المهجرون الفصل البكائي الصامت

عدنان آل ردام العبيدي*

من كل مناطق بغداد، من الاعظمية، ومن الصليخ، ومن السيدية، ومن حيفا، والدورة، والبياع، والتاجي، وأبو غريب، والرضوانية، والفضل، والشرطة، وعموم مناطق الكرخ، إذ بلغ مجموعهم مئات الآلاف فيهم النخب والتجار والموظفين والكسبة، وفيهم كبار السن وعجائز وشبان وأطفال، تركوا بيوتهم كيفما كانت، قصوراً، شققاً، بناءً قديماً وتركوا ما فيها، وتركوا ايضاً محالهم ومتاجرهم ومدارسهم ووظائفهم ليجدوا أنفسهم فجأة ودون سابق إنذار في العراء، بعضهم من ظفر بخيمة وبضع بطانيات وبعضهم من أفترش ساحات المدارس والخرائب والبعض الآخر من أفترش الأرض والتحف السماء.

مئات الآلاف من البشر اقتلعوهم من جذورهم بورقة تهديد أو ظرف يحمل رصاصة تنذرهم بالرحيل الفوري دونما انتظار، بينما بقيت بيوتهم وممتلكاتهم وهويتهم وطفولتهم إرثاً لحظائر الذئاب التي نزلت من القرى المعزولة التي لا تفقه شيئاً من الرحمة والإنسانية والمدنية والقوانين الاجتماعية التي لم تكن تعرف قبل نزول هؤلاء اصطلاحات أو سلوكيات سنية أو شيعية أو مسيحية أو أي شيء من هذا القبيل.

هكذا فجأة حلت الكارثة بالمحلة والزقاق والشارع العراقي والعائلة العراقية لكن اللامفاجأة هو ذلكم العمل والتخطيط والبرمجة والصياغة التي كانت تدار في الأروقة والدوائر المذهبية والطائفية الغارقة بالحقد الأعمى في معاهد ومعابد ودور الإفتاء التي تشكل حزاماً إقليمياً لنا لا يختلف في طبيعته عن حزام امرأة ابي لهب او مَنْ قالت عنها السماء (في جيدها حبل من مسد).

المهجرون كيفما تحدثنا عنهم وكيفما كانت الأسباب التي أوصلتهم الى خيامهم او الى دكات الأرصفة باتوا اليوم يشكلون احد تمظهرات الحالة العراقية خصوصاً في ظل غياب التشريعات والقوانين الرسمية التي قد تخفف من هول هذه الكارثة فيما اذا أرادت الدولة ذلك.. فما يشكله هؤلاء من محنة مع غياب الحلول المرحلية والنهائية بات لا يقل خطورة عن استحقاقات الارهاب والفساد والمؤامرات التي تريد نسف كل شيء وبأي شيء. الحكومة وبمؤسساتها الوزارية ومنظماتها الإنسانية والمدنية وجمعياتها الخيرية مطالبة وبشكل فوري وعاجل ان تضع في أولويات اهتماماتها ومتابعاتها وضع هذه الشريحة المظلومة المضطهدة حتى لو وصل الأمر الى إعلان المناطق التي يسكنها المهجرون مناطق منكوبة كما تفعل حكومات العالم عندما تتعرض بلدانها الى ظواهر كونية او أزمات إنسانية.

 بل ونعتقد ان حكومتنا ليست عاجزة عن التخفيف من معاناة هؤلاء وهي تمتلك الرصيد المالي الأضخم في تاريخ العراق القديم والمعاصر لكن المشكلة ليست على ما يبدو في امكانيات الدولة انما في آليات معالجاتها إزاء الأزمات التي تواجهها كما بدا ذلك واضحاً في معالجتها المتأخرة لجريمة استهداف الروضة العسكرية. نتمنى من حكومتنا الإسراع في وضع حدٍ لهذه الكارثة قبل ان تستفحل لتنذر بما لا تحمد عقباه وهذا ما نخشاه جميعاً.

*رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين

رئيس تحرير صحيفة الاستقامة

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26 حزيران/2007 -10/جماد الاخرى/1428