حزب الدعوة الإسلامية... والمأزق الحالي

مهند حبيب السماوي

 لن يجد الباحث صعوبة في التوصل إلى حقيقة مفادها أن ولادة حزب الدعوة الإسلامية في العراق لم تكن محض صدفة أو حالة عرضية طارئة يمكن أن تزول بزوال مبرراتها المؤقتة وأسبابها التي كانت سبباً في ظهورها، بل كان الحزب بمؤسسه العبقري السيد الشهيد محمد باقر الصدر وبكوادره المثقفة التي أمنت به وأفكاره التي حملها وأيديولوجيته التي عبر عنا، كان كل هؤلاء تعبير حقيقي واقعي مٌجسد عن حاجات وطموحات شريحة معينة من شرائح المجتمع العراقي عاشت مخاضات عسيرة وعانت من مآسي صعبة نتجت عنها أفكار وأطروحات تجسدت في عنوان حزب الدعوة الإسلامية.

وقد دخل الحزب ومنذ تأسيسه وحتى سقوط النظام الدكتاتوري السابق في صراع مع الحكومات العراقية المتعاقبة التي استعملت أقسى أساليب التصفية الجسدية مع كوادر وأعضاء هذا الحزب الذي قدم الكثير من التضحيات أبان صراعاته ومعارضته للسلطات العراقية الجائرة المتعاقبة.

وعندما سقط النظام السابق بين يدي القوات المتحالفة بعد حملته العسكرية التي رفض حزب الدعوة الإسلامية اتخاذها وسيلة لإسقاط النظام الصدامي ، تسلم حزب الدعوة - وبمعنى أدق- كوادره الكثير من المرافق والمواقع السياسية والسيادية في العراق بدء من مجلس الحكم الذي عينته القوات الأمريكية من 25 سياسي عراقي مروراً بحكومة الدكتورعلاوي والسيد الجعفري والأستاذ المالكي.

وفي رأيي أن حزب الدعوة الأسلامية يمر الآن بمنعطف خطير ويصطدم بعقبة كأداة يمكن أن تؤثر على مسيرته في المستقل ناهيك عن أمكانية أعادة تقييمه وفق لما حققه في هذه الفترة!!! وهذه العقبة تتمثل في أن حزب الدعوة شأنه شأن أي حزب سياسي يجب أن تخضع مبادئه ونظرياته وأطروحاته للاختبار والتطبيق على أرض الواقع ، وقد حصل حزب الدعوة لحد الأن -لسوء حظه في رأيي الشخصي - على فرصتين - ولن اقل تاريخيتين - للحكم وتطبيق مبادئه أن لم يكن حرفياً كما وضعت في بيانات وأدبياته وأنظمته الداخلية، ففي رموزه التي تسلمت الموقع التنفيذي الأول في العراق والمتمثل برئاسة وزراء العراق في ظل الحكومة السابقة التي تسنم مقاليد الحكم فيها الدكتور إبراهيم الجعفري وهو الناطق الرسمي باسم حزب الدعوة الأسلامية والحكومة الحالية التي كانت رئاسة وزرائها من نصيب الأستاذ نوري المالكي الذي أصبح الآن الأمين العام لحزب الدعوة بعد استحداث هذا المنصب في الجسد الحزبي للدعوة ألإسلامية.

هذه الفرص -التي مازالت لحد الأن لم تنتهي وتمر مرور سحاب- قد وضعت الدعوة أمام مفترق خطير كما قلت أعلاه ، إذ أن تسلم منصب رئاسة الوزراء- وهو أعلى منصب تنفيذي في العراق- من قبل حزب الدعوة لدورتين متعاقبتين، يعني أعطاء هذه الحزب أكثر من فرصة للنجاح وإظهار مبادئه التي كان ينادي بها في ثنايا كتبه متمثلاً بالسلام والعدل والمساواة وتحقيق مايصبو له الشعب العراقي من طموحات وأهداف، ولهذا إذا مافشل الحزب في توفير هذه المبادئ والأفكار في زمن الجعفري فمن الممكن أن نجد له عذراً -بل قد أجد له في رأيي الكثير من الأعذار- أقول اذا ما فشلت الدعوة في زمن الجعفري ووجدنا لها عذراً فلايمكن أن نجد الأعذار أيضاً لحكومة أخرى يقودها الأستاذ المالكي الذي يعد أعلى قمة هرمية لحزب الدعوة لان الفرصتين اللتين توفرت للحزب ربما لن تتوفر له مستقبلاً بل أعتقد جازماً أنها لن تتوفر له في المستقبل القريب إذ حينها سترفض الأطراف الشيعية وغير الشيعية التي ترغب بتولي منصب رئاسة الوزراء -وهي أكثر من كثيرة- وستقول لحزب الدعوة :" أنكم جربتم الحكم لفترتين متعاقبتين ولم تنجحوا بذلك فأتركوا غيركم يتسلم هذا المنصب".

وربما يقول القائل المدافع عن حزب الدعوة -هو على حق-بأن حزب الدعوة تسلم الحكم في فترة أتسمت بما يلي:

1.     عدم أمكانية الحكم والتصرف بحرية بالنسبة لرئيس الوزراء الذي ينتمي لحزب الدعوة.

2.     وجود الفوضى العارمة وانهيار البنى التحتية للدولة العراقية التي رافقت سقوط صدام والتي جعلت رموز الحزب الحاكمة أمام تحديات شتى.

3.     قيام مبدأ المحاصصة السياسية الطائفية التي نخرت العظم السياسي في العراق والتي جعلت السياسة العراقية تخضع في قرارتها لأليات طائفية غير موضوعية، حيث يُجبر رئيس الوزراء على قبول وزراء من طائفة وحزب معين ولا يستطيع أقالتهم طبقاً لمبادئ الطائفية والمحاصصة الفاشلة.

4.     وقوع العراق تحت احتلال يؤثر في أتحاذ القيادات العراقية لقراراتها ويتحكم فيها احياناً أخرى خصوصاً على الصعيد الأمني.

وهذه نقاط مهمة وأجوبة مقنعة إلى حد ما ولكنها تسقط وتنهار أمام رد بسيط يتمثل في أن حزب الدعوة كان يعلم بهذه الظروف والعقبات التي تعترض طريقه قبل تسنمه الحكم في فترة السيد الجعفري والأستاذ المالكي ولايمكن أن يقول بأنها لم تكن له رؤية شاملة على خارطة العراق السياسية وما يمكن أن يواجه رئيس الوزراء وهو من حزب الدعوة لأن الدعوة ومناصريه أن قالوا ذلك فأن أقل ما يمكن أن يقال عليه أنه حزب مراهق وصولي أراد انتهاز فرصة الحكم ولم يستطع أن يستقرأ الواقع ويستبصر مايمكن أن يواجهه.... وهو أمر غير صحيح لأن لحزب الدعوة رؤية شاملة إستراتيجية للوضع العراقي سواء ماهو فعلاً في الواقع وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل بغض النظر عن رأينا بنوع هذه الإستراتيجية وخلفياتها وأسسها التي بُنيت عليها ومنبعها التي تستقي منه هذه الأفكار والمبادئ.

وعلي في نهاية المقال تذكير القارئ بما يلي:

1.     أن الفرصة لم تمر ومن الممكن أن يثبت الدعوة متمثلاً بالأستاذ المالكي أهليته للحكم ومصداقية أفكاره وواقعية أطروحاته.

2.     أن حزب الدعوة الإسلامية لايحكم العراق بمفرده ، فهنالك الأكراد والسنة وبقية التكتلات السياسية التي يشتركون سوية في القرار.

3.     من السخف الشديد بمكان الاعتقاد أن السيد المالكي يحكم العراق بمفرده كما كان يفعل صدام في أبان فتره حكمه العراق بالحديد والنار.

4.     أن حكومة الأستاذ المالكي تخضع لمؤامرت عديدة من قبل قوى سياسية داخلة في نفس العملية السياسية التي أسمي طعنها لها طعن من الظهر وهو أخطر ممن يحمل خنجر ويروم طعنك فيه من الأمام.

5.     أن حكومة الأستاذ المالكي تخضع لمبدأ المحاصصة الطائفية المقيتة التي أضرت بالعملية السياسية الجارية في العراق بشكل لايتصور منذ تأسيس مجلس الحكم وحتى الآن حيث تكبل المحاصصة يد الأستاذ المالكي ولا تجعله حراً في خياراته.

6.     أن حكومة الأستاذ المالكي مقيدة بشكل كبيرة من قبل القوات الأمريكية التي تتحكم بالكثير من مفاصل العملية الأمنية في بعض مناطق العراق.

7.     على حكومة الأستاذ المالكي أن تصارح الشعب بعلاقتها بالقوات الأمريكية ومدى استجابة الأخيرة لطلباتها وكيفية تحكمها بالأرض العراقية حتى يعفيها الشعب من المسؤولية التاريخية المعلقة برقبتها.

8.     أن  الأحزاب والشخصيات التي تساهم في الحكومة الحالية لا تحمل أتجاهات متنوعة ووجهات نظر مختلفة تعبر عن تيار أو أتجاه واحد وأيديولوجية معينة، وأنما تحمل اتجاهات متناقضة ومواقف متضادة  كل واحدة منها بعيدة عن الأخرى بعد المشرقين ولذلك لايمكن أن تطبقها جميعها دون أقصاء الأخرى وأبعادها وبالتالي حدوث مالا تشتهيه الأخيرة التي تعمل بدورها على إفشال وتخريب عمل الأخيرة.

9.     أذا ماعرف القارئ ذلك وعرف أن حزب الدعوة رفضت إزاحة النظام السابق بالقوة العسكرية، فأنه سوف يقلل من مسؤولية الحزب عن كل ما يجري في العراق مع أني شخصياً  لا أعفيهم من المسؤولية المترتبة على تنطعهم لمهمة قيادة العراق في هذه الفترة الحرجة المضمخة بالدم والمفخخة بالكثير من المشكلات والعقبات التي تحول بينها وبين تحقيق أهدافها.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3 تموز/2007 -16/جماد الاخرى/1428