، الذي تساءل: لماذا هذا التركيز الإعلامي على المسلمين وأماكن عبادتهم في هذا ‏الوقت بالذات؟ ‏

قد يكون السؤال مبررا، فتعداد المسلمين في المنطقة المحيطة بالعاصمة قفز إلى حوالي ربع ‏مليون نسمة في الآونة الأخيرة بينهم المسلمون الأفارقة ومعتنقو الإسلام، حسب ‏إحصاءات أعدتها جامعة نيويورك. ‏

كما أصبح الإسلام والمسلمون حديث الساعة في الإعلام وعلى ألسنة الساسة في الولايات ‏المتحدة، ضمن حملة التعبئة في الحرب على الإرهاب. ‏

ولا تخلو الموضوعات التي تتناول العرب والمسلمين من تنميط يجعل كل عربي أو مسلم يشعر ‏وكأنه في بؤرة الضوء. وإذا كانت جهود الأجهزة الأمريكية لمكافخة الإرهاب مسلطة قبل 9-11 ‏على الخارج فإنها باتت تركز بعد ذلك التاريخ على الداخل أيضا، فعرفت الحياة الأمريكية قوائم ‏الترقب في المطارات وبرامج التنصت الداخلي ومراقبة الحسابات المصرفية. ‏

ولا تقتصر الصورة النمطية التي يعاني منها العرب والمسلمون على تيار النشطاء الذي لا يخفي ‏توجهه، لكنها تشمل أشخاصا عاديين، يشعرون بها في أماكن ومرافق عامة، عندما يعرفون من ‏وجوهم أو هوياتهم. ‏

هذه الظاهرة تهدد إلى دفع العرب والمسلمين هنا إلى العزلة، فحين تتوجه إلى المقاهي العربية أو ‏التي يؤمها عرب في منطقة سكاي لاين او في منطقة البنتاجون، ستجد العرب أنفسهم يتحدثون ‏عن الوطن لكنهم عندما يقولون ذلك لا يقصدون أمريكا، وأحيانا يقطع الصمت الكلام ليتساءل ‏البعض "هل ما نقوله مجرم في القانون؟ من يعلم".

‏ محمد مسعود، مصري أمريكي يعيش هنا منذ اثنين وعشرين عاما، لم يتعرض لتجربة شخصية ‏مريرة بعد الحادي عشر من سبتمبر كما يقول، لكن ما يؤرقه هو الصورة المسبقة عن أمثاله في ‏الإعلام وفي الشارع الأمريكي. ‏

يقول مسعود " هناك مراقبة كبيرة في الشارع الأمريكي، فالحساسية أصبحت عالية جدا، ‏شكلك ملفت ومنذر في الشارع إذا كان معك صحيفة عربية أو إذا أردت الوقوف في رحلة جوية ‏لإراحة قدميك أثناء سفر طويل، الأمريكان شعب عظيم جدا لو أتيح لهم الفرصة لمعرفة ‏الحقيقة، لكن الجناح المتطرف في الحكومة يقدم للناس الصورة التي يريدها".‏

الصورة النمطية التي يعاني منها المسلمون دفعتهم الى العزلة

‏"لو اسمك محمد أو أي إسم ليه علاقة بالإسلام، الناس بتبصلك، مش هتلاقي شغل مريح، ‏ومش هيقولولك إننا مش عايزينك علشان اسمك، سيعطونك سببا، باختصار في أماكن كثيرة ‏بتحس إنك منبوذ في بلد المهاجرين من كل أهل الأرض". ‏ ‏ ‏

بعض من التقيناهم أقروا أنهم توقفوا عن التبرعات التي كانوا يقدمونها لجمعيات خيرية ذات ‏طبيعة إسلامية بسبب ما يترتب عن ذلك من متاعب غير متوقعة ، أما الشكوى الكبرى التي ‏ناقشتها منظمات معروفة مثل اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز ومجلس العلاقات ‏الإسلامية الأمريكية "كير" ، فتتعلق بقوائم الممنوعين من السفر والذين وضعت أسماءهم ‏على قوائم الترقب، فهؤلاء وكثير منهم عرب ومسلمون يخضعون لإجراءات تفتيش وتدقيق ‏خاصة.‏

‏ وفي الآونة الأخيرة أجبر شاب عربي أمريكي على خلع قميص يحمل كتابة عربية أثناء سفره ‏في رحلة داخلية لأن بعض المسافرين شكوا في هيئته. ‏

بعض الخير

جيمس زغبي أحد أبرز وجوه المجتمع العربي في أمريكا ورئيس المعهد العربي الأمريكي، ‏تعرض شخصيا لمحاولات اعتداء بعد هجمات سبتمبر، حين سألته عن التجاوزات التي تقع من ‏أجهزة تطبيق القانون ضد بعض العرب قال " إن أجهزة تطبيق القانون تسعى دائما للتجاوزات ‏وللحصول على صلاحيات إضافية لكي تعمل بسهولة، لكن البعض لا يدرك أن لدينا فصل بين ‏السلطات المختلفة هنا في أمريكا، وفي نهاية المطاف نرى الكونجرس والشعب والمحاكم ‏تتصدى لهذه التجاوزات، كما حدث مع قانون الحماية الوطنية الذي أقر وبعد ذلك أوقف العمل ‏به".

‏ ‏"لقد توقعنا تجاوزات من أجهزة الأمن لكن هناك قوى أخرى في البلاد تتصدى لذلك ونعود إلى ‏خط الأعداء". ‏

وقد تعرض زغبي نفسه لمحاولات اعتداء بعد 11 سبتمبر، لكنه يقول " لقد خلق الحادي عشر ‏من سبتبمر مخاوف جديدة لكنه خلق فرصا جديدة للعرب الأمريكيين، العرب الأمريكيون ‏يصوتون الآن بشكل أكبر، ويتبنون قضايا ويدافعون عنها بشكل أكبر، حتى في ظل الخوف نحن ‏نفعل أكثر ونكسب مزيدا من الاحترام ومزيدا من المؤيدين، لقد تغلبنا على الخوف وتجاوزناه". ‏

قد يكون كلام زغبي محل نقاش في الأوساط العربية والإسلامية هنا، لكن ما يشدد العرب ‏والمسلمون الأمريكيون عليه هو ما يعتبرونه حقيقة مؤكدة مفادها أن أيا منهم لم يتورط في ‏هجمات سبتمبر أو يتحمل مسؤولية مباشرة عنها، وأنهم لذلك لا يجب أن يدفعوا ثمن خطأ لم ‏يرتكبوه. لكن خمس سنوات لا تبدو كافية لتجاوز ما حدث. ‏ ‏ ‏

عرب-أمريكيون يتحدثون عن أثار 11 سبتمبر(5)

كيف غيرت هجمات سبتمبر العالم؟  

سيظل 11 سبتمبر يوما نتذكره لوقت طويل، لم يكن مجرد المأساة التي رأيناها بل المأساة التي عشناها لعدة أيام، يقع مكتبي قرب البيت الأبيض وقد شاهدت الرعب في أنحاء المدينة وفي أنحاء نيويورك أيضا، ولأن واشنطن ونيويورك تمثلان الكثير بالنسبة للشعب الأمريكي فقد كانت الهجمات جرحا شعر به الأمريكيون جميعا.

أتذكر كلمات سمعتها من الناس في العالم العربي ودول أخرى، وأعتقد أنهم كانوا يقولونها بشكل غير لائق، كانوا يقولون للأمريكيين: الآن تعرفون كم هو مؤلم أن يقتل لكم أحد. اعتقد أن الأمريكيين عرفوا فعلا معنى ان يقع الإرهاب ضد شعبهم وعلى أراضيهم ويشعروا بالخسارة. وقد أحسست بتلك الفجوة التي تفصل في التراحم.

فالأمريكيون لم يشعروا بالألم الذي عاشته شعوب أخرى عندما وقعت عليها هجمات أو عندما قتل المدنيون فيها ضحايا للصراعات. وفي المقابل لا أعتقد أن سكان العالم العربي أدركوا كيف كانت مشاعر الأمريكيين عندما هوجموا في ذلك اليوم.

إن آلام 11 سبتمبر كان يمكن أن تقربنا كعالم وتجعلنا نعمل معا بإصرار لكي ننهي ذلك الكابوس، لكنها للأسف أثمرت نتائج معاكسة وجعلت العالم أكثر تشرذما.

شخصيا، وبعدما أدركت ما حدث في ذلك اليوم، كانت حياتي عرضة للتهديدات أكثر من مرة وقد اعتقل ثلاثة أشخاص على خلفية تلك التهديدات وتبحث السلطات عن شخص رابع.

أعتقد أن العرب الأمريكيين بدأوا يشعرون بعد أحداث سبتمبر بالخوف ولكنهم شعروا أيضا بالحماية. مواطنونا الأمريكيون خرجوا لحمايتنا، كما تقدمت قوى تطبيق القانون، التي ارتكبت في الوقت نفسه بعض التحرش ضدنا، لحمايتنا ووضعت أشخاصا في المعتقلات لأنهم هددونا واعتدوا علينا. كما دافعت عنا هوليوود والكونجرس.

إن درس 11 سبتمبر يمكن في ضرورة احترام بعضنا البعض وحماية بعضنا والدفاع عن بعضنا، وهذ درس يجب أن نعيه.

لكن هناك الكثير مما يزال يعمق الهوة بين العالم العربي وأمريكا، مثل الحرب والحديث المتواصل عنها، ومثل إنكار البعض في العالم العربي بأن الهجمات لم تحدث أطلاقا.

كنت تحت الرقابة منذ قدمت بغرض جمع المعلومات والمخابرات فقط / محمد حبشي، صاحب كشك.

اسمي محمد حبشي، أعيش في أمريكا منذ 12 عاما، كانت مأساة كبيرة وبعدها حصلت تغييرات كبيرة للمسلمين الذين يعيشون هنا، بعد 11 سبتمبر كل شيء تغير، المسلمون يعانون من نظرة الإرهاب إليهم ولكن عمر الإسلام ما كان إرهابا. تأثير ما حدث واضح على كل شيء خاصة في السفر.. "السكيوريتي دلوقتي جامد جدا". وأنا عائد من مصر قبل سبعة شهور، لمجرد إن إسمي محمد بعد الوصول، تابعني رجال الأمن في المطار وأعادوا تفتيش كل شيء.

"البيزنس تغير كتير، مش سهل إنك تلاقي شغل ، والهوملاند سيكوريتي بيفتش في كل شيء"

لا يزال لدي "أصحاب أمريكان محستش إن حد منهم اتغير أو بيكلمني بطريقة مختلفة، طبعا اسمك ويعرفوا إنك منين تجعل الحصول على عمل مش سهل، لكن أنا اسمي محمد وعمري ما ها غير اسمي وأنا باحب الاسم لأنه اسم الرسول.

انعكاسات 11 سبتمبر على العرب والمسلمين كانت خطيرة جدا

محمد مسعود، متعهد توريد مواد غذائية

أعيش في أمريكا وفي منطقة واشنطن حوالي 21 سنة، أحداث سبتمبر تمس جزء كبير من حياتي الشخصية كمصري وعربي ومسلم. "أول ما جيت هنا كان حلمي أعيش في البلد دي وأربي أولادي وأعلمهم هنا، لأن أمريكا هي حلم كل المهاجرين من أهل الأرض، ورغم انحيازها لإسرائيل، فكانت الصدر الرحب للذين يعانون اقتصاديا من كل أهل الأرض".

انعكاسات 11 سبتمبر على العرب والمسلمين كانت خطيرة جدا من النواحي المادية والمعنوية والمالية علينا كعرب ومسلمين, بعد 11 سبتمبر "فيه بروفايلنج كتير وحساسيات كبيرة لصورتنا كعرب، تلاحظ ذلك في الشارع وفي المطاعم وفي الطائرات، اذا حملت جريدة عربية فشكلك ملفت ومنذر" .

"الأمريكان شعب عظيم جدا لو أتيحت له الفرصة لمعرفة الواقع والحقيقة، لكن الميديا تلعب دور كبير جدا في الشوشرة وتضييع الحقيقة، فيه سيطرة على عقول الناس والوقائع تقال من جانب واحد يفيد الغرب ويفيد الإسرائيليين".

"اسم محمد ده كان زمان عادي جدا، لكن دلوقتي الاسم بقى حساس، يعني صعب تلاقي شغل، مش هيقولوا مش هانشغلك ولكن هيلاقوا طريقة أخرى لمنعك من العمل في مدرسة أو أي وظيفة حساسة".

"معظم صداقاتي مع ناس من جنسيات مختلفة، ويهمني أشرح لهم الحقيقة التي لا يعرفونها، ولكن ليس هناك حرية أو انطلاق في التعبير، الناس مبتروحش الجوامع زي زمان ومش بتتبرع للجمعيات الخيرية لأن البنوك بتعمل رصد، في المطارات لازم يكون تدقيق فيه إضافي على العرب ووقت إضافي لفحصهم، بتحس إنك منبوذ وغير مرغوب فيك، لكن قبل 11 سبتمبر مكنش فيه فرق كنت تحس إنك جزء من المجتمع".

الصورة السائدة حاليا "إننا مجموعة متطفلين بناكل عيشهم ونأخد أرزاقهم وناخد زوجاتهم وإضافة لذلك بنخرب بيوتهم وندمر مبانيهم، وده مش صورة حقيقية لأنه مفيش دليل إن عربي أو مسلم ليه علاقة بكل ما حصل".

التهديد الإرهابي بين التهويل وسوء الفهم(6)

  يعتقد خبراء سويسريون في مجال مكافحة الإرهاب أن بلادهم ليست في مأمن من هجمات ضد مصالح أجنبية. كما يـُشتبه بقوة في وجود خلايا إرهابية فوق تراب الكنفدرالية.

لكن يبدو أن الهجمات التي تم إحباطها مؤخرا في كل من لندن وألمانيا ليست لها صلات مباشرة بسويسرا، حسب أجهزة المخابرات الفدرالية.  

بعد إحباط مؤامرة إرهابية يوم 10 أغسطس الماضي استهدفت طائرات متوجهة إلى الولايات المتحدة، ضاعفت السلطات البريطانية الاعتقالات الجماعية المرتبطة بتلك المشاريع الهجومية.

ومازالت تتقفى أثر مئات البريطانيين المشتبهين بتخطيط أو تمويل أو تشجيع هجمات أخرى، حسب تصريحات أدلى لها مؤخرا لإذاعة "بي بي سي"، بيتر كلارك، رئيس الخلية المناهضة للإرهاب في شرطة لندن.

لكن لحد الآن، لا يمكن تأكيد الحجم الحقيقي لهذا المشروع الإرهابي، مثلما شدد على ذلك الخبير السويسري في مجال الإرهاب جاك بو.

ودون استبعاد استخدام هذه القضية من قبل لندن وواشنطن – وهي فرضية تدعمها بعض وسائل الإعلام، في سويسرا أيضا – نوه الخبير بو إلى الشكوك التي يُـُسمح بإثارتها حول المعلومات التي أوردتها باكستان، والتي كانت وراء فضح مؤامرة لندن.

الصلة غير مباشرة.. لكن التهديد قائم

نفس الحذر يسود في "خدمة التحليل والأمن الوقائي" (SAP) في جهاز المخابرات الداخلية التابع لوزارة العدل والشرطة السويسرية (فيما يـُعنى جهاز المخابرات الإستراتيجي السويسري (SRS) التابع لوزارة الدفاع، بالقضايا الدولية).

وقد أكد يورغ بولـير، نائب رئيس "خدمة التحليل والأمن الوقائي": "نحن على اتصال مع زملائنا في بريطانيا وألمانيا أيضا – حيث تم مؤخرا إحباط هجمة إرهابية ضد قطارات – لكنه من المبكر جدا رسم صورة دقيقة للأحداث".

وأضاف السيد بولير: "لحد الآن، لم يتم الكشف عن أية صلة مباشرة بسويسرا في هذه القضايا، ومازالت سويسرا بلدا لا يعد هدفا أساسيا للإرهابيين".

لكن التهديد الإرهابي يواصل تصاعده حسب هذا المسؤول، بسبب الاستقلالية المتنامية للخلايا الإرهابية. وقال في هذا السياق: "إن تنظيم القاعدة يحدد الإطار الشامل وتتحرك الخلايا على المستوى المحلي، دون انتظار تعليمات دقيقة من إدارة القاعدة".

سويسرا .. قاعدة عملياتية؟

من جهته، يؤكد الخبير جاك بو أن إنجاز هجمات مثل تلك التي تم إحباطها في لندن أو في ألمانيا لا تتطلب إمكانيات كبيرة، أو إمدادات لوجستية متطورة جدا. لذلك تفرض اليقظة نفسها في سويسرا أيضا.

ويحذر هانس هوفمان، رئيس مفوضية لجان التصرف في البرلمان الفدرالي التي تراقب جهاز المخابرات السويسري، من أن "سويسرا ليست مهددة مباشرة، لكن المنظمات الدولية، والشركات أو مكاتب التمثيل الأمريكي والبريطاني أو الإسرائيلي يمكن أن تتعرض للهجوم".

من ناحيته، أوضح كورت فاسرفالن، رئيس لجنة التصرف في مجلس النواب، وهي هيئة مراقبة أخرى في البرلمان الفدرالي، أنه من المحتمل جدا أن تكون سويسرا تستخدم كقاعدة عملياتية لبعض المجموعات الإرهابية. وأضاف في هذا الصدد: "يجب محاربة هذا الوضع، لكن ذلك يزيد من خطر تنفيذ هجمات في سويسرا".

ولئن كان يعتقد أنه لا يجب تهويل دور "القاعدة الخلفية" الذي قد تمثله سويسرا بالنسبة للمجموعات الإرهابية، فإن السيد يورغ بولير يؤكد على "ضرورة تعزيز الكشف المُبكر للنشاطات الإرهابية في سويسرا".

وهذا هو الهدف الذي تنشده وزارة العدل والشرطة السويسرية، التي تريد تشديد القانون حول الحفاظ على الأمن الداخلي. ويمنح هذا المشروع -الذي لازال في طور الاستشارة- لأجهزة المخابرات إمكانيات تحقيق موسعة.

سوء فهم..

من جهة أخرى، يذكر السيد بولير بأن الجاليات المسلمة في سويسرا مختلفة جدا عن نظيراتها المقيمة في بريطانيا، بما أنها تنحدر أساسا من تركيا ودول البلقان، وليس من العالم العربي أو باكستان، حيث ينحدر المشتبهون الذين اعتُقـلوا في بريطانيا وألمانيا.

تبقى معرفة ما إذا كانت مكافحة الإرهاب، التي تنفذ في سويسرا وفي باقي دول العالم، ستسمح بالقضاء على تنظيم القاعدة الهُلامي وتفريعاته.

جاك بو يعتقد العكس تماما إذ يقول: "إن الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها تشجع ظهور النزعات الإرهابية. ثم إن الأجهزة المشاركة في هذه الحرب لا تفهم الطبيعة والآلية الحقيقيتين لهذا الإرهاب الجهادي".

ويضيف "ليس الفاقة، ولا الوعود بحوريات الجنة هي التي تـحمس المرشحين للهجمات الانتحارية، بل الشعور بأن الإسلام مُهان ومهاجَمٌ من قبل الغربيين. وهذا تصور تعزز منذ حرب الخليج الأولى مع وصول الوحدات الأمريكية إلى المنطقة".

الإجراءات المضادة للإرهاب في سويسرا:

طرحت الحكومة السويسرية للاستشارة في يونيو الماضي إصلاح القانون حول الحفاظ على الأمن الداخلي الذي يرخص، بشكل خاص، التنصت على المكالمات الهاتفية، وعمليات المراقبة في أماكن خاصة، أو عمليات التفتيش السرية للأنظمة المعلوماتية.

منذ يوليو 2004، أصبح تسجيل أسماء كافة مستخدمي الهواتف المحمولة التي تعمل ببطاقات مدفوعة الأجر، أمرا إجباريا. وتـلزم شركات تشغيل الهواتف النقالة بالاحتفاظ بأثر المكالمات لمدة سنتين.

في مارس 2005، أبرمت سويسرا اتفاقا مع الولايات المتحدة (ومع كندا في عام 2006) لتزويدهما بـقائمة 34 من معطيات المسافرين الجويين (الإسم ورقم جواز السفر، وبطاقة الاعتماد أو معطيات تتعلق بتذكرة السفر). أما المعطيات "الحساسة" مثل التوجهات السياسية أو الدينية، فلا يتم تسليمها.

صادقت سويسرا في عام 2003 على معاهدات الأمم المتحدة حول ردع تمويل الإرهاب والهجمات الإرهابية بالمتفجرات.

شاركت الحكومة السويسرية في العقوبات التي أقرتها الأمم المتحدة ضد تنظيم القاعدة ونظام طالبان السابق في أفغانستان. في المجموع، يخضع 335 فردا و119 منظمة لعقوبات مالية، ويمنعون من دخول أو عبور سويسرا.

الإرهاب خادم والمخدوم يغذّي خادمه(7)

1 ـ قبل بضعة أشهر عرض عدد من القنوات التلفزيونية العالمية فيلماً عن أحداث 11 أيلول 2001 يظهر فيه الرئيس الأميركي جورج بوش زائراً لإحدى المدارس، يجلس في أحد صفوفها مراقباً سير التعليم. يدخل أحد مرافقيه ويهمس في أذنه خبر الهجوم على برج التجارة العالمي في نيويورك، فلا تظهر على وجه بوش أي ملامح انفعال أو مفاجأة، وكأن هذه اللقطة تريد أن توحي بأن بوش كان على علم مسبق بهذا الهجوم.

2 ـ وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في شهادتها أمام الكونغرس في التحقيق في أحداث 11 أيلول: "تلقى الرئيس الأميركي قبل شهر من 11 أيلول مذكرة استخباراتية تصف أهداف أسامة بن لادن ومصلحته في شن هجوم على الولايات المتحدة يتضمن اختطاف طائرات واستخدامها في الهجوم". لكنها أضافت أن "المذكرة كانت تفتقر الى تحديد موعد وقوع هذا الهجوم ومكانه وكيفيته، وأنا لم أتخيّل على الاطلاق ارتطام طائرات بمبانٍ". (عرض بطيء Slow Motion لهذا الهجوم في أحد الأفلام أظهر انفجار هذه "الطائرات" قبل لحظة من ارتطامها بجدران برج التجارة العالمي وليس بعد ارتطامها، واستبعد إمكان اختراق طائرات مدنية لهذه الجدران السميكة والمسلحة بالحديد ثم خروج الطائرات من الجدران الأخرى، وخلص الى استنتاج أنها ليست طائرات إنما صواريخ مصنوعة على شكل طائرات. وإذا صح هذا الاستنتاج تنقلب مفاهيم كثيرة لأحداث 11 أيلول).

3 ـ قبل سنتين من هجوم 11 أيلول تلقى ضباط اتصال لدى السفارة الأميركية في لندن تحذيراً من جهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي (M.A.G) بأن إرهابيين يحضّرون لمهاجمة مبانٍ في المدن الأميركية بطائرات مدنية. وفي أوائل آب 2001 (قبل نحو شهر من 11 أيلول) تسلمت السلطات الأميركية تقريراً يحذر من احتمال استخدام مسؤولي "القاعدة" معاهد لتعليم الطيران لتدريب عدد من عناصرها على خطف طائرات واستخدامها في عمليات إرهابية، وكان عنوان التقرير "بن لادن يعتزم توجيه ضربة داخل أميركا".

4 ـ دول أخرى حذرت كذلك الولايات المتحدة من إمكان توجيه ضربة داخل أراضيها، وأرسلت إليها معلومات عن خلية من مئتي إرهابي تحضر لعملية كبيرة، وتضمنت قائمة الأسماء أربعة ممن وردت أسماؤهم فعلاً في القائمة الأميركية لمنفذي هجوم 11 أيلول، إلا أنه لم يتم القبض على أي منهم قبل الهجوم.

5 ـ بين الهجوم الأول على برج التجارة العالمي في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة صباحاً وتحطم الطائرة الأخيرة المهاجمة في بنسلفانيا في العاشرة وست دقائق، ساعة و46 دقيقة لم يتم خلالها إرسال أي طائرة استقصاء مقاتلة رغم الأنظمة الأميركية الحازمة والدقيقة في حالات كهذه.

6 ـ عُزل الضابط الأميركي ستيف بتلر من منصبه ومن الخدمة العسكرية بسبب اتهامه بوش بأنه "عرف بالهجمات الوشيكة على أميركا لكنه لم يفعل شيئاً لتحذير الشعب لأنه كان يحتاج الى هذه الكارثة واستثمارها".

7 ـ من كتاب "محافظون بلا ضمير" لجون دين مستشار الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون نقرأ: "عندما وصل المحافظون الجدد الى السلطة كانت أفكارهم معدة سلفاً وبالتفصيل ولا تحتاج إلا الى تنفيذ، لكنهم اكتشفوا فور دخولهم البيت الأبيض عدم إمكان فرض أفكارهم الشيطانية وتنفيذها بسهولة وفي الأحوال العادية للشعب الأميركي، فراحوا يبحثون عن "ذريعة" ويتحينون الفرصة لتنفيذ مخططاتهم، وكانت هذه الفرصة هي هجمات 11 أيلول 2001. فقد مهّدت هذه الهجمات للمحافظين الجدد إحداث "انقلاب كبير" أدى الى "عسكرة" أميركا والعولمة كلها، ونقل العولمة من الجوانب الاقتصادية الى الجوانب الأمنية والعسكرية من أجل السيطرة الاستبدادية الكاملة على مصائر أميركا والعالم".

8 ـ قال المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي ريتشارد كلارك: "تجاهلت الإدارة الأميركية التهديد الذي كان يمثله تنظيم القاعدة قبيل هجمات 11 أيلول على الرغم من علمها بهذا التهديد. وكنت أنا ومدير الاستخبارات جورج تينيت نشعر بالأسى لأن الادارة الجديدة لم تكن تعالج تهديدات القاعدة بالجدية اللازمة".

9 ـ قبل أسابيع، وبمناسبة اقتراب الذكرى الخامسة لهجمات 11 أيلول، اجتمع في لوس أنجيليس 1200 مفكر ومؤرخ وباحث ومحلل استراتيجي أميركي للبحث في قضية 11 أيلول، وانتهوا الى خلاصة مفادها: "ان هناك مؤامرة متكاملة وراء أحداث 11 أيلول، فبعض المسؤولين في الإدارة الأميركية من الاستخبارات الإسرائيلية كانوا على علم مسبق ومفصل بمخطط الهجوم، لكنهم تغاضوا عن ذلك عمداً بعدما عرفوا أن تنفيذ هذا المخطط يأتيهم بمكاسب وانتصارات ويتيح لهم أوسع الفرص للقيام بغزوات خارجية(...) وكانت استفادتهم هائلة".

10 ـ يورد الكاتب الفرنسي تيري ميسان في كتابه "11 أيلول: الخديعة المرعبة" وقائع ووثائق وشهادات وبراهين، ليستخلص في النهاية أن "الرواية الأميركية الرسمية عن أحداث 11 أيلول ما هي إلا عبارة عن "مونتاج" سينمائي لا أكثر ولا أقل".

11 ـ أفلام عديدة تناولت أحداث 11 أيلول من منطلق مغاير للروايات الرسمية. قد يكون فيلم "خيانة" للمخرج كوستا غافراس أشهر هذه الأفلام، وفيه تلميحات واضحة الى أن تلك الأحداث وقعت بتدبير من قوى داخلية أميركية.

نستخلص الكثير مما سبق. فإذا وضعنا جانباً حقيقة أن الإرهاب ازداد ولم ينقص، وبات يشمل كل العالم تقريباً منذ بدء ما سمي بـ"الحرب" عليه (لسبب بسيط وهو أن القضاء على الإرهاب لا يمكن أن يتم إلا بمعالجة أسبابه)، فإن أهم ما نستخلصه هو أن هذا الإرهاب حاجة لـ"أعدائه": فإذا كان موجوداً يجب التغاضي عنه، وإن لم يكن موجوداً يجب خلقه كي يكون الذريعة لتنفيذ المخططات... فهل من عاقل يتوخى، في هذه الحال، أن يقضي المستفيد من الإرهاب على الإرهاب، ويسحب من بين يديه ذريعته؟!

الإرهاب، إذاً، هو خدمة يتطلبها السيد. والسيد يغذّي خادمه كي يستمر في خدمته... أما المتمرد على الخدمة فسيسمى كذلك "إرهابياً"، عله يتحوّل الى خادم أيضاً.

الإرهاب.. المسكوت عنه(8)

لدينا قوانين تعتقل وتسجن، بل وتعدم من يقومون بأعمال إرهابية. وهناك إرهاب مسكوت عنه بل ربما مستحبٌّ ويجد له جمهوراً كبيراً في الشارع والفضائيات العربية ومنابر المساجد والصحافة، وهو الإرهاب اللفظي والفكري وحفلات الشتيمة والتخوين والعمالة. حوار السياسيين اللبنانيين استُخْدِمَتْ فيه كل أسلحة الدمار الشامل، فهذا عميل أميركي صهيوني والآخر عميل سوري، وهذا متهمٌ بالمشاركة في اغتيال هذا الزعيم، والآخر متهمٌ بقتل زعيم آخر.

في العراق، يتبادلُ زعماء الطوائف لغة سوقية تكفيرية تخرج الناس من الملة وتلقي بالتهم بتدمير وحرق المنازل ودور العبادة جزافا ودون دليل على صحة هذه الاتهامات وتدفع هذه الطروحات المتطرفة الى الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.

في مصر، تنافسَ نوابُ الحزب الحاكم مع نواب الإخوان المسلمين في حفلة سباب من نوع خاص ضد وزير الثقافة فاروق حسني واتهم بالخروج عن الإسلام والشذوذ والتغريب وتنفيذ مخططات الأعداء وغيرها، وهي لغة خشنة متوحشة بغضِّ النظر عن الشخص والقضية المختلف عليها.

في البرلمان الكويتي، سباب بين نائبين امتلأ بالطرح القبلي ومحاولة التقليل من قيمة النواب المنتخبين وهيبتهم، وكلام يدين من يقوله في الشارع فكيف يقال في قاعة برلمان محترم!

هناك من يُهوِّن ويخفف من خطورة الإرهاب الفكري واللفظي، وينسى أن التحريض والتخوين والتكفير هو المقدمة للإرهاب الجسدي والمادي والتصفيات والاغتيالات. فما الذي يمنع شاباً متطرفاً دينياً من قتل شخص يقول عنه زعماء دينيون بأنه كافر وخارج عن الملة، وما الذي يمنع شابا متطرفا قومياً من قتل شخص يقول عنه زعماء القوميين إنه خائن للأمة وينفذ مخططاً أميركياً صهيونيا.

لقد انتبهت المجتمعات الديمقراطية لخطورة الإرهاب اللفظي، فوضعت القوانين الصارمة التي تجعل الرئيس الأميركي يعتذر للأمة لأنه قال نكتة عن الايرلنديين تشتم منها رائحة العنصرية. واضطر رئيس وزراء إيطاليا للاعتذار لأنه أهان المسلمين. وتم تشريع قوانين ضد العنصرية في كل المجتمعات الديمقراطية تجرِّم من يمارس الإرهاب الطائفي أو التخويني أو التكفيري، بينما تُمَارَسُ كل أنواع الإرهاب اللفظي لدينا وتستخدم لغة السباب والشتيمة بدون أن يجد الشتامون واللعانون والتكفيريون والتخوينيون من يوقفهم عند حدِّهم ويحمي الناس من شرورهم!

الكلمة الطائشة كالرصاصة تخدش وتؤذي الإنسان وتجرح كرامته وكرامة أسرته، ولكنها أصبحت ممارسة يومية في الصحافة والتلفزيون والبرلمان والمنابر يتقبلها الناس بل ويهللون لها ويفرحون وكأن الأمة تمارس حفلة مصارعة حرة جماعية!

قديما قال أحد الفلاسفة الألمان «كلما ضعفت حجة خصومي زادت شتائمهم»، وهذه هي الحقيقة مع الأسف!.

تفكيك الخطاب الإرهابي على الشاشات(9) 

لو كان هؤلاء يملكون نصف ذاك الخيال

خلق الحادي عشر من سبتمبر بجلل بثه المباشر عبر مئات المحطات التلفزيونية في لحظة حدوثه، علامة فارقة في تعاطي العالم مع الحركة الإسلامية فقد نقلها حدثها الكوكبي الأول إلى مصاف نجوم الهواء، ليس فقط عبر تبوّء بن لادن ورفاقه مقدمة النشرات في كل شاشات العالم، بل بقدرة هذا الحدث على خلق شبكة جديدة من علاقة الجمهور التقليدي بما أعتبر لسنوات طويلة حديثاً يخص الجهات الأمنية وبعض الهمس المستتر بأخبار فلان الذي تم إعتقاله لأنه متدين. هكذا على الأقل كان تعاطي المصريين مع ما يخص متابعة أخبار الحركات الإسلامية. نتحدث هنا عن المواطن الذي ربما يسمع نبأ إعتقال أحد أقاربه في يوم ولا يعرف عنه شيئا لفترة قبل أن يقرأ قرار اتهامه في إحدي صفحات الحوادث. أخرج حدث 11 سبتمبر تلك الأيديولوجيا إلى حيز الخبر العاجل وتقارير المراسلين من عواصم بعيدة، وولّد إلى جوار ذلك كله حاجة ملحة لمنظرين مأموني العواقب يدبجون ساعات من البث بالتفحص والقراءة لكل ما تنتجه ميديا الحركات الإسلامية من منتجات كالبيانات والشرائط المصورة لعملياتها أو رسائلها المسجلة تلفزيونياً بغرض تعليقها على الأحداث. الحاجة باتت ملحة لخبير استراتيجي لتحليل تلك الخطابات الإعلامية. هكذا خلق السوق الإعلامي الناشئ وجوها جديدة تلعب دور مفككي الخطابات، التي وإن بدا معظمها مباشراً وفجاً في عدم إحتوائه على أبعاد تتجاوز كلماتها المجوفة والصاخبة القادمة من عصور قديمة، أصبحت تلك المنتجات مجال تمحيص وفحص وتدقيق ربما يصل في معظم أحواله إلى المبالغة في التأويل. المدهش بالفعل أن سيطرة الفوبيا الإسلامية والتي تبدو مبررة إن كان منتجها بعيداً وغريباً كما حال أميركا التي صحت ذات يوم على قادمين عبر المحيط لتحطيم أسطورتها، لكن الحركات الإسلامية، في ما يخص فضاءنا العربي، ليست وليدة اليوم أو يوم الحادي عشر من سبتمبر القريب البعيد. فمصر التي تشهد نضال تلك الفصائل منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً ـ تحديداً منذ حادثة الفنية العسكرية 1976 ـ لم تشهد ذلك البروز المدوي لمتخصصي شؤون الحركة الإسلامية. حتى مع صعود المواجهة الإسلامية المسلحة مع النظام مطلع التسعينيات تم التعامل مع تلك الشؤون من منطق أمني. فمتحدث وزارة الداخلية المصرية بقي ببياناته الموجزة صلة الناس الوحيدة بالحرب الدائرة في شوارع الصعيد، وبقي التلفزيون المصري مخلصا لذلك الأداء حتى مع شيوع حالة المحلل لشؤون الحركة اللإسلامية حيث يقتصد في ضيوفه على شخصية اللواء فؤاد علام الذي أصبح خبيرا في شؤون الحركة الإسلامية من موقعه الوظيفي كأحد قيادات أمن الدولة السابقين، والذي تطور تعذيبه لقيادات تلك الجماعات لمستوى تحليل خطابهم فجأة!! كان من الطبيعي ومع طول الخبرة المصرية مع الحركة الإسلامية أن يتبوأ المصريون تلك المواقع المتقدمة في تفكيك الخطاب الإسلامي وإن تلونت تلك المواقع مع تلون المواقف الإيديولوجية لأصحابها، وهي في نماذجنا الثلاث القادمة تلونات لاتخص الموقع الشخصي وإنما هي نتاج تفاعلات طويلة مع هذا الخطاب من مواقع تخص تاريخ الحركة الإسلامية في جدلها مع تيارات سياسية بعينها.

منتصر الزيات.. المتعاطف الوسيط

لاتستطيع فصل مشهد الحرب التي جرت أوائل التسعينيات بين النظام المصري والحركات الإسلامية دون أن تضع في مقدمة مشهده محامي الجماعة الإسلامية منتصر الزيات. فالمحامي الأشهر والمتحدث بالصوت العدلي بإسم المتهمين في معظم القضايا الشهيرة منذ أوائل التسعينيات عُرف كعضو متوسط في "جماعة الجهاد" التي نفذت إغتيال السادات وإن بقي إبن خلية أسوان بعيداً عن الضربات الموجعة التي طالت التنظيم بعد نجاح محاولة الأغتيال. فكان ممن حكم عليهم بأحكام مخففة ـ عام ونصف ـ واندمج في ما تلا ذلك في دور المدافع عن قيادات فصيلي الحركة (الجهاد والجماعة الإسلامية)، بالإضافة لنشاطه البارز في نقابة المحامين التي شهدت بحراكه إدخال النقابة المعروفة بميلها القومي في عصرها الإسلامي الأول. تحرك الزيات كثيرا كواجهة إعلامية وصوت للجماعات الراديكالية وإن أبقى على مساحة من العلاقة مع الجهات الأمنية، ويتحدث البعض عن دور هام له في سلسلة المراجعات الفكرية التي بدأتها الجماعتان، إختار الزيات بحكم أدائه الوظيفي البالغ الصيت في قاعات المحاكم العسكرية أن يكون على الحاجز دائما بين النظام والجماعة، خاصاً مع ما عرف عنه من عداء شديد لجماعة الأخوان المسلمين. هو ضيف دائم في صحف أقصى يمين النظام ويتخذ من خبرته وحكاياته عن علاقته بقيادات الجماعات الراديكالية مادة لبث رسائل مشفرة تجاه أكثر من جهة. كما نشر كتبا عن علاقته بأيمن الظواهري وقيادات الجماعة الأخرى. فهو ضيف دائم لتحليل رسائل أيمن الظواهري على شاشة الجزيرة، يدرك أبعاد الخلافات بين قيادات الجماعات في الداخل والخارج وخطابه يحمل دائما روحا إنتصارياً لكافة الحركات الإسلامية على الرغم من تبنيه أفكار وقف العنف. يمكن أن تستمع إليه واصفاً الزرقاوي بالشهيد، ولا ينتمي إلى محللي الخطاب الكلاسكيين من إقترابه من الوعي الحركي لتلك الجماعات بشكل حالي. يعتمد على تلك العلاقة التاريخية بهذه الكوادر في تحليله المتعاطف لأنشطتها، وهو يمثل بموقفه الوسيط أمنية النظام المصري لمستقبل المتعاونين من قيادات الجماعات خلف القضبان إذا ما قدر لهم الإندماج الهادئ في الحسابات السياسية الرسمية.

د. عبد الرحيم علي العداء من منطق فلسفة البطريرك الأب

عرف عبد الرحيم علي كصحافي مختص بشؤون الجماعات الإسلامية بجريدة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع اليساري، والتي تبنى بطريركها الأكبر د. رفعت السعيد موقف العداء لقوى الإسلام السياسي التقليدي ممثلة بجماعة الأخوان المسلمين. ورث التلميذ الذكي من بطريركه العداء المميت لتلك الجماعات في شكلها الأكثر رادكالية. توقف مشروع البطريرك عند حدود حسن البنا، فيما إستطاع التلميذ، وبحجم العلاقات القوية بين بطريركه وأجهزة أمن الدولة، من التعامل مع بنك معلومات ضخم، قدم أول إسهاماته بكتاب عن خطابات المراجعات الفكرية لقيادات الجماعة في السجون وهو الكتاب الذي شكك عديد من المراقبين في وثوقية معلوماته. عبد الرحيم على صحافي منتصف التسعينيات ومفكك الخطاب الاسلامي على الطريقة الماركسية التقليدية، إقتحم عالم المنظمات الأهلية بمركز محل إسم "الإسلام والديموقراطية" كواجهة بحثية لأعماله التي دشنها بحصوله على الدكتوراة في سرعة مدهشة. وعلى عادة التطور الطبيعي للجيل الثالث من تلامذة التجمع ترجم على علاقاته الأمنية الجيدة بالإلتحاق كمستشار لقناة العربية الفضائية لشؤون الحركات الإسلامية، بما يعتبر تحوّلاً خطيراً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. يكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة الشرق الأوسط، ويتسع دوره لكل ما يحمل صفة إسلامي حتى لو تناول خطاب حزب الله. التشنج في التحذير من دموية الحركات الإسلامية بكافة أشكالها هو أهم مميزات خطابه. يبدو ملكياً أكثر من الملكيين في عدائه لتلك الحركات وإن تفوق على معلمه في عدم تمويه ذلك بأي غطاء إيديولوجي. فهو يكره اليسار مقدار كراهيته للحركة الإسلامية، ويبدو منتوج خطابه النهائي لصالح مفاهيم أصبحت غامضة مثل الأمن القومي والدور الإقليمي لمصر. هو الفزاعة الثائرية والمشكك الأعظم في إمكانية وقف تلك الحركات لقتالها الدائم مع الحكومات العربية. لايخلو تحليله الفزاعي من الحديث عن مصلحة الأنظمة، دون الخوض الشائك في علاقة الظاهرة الإسلامية بإيدولوجية أنظمة دينية بات الحارس الإستراتيجي في معركتها مع متمرديها. يطل عبد الرحيم علي على شاشة العربية وبمقال أسبوعي بجريدة الشرق الأوسط ويصدر حاليا موسوعة عن الحركات الإسلامية في نحو عشرين مجلداً تصدر عن إحدى دور النشر المصرية، لكنه لايتجاوز في تحليلاته لتلك الحركة مستواها الإقليمي وإن كان أكثر المستفيدين بهوس التفكيك التلفزيوني لخطاب الإسلاميين بعد الحادي عشر من سبتمبر.

د. ضياء رشوان.. محلل تكتيكي على النمط الغربي

هو أقرب النماذج الثلاثة من صفة الباحث الأكاديمي. حاصل على الدراسات العليا من باريس عام 1981. بدأ بالإنتماء إلى مدرسة مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية وهي المدرسة التي كثيرا ما أرتبط أداؤها البحثي بنمط أقرب لمراكز صناعة القرار البحثية الشهيرة بأميركا، وإن ظل المركز مستودعا للعقول أكثر منه موقعا للنصح أو الإرشاد فيما يخص القرار السياسي المصري، والذي يستمد قراره من الإرادة السياسية لشخص الرئيس فقط. إنضم الباحث الشهير للمركز ولم يرتبط بأي شكل في بدايات عمله بالحركات الإسلامية. وفيما يبدو أن قرار التحول لدراسة الحركة الإسلامية كان قراراً فرديا في مشواره البحثي، حيث ينتمي الباحث إلى جيل السبعينيات اليساري الذي كان أكثر المتضررين من الصعود الإسلامي على رافعة السادات منتصف السبعينيات. يرتبط تحليله بأدبيات ومنتجات المرحلة الثالثة من الحركة الإسلامية في طورها الدولي، منذ الهجرة الكبرى إلى أفغانستان. هو متميز في تحليل الخطاب والبيانات الصادرة عن الحركة الإسلامية وهو صاحب نظريات الربط الشهيرة بين التنظيمات الأقليمية ومثيلتها في جنوب شرق آسيا. راصد جيد لنشاط تلك الحركة على مستواها الكوكبي وإن بدت تحليلاته في النهاية تتسع في ذلك الربط وكأنه ميكانيزم ثابت ومضطرد، بمعنى أن السياقات التي تجمع تلك الحركات وإن بدت مشتملة على نقاط تشابه فإن ما يفرق بينها هو الآخر كثير. هناك فارق مؤكد بين حركة إسلامية مسلحة ذات تاريخ صدامي كما في الفيلبين قائمة على أساس إنفصالي، وبين شبكات القاعدة في أوروبا، وإن كان يحسب لضياء رشوان عمق تحليله للتحولات التكتيكية في عمل تنظيم القاعدة. رشوان الأقرب للصيغة الأكاديمية الموضوعية يضعك دائماً ـ وهو ما يميز خطابه ـ أمام قائمة من المعطيات والنتائج، بمعنى قربه من نسبية لا إطلاقية في تحليله لصراع الحركات المسلحة. ورغم ما يبدو على تحليله من موضوعية فيما يخص التمددات الدولية لتلك الحركة، إلا أنه، فيما يخص آدائها داخل مصر، يبدو بين سطور مقاله الإسبوعي بجريدة "المصري اليوم" أقرب إلى الإعتراف بضرورة إدماج حركات الإسلام السياسي بكل تلوناتها في داخل المشهد الساسي المصري. فعلى الرغم من قدرته داخليا على تحليل التباينات بين تلك التلونات إلا أنه كان من أكثر الأصوات التي طالبت بدمج الأخوان في معركة الإنتخابات. كما أنه الوحيد من بين النماذج الثلاثة الذي يشتبك يوميا مع الحراك السياسي حيث كان أحد الأعضاء المؤسسين للجبهة الوطنية للتغيير وهو لايخفي معارضته للنظام المصري وخاصة فيما يخص موقفه من الحركة الإسلامية ومسؤولية ذلك النظام عن خلق المناخ المنتج لها .ولا يرتكن ضياء رشوان على شاشة بعينها بل تجده حاضرا في معظم القنوات (الجزيرة ـ العربية) وهوغير متورط في أبلسة أو أنسنة الحركة الإسلامية، وإن ظل أداؤه في أحيان مشوباً بالتأويل المفرط في تعظيم فاعلية تلك التنظيمات وقدرتها على الحشد والتنظيم.

الصور الثلاث السابقة لملامح خطاب التفاعل مع الحركة الإسلامية تلفزيونياً، بما أنها كانت في مجملها نتاجاً لعولمة الصورة التي حركتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سقطت كذلك جميعها في فخ إنطاق تلك البيانات والصور والتسجيلات ربما بأكثر مما تحتمل. فبعد إنقشاع ضباب الصدمة تأكد الجميع أن التعظيم المبالغ فيه لقدرات تلك الحركات لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع فراغ مضمونها من أي قيمة مضافة. ماهي الرسائل المشفرة لخطاب الوعيد والتهديد الذي تحمله تلك المنتجات في ما عدا لهجتها التهديدية وقيمتها الديموغائية في كسب التعاطف من المشاهدين؟ مجرد مشاهدين باتت تلك القيادات بالنسبة لهم صورة مجازية لنقاء لايستطيع أحد التورط فيه، نقاء يساوي بين جسده المتفجر وضحيته القادمة والعشوائية. الأزمة في كل هذا التأويل أنه يحاول ملء فراغ نص لايحوي أكثر من قيمته التعبوية العامة، خطاب لايبحث فيما يتجاوز قيمته السطحية عن مؤولون ربما لوكان ينطبق عليه ربع ما يدعونه عنه لكان قد حول العالم إلى مجتمع جاهلي كبير. فحتى مع أكثر صوره موضوعية في التأويل ـ نموزج ضياء رشوان ـ تبدو مجهولية ما يحدث هناك في تورا بورا وعشوائيته غير قابلة للقولبة التأويلية. وعلى ما يبدو أن "القاعدة" وتنظيمات الحركة الإسلامية في كل أنحاء العالم قد تبادلت المنفعة بحق مع من يدعون تفكيك خطابها، فالسجال مع مدعي الخيال الخصب ربما يفيد من تفتقد روحه الى الخيال.

تكنولوجيا الإرهاب في"الإرهابي20"(10)

من المفيد جداً أن يتصدى الأدب ـ وخاصة الرواية لما يمتاز به بناؤها من سعة وقدرة على استيعاب الكثير من الأفكار ـ لتفاصيل الواقع وقضاياه، وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب في العالم العربي، وظاهرة الجماعات الإسلامية التي اختطفت الدين الحنيف، وجعلت منه ظلماً وبهتاناً مطية لشعارات سياسية، وخطابات إيديولوجية، بعيدة كل البعد عن روح الدين ورسالته في الأخلاق، والسلوك الإنساني الرفيع والقويم.

وتناوُل الرواية العربية لظاهرة الإرهاب، وخاصة الرواية السعودية منها والتي بدأت تحتل مكانة أدبية رفيعة في خارطة الرواية العربية، وضع الإرهاب كظاهرة على منصة التشريح الأدبي، وهو خير تشريح يمكن أن يخرج بنتائج إيجابية وصحيحة لأية ظاهرة من ظواهر المجتمع. فالرواية العربية في مصر على سبيل المثال هي التي استطاعت تشريح الظاهرة السياسية الديكتاتورية في عهد عبد الناصر، أفضل بكثير مما شرّحتها وحللتها معظم الكتابات السياسية والتاريخية التي صدرت في ذلك العهد، وبعد ذلك العهد.

وما زلنا نتذكر حتى الآن الأثر الكبير الذي تركته رواية "الكرنك"، و"الشحاذ"، و"السمان والخريف"، و"ثرثرة فوق النيل"، لنجيب محفوظ، و"العسكري الأسود"، و"قصة حب"، و"قاع المدينة" ليوسف إدريس، وكافة روايات إميل حبيبي وغسان كنفاني، وإبراهيم نصر الله ومؤنس الرزاز، وغالب هلسا، وعبد الرحمن منيف، والطاهر وطار، وإلياس خوري، وغيرهم. مما دعا مستشرقاً فرنسياً شهيراً كجاك بيرك ليقول: "إن أفضل ما يُقرأ عن صدق ونزاهة تاريخ العرب الحديث، هو الرواية العربية."

إن موقع الرواية السعودية، في تصوري، سيكون على هذا النحو من الأهمية. فكلنا مدعوون بمن فينا السياسيون من صُنّاع القرار إلى قراءة الرواية العربية السياسية، لكي نعرف الوجه الآخر للقراءات السياسية للوقائع اليومية. فقراءة التحليل السياسي اليومي للوقائع غير كافية، وغير مفيدة تماماً بالمطلق، لأن هذه التحاليل تخضع لعدة عوامل أثناء كتابتها، تحول بينها وبين بلوغ درجة عالية من الصدقية، واقترابها من نور الحقيقة. في حين أن الرواية تتم كتابتها بعد اختمار الحدث في أرض الواقع، وفي وجدان الناس، وتخلص الحدث من العواطف والانفعالات، ودخوله عارياً من الإيديولوجيات، وخالياً من أية تأثيرات خارجية إلى رحاب التاريخ. وهذا ما قرأناه في روايات تركي الحمد، وغازي القصيبي وآخرين، على المستوى السعودي المحلي.

رواية الروائي السعودي عبد الله ثابت "الإرهابي 20"، من الروايات العربية السعودية السياسية المهمة. والتي ستكون مهمة أكثر مستقبلاً. فكلما بعُدت المسافة بين الوقائع الحياتية والرؤية الروائية ازدادت الرواية السياسية أهمية. ولعل أهمية هذه الرواية تكمن في صدقها وواقعية تجربة كاتبها، من حيث إن الكاتب هو من أهل الجنوب، ومن منطقة عسير، وكتب - على ما يبدو - عن تجربته الطلابية الحية الخاصة في هذه المنطقة. ولكنه لم ينقل الواقع نقلاً فوتوجرافياً، بعين الكاميرا، وإلا أصبح ما كتبه تحقيقاً صحافياً، وإنما صوّره تصويراً روائياً فنياً، فيه الكثير من الواقعية السحرية، رغم ما ينقصه من بعض الأدوات الفنية، التي سنتحدث عنها لاحقاً.

سوف أترك تعليقي النقدي الأدبي المحض على هذه الرواية إلى النهاية. حيث إن مضمون هذه الرواية والجرأة التي تناولت فيها هذه الرواية موضوعها، وهو "أسرار تنشئة الإرهاب" يطغى على الجوانب الفنية في هذه الرواية. سوف أتحدث الآن عن أهمية المضمون لهذه الرواية.

فهذه الرواية هي أول رواية في المكتبة العربية - على حد علمي ومتابعتي المتواضعة لإصدارات الرواية العربية - تصف واقعياً وعملياً، كيف تصير تهيئة الإرهابي لكي يكون إرهابيا. الخيال التقليدي المستهجَن في هذه الرواية قليل جداً. ورغم ذلك، فهذه الرواية فيها الكثير من الواقعية السحرية التي تحدث عنها جارسيا ماركيز، وكتب بنهجها معظم رواياته العالمية، وفاز بها بجائزة نوبل. وعبد الله ثابت، وضع إصبعه بقوة وشجاعة في هذه الرواية على الجرح الحقيقي الغائر، وعلى المنبع المتدفق للإرهاب، ليس في المملكة العربية السعودية فقط ولكن في العالم العربي والإسلامي ككل. فرغم الطوفان الهائل من الدراسات، والأبحاث، والمحاضرات، والأوراق العلمية والتاريخية والاجتماعية، التي تحدثت عن دور المدرسة، ودور التعليم في تنشئة براعم شبابية، تكون قابلة مستقبلاً لتنفيذ عمليات إرهابية، إلا أن معظمنا لم يقتنع بهذه الطروحات، أو لا يريد أن يقتنع بها.

ولكن هذه الرواية بواقعيتها السحرية، أقنعتنا، وتستطيع أن تُقنع كل من يقرأها، بأن قوى الأرض كلها لن تستطيع أن تقضي على الإرهاب، مهما أُوتيت من مال وسلاح وعلم وذكاء، ما لم يُصر إلى تجفيف منابع الإرهاب، بدءاً من المدرسة، التي لا شك بأنها مُختَرقة اختراقاً كبيراً، من قبل كثير من المدرسين المتشددين، الذين قال عن بعضهم تركي الحمد في لقاء تلفزيوني إنهم يُدرّسون مناهج دولة "طالبان" وتعاليمها، عندما ذهب إلى المدرسة التي يدرُس فيها أحد أبنائه، ليتحقق من أمر ما.

 إذن، مهما حاولنا إصلاح التعليم، وحذف ما يمكن حذفه، وإضافة ما يمكن إضافته في المناهج، فذلك عبث لا طائل من ورائه، وهو قبض ريح، ونفخ في قربة مثقوبة، وصراخ في وادٍ، لن يفيد كثيراً، فيما لو علمنا أن المعلم المُختَرق من قبل فكر بعض الجماعات الدينية، يضع الكتاب جانباً، ويضع المنهاج جانباً، ويُلقن الطلبة، ما هو مُناط به من قبل جماعته أن يُلقنهم. فهو حاكم الفصل المدرسي المطلق، وسيده. وله أن يقول فيه ما يشاء خطابُ الجماعة. ومن هنا نرى، أن مشكلتنا ليست - بالدرجة الأولى - كامنة في المنهاج القائم، والكتاب المدرسي، ولكن مشكلتنا الأساسية في المُعلّم، وكيفية تربية المُعلّم، ومقاييس اختياره. فقبل أن نُربي النشء، علينا بالالتفات والاهتمام الشديد بتربية وتأهيل المُعلّم، وهذا ما قامت به معظم الدول التي تقدمت وفازت، وحققت طموحاتها في التنمية والازدهار.فالمُعلّم، ثم المُعلّم، ثم المُعلّم.

التفاصيل التي تحدثت عنها رواية "الإرهابي 20"، لميكانيزم إعداد الإرهابي، تفاصيل مذهلة، ولكنها ليست كاذبة أو خيالية. علماً بأن الكذب في الأدب هو الصدق الفني، والخيال في الأدب هو الواقع الفني. ولكن هذه الرواية بسحرها الواقعي، جعلت من الواقع الفوتوغرافي، أدباً روائياً مقاوماً للفناء والنسيان.

رواية عبد الله ثابت "الإرهابي 20"، تحكي لنا تفاصيل كيفية تنشِئة وتربية الإرهابي القادم، المؤهل والمستعد للقيام بالمهمة الإرهابية القادمة، من الألف إلى الياء، ومن البداية إلى النهاية. وهذه التربية والتنشئة لا تتم على سطح القمر، أو في الربع الخالي، بعيداً عن أعين الرقباء، ولكنها تتم تحت ضوء الشمس، وفي رابعة النهار.

 إنها تتم داخلنا، في مدارسنا، في بيوتنا، في مخيماتنا الصيفية الطلابية، وفي داخل فصولنا الدراسية، ومن قبل أساتذتنا، وفي صفحات نصوصنا المدرسية. ونحن لا نستورد هذه "التكنولوجيا" المتقدمة في صناعة الإرهاب من الخارج، كما نستورد سياراتنا، وملابسنا، وطعامنا، وشرابنا، وعطورنا، ولكن عقولنا الغائبة والمغيّبة، وإهمالنا لما يجري في مدارسنا، وفي مخيماتنا الطلابية، تحت ستار التربية الدينية، وتحت قناع التنشئة الإصلاحية التقويمية، ومحاربة القيم والسلوكيات الدخيلة، هي التي تفتّقت عن اختراع هذه "التكنولوجيا" المتقدمة في صناعة الإرهابي، والتي وصفها عبد الله ثابت في هذه الرواية، وصفاً دقيقاً ومفصلاً، وكأنه كان يكتب يومياته أيام كان طالباً. فقبل هذا "التقدم التكنولوجي" المذهل في صناعة الإرهابي، الذي تم وصفه في هذه الرواية، واختراق هذه "التكنولوجيا" للمدارس والمدرسين، وللمناهج والمعارج، والمخيمات والنشاطات، كانت عسير، وكانت المملكة العربية السعودية، والعالم العربي والإسلامي، تنعم بالراحة والطمأنينة، وتُمنّي النفس بالتقدم والازدهار. وكانت منطقة عسير، رغم صعوبة العيش فيها في الماضي، وقسوة الحياة، مقبلة غير مدبرة على الحياة، تسعى إلى النور وتفر من الظلام. وكانت كما وصفها عبد الله ثابت في روايته: "مجتمعنا الجنوبي كان جميلاً، ميالاً للموسيقى، وحكايات الحب فيه التي لا تنتهي. لقد عاش الناس هنا حياة شفافة ورقيقة وفطرية، رغم بدائيتها. كان هذا قبل أن يأتي عرفٌ آخر، الذي حرّم كل شيء، وجعله عاراً".

ومن هنا يبدأ عبد الله ثابت. ومن هنا نبدأ معه قصة معرفة "تكنولوجيا" الإرهاب، ونقرأ دليل: "الهادي في صناعة الإرهابي".

لم ننته بعد من حديثنا عن هذه الرواية المهمة شكلاً ومضموناً، وسنواصل بتفصيل أكثر. ولكن تبقى رواية "الإرهابي 20"، بمثابة دليل "الهادي في صناعة الإرهابي". وهي وثيقة أدبية، جديرة بأن تُقرأ وتُدرّس في مدارسنا كنص أدبي تنويري، لو كنا مدركين لمدى خطورة ما يجري في مدارسنا ومخيماتنا الطلابية، وعالمين بعدد وحجم "الفنيين" العاملين في مصانع "تكنولوجيا" الإرهاب هذه، والذين يرتدون أقنعة المدرسين والموجهين التربويين.

أميركا... وإستراتيجية التغيير في مكافحة الإرهاب(11)

حينما ضربت الطائرات المدنية المختطفة رموز القوة والهيبة الأمريكية، هدمت معها ما استقر في الإستراتيجية الأمريكية من مفهوم ومعنى الأمن القومي الأميركي، فلم يعد هذا المفهوم يقتصر فقط على ملاقاة الإخطار التي تتهدد الوطن الأمريكي من الخارج

وتأتي من عدو معروف وظاهر ومحدد الهوية والملامح والإطار، بل أصبح هناك ما هو اخطر، عدو خفي غير محدد الملامح والقدرات ويستغل ما وصلت اليه الدولة المستهدفة بأفعاله الإرهابية من تقدم ووسائل مدنية حديثة ورفاهية في سبيل العيش ، يأخذ من كل ذلك ادوات مساعدة في تنفيذ أفعاله الإجرامية الإرهابية.

 كما حدث واستغل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر الطائرات المدنية العملاقة وما توفره الحياة الأمريكية من سبل مفتوحة للاتصال العادي او عبر الانترنت وإمكانية مفتوحة امام المواطن العادي للعمل والتنقل والالتقاء بمن يريد وفيما يريد ، والفرصة المتاحة لتعلم كل شيء ومنها فنون قيادة الطائرات العملاقة التي استغلها الإرهابيون بعد ذلك في عملياتهم الإرهابية ، لقد عبرعن تلك الحقيقة الرئيس الأمريكي بوش في خطاب له امام طلبة الأكاديمية العسكرية في وست بوينت في اذار عام 2002 م حيث قال بان علينا ان نغير من إستراتيجيتنا وأساليب مقاومتنا للإخطار الخارجية التي تهدد أمننا القومي ،فينبغي الا تقتصر فقط على مقاومة الأخطار التي تاتي من قبل دولة معادية بل بات من المتوقع ان تأتي تلك الأخطار من قبل تنظيم إرهابي يأخذ من الظلام ساتراً له وينتشر ويتغلغل بين المواطنين ويتسلح بأنواع حديثة من الأسلحة قادرة على أحداث نوع من الدمار الشامل ولما كنا نعيش عصر العولمة بتجلياتها وأثارها المعروفة ، وأهمها يسر وسهولة التأثير المتبادل وزيادة الاعتماد والتدخل بين الدول ، والذي من شانه ان ما يحدث في أحداها لابد وان تتأثر به الأخريات وتتفاعل معه ويتم فيما بينها تبادل معلومات وتعاون من نوع ما لتلافي أخطاره عند الضرورة ، ولما كان ما حدث من احداث رهيبة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 م قد أصاب القطب الأوحد على رأس النظام السياسي العالمي الحالي ، فقد كان ذلك مدعاة أكثر للتأثير المتبادل بهذا الحدث بين مختلف دول العالم ومحاولة ايجاد تنظيم للتعاون فيما بينها وبين الولايات لملاقاة إخطاره ومقاومة شروره ، لذلك فان دراسة تأثير هذا الحدث الرهيب على استراتيجيات العمل الأمني داخل الولايات المتحدة الأمريكية وما سببه لها من تغيير قد يفيد كثيراً في معرفة وفهم انعكاساته على البيئة الأمنية وأسلوب العمل الامني في بقية الدول المختلفة الان وفي المستقبل ايضاً، فقد أثبتت أحداث الحادي عشر من سبتمبر انه ليس هناك دولة بعيدة عن خطر الإرهاب، وهو ما حتم زيادة اهتمام الدول كلها للقضاء عليه وخلع شأفته ، فقد يكفي بعض الدول التي هي غير مستهدفة بصورة مباشرة لأخطاره ما أصابها من أضرار اقتصادية من  جراء ما الم بالعالم من أزمة اقتصادية طاحنة ذات تأثيرات متداعية ألمت بالاقتصاد الأمريكي وأثرت في كل الاقتصاديات العالمية الأخرى .

فبعد فترة من الزمن على أحداث 11 سبتمبر غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ، انصب تأثيرها العميق على احساس المواطن الأمريكي بانعدام الأمن داخل وطنه ، وردود الأفعال بدا بعضها عقلانياً ومتزنا والكثير منها انفعالي لان الحدث غير مسبوق ، وأصبح المواطن الأمريكي والإدارة الأميركية على حد سواء يعانيان من (فوبيا) الأمن الداخلي للولايات المتحدة وانعكست هذه الحالة على إجراءات الامن الداخلي فانشات وزارة للأمن لأول مرة في التاريخ ألأمريكي والتي يعتمد نظامها السياسي على عدد محدود من الوزارات وتم رصد مبلغ 45 مليار دولار للامن الداخلي والتقدم بمشروع قانون للكونغرس لزيادة ميزانية وزارة الأمن الداخلي الى 60 مليار دولار وهو ما يزيد كثيراً على الناتج القومي لكثير من  بلدان العالم الثالث، وانشاء هذه الوزارة وانضمامها لمنظومة الادارة الامريكية يعني بدء التدخل في حياة المواطن الامريكي بشكل سافر لم يتعود عليه وخاصة انه مواطن يمارس حريته بشكل كامل وقد شهدت الولايات المتحدة ايضاً تغييرات في التشريعات كان من شانها التقييد على حقوق الإنسان وحرية المواطن ،ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة أصبح هناك أمكانية للتنصت على المواطنين العاديين والقبض عليهم واعتقالهم مع أمكانية الأبعاد للمواطنين الأمريكيين من أصول عرقية مختلفة ، وأصبح هناك أمكانية التوقيف والتفتيش لأي مواطن ، وهذه الإجراءات دخيلة على الحياة الأميركية ولم يتعود المواطن عليها مما يشعره بالفعل بعدم الأمان من ناحية والضيق من تطبيقها من ناحية أخرى ، وقد نفذت أميركا بعض الإجراءات الخاصة بمنح تأشيرات الدخول لأراضيها ، مع ممارسة إجراءات التفتيش الداخلية والخارجية في المطارات تصل إلى حد التفتيش الذاتي، فالخوف ألامني وصل إلى حد الهلع، واصدرت قانونا يلزم المقيمين بها ويتبعون جنسيات شرق أوسطية معينة بحتمية تسجيل أسمائهم لدى إدارات الجنسية المقيمين بدائرتها ، كما تضاءل الفرق بين مفهوم وحدود الأخطار الخارجية والأخطار الداخلية التي يمكن ان تصيب الوطن ، وتضاءل تبعاً لذلك الفارق بين عمل وزارتي الداخلية والدفاع ، وكما أن خطر الإرهاب غير محدد الهوية او الاتجاه والبداية ،فان حربه أيضا غير معروفة النهاية ، فقد يتخفى أو يتوارى مؤقتاً أو لحين تستقر الأمور او تهدأ فيعود للنشاط والعمل مرة أخرى .

 لقد ادى كل ذلك الى بروز دور المؤسسات العسكرية والأمنية (البنتاكون، ووكالة المخابرات المركزية الأميركية والمباحث الفيدرالية) في مقابل تراجع دور وزارة الخارجية وأيضا دور الكونغرس وقد واكب ذلك تغييرات جذرية في القيم التقليدية الأميركية المتعلقة بالديمقراطية والحريات ، وصدور قانون المحاكمات العسكرية لمحاكمة المتهمين من غير الأميركيين والمشتبه في قيامهم بأعمال إرهابية ، والتفتيش المفاجئ لدور العبادة والمساكن والهيئات المدنية والاعتقال لفترات طويلة بدون ادلة ودون اتهامات رسمية او اذن قضائي او محاكمة لمشتبه بهم ، وكشف سرية الحسابات المصرفية واعداد لوائح اتهام ضد المتعاطفين والداعين لمنظمات تصنفها الولايات المتحدة على انها منظمات ارهابية ، كما اعيد تعريف وظيفة ومهام "F.B.I"  فلم يعد مختصاً بالتحقيقات الجنائية فقط بعد وقوع الجريمة بل مختصاً ايضاً بمكافحة الارهاب قبل وقوعه ، وعلى هذا الإطار منح عملاء"F.B.I" سلطات اعتقال وتفتيش وتنصت دون اذن قضائي او ادلة اشتباه ، وهذه التحولات الامنية تاتي داخل عملية تحولات هيكلية عميقة طالت طبيعة عمل ومفهوم أجهزة الأمن الداخلية الأميركية بصورة لم تحدث منذ نشاة الولايات المتحدة عام 1775 ،فهي تعلي من شان الأمن الجماعي او امن الوطن على حساب الامن والحريات الفردية ، وهو تحول مثير للتأمل في بلد الفردية فيه هي الاصل الفلسفي والسياسي والاقتصادي لبناء الدولة ، وبالرغم من حملات الانتقاد التي قامت بها منظمات أميركية ودولية لشجب تلك الإجراءات لمجافاتها الحقوق والحريات الفردية ، فان الإدارة واصلت سياساتها الأمنية دون تغيير ، وحتى عندما أصدرت محكمة أميركية حكماً يقضي بالكشف الفوري عن قوائم أسماء الأشخاص المعتقلين في السجون الأميركية على ذمة أحداث 11 سبتمبر ، تراجعت القاضية التي اصدرات هذا الحكم بعد ذلك بأيام اثر طلب من المدعي العام الأمريكي حذر فيه من أثره على الأمن القومي وإضراره بسير التحقيقات ، غير ان الأخطر من ذلك هو ان غلبة الجانب ألامني على جانب حقوق الإنسان والحريات الفردية امتد الى خارج الولايات المتحدة برعاية أميركية ، لقد ترتب على هذا الحادث الإرهابي منح وتكليف القوات المسلحة الأميركية بمهام أمنية داخل الحدود فلم تعد هذه المهمة مقصورة على قوات الشرطة وجهاز المدعي العام، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل امتد إلى حد تشكيل قيادة عسكرية عليا خاصة للأراضي الأميركية بقيادة جنرال من مستوى رئيس هيئة القيادة المركزية ، وصارمن حق القوات المسلحة التابعة لهذه القيادة  ممارسة صلاحيات الضبطية القضائية في بعض الأحيان ، أن الطائرات المخطوفة التي ضربت برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع لم تقض فقط على الشعور "بالمنعة" بل أيضا قضت على التقسيم القاطع للاختصاصات بين الشرطة والجيش . لقد بدأت أولى عمليات الخلط بين القوات المسلحة والشرطة في مهام مقاومة الإرهاب والقضاء عليه والقصاص من كوادره تظهر عام 1998 م، وذلك حين أمر الرئيس الأمريكي بل كلنتون طائراته وبوارجه بمهاجمة مصنع الأدوية بالسودان وقواعد طالبان في أفغانستان ، انتقاماً من تدمير سفارتي الولايات المتحدة ، الا ان تلك العمليات ظلت استثناء لا يمثل بدء تحول في الظاهرة ، وسابقة صعبة التكرار، وها هو ذلك قد صار قاعدة معمولاً بها بعد حادث سبتمبر ، بل لقد أدى مناخ ألازمة وما خلفته من توتر وإحساس عارم بالخوف الى بروز سيطرة المتشددين والاصوليين من رجال السياسة ومن منهم بالحكم على تشكيل مقادير السياسة ومعناها الواسع ، الأمر الذي انعكس على السياسيات الأميركية فيما بعد الحادث وبات يميل كثيراً صوب التشدد والمغالاة في البطش والانتقام وأساليب العمل العسكري والبوليسي المغالى فيها .

كما زادت النداءات المطالبة بتوسيع نطاق عمل قوات مكافحة الإرهاب للقيام بعمليات قد تكون مخالفة للدستور او القانون بمعناها المعروف وهي في سبيلها لمحاربة الإرهاب ، كإعمال القتل والاغتيالات والتصفيات الجسدية ، كذا اعمال الاعتقالات لاشخاص خارج الوطن وترحيلهم للداخل للمحاكمة بدون التنسيق مع الدولة صاحبة الشأن والتي كان يقيم على أراضيها، ومن ثم اعتقاله وترحيله او يحمل جنسيتها ، فكما ان كل خيارات العمل مفتوحة أمام الإرهابيين فقد أصبحت كل خيارات العمل مفتوحة ايضاً امام جهات المكافحة ، فزاد مثلاً اعتماد إدارات الأمن الأميركية على ما كان يعرف بالدليل السري والذي بمقتضاه يقبض على المشتبه فيه ويحجز لمدد مفتوحة ويقدم للمحاكمة ويصدر بحقه حكم دون ان يعرف عن أية تهمة يحاكم ودون ان يتمكن حتى من الاستعانة بمحام او يعرف له عنوان او طريق ،وقد اتخذ هذا الاجراء ضد مسلمي الشرق الاوسط على وجه الخصوص.

 كما تضاءلت مكانة ودور مبادئ كانت محترمة من قبل مثل الأخلاق الإنسانية واحترام الضعيف وحماية حقوق المدنيين والأسرى التي تقرها القوانين والأعراف الدولية ، وذلك امام اعتبارات اخرى في طريق محاربة الارهاب كالمصلحة القومية والوطنية والبرجماتية عند التعامل مع الإرهابيين ، كما زاد من اعتماد اجهزة المكافحة على أدوات وفنون التكنولوجيا الحديثة والتي لجأ أليها الإرهابيون من قبل كالاتصالات والمعلومات المخزنة بالحاسبات الآلية والانترنت. ونظراً لتجليات عصر العولمة ولخطورة وجسامة هذا الحادث الإرهابي الأخير ،فقد أصبحت مهمة مقاومة الارهاب مسؤولية تتعدى الدولة بمفردها وتتجاوز حتى اختصاصات الوزارات والجهات الامنية وحدها ، الى كونها مسؤولية الوزارات والإدارات المختلفة داخل الدولة الواحدة، كوزارة المالية والصحة مثلاً ، ومن ذلك ما كشفت عنه الإنباء مؤخراً من وجود خطة لوزارة مالية منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة اسيا والمحيط الهادي "ابيك" والذين اجتمعوا في منتجع لوس كابوس المكسيكي لإغلاق الأبواب أمام مصادر تمويل المتطرفين والعمل على تعقب القائمين على عمليات غسيل الأموال وتمويل الانشطة الإرهابية ، وقد ورد في بيان عن المؤتمر ان وزراء المالية المجتمعين قد جددوا تعهداتهم بمواصلة الحرب ضد الإرهاب مستخدمين جميع السبل المتاحة لتحقيق هذا الهدف ، لقد برز دور ملموس لرقابة المساعدات المالية الدولية وكيفية توظيفها داخل الدولة ، وايضاً استنفار أجهزة وإدارات الصحة جميعها في الولايات المتحدة عقب أحداث سبتمبر وانتشار إرسال فيروس الجمرة الخبيثة لجهات مختلفة ، فيما عرف بعد ذلك بالإرهاب البيولوجي ، لقد اثبت ذلك زيادة القيمة النسبية لخطر الإرهاب وعمليات مقاومته من قبل اجهزة الشرطة المختلفة وبقية اجهزة الدولة الاخرى بالمقارنة ببقية أخطار الأمن القومي والتي تتعرض لها البلاد حالياً او قد تتعرض لها مستقبلاً ،لذلك فقد كان من الطبيعي ان يحدث تعاون امني بين مختلف أجهزة الشرطة بدول العالم في سبيل مكافحة الإرهاب عن طريق تبادل المعلومات فيما بينها والتنسيق المشترك بخصوص عمليات المكافحة ، وهو ما كانت تطالب به بعض الدول العربية دوماً ولم يكن يجد استجابة آو أذانا صاغية من قبل . وقد نشر احد الباحثين بصحيفة الأهرام القاهرية مقالاً بعنوان (تداعيات حادث سبتمبر الإستراتيجية) بتاريخ 2002/2/30م، قبل تبلور فكر توحيد قيادة مقاومة الاخطار الجديدة للارهاب داخل الدولة الواحدة ، حاول فيه متابعة ودراسة تداعيات حادث 11 سبتمبر 2001 الارهابي والذي استهدف أرواح الآلاف من الأبرياء في حادث مأساوي فاقت أهواله التخيل وبأسلوب لم نعهده من قبل ، وحاول فيه أيضا إلقاء الضوء على التغييرات الإستراتيجية التي حدثت نتيجة له، وقد ذكر الباحث ان من تلك القلاع التي قوضت او تخلخلت .. الاسس والقواعد المستقرة التي بنينا عليها نظرياتنا الإستراتيجية عن نوعية الأخطار الجوهرية المحتملة او المتصور حدوثها والتي يمكن ان تهدد بقاء او استقلال او سيادة دولة ما او تمس سلامة أراضيها او مواطنيها وأمنهم وحريتهم ، فقد كان تبني تلك الاستراتجيات  من قبل على أساس ان تلك النوعية من الأخطار لا يمكن ان تأتي الا من قبل عدوان مسلح من دولة ان نظام معاد ويأخذ شكل الحرب العسكرية ، الا ان حادث 11 سبتمبر قد جاء عن غير نظام دولي بل من منظمة إرهابية ، وبأسلوب ينبئ بقابليته للتكرار بعد ذلك وفي أماكن متفرقة ، لذلك انتهى في هذا المقال الى التساؤل عما اذا كان قد تحتم ألان أن يتم النظر بجدية للإستراتيجية العسكرية والعقيدة القتالية التي كانت تعتنقها جيوش الدولة لمجابهة الأخطار المختلفة والمستحدثة والتي بات من المتوقع ان تتعرض لها كثيراً انظمتها ومصالحها ومواطنوها في هذه الأيام ، بحيث تتغير معها برامج تدريب قواتها العسكرية ، فالحرب التي تحدث بسببها سيكون ميدانها داخل مدن وشوارع الدولة ذاتها او إقليم الدولة التي ستتحدد لمحاربة الإرهاب وتصفيته – حيث ان تجربة حرب الإرهاب في العراق ذات ميادين القتال الصحراوية المفتوحة والمناسبة لعمل الطائرات الحربية والصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية ، هذه التجربة من المتوقع الا تتكرر كثيراً – فاثأر وتبعات حروب مقاومة الإرهاب عليها قد تصيب مواطني الدولة  ذاتهم بالاضرار المباشرة او غير المباشرة من جراء التعامل العسكري الفعلي مع الإرهابيين ، فهذه النوعية من القتال تختلف بالطبع عن النوعية التي كان يتم تدريب الجيوش عليها من قبل والتي كانت تقوم على فرضية حدوثها في ميادين القتال التقليدية المفتوحة ، وعلى ضوء ذلك فان القاء عبء مقاومة هذه الاعمال الارهابية المستحدثة على جهاز الامن الداخلي وحده هو امر مرهق جدأ لهذا الجهاز فضلاً عن انه غير معد اصلا وبحكم الطبيعة للتعامل مع اخطار بمثل هذا الحجم  والنوعية ، لذلك فقد لزم ان يكون هناك تصور جديد يتفق مع تلك المعطيات المستجدة للتصدي لمثل تلك الأخطار، وذلك من خلال منظومة للتعامل الفعلي مع الإرهابيين تتعاون وتتضافر فيها جهود كل قوى الأمن الداخلي والخارجي تحت قيادة مناسبة مدركة وواعية ومدربة على قيادة قوات مدنية نظامية وعسكرية مشتركة ذات نوعيات وتسليح وخطط في التعامل وتبعيات رئاسية مختلفة أيضا ، كقوات الشرطة والجيش، وتكون مؤهلة للتعامل مع عدو خفي يتستر وراء مدنيين من مواطني الدولة ذاتها، ويستهدفهم أنفسهم بكل ما يتاح له من أسلحة تقليدية او غير تقليدية ، وتدرك أيضا حدود استخدام السلاح لديها والمدى الذي يمكن او يسمح لهذا الصراع بان يصل أليه. 

بين التكفير الإرهابي وديموقراطية القتل(12)

أبوكاليبتية دموية تتحكم بالمشهد العالميّ. ربما أطلق إجرام 9/11 مسلسل جنازات إنسانية جماعية. ربما. المأزومية التصادمية استهلت فكرياً. هنتنغتون وفوكوياما شرّعا التقاتل. أمين معلوف استدرك المأزومية في تٌحفته "الهُويات القاتلة". محمد خاتمي ردّ حضارياً قبل أن تُنهيه أطروحة السلام النوويّ. كل هوية نحرٌ فانتحار إذا ما انسكبت في إناء الاستئثار بالحقيقة النتِن. النتانة تقوم في أن تسلُبَ الآخر حقه بالانوجاد آخرا. لكأنك، إن انْتَننْتَ، تنفي عن الكون، والخليقة، والموجودات، سِماتِهم التعددية. تُقحمهم في مجهول الأحادية المدعية صوابية خيارات. ولا نقاش. حينها يُصبِحُ التحاور الطوعيُّ تجاوراً قسرياً. يستحيل غيرك، على ما ذهب إليه سارتر، جحيماً.

المأزِقُ العميق الهوة في ما نعايشُه اليوم، ربما يمكن اختصارُه في أننا مدعوون الى الاختيار بين رؤية تكفيرية تتوسل الإرهاب نهجاً مبرراً، وديموقراطية ماجنة تصر على صلف إجراميّ بحجة تنوير الظلاميين عبر القضاء على طروحاتهم الرجعية. خياران جُهنميان. هل من عاقل يُمكن أن يقبلَ التموضُع في أيّ من هاتين البربريتين؟

بربرياتٌ إيديولوجية متدينة تفرضُ إيقاعاً تناحُرياً مُستداماً على عالم القرن الحادي والعشرين. تستفيدُ من بعضها لتكرّس مشروعيتها الاستقطابية. تعالوا نستقصي تمايزات بين "رسولية" جورج بوش الإلهية، و"إمامية" بن لادن الخِلافية، وتلموديّة الصهاينة المتعاقبين الغوييمية (من غوييم)، ونارية أحمدي نجاد الصادقة الماحِقة للإمبريالية. لا إمكان للإقرار أقلّهُ في التوصيف بتمايزات ما. المعادلة بسيطة جداً. كل من هؤلاء استوطن عرش الله. صادره. إستملك سلطة الثواب والعقاب. فُسطاطُهُ هو الخير. فُسطاط من لا يُحالفه شرّ. "أنت معي أو ضدّي؟" يسألك كل من هؤلاء انتهاراً. إياك والتمرد. إياك والمُمانعة. ما عاد في كون اليوم جزرة. للعصا المُلكُ وتوازُنات الرعب والمفاعلات النووية. مهزلةٌ مبكية هذا الاقتتاتُ بالجثُث.

إستعادة مدمرة هي ترجيعات صدى الكتب الإلهية، وسير الرسل، والأنبياء، والأئمة بالأسلوب المنتهج من قبل ارباب تجار الدماء ومُرابي المصالح. ترى هؤلاء يستندون، وفي قرارات مشوّهة، الى أنظومات إيمانهم العقدية، ليبرروا حروبهم الاستباقية واستثماراتهم في أوراق إقليمية ودولية، حتى ولو اقتضى الأمر شرعنة التدمير المنهجيً وإحلال عشق الاستشهاد بديلا عن تحسين نوعية الحياة. ليس بالترف البيولوجيّ تحسين نوعية الحياة بل امتداداته تطالُ الثقافة، والشأن العام، والتواصل المجتمعيّ، وصون الكرامة، والعيش بعز.

مُقرفٌ أن تخيّر بين أن تُساند واحدة من أربع أصوليات تتنافر شكلا، وتتقاطعُ جوهراً.

مُقزّزٌ أن يُفرض عليك أن تخلعَ استقلاليتك وترمي بإنسانيتك لينهشها صقوريون كذبة.

إغتيال العقل المؤنسن، بل المؤلّه، يُلغي فُرص التسالمُ العالميّ. يقضي على منطق السلام.

هل يعِ تُبّاعُ هؤلاء، الجريمة التي يرتكبونها بحقّ الإنسانية؟

هوية الإرهاب(14)

قبل الحادي عشر من ايلول 2001 لم يكن هناك في العالم ما يشير الى مشبوهين اسلاميين يهددون الامن والسلم العالميين مثلما درجت هذه العبارة على السنة الحكومات الغربية فيما بعد.

وفي غضون اشهر قليلة انذاك ذكرت دوائر المخابرات الاميركية والبريطانية انها تشك بوجود 250 اسلاميا (قد) يؤدي سلوكهم المتشدد الى القيام باعمال ارهابية ثم صارت الارقام تتضاعف ليصل عدد (الاسلاميين) الذين قدرهم بيتر كلارك رئيس وحدة مكافحة الارهاب في بريطانيا، بعد تفجيرات لندن عام 2005  بالألف في بريطانيا وحدها الذين يؤلفون موقفا مقلقا بحسب تعبيره من احتمال ان يقوموا باعمال عنف واسعة.

في غضون هذه الفترة وبسبب الانهماك في لصق الارهاب بمتشددين اسلاميين، بات العنف بجميع اشكاله في اميركا والغرب يقترن بالاسلام ليس بوصفه عقيدة دينية وانما حاضنة لهم وارضا خصبة لانشائهم واعدادهم لمثل هذا السلوك، وقد تشكل وعي خطير في رؤية الارهاب بلبوس عربية واسلامية فقط.

ولم يكن بوسع المسلمين ان يدافعوا عن انفسهم اذ بين ظهرانيهم حروب وصراعات طاحنة باطراف اسلامية عززت هي الاخرى رغبة الغرب في النظر الى استنباطاته بانها صحيحة، وذهب الامر يجري على منوال بعض المفكرين الغربيين (المتطرفين) الذين قالوا ان هذه الامة (الاسلامية) ترفض التعايش مع الامم الاخرى وبالغوا في القول انها مستفزة من حضارة الغرب ، او انها مصممة على الثأر لحضارتها (الآفلة) بمحاولة تدمير مكامن الثورات المدنية الهائلة في الغرب.

والواقع ان بعض رؤى الغرب غير خاطئة بالرغم من انها مهولة وخائفة ومقصودة احيانا، اذ بلغ التصارع في الجبهة الاسلامية مبلغا يؤدي الى الاعتقاد بانها بيئة صالحة في بعض مناطقها لصناعة الارهاب، فكل الفراغات الساخنة في العالم والتجاذبات المسلحة وسلوكيات القتل والتهديد والاغتيال والشعارات الغامضة توجد في بلدان اسلامية واكثر من هذا ما رشح منها الى صراعات مذهبية وطائفية وحزبية ضيقة تدور كلها في فلك شعار اسلامي.

المسألة ان الغرب بات يلخص الخطر مهما كان نوعه وكانت ادواته وكان اصله وجنسه بانه اسلامي، فاذا كان الشيخ القرضاوي مثلا يحذر فئة اسلامية من (شرور) فئة اخرى فما بالك بالطلاب في احدى الجامعات الاميركية الذين تركوا قاعة الدرس عندما عرفوا ان استاذهم مسلم وان ركاب طائرة نزلوا منها حين سمعوا مسافرين يتكلمون العربية.

المفكرون قبل (صدام الحضارات) قالوا ان بمقدور الامة الاسلامية ان تطرح نفسها طرحا فكريا ومعرفيا مؤثرا بين الامم الا انها ما لبثت تفقد عناصر الثقة بين (فرقائها) لتخوض بينهم صراعا مذهبيا سيختصر المسافة على (هنتنغتون) الذي تكهن بصراعات عقائدية نشأ على اثر الوعي بمخاطرها ما ردده سياسيون ومثقفون عن حرب صليبية جديدة.

في العراق يرى الغرب ابرز الامثلة وضوحا على امة تقتل نفسها، وقد ترسخ في وعي العالم انها غير قادرة على صناعة السلام.

هوليوود و 11 أيلول(15)

ليس من شعب كالشعب الأمريكي يتمتع بحساسية شديدة تجاه مايمس صورة الأمة العظيمة التي رسمها لنفسه وآمن بها وجند كل طاقاته الفكرية والأعلامية والتربوية للحفاظ عليها كأسطورة لاتغيب ولاتضعف . تساءل الكثير من المراقبين والنقاد ( ماالذي عناه يوم 11 أيلول بالنسبة الى بلد يعتمد جزء من هويته على تمكنه من رواية تأريخه وفبركة ( أبطاله الأمريكيين ) ؟ أن العزوف الطويل عن الأنغمار الواسع في هذه الفبركة خلال أكثر من ربع قرن أنما عبر عن قوة الجروح التي أحدثتها مغامرات الخمسينيات والستينيات العسكرية والسياسية في نفس الشعب الأمريكي وذاكرته ، ولم يكن الفن السابع أستثناءاً غير أن الوضع أختلف في الفترة التي أعقبت الهجوم على مركز التجارة العالمي . أضطرت المعارضة الديمقراطية الى السكوت عن الأخطاء في غمرة ( التوحد الوطني ) المطلوب وضرورة مواجهة الأخطار . غاصت وسائل الأعلام تحت الموج المرتفع حالها حال المعارضة الديمقراطية ، وماكنة الأحلام الهوليوودية هي أيضا نالت حصتها من ( التضحية الواجبة ) فأعيد النظر بأفلام صورت قبل 11 أيلول ولم تكن قد عرضت على الجمهور فأجريت عليها تعديلات وألغيت مثلا المشاهد التي يظهر فيها أنهيار مركز التجارة العالمي ، لابل حتى صورته قبل الهجوم لكي لاتحرك المواجع . كان مارتن سكورسيزي قد أكمل تقريبا فيلمه ( عصابات نيويورك ) عندما حلت كارثة 11 أيلول فأعتبرها فرصة سانحة أن يضمن لقطات منها المشهد الأخير من فيلمه هذا غير أن فيلمه ظل سنتين فوق الرف بعد ذلك ولم تظهر اللقطات كما أراد في النسخ المتاحة للجمهور العريض . أما الأفلام التي صورت بعد هذا التأريخ فقد تجنبت توجيه كاميراتها ناحية جنوب مانهاتن حيث كان يقوم مركز التجارة العالمي . أن الشئ الذي له أعمق الدلالات هو أن أوليفر ستون حين أراد تناول الموضوع في فيلمه تخلى عن أسلوبه فأبتعد عن غموضه المعتاد ، تجنبا للتأويل غير المرغوب فيه ، وعن الحبكة المعقدة التي برع فيها ليرجع الى الأسطورة الأمريكية القديمة ، أسطورة (( الناس العاديين )) حين يرتفعون في الأزمات الى ذرى البطولة والمثال ، وهذه ثيمة لاتنفك تصادفنا ونحن نقرأ التأريخ الأمريكي منذ بطولات حرب الأستقلال وحتى بطولات رجال مطافئ نيويورك . أحتاط المخرج والشركة المنتجة للفيلم بارامونت من تحريك سوء الفهم وكان حذرا أشد الحذر من صدم الرأي العام الذي لايزال يضمد جروحه . أن 11 أيلول يعادل أيلاما في الضمير الأمريكي نهب الأنجليز البيت الأبيض عام 1814 . لطالما تصور الأمريكيون أبطالهم مختلفين عن باقي أبطال العالم وبطولاتهم في موضع خاص لاتشاركهم فيه بطولة شعب آخر . لكن الواقع المعذب يقول أنه عدا عن 3000 قتيل فأن تهديدا دائما ينوء بكلكله منذئذ على رموز القوة العظمى فنيويورك والبنتاغون والكونغرس وحتى مقر الأقامة الرئاسي في مرمى نار العدو . ماالعمل؟ أن لم تكن أمريكا قادرة على حماية نفسها من هجوم عليها في عقر دارها ؟

في الجهة الأخرى من 11 سبتمبر(16)

كيف لنا، بمضيّ خمس سنوات على الحادي عشر من أيلول، أن نغفل الكلام على التحليل الاقتصادي للإرهاب؟ فحتّى لو كان تقديرنا للكلفة بأنّها باهظة يؤدّي، بشكل متناقض، إلى  

إقرارنا بأنّ الإرهابيين أحرزوا في مشروعهم التدميري قسطاً من "النجاح"، فإنّ تقدير هذه الكلفة يتيح لنا أن نعرف إذا كان مفيداً أن توظّف إمكانيات بهذا الحجم في حربنا ضدّ الإرهاب أم لا. أمّا أن نعرف إذا كان كلّ فلس يوظّف في هذه الحرب من شأنه أن يوظّف على نحوٍ أفضل في مجالات أخرى، فهذا شأن آخر...

يميّز التحليل بين أنماط مختلفة من الأكلاف التي تتطلّبها مكافحة الإرهاب. أيسرها من حيث الحساب هي أكثرها مباشرة: تدمير الرأسمال الماديّ بفعل الهجمات الإرهابية. مثل هذه الأكلاف تبقى بالإجمال منخفضة نسبياً. حتى في حالة تدمير البرجين التوأمين لم تنخفض المساحة الإجماليّة للمكاتب المتوفّرة في منهاتن أكثر من 4 في المئة. وإذا كانت هذه الأضرار تمثّل تكلفةً مرتفعة في نظر شركات التأمين، فإنّها تبقى ضئيلة الحجم على مستوى الاقتصاد الأميركي بمجمله. غير أنّ التأثيرات غير المباشرة لا تحصى، ولا شكّ في أن كلفتها أكبر بما لا يقاس. يُلزمنا الحساب هنا أن نشمل في عمليّة تقدير الكلفة الاضرار الناجمة عن التغيّرات التي طرأت على السلوك. مثل هذا الاعتبار قد يكون دقيقاً في بعض الأحيان لأنّ ردود الفعل على التهديد الإرهابي قد تكتسي أشكالاً مختلفة. فقد يشهد النشاط الاقتصادي للبلد انخفاضاً، وخاصّة في قطاع السياحة: ذلك أن استهداف مواقع سياحيّة لا يؤدّي فقط إلى انخفاض كبير في الرحلات إلى هذا البلد، بل أيضاً، وبعامل العدوى، إلى بلدان مجاورة. ولا جدوى هنا من تذكير السيّاح المحتملين بأن هذا العزوف إنّما ينجمُ، في معظم الأحيان، عن ردّ فعلٍ "مبالغ فيه" على تزايد التهديد الذي يبقى، بأية حال، ضئيلاً جداً (حتّى في إسرائيل إنّ عدد ضحايا حوادث السير يفوق عدد ضحايا الهجمات الإرهابيّة): وقد يكون فَقْد الموارد هائلاً بالنسبة لبعض البلدان. وقد ينجم انخفاض النشاط الاقتصادي عن ارتفاع في كلفة النقل: ذلك أن تدابير الأمن باهظة الثمن، وقد تكون فترة الانتظار الطويلة في المطارات ذات مردود محبط على بعض المسافرين، حتّى أنّ الولايات المتحدة شهدت، منذ الحادي عشر من أيلول، ازدهاراً ملحوظاً في سوق الطائرات الخاصّة التي تتيح لكبار الموظفين اجتناب روتين الرقابة الأمنية المشدّدة... فإذا أخذنا بعين الاعتبار هذه التأثيرات بلغ تقديرنا لكلفة هجمات الحادي عشر من أيلول بين 40 و90 مليار دولار. هذه الأرقام ليست أرقاماً بسيطة، غير أنّها لا تمثل سوى 0.6 في المئة من صافي الدخل القومي الأميركي. علاوة على هذه العناصر، قد تؤدي الخشية من الإرهاب إلى ردع المستثمرين الأجانب عن القدوم إلى بلد يشهد هجمات إرهابية. بالإضافة إلى أن الخشية من المستقبل تحبط الإدخار وفي آخر الأمر تؤثّر سلباً على النموّ. إنّ التقدير الكمّي لهذه التأثيرات، وإن لم يكن دقيقاً، يظهر أنّ الكلفة الإجمالية قد تكون مرتفعة في بلدان صغيرة ذات اقتصاد مفتوح على حركة التبادلات الخارجيّة إذا ما تعرّضت لأعمال إرهابية متكرّرة. بالمقابل تبقى تأثيرات الهجوم الإرهابي، وخاصّة إذا كان معزولاً، محدودة جداً.

هذا في الأقلّ ما يظهره لنا التحليل عندما لا نأخذ بعين الاعتبار إلاّ هذه الأوجه "الاقتصادية" الميسور حسابها لأنها ذات قيمة تجارية. ولكن أبعد من هذا كلّه، يبقى التأثير الأكبر متمثّلاً بالكلفة البشريّة: قتلى، سير محطّمة، والخوف من فقد الأقرباء... هكذا نرى أنه في فترة نشاط الجيش الجمهوري الإيرلندي كان أكثر من ثلثي العائلات في إيرلندا الشمالية يضمّ فرداً من أفراده، على الأقلّ، من المصابين بجرحٍ جرّاء حادثة مرتبطة بالنزاع القائم: ما يؤدي إلى تنمية شعور بالقلق اليومي. ولكن كيف لنا أن نقدّر هذه الآلام؟ كيف لنا أن نجعلها "أرقاماً" تقارن بالأرقام الماليّة؟ في هذا المجال ما من نهج مثالي، حتّى أن بعض الاقتصاديين ينصح بالاكتفاء بصيغة غامضة "يمكن أن تضاف إليها الأكلاف البشرية" بدل السعي، بأي ثمن، وراء التوصّل إلى رقم غير محدّد بالضرورة. مع ذلك فإنّ التطوّر الذي شهدته مؤخراً المقاييس المباشرة للعيش الهانئ، عبر أسئلة يصنّف، من خلال الإجابة عنها، كلّ شخص "سعادته" الخاصة على مقياس (يتراوح مثلاً بين 1 و5)، وعبر مقارنة هذا المقياس للعيش الهانئ الوسطي في فترات العمل الإرهابي الناشط وغير الناشط، يُتاح لنا تقدير "السعادة الناقصة" بفعل الإرهاب. كما يسعنا، من ناحية أخرى، تقدير الدخل الإضافي الذي يتوجّب على الأشخاص الذين يجيبون عن هذه الأسئلة تحصيله للتعويض عن "هذا الانتقاص من سعادتهم". هكذا يعطينا هذا المقياس فكرةً عن "المعادل المالي" للتهديد الإرهابي. وبحسب دراسة أجرتها جامعة زوريخ، فإنّ أرقام هذا المعادل لا يُستهان بها: فعلى الرغم من هشاشة المنهجيّات، تظهر هذه التحليلات الأوليّة أن حجم الخسائر البشريّة يفوق أضعافاً حجم الكلفة الاقتصادية بالمعنى الدقيق للكلمة. بعبارة أخرى، فحتّى لو كان تقدير الحياة البشريّة والمعاناة الأليمة بقيمة ماليّة يبدو أمراً مخزياً وغير مقبول، فإن إغفال هذا التقدير يؤدي إلى إغفال الجوهريّ في مسألة الخسارة، وهذا ما يقبله أي اقتصاديّ يستحق التسمية.

القاعدة وعالمية إرهاب المنتحرين(17) 

- الكتاب: القاعدة وعالمية إرهاب المنتحرين

- تأليف: يورام شفيمتار وشيري غولدشتاين.

- عدد الصفحات: 179

- الناشر: مركز يافا للدراسات الإستراتيجية، جامعة تل أبيب

- تاريخ النشر: 2005 

يشكل الاهتمام الإسرائيلي بظاهرة الصحوة الإسلامية واشتقاقاتها وما نجم عنها من حركات جهادية حالة أمنية وسياسية وبحثية دائمة, حيث تسابقت مراكز الأبحاث الإسرائيلية في متابعة ودراسة هذه الظاهرة التي باتت تؤرق إسرائيل.

من هنا تبرز أهمية كتاب "القاعدة وعالمية إرهاب المنتحرين" الذي صدر عن مركز يافا للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، أهم وأبرز المراكز الإستراتيجية في إسرائيل، حيث يستعرض المؤلفان يورام شفيمتار وشيري غولدشتاين رؤيتهما بالتحليل المركز والمتأني ظاهرة العمليات الانتحارية التي باتت عالمية في عمقها وإستراتيجيتها كما يرى الرجلان.

ويشير الكتاب إلى أن نظرة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وأداءه قد تطور وتحول, فبعد أن كان أداة سياسية في يد طالبان تعمل في الإطار المحلي كوسيلة ناجعة لحل النزاعات, تحول تنظيم القاعدة إلى ظاهرة عالمية تؤرق العالم والدول الكبرى, حيث بات هذا التنظيم أشد فتكا وخطرا حسب المؤلفين, بل أصبح الموجه العالمي لهذه الظاهرة المرعبة التي يصعب التغلب عليها بسبب امتداداتها المعقدة في أكثر من بلد عالمي.

الاستشهاد في سبيل الله

يرى الكتاب أن فكرة التضحية في سبيل الله كما يعرضها بنصها الحرفي, شكلت محورا أساسيا يلتف حوله أعضاء تنظيم القاعدة, هذا المحور الذي يعتبر ذا قيمة تنظيمية هامة يدفع نحو تماسك التنظيم وانتشاره داخل أوساط نشطاء القاعدة كمصدر جرثومي يستطيع أن يتناسخ بسرعة لامتناهية, مشيرين إلى أن هذه الظاهرة بدأت تأخذ عمقها المؤثر داخل صفوف الشباب العرب والمسلمين المأزومين سياسيا واجتماعيا, وتحويلهم إلى جنود أوفياء يربطهم رابط الدين والعقيدة والتجرد عن الدنيا.

وقد تمكن تنظيم القاعدة كما يعرض الكتاب من استغلال هذه الطبقة المعدمة وخاصة المتحمسين منهم ممن عملوا في إطار حركة الأفغان العرب إبان مواجهة الأفغانيين للاحتلال الروسي لأفغانستان.

جذور الإرهاب العالمي

يرى المؤلفان أن أسامة بن لادن بدأ عمله عام 1998م، في الوقت الذي سبقه في ذلك بسنوات حزب الله الشيعي الذي قام بعمليات مميزة ضد قوات المارينز والقوات الفرنسية في بيروت

ورغم ذلك استطاع ابن لادن أن يجذر تنظيما دوليا وخلايا لوجستية في أكثر من دولة تعمل بسرية متناهية, حيث طالت العمليات الإرهابية -كما يسميها صاحبا الكتاب- 29 دولة موزعة على خمس قارات نفذت من قبل أكثر من 30 منظمة وشبكة عالمية متدينة وعلمانية على حد سواء.

وقد شارك في هذه العمليات منذ عام 1983م وحتى نهاية شهر مايو 2005 م نحو 1200 منفذ رجالا ونساء, القليل من هؤلاء لم ينجح في مهمته بسبب تعقبه من رجال الأمن أو وقوع أخطاء تقنية في اللحظات الأخيرة, لكن غالبية المنتحرين حققوا أهدافهم بصورة فاعلة وزرعوا الرعب والخوف في العشرات من العواصم العالمية.

ويرى الكتاب أن نجاح غالبية هذه العمليات في أكثر من موقع أعطى لتنظيم القاعدة الثقة العالية بالنفس, إضافة إلى الزيادة في الإقبال على الانتساب إلى صفوف التنظيم وخاصة داخل العالم العربي.

ويعرض الكاتبان رسما بيانيا يصوران فيه نسبة الإقبال على العمليات الانتحارية وعدد المنتحرين المنفذين في العالم ما بين سنوات 1983 وحتى 22 مايو من عام 2005م، فجاء على النحو الآتي:

* لبنان  50

* سريلانكا  247

* فلسطين 394

* تركيا 24

* القاعدة وشركاه 94

* الشيشان 103

* العراق 199

هذه الأعداد من المنفذين ليس جميعهم من تنظيم القاعدة، وإنما هم من تنظيمات مختلفة ساهمت في تفعيل النشاط الانتحاري العالمي.

ويرى المؤلفان أن هناك أبعادا سياسية لهذه العمليات, تظهر من خلال قراءة المنفذ لوصيته التي تصور بالفيديو أو تنشر عبر مواقع الإنترنت أو الصحف والمجلات, وكذلك من خلال إجراء مقابلات حية معه قبل تنفيذ العملية وذلك من أجل التأكيد على هدف العملية المبتغاة.

تضاف إلى هذا فلسفة التبجيل وضرورة الاهتمام بالمنفذ, وكأن آلية عرض وداع المنتحر هي بحد ذاتها دعوة لكل المعجبين من المراقبين أن يقدسوا هذا العمل، وأن يلتحقوا به من خلال البحث عن الخلايا المنظمة لهذا العمل كل في موقعه وبلده.

آلية عمل القاعدة

يعرض الكتاب جذور نشأة تنظيم القاعدة وآليات عمله محليا في أفغانستان حيث الوجود والنشأة، وعالميا من خلال تنفيذ العديد من العمليات التي توجت بتدمير برجي التجارة العالمي يوم 11 سبتمبر/أيلول عام 2001م.

ويشير إلى أن تنظيم القاعدة تأسس عام 1988 على يد أسامة بن لادن عقب الحرب الأفغانية، ومن خلال مكتب خدمات المجاهدين الذي أسس عام 1979 واستمر حتى عام 1989م وكان يتخذ من مدينة بيشاور الباكستانية مقرا له, حيث كان يتم استقبال المجاهدين العرب والمسلمين من جميع أنحاء العالم واستيعابهم من أجل المشاركة في قتال القوات الروسية في أفغانستان ودعم المجاهدين الأفغان.

وبعد انهيار الاحتلال الروسي وسيطرة الفصائل الأفغانية على كابول انتقل ابن لادن إلى داخل الأراضي الأفغانية وانتقل معه مكتب خدمات المجاهدين الذي كان يهدف من خلاله -كما يقول المؤلفان- إلى جمع شتات المجاهدين العرب والمسلمين من كافة الجنسيات وخاصة الذين شاركوا في الحرب الأفغانية، ليعاد ضمهم إلى معسكرات تدريب جديدة داخل الأراضي الأفغانية وخارجها.

ويذكر مؤلفا الكتاب أن بن لادن افتتح معسكرات تدريب في السودان عقب انقلاب عمر البشير، وسيطرة الجبهة القومية على السودان.

ويركزان على أن بن لادن كان يهدف من تجميع المجاهدين العرب إلى تأسيس قوة رادعة للغرب الذي يكره الإسلام ويحاربه, ولهذا كان يحرص على إعداد هؤلاء المجاهدين عقائديا وفكريا وتربويا وعسكريا لكي يكونوا نواة لدولة إسلامية عالمية تحكم بشريعة الإسلام.

واستغل هذا الجمع من المجاهدين ليشكل منهم نواة لتنظيم جديد أطلق عليه تنظيم القاعدة, ساعده في ذلك -كما يقول المؤلفان- الدكتور الطبيب أيمن الظواهري الذي كان يعيب على المسلمين سكوتهم وكان يعيب على الإسلاميين المعاصرين نهجهم التقليدي.. ولهذا أصبح ساعد بن لادن الأيمن.

بدأ تنظيم القاعدة ينشط في العديد من الدول العربية والإسلامية وخاصة شرق آسيا, وكان لتنقلات بن لادن خارج أفغانستان عقب نهاية الحرب الأثر الكبير في تكوين امتدادات لتنظيم القاعدة في أكثر من بلد إسلامي وعربي, ولعب ثراؤه المادي الدور الكبير في دعم مشاريع التنظيم الميدانية, حيث ولد أسامة في أحضان أسرة سعودية ثرية جدا، الأمر الذي مكنه من دعم مشاريعه السياسية والعسكرية إضافة إلى دعمه للعديد من المشاريع التنموية لعدد من الدول الإسلامية النامية كما يصف صاحبا الكتاب.

القاعدة والإعداد التنظيمي

يقول المؤلفان إن بن لادن بدأ في النصف الأول من سنوات التسعينيات في إعداد أعضاء التنظيم إعدادا لوجستيا عسكريا على الصعيد النظري, واستغل خبرات المقاتلين القدامى إضافة إلى إدخال طاقات وخبرات جديدة, تتقن فن تدريس وإعداد أعضاء التنظيم على استخدام أساليب وأدوات الحرب الخاطفة وحرب الاستنزاف, وابتكار طرق جديدة في الانتحار وضرب مصالح العدو بطريقة خاطفة وسريعة.

كما بدأ بن لادن في دعم الجماعات الإسلامية العسكرية المنتشرة في مصر وشمال أفريقيا وكذلك شرق آسيا, وبدأ تنظيم القاعدة يتبنى هذه الجماعات ماديا ولوجستيا, حتى تحولت وأصبحت سندا فاعلا لتنظيم القاعدة كل في موقعه ومكانه.

وقام تنظيم القاعدة بدعم وتنفيذ عدد من العمليات بالاشتراك مع جماعات إسلامية عسكرية أخرى, مثل عملية إطلاق النار على السياح الأميركيين في عدن سنة 1992م, والعمليات الهجومية ضد الجيش الأميركي في الصومال عام 1993 م، وعملية تفجير شاحنة أسفل برج التجارة العالمي عام 1993 م التي اعتقل على أثرها الشيخ عمر عبد الرحمن, كما قام بدعم عملية محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أثيوبيا عام 1995.

ويؤكد الكتاب أن تنظيم القاعدة بدأ عملياته المستقلة في شهر أغسطس من عام 1998م، بعد أن قرر أسامة بن لادن أن تنظيمه قد وصل إلى مرحلة النضوج التنفيذي مستندا إلى قاعدة تنظيمية إقليمية وعالمية تمكنه من التخطيط والتنفيذ بعيدا عن الأعداء.

ويتعرض لمراحل عمل تنظيم بن لادن، والذي مر بعدة مسميات ابتداء من مكتب خدمات المجاهدين عام 1988 م، ومرورا بالقاعدة عام 1998 م، والجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين عام 1998 م، وقاعدة الجهاد المكونة من تنظيمي القاعدة والجهاد الإسلامي المصري عام 2001 م, حيث نفذ خلال هذه الفترة سبع عمليات انتحارية.

ويرى صاحبا الكتاب أن عودة بن لادن إلى كابل عقب سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، شكلت المنطلق الأساس لتنظيمه الذي بدأ يجري اتصالاته بكل أريحية مع أنصار التنظيم من الحركات الأخرى وخاصة الجهاد المصري الذي كان يتصدره أيمن الظواهري, حيث بدأت أول علاقة بينهما في يونيو 2001 م، وانتهت باندماج التنظيمين بصورة رسمية تحت اسم قاعدة الجهاد, وبذلك أصبح الظواهري الرجل الثاني في قيادة التنظيم.

ويشيران إلى أنه عقب عودة المجاهدين العرب الذين أطلق عليهم "الأفغان العرب" إلى بلدانهم شكلوا من خلال صلاتهم المستمرة مع تنظيم القاعدة خلايا عسكرية في بلادهم, إضافة إلى الذين غادروا بلادهم واستقروا في بلدان غربية, حيث كون هؤلاء مجموعات تحت مسميات محلية, لكنها كانت على صلة بالقاعدة, مثل جماعة أبو سياف في الفلبين, وجماعة طيبة وجيش محمد وحركة الأنصار في الهند, والاتحاد الإسلامي في الصومال، وعصبة الأنصار في لبنان, وتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي.

وكان لهذه التنظيمات غير الهرمية صلة عامة ومباشرة مع التنظيم الرئيس في أفغانستان, وقد شكلت الشبكة الدولية للإنترنت أداة اتصال وبث لبيانات هذه التنظيمات ولغة اتصال مشفرة أحيانا, إضافة إلى حاضنة علنية للمعلومات وخاصة العسكرية المتعلقة ببث ونقل الخبرات والتقنيات اللوجستية المتعلقة بتصنيع المتفجرات والتوجيهات الأمنية, حيث باتت هذه التوجيهات محط أنظار كل المتحمسين للعمل الجهادي.

القاعدة والتنفيذات العسكرية

يرى المؤلفان أن النجاح في تفجير برجي التجارة العالمية يوم 11 سبتمبر/أيلول من قبل تنظيم القاعدة, دفع إلى تنمية الثقة المبنية على قناعة بالنجاح بين الجماهير الإسلامية العاطفية التي تكره أميركا وبين تنظيم القاعدة المنفذ.

وكان لهذه العملية المميزة الأثر الكبير في دعم العديد من تنظيمات القاعدة المنتشرة في العالم, وسبق أن نفذ التنظيم نفسه أو من خلال مجموعاته المنتشرة في العالم العديد من العمليات قبل وبعد عملية برجي التجارة.

فقد كان الهجوم على السفارة الأميركية في كينيا وتنزانيا، والهجوم على المدمرة الأميركية كول في اليمن، ومحاولة تنفيذ عملية في طائرة شركة أميركان إيرلاينس، والهجوم على فندق "برادايس" في مومباسا في كينيا، وكذلك عملية أبو سياف في جزر بالي عام 2002 م, وكذلك الهجوم على الكنيس اليهودي في جربا بتونس، والهجوم على أهداف يهودية وغربية في المغرب، والعمليات المتواصلة في السعودية, إضافة إلى عمليات متناثرة في تركيا, أضف إلى ذلك الهجوم على سكة حديد مدريد في إسبانيا وغيرها.

ويشير الكتاب إلى تنامي الإقبال على تنظيم القاعدة، من قبل الحركات والجماعات الإسلامية العسكرية الصغيرة التي تشعر أنها تزداد قوة بانضمامها للقاعدة، حيث أصبح بمقدورها تنفيذ العديد من العمليات في أي قارة كانت.

دوافع النجاح

يشعر الكاتبان من خلال تحليلهما الوصفي لتنظيم القاعدة أن فلسفة الاستشهاد المبنية على التضحية بالنفس في سبيل الله، تشكل قاعدة لشمولية تنظيمية يسهل الالتقاء عليها ومن أجلها.

كما يشيران إلى الانتشار التنظيمي العالمي للقاعدة, المرفق بالتوجيهات والدراسة والتدريب اللوجستي العالي والدعم المادي غير المنقطع, إضافة إلى التجنيد المستمر والنجاح في التعيينات القيادية, إضافة إلى القيادة الأم أسامة بن لادن الذي خطف بنجوميته عقول المعجبين, كل ذلك أدى إلى النجاح المميز.

ولا يرى المؤلفان غرابة عندما يؤكدان أن الهدف المطلوب في المعركة والذي شكل أداة نجاح للقاعدة هو إعلان الحرب على أميركا وحلفائها, فعنوان المعركة يستهوي الجيل الجديد المتحمس والمقبل على الدين, ولهذا يشعر الكاتبان أن هذه الأدوات والمتناقضات مجتمعة دفعت بنجاح تنظيم القاعدة والاستمرار في امتداد تنظيمي عبر العالم.

.................................................

المصادر/

1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 2- فالح عبد الجبار/ جريدة الحياة  

 3-  حسين العودات/  شبكة الصحافة غير المنحازة

 4- عمر عبد الرازق /  بي بي سي ‏ 

 5- جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي/ بي بي سي ‏ 

 6- فريديريك بورنان / سويس انفو 

 7- وديع سعادة / جريدة المستقبل

 8- احمد الربعي- الشرق الاوسط

 9- هاني درويش / جريدة المستقبل

 10- شاكر النابلسي / جريدة "الوطن" السعودية

 11- د. معتز محيي عبد الحميد/ جريدة الصباج

 12- زياد الصائغ/ جريدة النهار

 13- فليح وداي مجذاب/ جريدة الصباج

 14- جودت جالي/ جريدة  المدى

 15- بيار إيف جيوفار/ جريدة المستقبل

 16- عرض/نزار رمضان/ فضائية الجزيرة

17- معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية/ بيار بيرنبوم

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 20 تموز/2007 -5/رجب/1428