جراحات العملية السياسية

بقلم: د. وليد سعيد البياتي

 شيء عن العقلية السياسية:

     كجزء من العقلية المنفتحة التي يتحلها بها الفكر الشيعي، وكمنهج حضاري أريد له الترسيخ والتكريس لمستقبل آت، دعت الاكثرية الشيعية بقية الكتل للانظمام الى العملية السياسية في الوقت ان الكتل السنية الرئيسسية كانت ترفض الدخول بحجج واهية لاتمت للموقف الاسلامي، ولا للوطني بصلة، بل انها بقيت تراوح وتنأى بنفسها خاصة في الانتخابات الاولى لعلمها انها لن تتمكن من الحصول على الاكثرية حتى عبر التزوير والتلاعب بالاوراق، واستنادا الى ما قاله كل من الارهابيان صالح المطلك وخلف العليان: (ان الدخول للعملية السياسية كان بطلب من قوى الارهاب والقاعدة ليكونوا قريبا من مراكز القارا وبالتالي يمكن لهم تدمير العملية السياسية من الداخل كما نشهد يوميا وكل دقيقة).

ومع اننا نبهنا الاخوة في الائتلاف بأن هذه المجاميع ستدخل العملية السياسية للقيام بالتخريب والتجسس، لكن من التقينا بهم من السياسيين الشيعة هنا في لندن في الفترة الاولى بعد سقوط الصنم، ثم في الفترات الاخرى بين عامي 2005 –  2007 كانوا دائما يصرون على ضرورة دعوة كل الكتل السنية للمشاركة بالعمل السياسي وفق المنهج الديمقراطي للعراق الحديث، غير ان العقلية السياسية (والحقيقة لايمكن تسميتها سياسية) لقيادات الكتل السنية من امثال مجموعة الارهاب حارث الضاري، عدنان الدليمي، طارق الهاشمي، صالح المطلك، خلف العليان، مشعان الجبوري وغيرهم من الدرجة الثانية كثير، ممن رضعوا حليب البعث وتربوا على المنهج العدواني، كانت تتخذ موقفا خارج القيم الوطنية والديمقراطية، وهم لم يكتفوا بقتل الشيعة ولكنهم هاجموا وقتلوا الجانب المعتدل كما فعلوا بابني الاستاذ مثال الالوسي في محاولة يائسة لاجبار الرجل على الخضوع للمنهج الارهابي.

 فهذه المجموعة ترفض حكم الاغلبية التي اكتسبت شرعيتها من صناديق الاقتراع، من المواطن الذي خرج حاملا روحة على كفه ليرسم شكلا حضاريا لم يسمح به للانسان العراقي من قبل. فالعقل السني الذي غذاه صدام على رفض الاكثرية هو نفس المنهج القديم الذي اسسته السقيفة والذي لم يتغير، فالاقلية إما أن تحكم هي وتتحكم بكل مفاصل الحياة، أو انها ترفض حكم الاغلبية التي اكتسبت شرعيتها من الموقف القانوني والعرف الاجتماعي، وقبلها الموقف التشريعي، فهذه المجموعة التي قبلت ان تتحول الى خنجر تستعملة السعودية والاردن ومصر لطعن الجسد العراقي، هذه المجموعة ترفض اليد الكريمة للقيادات الشيعية في الائتلاف ولطروحات المرجعية في ان تصبح جزءا من النسيج العراقي، وفضلت ان تبقى خلايا سرطانية تعيث في الجسد فتكا وقتلا، بل لم تكتفي بذلك فذهبت تستجدى اصوات الاعراب لمزيد من الارهاب. ومن هنا فأن التحليل القيمي للعقل السياسي الذي تمثله هذه المجموعة يكشف جهالة الاتجاه الفكري لديهم والقبول بحالة التردي بل الانغماس في نشر القيم السلبية عسى ان يجدوا لانفسهم موضعا يمكن لهم من خلاله قلب المعادلة السياسية عبر الاستمرار في نشر مبدأ الفوضى، وهم يتبنون نفس الموقف في الادارة الامريكية المعتمد على المزيد من الفوضى عسى ان تصبح هذه قادرة على الانتاج.

الاتجاه السياسي السلبي:

      إن العقل السياسي الذي تتصوره مجموعة الضاري، الدليمي، المطلك، الهاشمي، العليان والجبوري يتمثل بكمية الدماء المسالة يوميا وعدد الرؤوس المقطعة وأجساد الاطفال المحترقة، العقل السياسي لهؤلاء لايمت للقيم الحضارية والانسانية، وهو يقع خارج حدود الزمن الواقعي، فعندما تصبح السياسة تعبيرا عن القتل بدلا من ان تكون عنوانا للاعمار والبناء، فانها تفقد ليس فقط قيمها الاخلاقية، بل حتى مباديء مشروعها المستقبلي. لاشك ان عملية نضوج العقل السياسي تتعلق بعوامل تكرس المنهج الحضاري ويقع عامل الزمن الايجابي على رأس العوامل، ونقصد بعامل الزمن الايجابي هو ان يكون للزمن وقعا ايجابيا في تطوير مناهج التفكير، أي ان مرور مراحل زمنية متعددة  يفترض ان تضيف خبرات تراكمية ايجابية في عملية التطور، على العكس من استعمال عامل الزمن لتطوير المنهج السلبي وهو ما تتبعه هذه المجموعة، فمن الناحية العقائدية كرسوا الاتجاه السلبي الذي جاء به معاوية ولم يستعملوا المنهج العقلي في تطوير رؤاهم وقيمهم المنحطة، وحدث نفس الشيء في الاتجاه السياسي، الذي تبنى موقفا سلبيا من الحياة والعقل والعقيدة. فالعقل في اتباعه المنهج السلبي ينتج تفكيرا سياسيا سلبيا يناقض الواقع وهو الذي يؤسس للمنهج الدكتاتوري في الحكم، وهكذا كان الحال منذ قدوم حزب البعث للسلطة، وعقليا منحطة من امثال هذه المجموعة لايمكن لها ان تتمتع بعقل حضاري يحمل مشروعا مستقبليا ذا أسس ايجابية، ولا اكثر دليل على طروحاتنا ومواقفنا من طروحات ومواقف الضاري الدليمي المطلك العليان الجبوري والهاشمي، ففي الوقت الذي تسعى الاطراف الشيعية في السلطة الى تكريس البناء الحضاري، تضع هذه المجموعة العصي في العجلات، بل انها لاتكتفي بعرقلة العملية السياسية بنشر فكر التآمر الممنهج، فتلجأ الى القتل لاجبار الاخرين للانصياع وهو نفس المنهج الصدامي المعروف، ومن اجل المزيد يطوف اعضاء هذه المجموعة الارهابية الدول العربية من اجل التحريض واستجداء المال وعناصر الارهاب.

الارهاب السياسي:

     لايمكن اطلاق لفظ العمل السياسي على مايقوم به الضاري والدليمي والاخرون، فللعمل السياسي قواعد تنطلق من اسس أنسانية واخلاقية وثقافية تهيء لمشروع يخدم قضية البناء والتطور، ولو شئنا ان نسأل اطراف هذه المجموعة ما هو المشروع الحضاري الذي يمكن ان ينهض بالعراق بعد سقوط الصنم؟ فبالتأكيد لمن نجد لديهم مشروعا حضاريا وانسانيا أو ثقافيا اللهم إلا مشروع الارهاب السياسي و قتل الانسان العراقي، فلم يطرح اي من هذه الاحزاب مشروعا للبناء، بل طرحوا شعارات رددها صدام ليقنع الاعراب منذ توليه السلطة ودفع العراق للحرب مع الجارة الجمهورية الاسلامية في ايران، وهذه الشعارات الجوفاء هي التي اعادت العراق الى الوراء ألاف الاميال عن المسار الحضاري. إذ لايملك كل أي من هؤلاء عقلا إصلاحيا يحمل رؤى مستقبلية ايجابية غير القتل الممنهج.

ومن هنا فعلى رئاسة الوزراء ان تكون اكثر وعيا وحزما في التعامل مع هؤلاء، فابقائهم داخل العملية السياسية سيقوض كل العمل السياسي الجاد وبالتالي سنجد انفسنا امام مرحلة جديدة تحتاج الى اعادة تقويم مما يأخذ المزيد من الوقت الذي نحن بأمس الحاجة اليه. ففي الوقت الذي بدأ العالم يفيق من غيبوبته بعد الزلزال الارهابي الوهابي اليومي على مدى السنوات الاربع الاخيرة والذي يمتد جذوره عميقا في التاريخ السعودي منذ بدأ التحرك ابن سعود وابن عبد الوهاب قبل نحو مائتي سنة، فان التحرك الشعبي والدولي الاخير يكشف مدى شكوى الاتجاهات السياسية الرسمية والقيادات الدينية المعتدلة من الاجرام الوهابي التكفيري، حيث ان رجال السياسية ومراكز البحوث الاوربية بدأت تشير باصابعها الى الفكر الوهابي باعتباره فكر ارهابي مدمر، كما انهااخذت تكشف الدور السعودي مم وراء الارهاب الحالي مما يؤطر لموقف جديد لم يطرح سابقا لاعتبارات سياسية واقتصادية، لكن الشارع الدولي بدأ يتململ ضجرا من التهادن المستمر مع القيادات العربية (السعودية خاصة) التي تقف وراء الارهاب الحالي تمويلا ودعما واسعي النطاق.

 لقد ارادت هذه القوى ان تجعل من العراق ساحة من الارهاب الوهابي الذي يعيش انفاسه الاخيرة من اجل بقاء حفنة من عفن الرجال على عروشهم الواهية، ونحن نقول لقد حانت تهاوي هذه العروش الداعمة للارهاب.

المملكة المتحدة – لندن

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 تموز/2007 -4/رجب/1428