تدمير ضريح الإمامين الهادي والعسكري ومقاومة الاحتلال

دكتور أحمد راسم النفيس

 رغم أن أيا من الإمامين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري لم يأتيا إلى سامراء أو (سُر من رأى) في بداية القرن الثالث الهجري على ظهر دبابة أمريكية بل كان مجيئهم نفيا إجباريا وتحديدا للإقامة تحت الرقابة اللصيقة للخلافة العباسية.

كما أن الإمام الهادي لم يأت من المدينة المنورة لنشر (التشيع الصفوي) في سامراء فهو ابن رسول الله وعروبته لا مجال للطعن فيها ومن ثم فليس هناك مجال للربط بين هذا العمل التفجيري الإجرامي وما يدعيه البعض عن مقاومة الاحتلال أو ما يردده البعض الآخر عن الغزو الإيراني للعراق ومحاولة نشر التشيع الصفوي إلى آخر تلك المقولات التي لا يكف البعض عن ترديدها من دون وعي والتي زادت الطين بلة خلال الفترة الماضية.

مرة أخرى قامت التنظيمات السلفية الوهابية يوم الأربعاء 13-6-2007 بتدمير منارتي الإمامين الهادي والعسكري في سامراء بالعراق.

وأدى التفجير إلى انهيار المئذنتين وكان نفس المرقد قد تعرض لتفجير كلي في شباط (فبراير) من العام الماضي وأشعل موجة من العنف الطائفي راح ضحيتها آلاف العراقيين.

وبعد أقل من 8 ساعات من تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء ,أقدمت مجموعة إرهابية أخرى على تلغيم مرقد الإمام علي كمال الدين بن موسى الكاظم (ع) في قرية عرب ثعيلب في مدينة الخالص عصر اليوم الأربعاء وتفجيره عن بعد مما أدى إلى تسوية المرقد بالأرض علما بأن التكفيريين قاموا قبل ذلك بتفجير أكثر من 70 مزارا ومرقدا دينيا للشيعة.

وقبل أيام بثت بعض المواقع الوهابية فيلما عن تفجير أحد المساجد زاعمة أن من قام بتفجيره هم (العلوج الأمريكان) وبالتدقيق تبين أن ما جرى تفجيره هو أحد الأضرحة التي ذكرناها سابقا والتي تخص أهل البيت حيث جرى تفجير القبة أولا ثم المنارة ثانيا.

وفور وقوع الحادث استنكر المرجع الديني آية الله السيستاني هذا العمل الإجرامي ودعا العراقيين إلى ضبط النفس وعدم الإنجرار وراء الأعمال الانتقامية التي تطال الأبرياء.

وفي النجف قال مصدر في مكتب السيد مقتدى الصد أن "مكتب الصدر يعلن ويطالب بالتهدئة وعدم الانجرار إلى الفتنة" اثر تدمير المئذنتين. وأضاف "نحن باقون على ثوابتنا وهي أن ما يحدث في العراق سببه المحتل والنواصب والبعثيين بهدف إثارة الفتنة بين العراقيين لا نقبل بذلك ندعو كافة المؤمنين من أبناء الشعب إلى التهدئة وعدم الانجرار إلى ما يريده الأعداء".

وأشار إلى أن التفجير يأتي ضمن مخطط إسرائيلي أمريكي لتفجير الحرب الطائفية في العراق. وتساءل قائلا "أين الحكومة من حماية المراقد المقدسة وأين هي من إعادة بنائها؟". ودعا القوى السياسية إلى توحيد الجهود لمنع الحرب الطائفية. وأعلن الحداد لمدة ثلاثة أيام يجري خلالها تظاهرات واعتصامات شيعية وسنية مشتركة ويكبر فيها من الجوامع استنكارًا للتفجير.

كما نفى نفس المتحدث ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بخصوص إعلان حالة الاستنفار التام لأتباع التيار الصدري للانتقام عن هدم المنارتين، موضحًا أن اتباع التيار الصدري توجد لديهم قيادة حكيمة يرجعون إليها وهذه القيادة تدعوهم الآن إلى الهدوء وضبط النفس وعدم الانجرار وراء الفتن الطائفية. محملا  "التكفيريين والصداميين وقوات الاحتلال الأمريكي نتيجة الأعمال الإجرامية التي تعرض لها المرقد الشريف".

اختراق أمني

كما ذكرت بعض المصادر أن حماية المرقد قد انتقلت عصر الثلاثاء إلى قوة أمنية وصلت من بغداد لاستلام المهمة بدلاً من القوة الموجودة هناك، فحصل شجار تبعه إطلاق نار استمر ساعتين انتهى بسيطرة القوة القادمة من بغداد مما يطرح بجدية إمكانية وجود اختراق للأجهزة الأمنية مكن التنظيمات الإرهابية من أداء مهمتها الصعبة التي تحتاج إلى ساعات من العمل المتواصل من أجل زرع المتفجرات في أماكنها المخصصة.

كما أشارت مصادر عراقية إلى مسؤولية تنظيم القاعدة عن التفجير انطلاقا من فكره الذي يحرم إقامة الشواهد والمراقد حول الأئمة والأولياء والصحابة ولذلك فإنها تستهدف مساجد ومراقد الشيعة والسنة على السواء وقبل أسبوعين تقريبا أقدمت هذه الجماعات على تفجير مرقد سيدي عبد القادر الجيلاني القطب الصوفي الشهير في قلب بغداد.

كما ذكرت نفس المصادر أن هذه التنظيمات تسعى لتطهير المناطق (المحررة) التي تسيطر عليها والتي تعتبرها نواة دولة الخلافة مما تعتبره (آثارا للشرك) ومن أي وجود لأئمة أهل البيت كما أن القوى السنية التقليدية التي تولت حماية هذه الأماكن ورعايتها في السابق قد ضعفت للغاية وخفت صوتها بعد هذا التلاقي المصلحي بين التطرف السلفي ورغبة بعض الأطراف الإقليمية العربية الجامحة في زعزعة استقرار الحكومة العراقية وتصويرها أمام أنصارها وأعدائها على حد سواء كحكومة عاجزة عن فعل أي شيء ولا سبيل أمامها إلا الذوبان والاستقالة تمهيدا لفرض حكومة جديدة شبه عسكرية وشبه بعثية تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل سقوط النظام الصدامي في إبريل عام 2003.

ويحذر هؤلاء من أن عمليات التسخين المتزامنة التي شهدتها المنطقة والدعم الإعلامي والمالي الذي تتلقاه هذه التنظيمات على خط واحد من العراق شرقا وإلى فلسطين وما جاورها غربا قد أدت إلى عدة انفجارات لا يمكن التحكم فيها لا عن قرب ولا عن بعد ويقول هؤلاء أن التزامن بين انفجارات سامراء وانفجار الوضع في غزة لم يأت من قبيل المصادفة البحتة.

تعددت الجغرافيا والأسماء والحال واحد!!.

الجريمة العقائدية

نحن أمام نمط من الجرائم التي يجري تنفيذها في خدمة العقيدة الوهابية التي ترى في عباد الله الصالحين من أهل بيت النبوة وفي قبورهم مجرد أوثان يتعين هدمها وتطهير الأرض منها ولذا  فالجريمة هي عمل عقائدي ذو بعد سياسي أكثر من كونها عملا سياسيا ولا شك أن لائحة السوابق الإجرامية من هذا النوع تطول وتطول.

فمن تدمير أضرحة أئمة أهل البيت في البقيع وتسويتها بالأرض على في مطلع القرن العشرين ثم تدمير البيت الذي ولد فيه النبي العربي محمد بن عبد الله بشعب الهواشم بمكة ثم تدمير بيت السيدة خديجة بنت خويلد زوج النبي وقبرها وصولا إلى تدمير قبور شهداء الصحابة في غزوة بدر يمكننا القول بأن الأمر هو خط عقائدي ثابت يتحين الظروف الملائمة بعد أن أصبح التفجير والتفخيخ بديلا سريعا وملائما عن المعاول التي تحتاج إلى وقت وجهد!!.

لماذا سامراء؟؟

رغم وقوع التفجير الأول في فبراير 2006 فإن إعمار ما تهدم في الهجمة الأولى لم يبدأ بعد والسبب في ذلك هو وقوع المدينة.

تحت سيطرة الجماعات السلفية التي يتصدرها تنظيم القاعدة كما أن زيارة الأضرحة تكاد أن تكون هي الأخرى مستحيلة حتى بالنسبة للزوار العاديين القادمين من داخل وخارج العراق.

الآن يقف العالم الإسلامي على مفترق طرق يمكن أن يكون نهائيا بعد أن أفلح صناع التطرف في بيع بضاعتهم لنظام إقليمي عاجز عن الرؤية والتبصر وهو الوضع الذي سيقود حتما إلى الفوضى الكاملة والحروب الأهلية والإقليمية التي يمكن أن تدوم سنين عددا....

ويومها لن ينفع الندم...

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس21 حزيران/2007 -5/جماد الاخرى/1428