الشرق الأوسط الجديد وصناعة الغلو والتطرف!!

دكتور أحمد راسم النفيس

 رغم مرور أكثر من أربعين عاما على كارثة يونيو 1967 فلا شيء يضمن حتى الآن ألا تكون هذه هي آخر الكوارث الناجمة عن فشل التخطيط والسياسة والإدارة.

ورغم أن السماء لم تمطر فجأة في هذا اليوم المشئوم بل كانت ملبدة بالغيوم التي تنذر بالأعاصير إلا أن إحساس الطمأنينة المزيف بأن تغيير الحال ضرب من المحال قاد لحدوث تلك الكارثة.

لا زال عقلنا السياسي مصرا على تكرار تجاربه القاتلة والمميتة إذ أننا ومنذ قرون خلت (لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحِلَّ بِنَا).

الكوارث أشكال وألوان من بينها ما جرى عام 1967 ومن بينها ما يدبر الآن للمسلمين من مكائد ومؤامرات.

قبل أقل من عام واحد وفي غمرة التفاؤل الأمريكي بنتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان سمعنا الآنسة كوندي وهي تبشر بميلاد شرق أوسط جديد وكأن شرقنا القديم لم يكن سيئا بما يكفي فجاءت لتبشرنا بما هو أسوأ!!.

لا أعتقد أن الآنسة رايس كانت تجازف بإعلانها هذا فهي تعرف جيدا من تخاطب وتعرف أن هؤلاء هم أنفسهم الذين تلقوا اللطمة عام 1948 ومع ذلك لم يستفيدوا مما علموا ولا سألوا عما جهلوا فتوالت عليهم اللطمات دون أن يكلفوا خاطرهم حتى القول (اللهم اجعل هذه اللطمة آخر اللطمات) فكان أن توالت عليهم المصائب والنكبات بعد ذلك بمعدل نكبة كل عشر أعوام.

لقد كان شرقنا الأوسط القديم حاصل عملية التقسيم الذي قام به الحلفاء المنتصرون على الخلافة العثمانية (التركية السُنية) حيث نجحت هذه الدولة طيلة القرون التي حكمت خلالها في استعداء الشعوب (العربية السُنية) الخاضعة لها مما سهل على الحلفاء بعد ذلك دفع العرب السُنة للثورة عليها تارة تحت شعار الثورة العربية وتارة أخرى تحت شعارات (الوهابية) في مواجهة ما اعتبره هؤلاء انحرافا عن الإسلام والتوحيد.

شرقنا الأوسط الحالي هو ناتج عمليات قسمة وطرح كبرى مع عملية جمع صغرى أنتجت هذا الموزاييك القومي والديني والمذهبي المسمى بالدول العربية ولضمان بقائه أطول فترة ممكنة منحتهم بريطانيا العظمى جامعة عربية ريثما تحين الفرصة لإعادة ترتيب أوضاعهم مرة أخرى.

لا يُسأل الحلفاء عن سبب عجز هذه الأمة عن الانصهار في بوتقة واحدة بصورة طوعية (ولا نقول دولة واحدة) رغم مرور أكثر من ستين عاما على (جمعنا في جامعة) ولا يُسأل هؤلاء أيضا عن سبب انتفاض العرب في مواجهة الأتراك رغم التوحد الديني والمذهبي بينهم, والسؤال لا بد أن يوجه لهؤلاء الذين يتصايحون الآن داعين لرص السنة في مواجهة الشيعة, دعاة تقسيم المنقسم, عن سبب فشلهم في تحقيق الانصهار القومي حفاظا على وجودهم وعلى الحد الأدنى من مصالحهم.

المسلمون عليهم قبل غيرهم يقع عبء منع حدوث المزيد من الانشطارات السياسية تحت عنوان (الشرق الأوسط الجديد) وهم من يتحمل كامل الوزر عن حالة التفكك التي يعيشها شرقنا القديم لأنهم يشكلون الغالبية العظمى من شعوب المنطقة.

الأوسط الجديد الذي أعلنت عنه الآنسة كوندي يقوم على إعادة تقسيم المنقسم مرة أخرى على أسس (أكثر إحكاما)!!.

فهناك دولة للشيعة الفرس ودولة أخرى للشيعة العرب ودولة ثالثة للسنة العرب في العراق ودولة رابعة للوهابيين وأخرى للمسيحيين ودولة للفلسطينيين ودولة للأكراد فضلا عن إسرائيل الآمنة المطمئنة التي يأتيها رزقا رغدا من كل مكان وهلم جرا...

ما هو المبرر الذي يقدمه هؤلاء لإقناع الشرق الأوسطيين بهذا المشروع؟؟.

المبرر: هو هذا الاقتتال المستمر وحملات الكراهية المتواصلة المتبادلة بين شراذم الأمة المتقاتلة والمتصارعة..

والحل هو وضع كل طائفة في علبة أو في قفص حديدي لئلا يعدو بعضها على بعض ولا يأكل القوي الضعيف ولا يشكو الضعيف من ظلم القوي لا إلى المحاكم الدولية ولا إلى منظمات حقوق الإنسان ولا يلجأ البعض الآخر إلى تفجير نفسه في أبراج التجارة العالمية في نيويورك أو غيرها!!.

ولكي يصبح هذا الحل مقبولا فلا بد من تصعيد الصراع بين هذه القوى المتناحرة التي تكره نفسها أكثر مما تكره غيرها ولا بد من تسخين جبهات الصراع الديني والمذهبي والقومي وإطلاق حملات الكراهية والتخوين والتحريض على القتل وصولا إلى تسخين بعض الجبهات وإغراقها بدماء الاقتتال الطائفي بكافة أنواعه والحيلولة دون الوصول إلى حلول عقلانية مقبولة وفي النهاية ترسل الولايات المتحدة جيوشها ومن وراءهم مبعوثيها لوضع النقاط على ما تبقى من حروف....

ودعك من أوهام الوحدة الإسلامية والقومية أو حتى الوطنية!!.

ومن لم يرض بالتوت فعليه أن يقبل بحطبه!!.

إنها وصفة تضع السم في علبة دواء وتضمن أن يتحول الصراع بين الفرقاء المتنازعين إلى صراع داخلي على المغانم حتى داخل الفريق الواحد بين السنة والسنة و الشيعة والشيعة فضلا عن الصراعات القديمة التي فشلنا في حلها لأننا لا نرغب في هذا من الأساس.

ولكن لماذا ومن الذي أوصل المسلمين إلى هذا الحال؟!.

ومن الذي أقنع المخططين الغربيين بإمكانية نجاح هذه الخطة؟!.

والأهم من كل هذا: كيف يمكن تنفيذ هذه الخطة الجهنمية التي تتضمن تقسيم الجزيرة العربية وبلاد الشام واقتطاع أجزاء واسعة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضمها إما إلى بلوشستان أو إلى كردستان أو إلى عربستان؟!.

هنا يبدو واضحا لماذا اختير لبنان مع بدء الحملة الإسرائيلية على حزب الله لتدلي منه الآنسة كوندي بإعلانها التاريخي عن تأسيس شرقها الأوسط الجديد حيث يعد ضرب حزب الله تمهيدا ضروريا لضرب إيران ومن ثم يبدأ الشق التنفيذي من الخطة التي أعدها مخططو الإدارة الأمريكية.

عندها سيركع الجميع الذي قالوا نعم قبل الذين قالوا لا!!.

ورغم فشل الحرب الإسرائيلية على لبنان في تحقيق أهدافها إلا أن الرهان على مشروع الشرق الأوسط الجديد لم يتوقف وهو الدافع الحقيقي وراء إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على شن حربها على إيران والتي تشير الكثير من الدلائل إلى أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى.

إعادة التقسيم أم العودة للاصطفاف؟!

ولأن مشاريع إعادة التقسيم لم تنشأ من فراغ بل نشأت من قراءة غربية لحال الانقسام القائم بالفعل في منطقتنا سواء كان انقساما دينيا أو مذهبيا أو عرقيا والإصرار العنيد الذي تبديه القشرة الفوقية الحاكمة وجماعات الدعاية والمنافع التي ارتبط وجودها بوجود هذه الطبقة الحاكمة وهم لا يرون لحياتهم معنى إلا من خلال دفاعهم المستميت عن هذه السياسات التاريخية الفاشلة مهما كلف هذا من ثمن وحتى لو انتهى الأمر بعالمنا الإسلامي إلى التفتت والضياع النهائي.

لا سبيل أمام عالمنا الإسلامي إلا إعادة ترتيب البيت وتقديم (تنازلات) في الداخل وهي ليست تنازلات عن حقوق بل عن مكتسبات تمكنت الطبقة الحاكمة من انتزاعها مقابل حرمان قطاعات عريضة من المجتمع من حقوقها سواء في المشاركة السياسية أو في اقتسام الثروة بصورة عادلة.

عندها فقط يمكن تفكيك الألغام التي تستدعي التدخل الأجنبي وتبرر محاولات تقسيم المنطقة تحت دعاوى منح الأقليات القومية والدينية حقوقها التي لم تتمكن من الحصول عليها في ظل هذه الأوضاع.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 1 تموز/2007 -14/جماد الاخرى/1428