كيانات ثلاثة وحمستان محاصرة

شبكة النبأ: ان كل محاولة لإنهاء الصراع بين فتح وحماس منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية قد باءت بالفشل، وتحول الجدل بدلا من التركيز على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الى صراع دموي غير مسبوق بين الفلسطينيين من اجل السلطة، لتتكون في النهاية جهتين منفصلة احداها لعباس في الضفة والاخرى لحماس في القطاع. 

ومن المتوقع ان تقوم استراتيجية امريكا واسرائيل بالتعاون مع حكومة عباس أساسا على تعبئة رأي عام عالمي واقليمي عربي ضد حركة حماس بصفتها تنظيما متطرفا وارهابيا مسؤولا عن اعمال العنف والقتل التي شهدها قطاع عزة في الاسابيع الاخيرة.

وان الحركة قد اختارت العنف وسيلة لتحقيق اهدافها السياسية وبالتالي تكون قد أخرجت نفسها من دائرة المشاركة السياسية. وقد كانت تصريحات أبو مازن الأسبوع الماضي،  والتي وصف فيها قادة وأعضاء حماس بالمتطرفين والإرهابيين للمرة الاولى على لسان مسؤول فلسطيني  تتناغم مع هذه الإستراتيجية.

وأدلى الخبراء والباحثون الأمريكيون المهتمون بقضايا الشرق الأوسط خاصة الصراع العربي الإسرائيلي كل بدلوه في تحليل التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية خلال الأيام الماضية، وأفردت الصحف وشبكات الأخبار مساحات لمارتن انديك السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ومدير مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنغز، وكان دينيس روس المنسق الأمريكي السابق لعملية سلام الشرق الأوسط والخبير بمعهد  واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ونيثان براون الخبير بمعهد كارنيغي للسلام الدولي، وفؤاد عجمي أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز.

كما تصدر عناوين مثل "الضفة الغربية أولا: إستراتيجية لن يكتب لها النجاح"، "الرهان على السيد عباس" و"الحذر من دعم عباس" وغيرها صفحات الرأي في الصحف الأمريكية. وكان من بين التحليلات تقرير نشر في الموقع الالكتروني  لمجلس العلاقات الخارجية   Council on Foreign Relations في 18 يونيه الجاري بعنوان (حل الثلاث دول) أعده مايكل موران Michael Moran. ونقله موقع تقرير واشنطن، جاء فيه.

كيانات سياسية ثلاثة

استهل موران التقرير قائلا إننا في هذه اللحظة وفي أعقاب إطاحة حركة حماس بفتح في قطاع غزة، أمام كيانات سياسة ثلاثة منفصلة  في الأراضي التي يعتبرها الفلسطينيين دولتهم، ليؤدي هذا الوضع إلى خلق مشكلات نوعية جديدة، بالإضافة على الحديث عن بعض الفرص السانحة في الأفق.

حركة فتح أقدم المنظمات الفلسطينية التي أسسها عرفات وتعتبر الكيان الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية يقودها الآن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يفرض نفوذه على الضفة الغربية، أعلن عن إقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عضو حركة حماس إسماعيل هنية، وتعيين حكومة طوارئ محلها. وذلك في الوقت الذي تصر فيه حماس على

عدم شرعية قرار عباس على اعتبار أنها قد فازت بالانتخابات التشريعية في يناير من عام 2006، وبالتالي، فإنها تعتبر هنية ما يزال رئيس الوزراء الشرعي.  ويعتقد الكاتب أن هذا الواقع الجديد قد أضاف إلى تعقد الصراع العربي الإسرائيلي بعدا أخر.

 ويذكر موران أن التوازن في العلاقة بين فتح وحماس قائم منذ عقود  لكن وضوح الكيان الجغرافي لحماس شيء جديد. وأضاف أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بالفعل قد أعلنا عن دعم السلطة الفلسطينية بملايين الدولارات التي كانت مجمدة طوال فترة حكم حماس.

 كما أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني قد صرحت بأن إسرائيل ستعيد ملايين الدولارات من عائدات الضرائب المستحقة للحكومة المؤيدة من حركة فتح، فضلا عن أن الجامعة العربية قد أعلنت موقفها من الصراع الدائر بين فتح وحماس باعتبار أن محمود عباس يمثل الشرعية.

وذكر التقرير أن حماس والـ 1.4 مليون فلسطيني في غزة سيجدون أنفسهم منعزلين ومحاصرين أكثر من أي وقت مضى خاصة وأن إمدادات المياه والكهرباء والغاز والسلع التجارية في يد عدوهم الأكبر إسرائيل. بالإضافة إلى أن حماس بسيطرتها على كافة القطاع أصبحت دون أن تقصد مسؤولة عن أنشطة أي عضو من أعضائها.

وفيما يتعلق بإلقاء مسؤولية وصول الأوضاع إلى ما ألت أليه في عزة على الرئيس بوش والإدارة الأمريكية، قال إن ما حدث بمثابة رفض تاريخي لمشروعات إدارة بوش لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط  لجهوده في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.

 ونقل التقرير عن دينيس رووس قوله إن كل محاولة لإنهاء الصراع بين فتح وحماس منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية قد باءت بالفشل، وتحول الجدل بدلا من التركيز على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الصراع بين الفلسطينيين.  وأضاف أن كل الإطراف كانت تتوقع في يوم من الأيام أن يتحول قطاع غزة إلى "حمستان"، ورغم نشوة بوش وأولمرت بقرار عباس بالتخلص من حكومة حماس، فإن سيطرة حماس وحكمها لقطاع غزة بمفردها يسبب قلقا لإسرائيل والولايات المتحدة وأطراف إقليمية أخري، ولذلك فقد قرر أولمرت طبقا للتقرير أن يلتقي خلال زيارته لنيويورك الأسبوع الماضي الأمين العام للأمم المتحدة مقترحا عليه نشر قوات حفظ  سلام على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة.

 إن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في عام 1987 خلال الانتفاضة الأولى أضعف طبقا لتقرير من نفوذ واحتكار حركة فتح العلمانية للشأن السياسي الفلسطيني، كما ان فرض العزلة على رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات في سنوات عمره الأخيرة قد زاد من ضعف فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية لصالح حماس.

 مارتن انديك مدير مركز سابان التابع لمعهد بروكنغز عبر عن نفس مفهوم حل الثلاث دول في مقابلة مع الإذاعة الأسترالية ، ونشرها معهد بروكنعز على موقعه الإلكتروني، عندما قال إن الأراضي الفلسطينية ستشهد مزيدا من الانقسامات. وأضاف أننا الآن أما الحل القائم على الدولتين ولكن ليس كما هو في عقل الكثيرين، إنه حل الدولتين دولة فتح ودولة حماس. وأضاف أن الضفة والقطاع جغرافيا منفصلتان، وحالت إسرائيل دون إيجاد وسيلة للتواصل بينهما لأسباب أمنية.

ورأي انديك أن الوضع الجديد لا ينطوي على ميزة أو بعد إيجابي للإسرائيليين، فقطاع غزة يمكن أن يتحول طبقا  لانديك إلى ساحة لكل اللاعبين الأشرار من حزب الله والقاعدة وغيرهم، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل أن تصبر على هذا الوضع كثيرا. وتوقع  مدير مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط أن تقوم إسرائيل في نهاية المطاف  بشن هجوم موسع على غزة ينهي سيطرة حماس.

إستراتيجية بوش وألمرت للتخلص من حماس   

وطبقا لموقع تقرير واشنطن، تأتي الزيارة العادية والمقررة سابقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى الولايات المتحدة  في أوقات غير عادية بالمرة نظرا للتطورات غير المسبوقة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، مما يجعل لهذه الزيارة أهمية قصوى، خاصة وأن بعض المحللين أكدوا على اتفاق الجانبين الأمريكي والإسرائيلي على تنفيذ إستراتيجية موحدة للقضاء على حماس. يتابع تقرير واشنطن في هذا المقال زيارة ومحادثات رئيس وزراء إسرائيل مع المسؤولين الأمريكيين، وأراء الخبراء والباحثين حول الإستراتيجية المشتركة التي يعتزم الجانبان تطبيقها في التعامل مع أزمة فتح وحماس.

 الأهداف الأصلية لزيارة أولمرت

وبدأت زيارة أيهود أولمرت للولايات المتحدة يوم الأحد 17 يونيه كالمعتاد بزيارة مدينة نيويورك ، حيث التقى بقادة الجمعيات اليهودية وألقى خطابا أبدى فيه مناصرته لرئيس السلطة الفلسطينية في مواجهة حماس، واستعداده لاستئناف الاتصالات مع محمود عباس.  كما التقى أولمرت في نيويورك طبقا لشبكة CBS الإخبارية يان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، حيث طالبه بتوفير المنظمة الأممية لقوات حفظ سلام على الحدود بين غزة ومصر، بالإضافة إلى دعم وتعزيز قوات حفظ لسلام على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وفي يوم الاثنين 18 يونيه التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي كبار مسؤولي إدارة بوش مثل وزيرة الخارجية الأمريكية التي صرحت عقب لقائها بأولمرت بضرورة استغلال الفرصة السانحة في ظل الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية لاتخاذ خيارات حاسمة لتحقيق رؤية الرئيس بوش بإقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام.

 ورغم أن ما شهده قطاع غزة من أحداث أعقبتها قرار رئيس السلطة الفلسطينية بعزل حكومة هنية وإعلان حالة الطوارئ، طغى على محادثات ولقاءات أولمرت في واشنطن، فإن أجندة الزيارة الأصلية  كانت ترتكز طبقا لمنظمة أيباك المؤيدة لإسرائيل على مناقشة جهود حزب الله لإعادة تسليح وتأهيل قواته في أعقاب الخسائر التي مني بها في حرب الصيف الماضي. فضلا عن مناقشة الخطر الذي تمثله كل من سوريا وإيران على أمن إسرائيل، حيث تزعم مصادر إسرائيلية أن القوات المسلحة السورية تعيد بناء نفسها وتستعد لشن حرب خاطفة على إسرائيل. ذلك فضلا عن طموح إيران النووي  وكيفية مواجهته.

 لقاء بوش وأولمرت

استقبل الرئيس بوش رئيس الوزراء الإسرائيلي  في البيت الأبيض يوم الثلاثاء 19 يونيه بعد أيام قليلة من قرار محمود عباس حكومة إسماعيل هنيه وتشكيل حكومة طوارئ برئاسة الاقتصادي سلام فياض، ليصبح دعم عباس وإضعاف وفرض العزلة على حماس هو الموضوع الرئيسي لمحادثات الجانيين.

الرئيس بوش الذي تقاطع إدارته حكومة حماس مثلها مثل الحكومة الإسرائيلية،  اتخذ موقفا منحازا لرئيس السلطة الفلسطينية، واعتبر أن قرار عباس بإقالة حكومة هنيه فرصة للتخلص من حماس المتطرفة المعادية للديمقراطية طبقا لتصريحات بوش. وقد وصف بوش محمود عباس خلال اللقاء الذي جمعه بأولمرت برئيس كافة الفلسطينيين، وانه صوت الاعتدال، ومن جهته تعهد رئيس الوزراء إسرائيل ببذل كافة الجهود الممكنة للتعاون مع رئيس السلطة الفلسطينية.  وبينما بدا بوش في اللقاء متحمسا لمساندة عباس وحكومة الطوارئ، كان أولمرت أكثر حرصا في تعليقاته قائلا إن تحقيق أي تقدم على طريق السلام يحتاج إلى  حكومة تتمتع بالجدية والمصداقية.

إستراتيجية التخلص من حماس

تقوم إستراتيجية الطرفين أساسا على تعبئة رأي عام عالمي وإقليمي عربي ضد حركة حماس بصفتها تنظيما متطرفا وإرهابيا مسؤولا عن أعمال العنف والقتل التي شهدها قطاع عزة في الأسابيع الأخيرة. وأن الحركة قد اختارت العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية وبالتالي تكون قد أخرجت نفسها من دائرة المشاركة السياسية. وقد كانت تصريحات أبو مازن الأسبوع الماضي،  والتي وصف فيها قادة وأعضاء حماس بالمتطرفين والإرهابيين للمرة الأولى على لسان مسؤول فلسطيني  تتناغم مع هذه الإستراتيجية.

 إضعاف وعزل حماس في الشارع الفلسطيني بل وبين المتعاطفين معها من أهداف إستراتيجية إدارة بوش، وذلك من خلال الترويج لفكرة أن الهدف من الحصار المفروض على قطاع غزة، ليس أهالي غزة وإنما حماس.  وهو الأمر الذي من شأنه انقلاب أهالي غزة على الحركة خاصة مع استمرار عزلة القطاع لفترة طويلة.

تسعى إستراتيجية بوش وأولمرت إلى قطع الطريق أمام مصالحة ممكنة بين حركني فتح وحماس  يكون من شأنها عودة حماس أو بعض أعضائها إلى الحكم. وقد بدا جليا خلال الأسابيع الأخيرة من الأزمة أن المملكة السعودية تنأى بنفسها عن رعاية أي مصالحات، رغم  نجاحها النسبي في تجربة اتفاق مكة. أما القاهرة، فتتعامل مع الفصائل الفلسطينية خاصة حماس بتعالي وفرض شروط مسبقة وممارسة ضغوط وكأنها تتعامل مع جماعة الإخوان المصرية.  الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان تماما أن كلا من مصر والأردن يفضلان فتح العلمانية على حماس الراديكالية، والتي يثير نفوذها في الأراضي الفلسطينية مخاوف أمنية وإستراتيجية للبلدين. وبالتالي، فإن دور كل من مصر والأردن في المساعدة على التخلص من حماس من أهم عوامل نجاح إستراتيجية الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا السياق.  وكان التأييد المصري والأردني العلني لقرار عباس بإقالة حكومة هنية، وإدانة القاهرة لسيطرة حماس على قطاع غزة ونقل بعثتها الدبلوماسية أو الأمنية إلى رام الله بدلا من غزة يتماشى مع إستراتيجية عزل وإضعاف حماس.

 الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوربي أعلنوا جميعا عن استئناف برامج المساعدات الاقتصادية والخدمية للفلسطينيين بعيدا عن نفوذ وسيطرة حماس أي فعليا إلى فلسطينيي الضفة الغربية وإبقاء فلسطيني قطاع غزة تحت كافة أنواع الحصار السياسي والاقتصادي والخدمي.  وبالتالي تكون الصورة التي تسعى إستراتيجية بوش واولمرت إلى تحقيقها كالتالي: الضفة الغربية الديمقراطية التي تتمتع بالأمن  والمساعدات والخدمات  تحت نفوذ عباس وفتح المعتدلين، وإمارة غزة المتطرفة الجائعة المحاصرة والمعزولة تحت حكم متطرفي حماس.

 الصورة السابقة استفزت الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، حيث اتهم أثناء وجوده بأيرلندا هذا الأسبوع الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوربي بالسعي للتفريق بين أبناء الشعب الفلسطيني، من خلال تقديم الدعم والمساعدة لرئيس السلطة الفلسطينية وحكومة الطوارئ في الضفة الغربية، في الوقت الذي يحاصر فيه سكان قطاع عزة لتأيدهم لحماس اجتياحه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد24 حزيران/2007 -8/جماد الاخرى/1428