ايـران والسعوديـة، خيـارات محدودة!

رياض الحسيني

 الحديث عن الخيارات بشكل عام  امر لايخلو من الطرافة والتندّر، فكيف بنا ونحن نتحدّث عن خيارات الحرب والتي هي الاخرى تختلف تماما عن خيارات السلم! فأرض المعركة تفرض في كثير من الاحايين وتيرة معينة ونغم لابد ان تطرب له كل الاطراف المتنازعة.

الحرب العراقية الايرانية (1979-1988) او ما تسمى حرب الخليج الاولى قد فرض المخططون لها ان تكون عبر بوابة الجنوب العراقي. والامر كذلك فقد فرضت المعركة شروطها بأن تمتطر القوات الايرانية "الشيعية" سكان تلك المناطق العراقية "الشيعية" بصواريخ "شيعية" فذهب قرابة المليون انسان "شيعي" من الطرفين وذلك وفقا للمعنى الدقيق للتصنيفات المذهبية طبعا! ناهيك عن طوابير الارامل واليتامى والمعاقين. والحديث ضمن تلك التوصيفات فأن الدعم المادي كان يأتي الى القوات العراقية من المحيط العربي "السنّي" والخليجي تحديدا، وهو امر ليس بخاف وقد أكدّته تلك الدول نفسها وفي مقدمتها كل من السعودية والكويت!

 وعند الحديث عن خيارات الحرب والسلام فأن هذين الدولتين كانتا تملكان الخيار في الا تدعما العراق ضد جارتهما ايران على اعتبار ان الاخيرة ليست في حالة حرب معهما عند أقل تقدير. أما قرار انظمامهما الى معسكر العراق فذلك يعني انهما قد وضعا نفسيهما في خانة "محدودية الخيارات"! هذه المحدودية قد فرضت نفسها في نهاية المطاف على ان تتوتر العلاقات الدولية بين ايران وكل منطقة الخليج تقريبا، بل وتعدته الى مجمل المنطقة العربية وبالاخص مصر والاردن اللذان تخندقا هما الاخران مع "الحرب المقدسة ضد الهجمة الفارسية على البوابة الشرقية للوطن العربي"!

هنا طبعا صار العرب وايران في خانة الخيارات الصعبة التي وصلت في اوجها الى "معركة المصير" كما روّجت لها بيانات حزب البعث العراقي في اكثر من مناسبة ورددتها الحناجر العربية ولاكتها غالبية وسائل الاعلام العربية. تبين بعد ثمانية اعوام ان تلك الحرب كانت مفروضة على ايران وقد انجرّت لها الاطراف الاخرى بسذاجة مفرطة!

بعد ربع قرن تقريبا من اندلاع الحرب العراقية الايرانية، وبعد خراب البصرة كما يقولون، قررت الادارة الامريكية ان تحتل العراق في 2003 وعبر "حرب الخليج الثالثة" فارضة بذلك نفس "الخيارات" السابقة على سكان المنطقة العربية وما جاورها. لكن هذه المرة ليس كما السابق حيث استعدت ايران كما يبدو لتلك المنازلة ايما استعداد! بينما تسمّرت الانظمة العربية ومن تحكمهم في اماكنهم وكأن ربع القرن هذا لم يكن هؤلاء مشمولين بمتغيراته ولا بدروسه او عبره.

 ووسط محاصرة القوات الامريكية من جهة افغانستان اولا ومن جهة العراق لاحقا، كانت ايران تواجه عدوا جبّارا جرحه لازال طريا ويبحث عن اخذ الثأر له في كل مكان!  والحال كذلك فقد وجدت ايران نفسها مرة اخرى في خانة "الخيارت المحدودة"، ولكن هذه المرة ليس كما السابق، حيث لم تواجه عدوها الامريكي بالجنود الايرانيين. بل واجهته كما واجهتها السعودية من قبل في حربها مع العراق. بيد ان التشابه الوحيد بين الحالتين ان الضحية هو العراق وشعبه!

اتباع تنظيم القاعدة وبعض المليشيات السنّية كانت مستعدة للعب دور "النيابة" في مواجهة المخطط الامريكي الذي اعلنته الادارة الامريكية ضمن مخططها للقضاء على "مثلث الشر" الذي كان له "المثلث السنّي" في العراق بالمرصاد! واذا كانت خيارات ايران محدودة الى الدرجة التي اعتمدت فيها على أعدائها اللدودين "البعثيين" من جهة و "تنظيم القاعدة" من جهة اخرى، فان تلك المليشيات ايضا قد فرضت عليها الادارة الامريكية في بادئ الامر الخيارات ذاتها، فقانون اجتثاث البعث وقرار حل الجيش كانا سببا رئيسا في تحوّل الاعداء الى اصدقاء خصوصا وان مقولة "عدو عدوي صديقي" صادقة تماما! عبر هذا التنسيق لم تكن ايران اللاعب الاكبر فيه، وان بدت كذلك فكما نوّهنا من قبل ان لا احد بامكانه ان يتنبأ عن المدى الذي يمكن ان تصل اليه الامور بين اعداء الامس واصدقاء اليوم! من جهة ان ايران ليس اللاعب الاكبر فذلك لان الدعم والرفد لا يأتي الى المليشيات المسلّحة عبر ايران فقط وانما لبعض دول الجوار العراقي دور بارز وملحوظ ومدوّن وتحديدا من السعودية وسوريا والادرن.

واذا كان هنالك بعض التفهم من تدخل سوريا في الشأن العراقي ودعم المليشيات المسلّحة فيه لانها مشمولة بمخطط الادارة الامريكية "مثلث الشر"، فما الذي يفرض على السعودية والادرن ان يضعا نفسيهما في خانة "الخيارات المحدودة" وبمواجهة مع الشعب العراقي الذي يدفع الثمن في كل لحظة؟!

الموقف الاردني كما المعهود في مجمل الصراعات العربية وعلى مر التأريخ والازمنة هو موقف انتهازي لا أساس له من الايمان بأي مبدأ من المبادئ المُعلن عنها في اي حرب يكون العرب طرفا فيها، وخير مثال الحرب العربية-الاسرائيلية! أما السعودية فيبدو انها قد دخلت كطرفا معنيا بالحالة العراقية ليس من باب الدفاع عن النفس كما هي الحالة مع ايران او سوريا، ولكن من باب فرض نوع معين من التوازن ترى فيه ان الحكم في العراق قد تغير الى درجة لايمكن ان يتقبّلها المحيط العربي السنّي لان يشترك في حكم العراق الشيعة والاكراد ولا تكون الغلبة فيه للاقلية السنّية كما هو السابق من العهود.

علاوة على ذلك فان السعودية تنظر الى الرفد المادي الايراني للمليشيات السنّية على انه في نهاية المطاف جر ولاء تلك المليشيات الى عدو مذهبي لازالت امهات الكتب تكفّره ولاتعده الا خارجا عن الاسلام في احسن الظروف! كذلك ترى السعودية ان اي دعم يوجّه الى تنظيم القاعدة ما هو الا تحريض وخطوة على الطريق للاطاحة بحكم "آل سعود"، العائلة المالكة في "شبه الجزيرة العربية" كما يحلو لتنظيم القاعدة ان يسمّي المملكة العربية السعودية! والامر كذلك فهل تكون السعودية قد اضطّرت هي الاخرى لان تنزل عند الخيارات المحدودة كما اضطرت ايران من قبل؟! 

*كاتب وناشط عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17 حزيران/2007 -29/جمادي الأول/1428