ديالى أسيرة الإرهاب

عباس البصري

    ديالى مدينة البرتقال، جميلة بأرضيها الخصبة المعطاءة... ومياها العذبة المتدفقة من جبالها الشامخة الغراء... يحتضن شلال مائها نهر جميل، حمل اسمها وسار يغذي بساتينها الباسقات... والنخيل تلوذ بفيئها أشجار الحمضيات المملوءة بالثمرة والنماء ... وتجوب بساتينها النحلة لتجمع من رحيق أزهارها عسلا لذيذا فيه شفاء... وتفوح رائحة القداح لتنشر العطر الجميل فينتعش الجسد ويزداد قوة وعنفوانا وعطاء..

   أهلها طيبون كطيبة أرضها، ومائها والهواء... امتازوا بطيب المعشر ودفء العلاقات الإنسانية... يحبون الغريب أكثر من القريب يبسطون له البسمة بأجمل لقاء... ويطعمونه الترحيب والتهليل قبل الدليمية وعذب الماء.. انهم عراق مصغر بالمعنى والانتماء....

  ودقت طبول الحرب... ودخلت جيوش البغي والاحتلال بغداد... وأمطروا أهلها بوابل من حمم الحقد والعظمى والكبرياء تركوا حبيبتهم وارتحلوا إلى شقيقتها العنقاء... استقبل العربي أخاه الكردي... والسني أخاه الشيعي... والشيعي أخاه السني بكل حب واجمل لقاء... وبعدها علاقة حميمة وأمسية بمضايف عربية واسعة تظلها الأشجار ويتخللها الهواء.

  وما أن وضعت الحرب أوزارها واشتاق الضيوف إلى حبيبتهم اعز عليهم فراقهم والدمعتان سقطت عند الوداع لحظة الفراق.

  ووعدوهم سوف يزوروهم بأقرب فرصة يحملون الهدايا لذكرى أجمل ضيافة ولقاء.

  وما هي إلا شهور حتى زحفت دباباتهم إلى مدينة البرتقال تحمل الحقد والمكر والدهاء وتحركت حسيكت النفاق من مغرزه واصله ومنبعه منافقي خلق الإرهاب ورموزه من بقايا نظام متهرئ ضال.

   وقعت الطيور على أشكالها باستراتيجية أمريكية ظنوا سيٌكتب لها النجاح ليفسدوا علاقة ممتدة للآلاف السنين كجذور الأشجار المعمرة في طين بأرض خصباء ينبع منها الماء....

   نعم قطعوا رؤوسا ومزقوا أشلاءا وفخخوا وفجروا حتى اسود الهواء... وامتلأت الأرض بالأشلاء والدماء... وخطفوا وعذبوا الأجساد الرقيقة بالسكينة... وقطعوا الأعضاء... حملت أجسادهم مياه نهرهم بدلا عن الثمرة اليانعة الساقطة ليجرفها الماء.

   هجروا... قتلوا بقوائم كبيرة حتى الشيخوخة والأطفال والنساء أيام مرت مثلها ما شهدت حتى في ألف ليلة وليلة... والهاجنا والاركون وعابس والغبراء....

   البعض لزم الصمت وقال ليست أنا المقصود... وشارك البعض ظننا أن الدنيا سوف تطول... ولم يعلموا أن النار تحرق نفسها وتترك رمادا عندما تنطفئ وتزول..

  لماذا نبدل الاخوة  بالعداء... والحب بالبغضاء... والبسمة بالدمعة الحمراء؟

  لماذا نقتل ونكفر بعضنا وفي أرضنا ألد الكفار والأعداء.... لماذا نبدل الجهاد بالغباء ... والحكمة بالرعناء؟ أين نحن من الإسلام، وماذا نعرف عن الإسلام، ماذا نعرف عن نبي الرحمة وسيد الأنام... بل ماذا نعرف عن عالم الحيوان، هل سمعتم حيوان قتل من جنسه وهو جائع وعطشان؟

  كيف يقتل  العصفورُ بلا حب عصفور والنسر ينتظر الأوان... وكيف يقتل غيلة الإنسان أخاه الإنسان... كيف جمعتم بين الإيمان والإنسان بيد الرحمان وأنتم تقتلون وتعذبون الإنسان؟!

   كل هذا باسم دولة الإسلام... ومن اجل الإسلام ... سيرحل المحتل لأنه بلا اصل وعنوان وسوف يٌقتل عرب الأفغان بظلمهم وفقدانهم حقيقة الإنسان...وينحسر الظلم وينكشف الامتحان...

  ولكن كيف نواجه بعضنا ونعيد سالف عصرنا ونجمع الشظايا من الأزقة والحدائق والأكفان... ماذا نقول عندما تعود مجالس المضايف من قصص البطولة أو الخذلان؟.

  ماذا نقول عند الوقوف بيد الرحمن... كنا نصوم ونطعم الجائع ونسقي الضمأن أم قتلنا البريء من الجيران... ألم نضع ذلك اليوم في الحسبان... فلينتبه الإنسان وتعود ديالى الخير إلى سالف عصرها بالحب والأمان وينتصر الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 22 حزيران/2007 -6/جماد الاخرى/1428