العبودية.. خصيصة تكوينية ام حالة طارئة

 

شبكة النبأ: العبودية خصيصة تكوينية في الانسان لايستطيع ان يتخلص منها باي حال وليست الحرية إلا شئ نسبي في مجال آخر من العبودية فليست هناك حرية مطلقة تتمتع بها الكائنات الحية، فالنبات يرتبط بالارض والماء. الجماد مرتبط بقوى فيزيائية صارمة لا تقبل الحيود.

هذا فضلا عن ان الانسان فرض على هذه المكونات عبودية استغلالية بفضل تمتعه بجوهرة العقل التي منحه إياها خالق الكون الله سبحانه وتعالى، وبها فرض نفسه كمهيمن على الحيوان والنبات والجماد.

وحرية الانسان هذه لاتعدو كونها حرية موهومة ليس لها ما يؤيد كونها حرية اصيلة فهو قد ابتلى باعباء العيش وما تتطلبه من تهيئة السبل الكفيلة لإدامة الحياة والنمو والتكاثر ومسايرة متطلبات الجسد كذلك ارتباطه الوثيق ببني جنسه، فالنبات عدى كونه مرتبط بالارض فهو غير ملزم بكل الواجبات الآنفة الذكر كونها تحدث تكوينيا دون ان يخطط لها بصورة واعية.

وهو لأجل ذلك لايفنى ولا يؤول الى الدمار، وكذلك الجماد لا يقوم باي مما يقوم به الانسان وكذلك لايفنى ولا يؤول الى العدم.

لكن الانسان ان لم يفكر او يخطط او يتكاسل عن العمل فانه كمن يقوم باعدام وجوده من الحياة.

فاين الحرية التي ينادي بها بكل صوته وهو مكبل بهذه الاعباء والسلاسل والقيود؟.

هذا في مجال الجسد اما في مجال الروح والعاطفة فان العبودية اعظم بكثير وهي امّر وأدهى واكثر مأساة على الوجود الانساني في كون تلك العبودية نابعة من ذات الانسان، وكل رغبة تنبع من الذات الانسانية انما تمتلك من القوة والجبر بما لايقاس لو انها تتصدر من الآخرين، وهي قد تتساوى مع احساس الجوع او الرغبة الغريزية.

من هذه العبوديات حب الظهور وإشاعة الأنا ورغم ان الانا الذاتية هي جذوة كل إبداع ومنطلق كل ثورات التجديد إلا انها في المحصلة قوة مهيمنة على الانسان وهو يدين لها بالعبودية.

تأتي عبودية الهوى وتتصل هذه العبودية بالغرائز وطرق تنفيذها او اشباعها والتي تتصادم في اغلب الاحيان مع السائد من اعراف واخلاق وثقافة المحيط الاجتماعي، ويظل الانسان مفكرا باختيار الزوايا المظلمة لممارستها بعيدا عن اعين المشاهدين او الرقابة الاجتماعية، كذلك يفكر بالتبريرات المناسبة لجعل تعدياته معقولة او شرعية وكل هذه الهلّمة انما هي عبودية يدين الفرد لها بالولاء والخضوع على حساب الحرية المزعومة، وقد يطلق اسم الحرية على هذه العبوديات المركزة في انه انما يمارس الحرية الذاتية لكنه في الحقيقة يمارس العبودية  بين السلاسل والقيود.

وفي مقابل ما اسلفنا تاتي العبودية الفكرية التي تاخذ حيزا كبيرا ومؤثرا حتى بالنسبة للمحيط الاجتماعي، فان اغلب الايمانات الفكرية انما تنتج بموجب مؤثرات جانبية كثيرة منها النسق الاخلاقي الاجتماعي والذاكرة الجمعية المختزنة لكثير من المفاهيم والمثيولوجيا والعاطفية وحب الظهور إضافة الى شعور العبودية التكويني الاصيل  تنتج هذه بمجملها الى اختيارفكر معين وغالبا هذا الفكر المعين يتوسم في انموذج بطل من الابطال الذين يعدهم الفرد ابطالا مميزون، والمسماة بعبادة الشخصية مثلا، وهذا دليل على اصالة العبودية في النفوس فهي لابد وان ترسي على شاطئ من شواطئ العبودية لكي تصل الى حالة الاشباع تماما مثل رغبة الجوع او العطش او الغريزة.

والعبودية الفكرية تلقي بظلالها على المجتمع برمته بكونها تتخذ تلك الافكار منحا مؤثرا في البنية الاجتماعية على شكل سياسي او يتمثل بتيارات دينية او فكرية علمانية او راسمالية او اشتراكية او ارهابية وعلى هذا فان هذه العبودية مؤثرة بشكل شامل على المجتمع ان كان بالفائدة او الضرر.

نسال بعد كل هذا لماذا تنادي الاديان والافكار الانسانية بتنقية النفوس من العبودية وتدعو الى الحرية على فحوى ولدتكم امهاتكم احرارا فلا ترفسوا معاصمكم بالاغلال.

وعلّق مدير تحرير (شبكة النبأ المعلوماتية) صباح جاسم على هذا الموضوع قائلا: توجد العبودية في الانسان ضمن كينونته التي خلقه الله تعالى بها ومنذ ادم عليه السلام الذي انزل الى الارض فيما بعد في صيغة العقاب المعروفة لعصيانه امر المعبود سبحانه وتعالى، وكذلك قوله جلّ وعلا: وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون، اي ان العبودية جزء من تكوين الانسان وليس شيئا طارئا اوجدته ظروف بيئية او محيط معين، رغم حاجته بين الحين والاخر لإظهار مالديه من خصوصيات من خلال فسحة من الحرية الشخصية.

ولكن اذا تم ربط فسحة الحرية بمقاييس العبودية الحقّة في وجهة صحيحة سنجد الابداع يتدفق من الانسان في كل ناحية ومكان بالاتجاه الصائب والمفيد.

فيما كتب نبيل نعمة عن هذا الموضوع وهو باحث في مركز الدراسات: بسم الله الرحمن الرحيم،(إياك نعبد وإياك نستعين ) والمراد بهذه الآية الكريمة إن العبودية لله وحده وهو من أمر أنبياءه عليهم السلام بأن يحرروا الإنسان من أنواع العبودية كافة.

 سواء أكانت مفاهيم العبودية بشكلها العقائدي أي عبادة آلهة غير الله سبحانه أم قد تكون بشكل إعجاب بأشخاص أم بشكل غريزي يصل معها الإنسان إلى طاعة غرائزه أكثر مما يطيع خالقه، وهذا المفهوم نجده في المجتمعات تتفاوت بنسب مختلفة فكثيراً ما نجد مجتمعات تؤله الأشخاص وتطيعهم أكثر من طاعتهم لله.

فالعبادة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى على ما أعطانا من نعم وعلى ما وهبنا من مكرمات فضلنا بها على سائر الأجناس لذا لا يجوز أن نتخذ معه معبوداً سواه نعبده لا نشرك به شيئاً.

 ثم إن الإنسان قد يعجب بشخص معين فيذهب إلى تأليهه ويغالي في تمجيده من حيث لا يدري فهو حينئذ قد وقع في حبائل الرق والعبودية وأوقع نفسه في عبادة المخلوق ومعصية الخالق، صحيح أن الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الشريف يقول( عبدي اطعني تكن مثلي) لكن خارج نطاق التأليه والطاعة للخالق هي بمثابة الجميل الذي يرده الإنسان إلى بارئه وهي لا تكون إلا له على ما أعطاه من نعم لكل البشر فلا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى.

 وأخطأ من يبرر ذلك بأنه يندرج تحت ما يسمى بالحرية فليس معنى الحرية الفوضى في النظام أو خرق القوانين، بل الحرية معناها إطلاق تصرف الناس في إطار المعقول ويخطأ من يظن ان الحرية مطلقة الأمر الذي يجعلها من قانون الغاب، قانون تنتهك به الإنسانية ويصبح كل شيئ مباح فيه، فيحب جعل إطار للحريات وهذا الإطار لا يكون إلا بقانون وليس ذلك بمعنى الكبت أو التقييد او إستعباد الانسان بل بمعنى أن لا يضر الإنسان نفسه ولا غيره.

***وعلى هذا فاننا امام عبودية نيّرة هي العبادة لرب العالمين وهي المتجلية في ارادة الله سبحانه وتعالى وما عداها من العبوديات انما هي تعدي على تلك العبودية المقدسة وهو وضعها في غير مضانها الحقيقي. وبهذا ايضا نرى بان العبودية انما هي عبودية اصيلة في تكوين وخصيصة الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2 تموز/2007 -15/جماد الاخرى/1428