مشروع القتل الإعلامي

 خالد شاتي

 لقد تطورت وسائل الإعلام وخصوصا القنوات الفضائية في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، فبعد إن كانت وسائل الإعلام المرئية مقتصرة على الإعلانات الدعائية لما يحتاجه المستهلك من مواد غذائية او كمالية او مقتنيات كثيرة تسهم في تسهيل حياته، تطورت تلك الوسائل لتشمل جميع ما يهم الإنسان من مآكل ومشرب وملبس واحتياجات ربما لم يفكر بها من قبل بعد ان تجاوزت المَدَنية والتمدن كل الحدود التي كانت لم تجرأ على عبورها.

فللحضارة دوافعها وظروفها التي تصل الى حدود اللامعقول في التعاطي مع الأشياء تعاطيا منفتحا يصل في بعض مراحله إلى الجرأة الكبيرة بل الوقاحة في طرح مايراد له ان يطرح في أسواق تلك الفضائيات المفتوحة وعلى مدار اليوم من غير رقيب يمكن ان يعطل ماكينتها او يحاول ان يهذب تلك الوسائل تهذيبا واعيا يمكن ان يساهم في بناء اليات ووسائط اعلامية يمكن ان تعتبر الإنسان قيمة وغاية وليس وسيلة تتعاطى معها تعاطيا مصلحيا الهدف منه الربح والشهرة على حساب الحقيقة وتوخي الدقة في نقل ما يمكن ان يسهم في رفع مستوى الانسان من خلال الكشف عما ينقذ البشرية مما هي فيه من الهلكة والضياع.

 القنوات الفضائية وهيمنة التمويل:

 يعتبر المال والتمويل العنصر الاساس في بناء اي مشروع يمكن ان يستمر بوتيرة دائمة يمكن ان تمدد الى وقت طويل وهكذا مع القنوات الفضائية التي تعتمد على التمويل كعامل رئيس في سبب ديمومتها واستمرارها ويمكن ان نتصورما يمكن ان يحصل لفضائية سلب الدعم المالي منها يصيبها الجمود والتكرار فتخلق لدى المتلقي الملل والضجر لاسيما ان هناك الكثير من الفضائيات تتسابق تسابقا محموما في نقل الحدث والصورة بطريقة اسرع اذا ما قيست بوسائل الاعلام الامس الذي يعتمد على البرامج المعدة سلفا وبازمان متفاوتة ،وحتى تستمر تلك الفضائيات بنَفَس حيوي ومتحرك يجب ان تعتمد رؤوس اموال تحافظ على بقائها وديمومتها وتجعل منها فضائيات ذائعة الصيت وفي متناول الناس في اي مكان في العالم، لكن ذلك لا يتم الا بشروط صعبة من لدن الممول نفسه، فبعد ان تبث تلك الفضائيات برامجها التعريفية عن كونها فضائيات ذات استقلالية ودقة في نقل ما يجري وتعتمد على المصداقية والموضوعية في التعامل مع الاحداث تعاملا حياديا ان لم نقل تعاطفيا ايضا.

وبمجرد ان تبدأ تلك الفضائية بالبث تتصادم افكارها التي ربما تعتبر ايجابية مع ما يريده الممول الذي يعتمد في تمويلة لهذه الفضائية او تلك على مبدأ الربح فقط من غير ان يكون له حافزا على التعامل مع الموضوع وفق ما يقرره المتخصصين او المهنيين انفسهم واخطر ما يكون الموضوع اذا ما هيمنت الدولة او جهازها الامني على تلك الفضائيات لتسلبها ارادتها وثوابتها الاعلامية، لتصبح فيما بعد الناطق الرسمي باسم الدولة وتسبح بحمد نظامها السياسي، لتسيطرالايدلوجية الحكومية على جميع مفاصل الاعلام وتتصادم مع كل مَن لا يسبح معها في نفس التيار لتفقد تلك الوسائل الاعلامية هويتها وخصوصيتها وخصوصا الفضائيات منها لانها الاقرب الى الناس من غيرها فهي تدخل البيوت من اوسع ابوابها.

 وبذلك يلقي الممول بضلاله الداكنة على برامج واجندات تلك الفضائيات ليكون كل مقرب من الممول هو الوحيد الذي يمتك الشرعية والمصداقية والشفافية وبخلافة يصبح كل مَن لا يساهم في اعطاء الاتاوات والهدايا غير شرعيا خصوصا اذا كان نظاما سياسيا او شخصية لها ثقلها في الاحداث نفسها،فتصدر ذلك الخطاب المتشكك الى الناس الذين ربما يصدقوا الكثير من الاخبار المنقلة من غير ان يتحقق من مصداقيتها وحقيقتها.

 الإعلام ومجانبة الحقيقة:- كثير من وسائل الإعلام تعتمد في بث برامجها على الاثارة والتشكيك تارة وعلى الكذب والتدليس تارة اخرى،فمن خلال تعاطيها مع الاحداث فانها تتناقل بين حبال الحدث كمهرج وليس واسطة اعلامية الهدف منها ايصال المعلومة الى الاخرين ايصالا حياديا يجعل من المتلقي حرا في اختيار الغث من السمين من الاحداث ويكون هو اللاعب الاساس في الحكم على الاحداث حكما واعيا من غير ان تكون للاثارة والخداع سلطانا حاكما عليه.

 لكن ما يجري الان في وسائل الاعلام من كذب وخداع غير ما يتمنى اي اعلامي شريف على الاقل في نقل الاحداث كما هي من غير مبالغة او تاطير يمكن ان يجعل من المتلقي حائرا وربما عاجزاعن معرفة الحقيقة لتكون عاملا ايجابيا يساهم مساهمة فعالة في خلق القناعان الايجابية لديه ورغم ان الكثير من وسائل الاعلام تحاول ان تغازل أصحاب النفوذ والسلطة من اجل تفوز من الهبات والعطايا التي يغدق بها المتنفذ عليها من اجل ان تحسن صورته القبيحة في نظر الجماهير بل تتعدى الى خلق صورة خيالية له تؤطرها باطر العبقرية والاحسان وهذا ما لا حظناه في الكثير من وسائل الاعلام العربي حين تتكلم عن حاكم عربي فتجعل منه بطلا قوميا وقائدا فذا فتغدق عليه بالالقاب ويهبها الاموال الطائلة التي هي بالاساس ليس ملكا له فتجعل من جريمته قصاصا عادلا ومن حماقاته افكارا خلاقة ومن نزواته سننا كريمة فتضيع الحقيقة بين تلك الوسائل وبين المتنفذ على حساب المتلقي مع ان الامانة الاعلامية تقتضي ان تكون وسيطا ايجابيا بين المصدر والمتلقي وبدل ان تعالج الخلل تكن عونا طيعا له لتسقط في شباك الغش والخديعة والتي يدفع ثمنها المتلقي عادة.

مشروع القتل الإعلامي:

 بالرغم من ان الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى تمتلك كَمَاً هائلا من المعلومات المختلفة والمتناقضة والتي ربما تجعل من معرفة الحقيقة منالا صعبا، الا إنها بالتأكيد تنقل ما يتماشى ومصلحتها واستمرار ديمومتها التي تتغذى على الأموال والأطراف المستفيدة من نقل الخبر دون غيره ،مع توفر الاخبار التي يمكن ان لأتكون مرضية للممول بسبب خوفه من قوى خارجية لها سيطرة على مقادير البلد الذي فيه تلك الفضائية مع ان اغلب الفضائيات والتي اركز عليها في بحثي هذا دون غير من وسائل الاعلام الاخرى لما تمتلكة من نفوذ في الوصول الى المتلقي وقتما تشاء.

 وحتى نكون دقيقين في بحثنا عن المصداقية والشفافية اللتان تنادي بهما اغلب الفضائيات نجد ان ملف القضية العراقية مثلا سنجد كَمَاً كبيرا من الاحداث والاخبار المتناقضة والتي تحمل بين طياتها ذاك التحامل المحموم الذي يكنه ممولي تلك الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى على العراق والعراقيين من خلال تبنيها لمشاريع القتل الاعلامي التي تبثه في قنواتها دائما لسبب بات الجميع يعرفه هو في البداية ذلك التمويل الكبير الذي كانت تتقاضاه من النظام السابق والذي كان يغدق عليها بالأموال وكابونات النفط لتجمل صورته في العالم بعد ان حكم الناس بالنار والحديد ومن باب رد الجميل اخذت هذه الوسائل على عاتقها تشويه صورة العراق وأهله لا سيما ان تلك الامدادت الحكومية السابقة قد انقطعت بعد سقوط النظام السابق الذي كان يعتمد على وسائل الإعلام اعتمادا كبيرا في تسويق سياساته الى الشعوب العربية الذي انطوى عليها ذلك السيناريو فامست تتباكى عليه و كانت نفسها تصوره ملهما ومفكرا وعظيما.

وبذلك دخلت تلك القنوات والوسائل الاعلاميه طورا جديدا في اطوار العمل الاعلامي ،فلم تكلف نفسها بالانتصار للضحية من خلال الدعم والتحشيد لها بل قفزت قفزة نوعية الى الجلاد لتتباكى عليه وتتلذذ بنقل صور القتل والذبح والتفجير والتفخيخ وأصبحت تلك القنوات تشارك في تغييب الوعي الجماعي وتصطنع اجندات تتلاعب بين حبالها لاسيما ان هناك الكثير من المعاني والمصطلحات لم تصنف وفق ما تعني المفردة حرفيا ما بين القتل والمقاومة والاحتلال والقوى متعددة الجنسية والعمالة للاجنبي والعمل معه من اجل خلاص العراق وغيرها من المعاني الكثيرة التي استغلت اسوء استغلال لتصنع ضبابية وغبش لايمكن معه رؤية الحقيقة كما هي من غير تزويق او تزييف؟

بل ان بعض الفضائيات قبلت ان تاخذ دور المحرض والمحفز لبث الفرقة والبغضاء بين ابناء البلد الواحد بدعوه الانتصار لهذه الجهة او تلك والنظر الى الاحداث والقضايا المصيرية بعين واحدة الهدف منها اخضاع الراي العام لجهة بعينها على حساب بقية المكونات العراقية الاخرى ممن يشتركون في العملية السياسية نفسها ومن هنا تبرز حقيقة واحدة هي ان تلك الفضائيات ووسائل الإعلام أصبحت تروج لعمليات القتل والذبح وتعتبرها مقاومة للاحتلال مع ان ذلك لم يطل المحتلين بل ابناء البلد انفسهم ولا يهم تلك الفضائيات ومموليها ان تلك المشاهد لرسل الرعب وصناع الموت يمكن ان تؤثر سلبيا على نفسية المتلقي وتنشر ثقافة القتل بين الناس بعد ان يذبح الانسان بادوات بدائية تخلق نوعا من أنواع الارتداد الانساني الى قوانين الغاب الذي انطلق منها اول مرة؟

 بل ان هناك فضائيات شرعت وتخصصت باقتناص جميع الاحداث السلبية التي هي نتاج للجماعات المسلحة والعصابات المنظمة بالاضافة لاعمال قوات الاحتلال الذي خلقت اجواءا سوداء وداكنة على وضع العراق واهله،ولم تكلف الفضائيات نفسها في القاء الضوء على بعض ما يمكن من انجازات يمكن ان تخفف المصيبة او ان تبرز نوعا من انواع العطاء الانساني الكبير الذي نشاهده في تحمل الناس لكل تلك المصائب التي تلاقيها وتحاربها في مفردات عيشها وقوتها فضلا عن التهديد المباشر لجميع الناس واستهدافهم في تلك العمليات الارهابية المشينة وكان وضيفة الاعلام والاعلاميين هي نشر وبث السموم وليس الانتصار لقيم الانسان والمساهمة في تثبيت وتدعيم قوى الخير والانتصار لها؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5 تموز/2007 -18/جماد الاخرى/1428