الصين وايران.. اعداء امريكا  في القرن الحادي والعشرين

 شبكة النبأ: تعمد الولايات المتحدة منذ عدة سنين الى التعامل الحدي مع تطلعات الصين وايران لتصدر دول اسيا كقوتين اقليميتين متصاعدتا النمو والقدرة العسكرية،

وهي لذلك بدأت العمل على اضعافهما بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال تقوية الدول المجاورة لهما عبر اتفاقيات ثنائية. وكذلك العمل على إحداث توازن في البيئتين عبر إضعاف القوتين ودعم الدول المجاورة لهما.

وظهرت مؤخرا دراستان امريكيتان لافتتان للانتباه على موقع تقرير واشنطن. الاولى كانت بقلم دانييل توينينج، الأستاذ بجامعة أوكسفورد البريطانية، تحت عنوان "التصميم الأمريكي الأكبر في آسيا"، ونشرت في مجلة واشنطن كوارتيرلي.

والثانية بقلم بيتر رودمان، المتخصص في السياسات الإقليمية الخاصة بالشرق الأوسط والخليج، تحت عنوان مواجهة تحدي إيران الثورة: إستراتيجية للمرحلة القادمة، الصادرة عن مركز بروكينجز.

 وما يُلفت الانتباه في هاتين الدراستين هو وجود قاسم مشترك في سياسة التوجه الأمريكي نحو عدوين آسيويين أساسيين؛ وهما الصين وإيران. فالدراستان تُركزان على كيفية المواجهة الأمريكية القادمة لهذين العدوين؛ وكيفية إدارتها لتلك العلاقة العدائية. وما يمكن استخلاصه من هاتين الدراستين هو التشابه في كيفية المواجهة، إن لم يكن تطابقاً. بحسب ما نشره موقع تقرير واشنطن.

 إحباط الصين

في الدراسة الأولى، يتحدث توينينج عن الصين وتحديها للمصالح الأمريكية في القارة الآسيوية؛ مُعتبرها المنافس الإستراتيجي والعسكري الأهم للولايات المتحدة، كما أفصح الرئيس الأمريكي بوش الابن في حملته الانتخابية عام 2000، وكما أفصح نائب وزير الخارجية الأمريكية روبرت زوليك في عام 2005، حينما قام بتحذير الصين – صراحة – من محاولة احتكار القوة في آسيا، موضحاً أن الصين قد أشرفت على ذلك بالفعل.

 ومجابهة لذلك التحدي، قامت الإدارة الأمريكية – كما يشير توينينج - بدعم الركنين الأساسيين لإستراتيجيتها الإقليمية الأمنية التي كانت تتبعها في ظل الحرب الباردة: أولاً، تدشين التحالفات العسكرية الثنائية؛ وثانياً، استمرار نشر قواتها العسكرية. وتطبيقاً لذلك، شرعت الإدارة الأمريكية في تنفيذ ما يلي: استمرار نشر قواتها في اليابان وكوريا الجنوبية؛ توثيق تحالفها مع أستراليا؛ إعلان كلٍ من تايلاند والفلبين حلفاءً لها من الدرجة الأولى؛ عقد اتفاقية تحالف إستراتيجي مع سنغافورا.

هذا إضافة إلى قيام البنتاجون بنشر قدرات عسكرية جديدة في المنطقة؛ تتضمن غواصات مهاجمة، ومُدمرات صاروخية، وقنابل بعيدة المدى.

 إلى جانب هذين الركنين، كما تقول الدراسة، قامت الإدارة الأمريكية مؤخراً بإضافة ركنٍ ثالث، يتمثل في تحجيم خطر الهيمنة الصينية على القارة الآسيوية؛ وذلك من خلال تحديد الطموحات الصينية الإقليمية، أو على الأقل السماح لها في شكلٍ محصور وضيق. ولن يتأتى مثل هذا التحديد – من وجهة نظر صناع القرار الأمريكي – إلا عبر تعجيل النهوض الاقتصادي والعسكري للدول الآسيوية الواعدة. ومن ثم، فإن صناع القرار الأمريكي لا يستهدفون احتواء الصين؛ بل يستهدفون تسهيل صعود وبزوغ مراكز قوة جديدة و"صديقة" في داخل القارة الآسيوية، الأمر الذي من شأنه أن يضرب عصفورين بحجر: تقليص فرص الصين للهيمنة على المنطقة، وإبقاء الولايات المتحدة الفاعل الإستراتيجي الأهم والأوحد في قلب آسيا. خلاصة الأمر، إن الإدارة الأمريكية سوف تشجع وتدعم بزوغ مراكز قوة جديدة في داخل آسيا، تعمل على حماية الوضع الأمريكي في ظل توازن آسيوي جديد.

إحباط إيران

وفي الدراسة الثانية، يؤكد رودمان أنه ليس بمقدور الإدارة الأمريكية القادمة مواجهة التحدي الإيراني إلا من خلال تقوية ودعم القوى الخليجية العربية "الصديقة" التي تحيط بإيران. ومن ثم كان قوله: إن إيران لا تعتبر في حد ذاتها مشكلة أمريكية؛ وإنما هي تمثل تحدياً – في المقام الأول – لحلفائنا وأصدقائنا في الشرق الأوسط. ومن ثم، فإن المرحلة الأولى لإستراتيجية المواجهة سوف تركز على دعم الحلفاء والأصدقاء العرب باعتبارهم ثقلاً مجابهاً للقوة الإيرانية.

ويعتبر رودمان هذا الدعم خط الدفاع الأول بالنسبة للولايات المتحدة؛ ملقياً الضوء خاصةً على العراق الذي يراه رودمان طرفاً أساسياً في تلقي الدعم. فلا أمل في إضعاف إيران إلا بتقوية العراق، وجعله عراقاً معتدلاً ومستقلاً ومشاركاً للأمريكيين والعرب، كما يؤكد رودمان.

ويرى أن مساندة واشنطن للدول الخليجية لا جدال فيه، حتى ولو اختلف الكونجرس مع بعض مبادرات تلك الدول. ولذلك نجده قائلاً: إن مفتاح المسألة هو اعتبار أصدقائنا الخليجيين العرب شركاءنا في المقام الأول. وهو الأمر الذي جعله ينادي الإدارة الأمريكية القادمة بضرورة إعلان الالتزام الأمريكي تجاه الدول الخليجية الشريكة القابعة تحت التهديد الإيراني؛ وضرورة إدخال تلك السياسة الإعلانية من ضمن الحوار الأمني الخليجي الأمريكي، وإلا يُعتبر الأخير ناقصاً.

هل من جديد!

إن النظر في هاتين الدراستين يعكس لنا تشابه واضح وملموس – إن لم يكن تطابق – بين التوجهين الأمريكيين، كل على حدة:

أولاً: التعامل مع الصين وإيران على اعتبارهما قوتين إقليميتين خطيرتين، ومن ثم الالتزام بتطويقهما.

 ثانياً: العمل على إضعافهما بطريقةٍ غير مباشرة؛ وذلك من خلال تقوية الدول المجاورة لهما.

ثالثاً: التوجس من البيئتين الإستراتيجيتين الجديدتين التي تعاظمت فيهما كل من إيران والصين؛ ومن ثم العمل على إحداث توازن في البيئتين عبر إضعاف القوتين ودعم الدول المجاورة لهما، ويمكننا القول: إن الولايات المتحدة لم يعد لديها القدرة على مواجهة مثل هاتين القوتين الصاعدتين بطريقةٍ مباشرة، وإلا لما لجأت إلى القوى المجاورة. وهو ما يثير الدهشة حقاً؛ فعلى الرغم من كون الإمبراطورية الأمريكية أقوى إمبراطورية من بعد الإمبراطورية الرومانية، وعلى الرغم من امتلاكها لقدراتٍ لا تمتلكها الدول الأخرى، إلا أنها تقف عاجزةً أو مترددةً أمام هاتين القوتين. 

 وهذا ما نوه عنه "جوزيف ناي" – الصحفي الأمريكي المعروف -  في مقاله "القوة والإستراتيجية الأمريكية بعد العراق" U.S. Power and Strategy after Iraq، الصادر عن "الفورين آفيرز" في عام 2003، حيث افترض بأن الهيمنة العسكرية لم تعد مقياساً في عالم قد تغير بشدة في العشر سنوات الماضية، بفعل الثورة التكنولوجية، ومقرطة التكنولوجيا، وخصخصة الحروب. والدليل على ذلك، أنه بالرغم من التفوق الأمريكي في القوة الصلبة hard power، إلا أنه لا يواجهه تفوق مماثل على الأصعدة الأخرى. فليس سراً أن الولايات المتحدة – على الرغم من كونها أقوى الإمبراطوريات في التاريخ –  تفتقد السيطرة على ما يحدث في داخل البلدان، بعكس الإمبراطورية البريطانية مثلاً. وكذلك، فهي تفتقد القدرة الدولية والمحلية لحل النزاعات الداخلية في البلدان المختلفة؛ الأمر الذي يحيلنا إلى ذلك التناقض الغريب في القوة الأمريكية: فهي أكبر قوة عالمية منذ الإمبراطورية الرومانية، ومع ذلك تقف عاجزة مكتوفة الأيدي أمام تحولات السياسة الدولية.

وهو ما أكد عليه أيضاً جيمز روزيناو – المحلل السياسي الأمريكي المعروف – في مقاله تحت عنوان "أوهام القوة والإمبراطورية" أو  Illusions of Power and Empire، والذي نُشر بكتابه "تاريخ ونظرية" History and Theory في عام 2005؛ حيث أشار إلى إسهام التكنولوجيات المايكرو إلكترونية الجديدة في استبدال عصر الدولة القومية (الذي كان قد نشأ على أثر اتفاقية ويستفاليا في عام 1648) بعصر الفرد الشبكة أو networked individual الذي نما بصورة عالمية، فقام بوضع نهاية حتمية لتاريخ الإمبراطوريات.

 والسؤال المطروح الآن هو: هل ستستغل الدول المجاورة، سواءً الدول العربية المجاورة لإيران أو الدول الآسيوية المجاورة للصين، الضعف الإمبراطوري الأمريكي، فتمتنع عن التحالف مع الولايات المتحدة، وتتكاتف مع الدول التي يُراد تطويقها بدلاً من التكاتف ضدها؟ أم سترضخ للإرادة الأمريكية وتقبل بتطويق "العدوين" الصيني والإيراني؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3 تموز/2007 -16/جماد الاخرى/1428