مصطلحات نسوية: (الوثنية).. وجوهرية الاختلاف بين الرجل والمرأة

 الوثنية: Paganism

شبكة النبأ: على الرغم من أن لفظ pagan أي وثني مشتق من الكلمة اللاتينية paganus أي قروي أو ريفي، فإن (الوثنية المدنية) اليوم ما فتئت تتصاعد، في إطار عودة بعض الأديان الوثنية إلى الظهور مرة أخرى، فنجد أعداداً كبيرة من الناس تميل إلى الديانات التي تقوم على الوساطة الروحانية القبلية وإلى الديانات التي سادت قديماً في بريطانيا وبلاد الغال، والى السحر والأساطير الأخرى الكلتية والاسكندنافية، وعلى العكس من الديانات الرسمية، نجد أن الوثنية ليس بها أي نظام جماعي للمعتقدات أو الطقوس، ولكنها مصطلح جامع للكثير من الأديان التعددية التي تعتقد في قداسة الأرض والطبيعة، ومن ثم جاء الربط بينها وبين نزعة الحفاظ على البيئة.

وتروق الوثنية بصورة واضحة للحركة النسوية التي تعتقد في جوهرية الاختلاف بين الرجل والمرأة، والنسوية المهتمة بالبيئة، لأنها في هذه السياقات تمثل العودة إلى الاتحاد بالأرض الأم أو مبدأ الإلهة، والعودة إلى القيم الأموية مثل احترام العالم الطبيعي والقيم "الأنثوية" مثل نزعة المسالمة ورعاية الصغار، ومن الشخصيات البارزة في هذا المزيج من الوثنية والنسوية والاهتمامات البيئية الكاتبة والداعية الأمريكية ستارهوك التي تدعو إلى ديانة تتركز حول عبادة إلهة مؤنثة وتجعل المقدس هو النفس والعالم الطبيعي، وذلك في عدد من مؤلفاتها، مثل (الراقصة الحلزونية: الميلاد الجديد لدين الإلهة الكبرى القديم) (1979)، وكما في اجتماع الطوائف الوثنية المسمى "مخيمات الساحرات".

متعلقات

 

وثنية(1)

الوثنية هي عبادة الأوثان. والوثن هو شيء مادي وملموس كالصورة أو الصنم. الوثنية محرّمة في الأديان التوحيدية لأنها تستبدل عبادة الله.

باغانية جديدة(2)

الوثنية الجديدة (وأحياناً الوثنية-الجديدة) هي مجموعة حركات دينية، خاصة المتأثرين

بالديانات القديمة التي كانت في الوجود قبل الديانة المسيحية وأحياناً الديانة اليهودية. عادةً، هذه المجموعة تكون من أصل هندوأوروبي، لكن هناك مجموعة آخرى ضمن الوثنية الجديدة التي لها أصلها في أوروبا، مثل الفينوأوغريطية، و من مناطق آخرى من العالم. كما يوضح الاسم أن هذه الديانات وثنية.

تختلف أفكار وطقوس الديانات الوثنية-الجديدة كثيراً من ديانة إلى آخرى. بعض الوثنيين-الجدد قد يمارسون مجموعة من طقوس من ديانات وثنية مختلفة، أما المجددون فيحاولون أن يستمروا على أقرب ما يمكن من ديانة وثنية واحدة. وعند الوثنيين-الجدد حين يمارسون هؤلاء نوع من الروحانية جديدة ولها أصلها في العصر المتقدم.

اساترو(3)

الاساترو هي من مجموعة ديانات وتقاليد وثنية أصلها نرسية، كانت موجودة بين التوتونيون في اوروبا الشمالية. معظم الجماعات والمؤسسات التي تسمي نفسها "اساترو" تأسس قائمة آلهتها من الميثولوجيا النرسية والقصص الآيسلندية وعلى معلومات تاريخية.

ويكا(4)

الويكا هي أشهر ديانة وثنية جديدة, تم اشهار الويكا في سنة 1954 على يد جرلد غاردنر وهي الآن موجودة في العديد من دول العالم. ادعى جرلد غاردنر ان الويكا هي استمرار لديانة سحر التي استمرت بالسِر لمئات السنين, رجوعاً إلى الوثنية ما قبل المسيحية في اوروبا, لهذا فان الويكا تسمى احياناً بالديانة القديمة. لا يمكن اثبات هذه الادعات بشكل موضوعي, ويظن المؤرخون انه تم تجميع ديانة الويكا في فترة ما بعد العشرينات. منذ ذلك الحين تطورت تقاليد التي تشبه ما وصفه جرلد, او تم اخذها عن الويكا الغاردنيرية. الأقسام الاخرى من الويكا لديها ايمان ومناسك خاصة, وبعض اسرار الويكا لا تزال سراً ولا يعرفها الا من تم قبوله في صفوف الويكا. هناك ايضاً أقسام من الويكا التي لا تؤمن بمنهج معين أو ان هناك حاجة لأي اثبات على الانتماء.

 جذر الاسم

ويأتي اسم هذه الديانة من "wicce" من اللغة النرسية وتعني "شخص حكيم"، ولكن يرجع البعض إلى الإستخدام الإنكليزي القديم "wicca" وتعني الساحر أو مشعوذ، أو كلمة "witan" من الإنكليزية القديمة ومعناها حكيم أو حكيمة.

 الخصائص

من خصائص هذه الديانة:

عبادة إله وإلهة، أو فقط الإلهة.

مراسيم السبت (مثل: سوين، بيلتَين، إمبولك، لاماس، ليثا، يول، أوستارا ومابون) والإسبات (على ظهور كل قمر جديد وبدر).

بعض الويكا يفضلون فعل المراسيم متعرين.

معظم اتباع هذه الديانة يستجدمون كتاب الظل كدفتر يوميات يحتوي على أفكار وتعويذات. وبعض آخر يخصصون كتاب الظل للتعويذات فقط و يستخدمون كتاب آخر يسمى كتاب المرايا للأفكار والتعليق على التجارب.

 أخلاق الويكا

كل الأخلاق الوكية تأتي من الـ"نصيحة الويكا" التي تقول: "إذا لن يؤذي دابة، فإفعلوا ما نويتم" وهذا يبين لكل ويكي أن له مسؤلية تامة لما يفعله.

الكثير من الويكيين يشهرون قانون الثالوث وهو ما يعني أن ما يفعله المرء يرجع له بثلاث مرات، إن كان خيرا أم شرا

ويكا اسكندرية(5)

الويكا الإسكندرية هي تقليد من دين الويكا الوثني، سمي بإسم أليكس ساندرس، الذي مع زوجته ماكسين، أسس هذا التقليد في عقد الستينات. كان ساندرس في ماضيه ناشئ في جماعة غاردنيرية.

إجمالاً الجماعات الإسكندرية تركز على التدريب في السحر الشعائري مثل القبالة والسحر الملاكي والإخنوخي. الجماعة الإسكندرية المثلية لها ترتيب هرمي، ويجتمع إسبوعياً، أو على الأقل كل بدر وقمر جديد، والاحتفالات.

معتقدات الشرق القديم

وثنية أم توحيد؟(6)

واحد، ولا ثاني له. واحد خالق كل شيء، قائم منذ البدء، عندما لم يكن حوله شي

والموجودات خلقها بعدما أظهر نفسه إلى الوجود.

لا تشكل هذه الأسطر جزءاً من ترتيلة خاصة بإحدى الديانات التوحيدية التي نعرفها تاريخياً، التي استحوذت على صفة "التوحيدية" دون بقية الديانات الإنسانية، بل هي جزء من ترتيلة مصرية قديمة، لها متوازيات وأشباه كثيرة في الأدبيات الدينية المصرية تتراوح في قدمها من فجر السلالات إلى نهاية التاريخ الفرعوني. تتابع الترتيلة فتقول:

أبو البدايات، أزلي أبدي، دائم قائم

خفي لا يعرف له شكل، وليس له من شبيه

سرّ لا تدركه المخلوقات، خفي على الناس والآلهة

سرّ اسمه، ولا يدري الإنسان كيف يعرفه

سرّ خفي اسمه. وهو الكثير الأسماء

هو الحقيقة، يحيا في الحقيقة، إنه ملك الحقيقة

هو الحياة الأبدية به يحيا الإنسان، ينفخ في أنفه نسمة الحياة

هو الأب والأم، أبو الآباء وأم الأمهات

يلد ولم يولد. ينجب ولم ينجبه أحد

خالق ولم يخلقه أحد، صنع نفسه بنفسه

هو الوجود بذاته، لا يزيد ولا ينقص

خالق الكون، صانع ما كان والذي يكون وما سيكون

عندما يتصور في قلبه شيئاً يظهر إلى الوجود

وما ينجم عن كلمته يبقى أبد الدهور

أبو الآلهة، رحيم بعباده، يسمع دعوة الداعي

يجزي العباد الشكورين ويبسط رعايته عليهم.

لقد عمد العلامة السير واليس بدج، منذ أوائل القرن العشرين، إلى دراسة مدققة لهذا النص وأمثاله خلال دراسته المتعمقة لديانة ومعتقدات قدماء المصريين، وخلص إلى القول بأن المصريين كانوا قوماً يؤمنون بإله واحد، موجود بذاته، خفيّ، أبدي وأزلي، كلِّي القدرة والمعرفة، لا تدركه الأفهام والعقول، خالق للسماء وللأرض وكل ما عليها، وخالق لكائنات روحانية كانت رسله ومساعديه في تصريف شؤون الكون وهي الآلهة. وقد استمر الإيمان بهذه الألوهة غير المشخَّصة منذ أعتاب التاريخ المصري وحتى نهاياته. ورغم ذلك لم لكن لها في العصور التاريخية معابد أو هياكل، ولم تُصوَّر في أية هيئة شخصية، وإنما بقيت في الأذهان والقلوب بمثابة قدرة كونية لا يحدُّها وصف أو قول. أما الإسم الذي أطلقوه على هذه الألوهة فهو: نِتِر – Neter. وكان يرمز إليها في ما قبل العصور التاريخية في مصر بفأس ذي رأس حجري ومقبض خشبي، وتحيط بالرأس أربطة جلدية أو قماشية لتثبيتها على المقبض. وقد صار هذا الرمز إشارة هيروغليفية للدلالة على مفهوم الألوهة في الكتابة المصرية. ويبدو أن اختيار إنسان ما قبل التاريخ لرمز الفأس كان من قبيل التوكيد على جانب القوة المتبدِّية في هذه الأداة. ويدعم هذا الرأي أن كلمة نِتِر بالذات يمكن أن تعني القوة أو الشدة. وإلى جانب كلمة نِتِر لدينا في الهيروغليفية المصرية كلمة نِتِرو، وتعني تلك الكائنات التي تشترك على نحو ما في طبيعة نِتِر، وتسمى في العادة "آلهة". ولكننا حين ندرس هذه الآلهة عن كثب، نجد أنها ليست إلا صوراً أو تجلِّيات لإله واحد. وكان أعلى هذه الكائنات هو الإله رع، إله الشمس الذي كان الوجه المشخص لتلك الألوهة الخافية المدعوة نِتِر، ورمزها الذي يتوجه إليه الناس بالعبادة. علماً بأن عدداً آخر من الكائنات الإلهية قد ارتقى إلى مرتبة

سامية، على مدى التاريخ الديني المصري، أهَّلتهم لتجسيد الألوهة المطلقة مثلما فعل رع.

ويرى واليس بدج من دراسته للنصوص المبكرة للأسر الحاكمة الأولى إشارات واضحة إلى هذه الألوهة التي تعلو على بقية تجلَّياتها القدسية المتعددة. من هذه الإشارات المقاطع التالية الواردة في نص وصايا كاقمنا ونص وصايا بتحاتب، من عصر الأسرة الرابعة والأسرة الخامسة: 1. إن أفعال الله (= نِتِر) خافية علينا؛ 2. عليك ألا تُفزع إنساناً لأن في ذلك معاكسة لإرادة الله؛ 3. إن الخبز الذي تأكله من عطايا الله؛ 4. إذا كنت مزارعاً فاحرث حقلك الذي أعطاه الله لك؛ 5. إذا نشدت كمال الأفعال يسِّر لابنك مرضاة الله؛ 6. إكفِ عائلتك حاجتها، فهذا واجب على من يؤثرهم الله؛ 7. إن الله يحب الطائعين ويمقت العصاة؛ 8. الولد الصالح نعمة من الله؛ إلخ.

في تعليقه على هذه الحكم والوصايا يرى واليس بدج بكل وضوح أن الكاتب لم يقصد من كلمة الله/نِتِر، الإشارة إلى واحد بعينه من الآلهة المصرية، وإلا وجب عليه (على عادة النصوص المصرية) أن يخصَّه ويذكر اسمه، وإنما كان يشير إلى الله الواحد الخفي الكلِّي القدرة والمعرفة. أما الآلهة الأخرى التي آمن بها المصريون إلى جانب هذا الإله الأعلى، فجميعها مخلوق وعرضة لعوادي الزمن وللمرض وحتى للموت. أي أن هذه الآلهة (= نِتِرو) رغم كونها مجبولة من طينة مختلفة عن الإنسان، وتفوقه قوة ومعرفة، إلا أنها تشبهه في عواطفه وأهوائه، وتخضع لقوانين هذا العالم المخلوق مثلما يخضع. ففي أحد نصوص الأهرام نجد الملك المؤلَّه أوناس في رحلة صيد إلى السماء يصطاد خلالها بعض الآلهة ويشويهم. وفي نص للملك تحوتمس الثالث (حوالى 1450 ق.م) نقرأ دعاء حاراً يتمنى فيه الملك النجاة من الفناء المقدَّر على البشر وعلى الآلهة. وفي أحد نصوص كتاب الموتى نقرأ أن الآلهة تفنى مثل بقية الكائنات الحية عندما تغادرها الروح. هذه الشواهد وأمثالها تجعل في حكم المؤكَّد أن المصريين القدماء كانوا يفرِّقون بشكل واضح بين الله/نِتِر، والآلهة/نِتِرو المخلوقين من قبله والذين يلعبون دوراً أشبه بدور الملائكة الموكلة إليهم وظائف ومهام محددة.

غير أن تصور المصريين لهذه الألوهة المطلقة كان مصحوباً بنوع من التشخيص anthropomorphism الذي يجعل الألوهة حاضرة بينهم وقريبة منهم. فقد كان لكل بلدة ومدينة إلهها الخاص الذي تعزو إليه كل صفات وخصائص الإله الواحد. ولكنهم لم يروا في هذه الآلهة جميعاً إلا وجوهاً مختلفة للألوهة الشمولية القدرة والمعرفة نفسها. يدلنا على ذلك أن المتوفى عندما يحضر إلى قاعة الحساب عليه أن يتلو اعترافاته أمام اثنين وأربعين إلهاً، هم آلهة الأقاليم المصرية، قبل أن يَمْثُل أمام الإله أوزيريس قاضي العالم الأسفل (على ما تنص عليه تعاليم كتاب الموتى). وهذا يعني أن نفس الإله كان يُعبَد في كل مدينة أو إقليم تحت أسماء وتجلِّيات متنوعة، وأن الإله المحلِّي قد اتخذ مكانة الإله الأعلى لضرورات عملية. وبتعبير آخر، فإن موضع العبادة المحلية لم يكن إلا هيئة اختار الإله المطلق أن يتجلَّى بها لوقت طال أم قصر، وعلى ما تقتضيه طبيعة الأحوال. بعض هذه الآلهة، ولأسباب متنوعة، خرج من دائرته الضيقة التي نشأت فيها عبادته، واكتسب خصائص ووظائف وصلاحيات آلهة عديدة أخرى، ثم وصل أخيراً إلى المرتبة العليا حيث صار تجسيداً للألوهة المطلقة على مستوى الثقافة بأكملها. من هؤلاء تيمو إله هليوبوليس، وبتاح إله ممفيس، وآمون إله طيبة. وكان رع أول من تسنَّم هذه المرتبة العليا، عندما ظهر في الأفق عند بدء الخليقة في هيئة قرص الشمس..

إن الإشارة إلى رع أو آمون–رع أو أي إله آخر بصفة الواحد هو تقليد قديم جداً، لدينا شواهد عليه في نصوص الأهرامات العائدة إلى الملكة القديمة وفي العديد من النصوص العائدة إلى عصر الملكة المتوسطة. وكاتب أي نص من هذه النصوص إنما يستخدم صفة من صفات الله المعروفة لديه في مخاطبة إلهه المحلي الذي يمثِّل عنده الله العظيم. وأمثال هذه النصوص، قديمها وحديثها، حافلة بأسماء الله المتعددة، سواء كانت بتاح أم تيمو أم آمون أم رع. نقرأ في كتاب الموتى، الفصل 17، الفقرتين 9 و 10: "إن الإله تيمو في هيئة رع، قد خلق أسماء لأعضائه فصارت هذه الأسماء آلهة انضمت إلى بطانته." من هنا فإن الوحدانية التي تطلق صفة على الواحد الحق الذي خلق نفسه بنفسه وخلق السماوات والأرض وما بينها، لا يمكن تفسيرها من خلال افتراض وجود معتقد توحيدي مشوب بالتعددية لأن مؤلفي مثل هذه التراتيل والصلوات التوحيدية، يُظهِرون منذ البدايات المبكرة معتقداً توحيدياً لا لبس فيه. وهذا ما دعا العالم شامبليون إلى القول منذ عام 1839 بأن "الدين المصري يقوم على معتقد توحيدي صافٍ، يعبِّر عن نفسه خارجياً بصيغ شِرْكية تعددية". بينما قادت التعددية الظاهرية في النصوص المصرية علماء آخرين، من أمثال البروفيسور Tiele، الدارس المدقق للأديان القديمة، إلى القول بأن الديانة المصرية قد قامت في الأصل على معتقد شِرْكي تعدُّدي ثم اقتربت تدريجياً من المفاهيم التوحيدية.

لم يكن قناع الألوهة المطلقة الذي يتبدَّى من خلاله في عالم الإنسان قناعاً مذكراً على الدوام. فقد لعبت الإلهة إيزيس، أعلى إلهات الثقافة المصرية، دور الإله الواحد الذي يجسِّد الألوهة المطلقة أيضاً، واعتبرها عبادها بمثابة التجلِّي الأنثوي للإله رع نفسه: "إنها رع المؤنث، إنها حورس المؤنث، إنها عين الإله رع"، على ما تردِّد الترتيلة التالية المرفوعة إلى إيزيس من عصر المملكة الحديثة:

هي ذات الأسماء الكثيرة، الواحدة القائمة منذ البدء

هي القدُّوسة الواحدة، أعظم الآلهة والإلهات

ملكة الآلهة جميعاً، ومحبوبتهم الأثيرة.

نموذج الكائنات طراً، وملكة النساء والإلهات

إنها رع المؤنث، إنها حورس المؤنث، وعين الإله رع.

إنها العين اليمنى للإله رع

لقد طرح العلامة واليس بَدْج آراءه حول الديانة المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر في عدد من الدراسات التي نشرها حوالى عام 1898 والتي لقيت في حينها الكثير من الاستغراب والنقد. ثم عاد بَدْج فأكَّد على أفكاره تلك وطوَّرها في كتابه الكلاسيكي الذي صدر في مجلدين عام 1911 تحت عنوان Osiris and the Egyptian Resurrection، وكتابه الآخر Egyptian Religion. منذ ذلك الوقت، ورغم الدراسات الواسعة التي جرت حول أديان وميثولوجيات الشرق القديم الأخرى بعد اكتشاف وقراءة نصوص الثقافة الرافدية وبقية ثقافات الهلال الخصيب، لم ينتبه أي من الدارسين إلى أن هذه الأديان تظهِر شبهاً كبيراً بالديانة المصرية، من حيث شفوف معتقداتها عن نوع واضح من التوحيد لا يخفى على العين المدقِّقة، وإلى أن التعدِّدية فيها ليست إلا الشكل الظاهري الذي يعبِّر به معتقد التوحيد عن ذاته.

تُظهِر الأدبيات الدينية الرافدية، بشكل خاص، هذا التوجُّه التوحيدي، وخصوصاً ما تعلق منها بالصلوات والتراتيل. فهنا يتم التوجُّه إلى إله كل عبادة محلِّية على أنه الإله الحق وكبير الآلهة وأعظمهم. ولنبدأ أولاً بهذه الترتيلة السومرية للإله إنليل التي كانت تُنشَد في معبده الرئيسي المدعو إيكور في مدينة نيبور (نِفَّر).

غير أن إنليل لم يكن وحده من ارتدى قناع الإله الواحد الذي يجسِّد الألوهة المطلقة في المعتقد السومري. فها هم كهنة إنانا يرفعون إلهتهم إلى مقام إنليل نفسه، ويقولون لنا في هذه الترتيلة المرفوعة إلى إنانا إنها تعبد في كل معابد المدن السومرية الرئيسية المخصصة أصلاً للآلهة المحلية. وهذا يعني أنهم لا يرون في آلهة المدن إلا صوراً وتجلِّيات للألوهة المؤنثة الكونية، المتمثِّلة في الأم الكبرى القديمة للثقافة الرافدية. وهذه ترجمتي الكاملة للنص:

أعطاني أبي السماء، وأعطاني الأرض

إني ملكة السماء، وملكة السماء أنا

وما من إله قادر على منازعتي

أعطاني إنليل السماء وأعطاني الأرض

إني ملكة السماء، وملكة السماء أنا

أعطاني إنليل الربّوبية

أعطاني الملك

أعطاني القتال والمعركة

أعطاني الطوفان وأعطاني العاصفة

أعطاني السماء تاجاً

وربط الأرض إلى قدميَّ نعلاً

خلع علي طيلسان النواميس الإلهية

وثبت في يدي الصولجان المقدس

أكتفي بهذا القدر من الأمثلة التي لا يتيح المجال هنا لأكثر منها، لأخلص إلى القول بأن إنسان الشرق القديم لم يكن يأخذ مسألة تعدُّد الآلهة على محمل الجد، ولم تكن الآلهة المتعدِّدة بالنسبة إليه إلا وجوهاً متكثِّرة للقدرة الإلهية الواحدة. لقد آمن بألوهة منزَّهة يتوسَّل إليها من خلال إله مشخَّص هو إله المدينة أو الإقليم، الذي رأى فيه التعبير الأسمى عن فكرة الألوهة المزروعة في ضمير الإنسان، والسابقة لأي تصوَّر يشخِّص هذه الألوهة ويحدِّدها في كائنات روحانية متفوقة.

يقودنا هذا الاستنتاج إلى القول بأن مفهوم مجمع الآلهة ليس مفهوماً دينياً بقدر ما هو مفهوم سياسي. فلقد ظهر مجمع الآلهة عقب ترسيخ السلطة المدنية في دويلات المدن وتوسُّع بعض هذه الدويلات عن طريق ضمِّها لأقاليم ريفية مجاورة لم تكن خاضعة من قبل لأية سلطة سياسية مركزية، ثم محاولتها أيضاً ضمّ وإلحاق دويلات–مدن أصغر منها وأضعف. وهذا ما قاد في النهاية إلى قيام الإمبراطورية. ورغم أن مفهوم مجمع الآلهة pantheon قد ساعد على توحيد الجماعات القروية والمدنية التي دخلت تحت لواء حكم مركزي سياسي، والتي يؤمن كل منها بإله خاص يجسِّد عنده مفهوم الألوهة، إلا أنه بقي بمثابة بنية توفيقية تحاول من خلاله كل عبادة محلِّية توكيد سلطة وعلوِّ إلهها الخاص، وترى فيه الإله الأعلى المسيطر على بقية أعضاء المجمع.

إن استعراض الخصائص والصفات التي عزَتْها الصلوات والتراتيل، كلّ منها إلى إلهها المعني يُظهِر مدى تشابه التعابير والمصطلحات والأوصاف التي استخدمتها في مخاطبة ذلك الإله ..

ولما كان من المستحيل على كل الآلهة الرئيسية أن تمتلك معاً هذه الخصائص والصفات، فإن فكرة مجمع الآلهة تنحلّ في الواقع إلى مفهوم عام وفضفاض، لا يملك تأثيراً فعلياً في الحياة الدينية على المستوى العام والشامل. إذ ماذا يبقى من فكرة المجمع إذا كان كل عضو فيه هو الأعلى مكانة، وإذا كان أعضاؤه يقبِّلون الأرض أمام هذا الإله تارة وأمام ذاك تارة أخرى؟ وما الذي يبقى أيضاً من مفهوم رئيس المجمع، الذي هو آن عند السومريين وآنو عند الأكاديين، إذا كانت كل صلاة تخاطب الإله المعني باسم آن أو آنو؟ لقد خاطبت الصلاة المرفوعة إلى سِنْ، الإله بقولها: "أنت آنو السماء. ومشيئتك الخافية لا يعرفها أحد." وخاطبت الصلاة المرفوعة إلى إنانا، إلهتها بقولها: "أنت أعظم من كبير الآلهة آن." (سطر 59) وخاطبت الصلاة المرفوعة إلى نانا، إلهها قائلة: "أيها الأب نانا، الربّ الكبير آنو، بطل الآلهة." (سطر 3) وهذا يعني أن فكرة رئيس مجمع الآلهة لم تؤخذ على محمل الجد، مثلما لم تؤخذ فكرة تعدُّد الآلهة على محمل الجد أيضاً، وأن أهل كل عبادة كانوا يرون في إلههم رئيساً لذلك المجمع. وبذلك يتم تفريغ ما يدعى بـ"الوثنية" من مضامينها التي خلقتها أفكارنا اللاحقة عنها.

إن ما يبدو لنا بوضوح، ونحن نلقي هذه النظرة العلمية الحيادية على معتقدات الشرق القديم، ومن موقع غير متأثِّر بأفكار وبمواقف مسبقة، هو أن هذه المعتقدات قد طوَّرت منذ فجر التاريخ مفهوماً مجرَّداً عن الألوهة المطلقة المنزَّهة التي لا يحدُّها إطار ولا تتجسَّد في شكل أو هيئة. وبما أنه لابدّ للإنسان في تعامله مع فكرة الألوهة من وسيط يلخِّصها في عقله ويُمَوْضِع تجربته الداخلية معها في الخارج، فقد ابتكر مفهوم الإله الأعلى الذي خلق نفسه بنفسه وخلق السماوات والأرض وكل نفس حيّة وخلق بقية الآلهة وأوكل إليهم مهمَّات ومجالات فعل ونشاط. لقد ارتبطت فكرة الألوهة بالسماء نظراً لما توحيه القبّة الزرقاء من إحساس بالاتّساع واللانهاية وتجاوز الحدود والأطُر. ثم تجسَّدت في إله أعلى هو إله السماء ورئيس لمجمع الأرباب. إلا أنها بقيت في ضمير الإنسان بمثابة البعد غير المرئي للوجود والقاع الكلي الذي يقوم عليه عالم المظاهر المرئية ويستمد منه كيانه وصيرورته.

إن الإله آنو أو إيل أو رع، هو فكرة مجردة تحوَّلت إلى إله على هذه الدرجة من التشخيص أو تلك. وكان كل إله من آلهة العبادات المختلفة يعتبر بمثابة آنو العظيم ويُعبَد على أنه الألوهة المطلقة وقد تجسَّدت في شخصية إلهية، من شأنها جعل المطلق قريباً وحاضراً بين الناس، بؤرة يلتقي عندها المتناهي باللامتناهي، وعالم اللاهوت بعالم الناسوت. وبما أن ثقافات الشرق القديم قد بقيت حتى فتراتها المتأخرة تعبِّر عن حكمتها من خلال الميثولوجيا، لا من خلال المفاهيم العقلية والمصطلحات الفلسفية القائمة على التأمُّل المنهجي، فإن معتقداتها الدينية بقيت مغلَّفة بغلالات كثيفة من التصورات الميثولوجية التي تحجب جوهرها وحقيقتها. وهذا ما يفرض على دارسها مزيداً من الانفتاح وسعة الأفق، والتخلي عن الأفكار المسبقة والمغلوطة عن "الوثنية" باعتبارها جاهلية التاريخ الديني للإنسان.

ولعل متابعة ما ندعوه بـ"الفكر الوثني" في ثقافات أخرى امتد بها العمر، وعاشت في تواصل مع نفسها وجدليَّاتها الداخلية حتى العصور الحديثة، تكشف لنا حقيقة ما لمسناه في "وثنية" المشرق القديم من مفاهيم صلبة تقبع تحت الشكل الأدبي للخيال الأسطوري. من هنا، فإن الجزء الأخير من هذه الدراسة سوف يأخذنا في نزهة قصيرة إلى الشرق الأقصى نستكشف من خلالها، وفي حدود أغراض هذا البحث، أديان ومعتقدات بعيدة عنا كل البعد زمنياً وجغرافياً، لكنها قريبة بالقدر الذي تشفّ عنه وحدة التجربة الروحية للإنسان. لقد طوَّرت تلك الأديان والمعتقدات نظماً من "المفاهيم الذهنية" التجريدية التي ألقت الضوء على المضامين الفلسفية لميثولوجيّتها. وهذا ما يجعلها أقرب تناولاً بالنسبة للعقل الحديث، ويعطي مشروعية لعملية إجراء المقارنة بين المضامين الفلسفية لميثولوجيّتها ومضامين ميثولوجيّات الشرق القديم التي لم تجرِ صياغتها ضمن نظم من المفاهيم الذهنية التجريدية.

في الثقافة الصينية، لم يأخذ الصينيون عبر تاريخهم مسألة الألوهة المشخَّصة بشكل جدي، ولم يظهروا ميلاً لاعتبار الكون مخلوقاً من قبل شخصية إلهية تتحكَّم بالكون كما يتحكَّم الملك الأرضي بدولته ورعاياه، بل لقد رأوا في الكون ما يشبه الجسد الحي الذي يقوم على تنظيم نفسه بنفسه، وفق آلية ضبط ذاتي. ومع ذلك فقد حفلت الديانة الصينية التقليدية بالآلهة من شتى المراتب والدرجات والاختصاصات. غير أن ما يلفت النظر في أمر هذه الآلهة الصينية هو أنها لا تبدو لنا كشخصيات إلهية ذات وظائف محدَّدة ودائمة، وإنما ككائنات شبحية غير محدَّدة الملامح، تكتسب قوتها من قوة المنصب الإلهي الذي تشغله. فالوظيفة الإلهية هنا هي الثابتة، أما شاغلوها فمتغيِّرون ومتنقِّلون. ففي كل إقليم من الأقاليم الصينية الكثيرة يتم توزيع الوظائف والاختصاصات (كتصريف الرياح وإنزال المطر وقدح البرق وما إليها) بشكل مختلف عن الإقليم الآخر. فإله الرياح في هذا المكان قد يكون إلهاً للأنهار والينابيع في مكان آخر، وإله الرياح هناك قد يكون إلهاً للمطر هنا. وأكثر من ذلك، فإن وضع كل إله في الإقليم نفسه غير ثابت، وعرضة للتغيُّر والتبدُّل. فقد يتم أحياناً ترفيع إله ما إلى مقام أعلى، أو تخفيض مرتبته، أو حتى صرفه من الخدمة نهائياً.

أما المصدر الحقيقي لقدرة الآلهة الصينية، فهو مفهوم مجرَّد عن ألوهة غير مشخَّصة تتمثَّل في قوة السماء التي يدعونها تي–ين، والتي عُبِدت في الصين منذ أقدم الأزمنة (قارن مع مفهوم نِتِر المصري). وقد تصوَّر الصينيون هذه الألوهة باعتبارها قوة شاملة غير متجسِّدة في إله، تشغل الجهة العليا من قبة السماء، وهي أبعد ما تكون عن التصورات الميثولوجية للإله الأعلى الذي يسيِّر الكون ويديره، لأنها غير مشخصة ولا تتصل بالناس عن طريق كهَّان أو رسل يشرحون إرادتها ويوصلون إليهم شرائعها. فإذا ما أراد الناس فهم مشيئة قوة السماء، كان عليهم أن يلجأوا إلى التواصل معها عن طريق تقنيات الاستخارة والتنبُّؤ والتنجيم. لقد تصوَّر الصينيون قوة السماء بمثابة القوة العظمى التي تعتلي هرم القوى المتجزئة والمنبثَّة في العالم. وهذه القوى المتجزئة يمكن أن تحلّ في شخصيات إلهية معينة، على عكس القوى العظمى الخافية التي تُمِدُّها بالقدرة على الفعل. وعندما يتم تصوُّر قوة السماء بشكل مجرَّد تماماً، وبمعزل عن القبة الزرقاء التي اعتُبِرت أحياناً مظهرها المرئي، فإن مفهوم الـ تي–ين يلتقي مع مفهوم آخر للقوة الإلهية المجردة هو: التاو Tao.

لعب مفهوم التاو الدور الأهم في الفكر الديني والفلسفي الصيني منذ البدايات المبكرة لتاريخ الصين. ونستطيع متابعة التعبيرات الأولى عن هذا المفهوم وتطوراتها اللاحقة من خلال أشهر كتب الحكمة الصينية المعروف بـ كتاب التغيرات (بالصينية: إي تشنغ، ويكتبه الغربيون I Ching) الذي ساهم عدد من العقول المتميِّزة عبر تاريخ الصين بالتعليق والشرح على متنه، ومنهم كونفوشيوس. يُرمَز لمفهوم التاو في الفكر الصيني بدائرة فارغة هي المبدأ الأول القائم قبل ظهور الموجودات، كما يُرمَز إليه بدائرة تتناوب في داخلها مساحتان متداخلتان، واحدة بيضاء والأخرى سوداء، هي المبدأ الأول بعد ظهور الموجودات عنه (انظر الشكل أدناه). ففي داخل دائرة التاو الفارغة ظهرت قوتان متناوبتان في الحركة، هما قوة الـ يانغ الموجبة وقوة الـ ين السالبة. وعن دوران القوتين بعضهما على بعض ظهرت الموجودات.

إن الخط الفاصل بين المساحتين في الدائرة، يعبِّر عن ظهور المتناقضات والمتعارضات إلى حيِّز الوجود. فهذا الخط الذي ميَّز القوتين الواحدة منهما عن الأخرى أحدث شرخاً في الفراغ الأزلي المتماثل، وقسمه إلى أعلى وأسفل، ويمين ويسار، وأمام وخلف. لقد ظهر المكان من رحم الهيولى، وانحلت الوحدة السابقة إلى مظاهر ذات قوى متعارضة ومتجاذبة في الوقت نفسه. إن كل ما في الكون هو مزيج من طاقة موجبة وطاقة سالبة. فإذا غلب الـ يانغ كان الشيء ذا طبيعة موجبة، وإذا غلب الـ ين كان الشيء ذا طبيعة سالبة. لهذا جرى تصوير القسم الظليل من دائرة التاو وفيه نقطة منيرة، وتصوير القسم المنير وفيه نقطة ظليلة. فلا الـ يانغ يتجلَّى في حالته الصرفة ولا الـ ين كذلك، لأنه في كل إيجاب شيء من السلب وفي كل سلب شيء من الإيجاب. كما اتخذ القسمان الظليل والمنير وضعاً حركياً دورانياً يدل على التناوب الأبدي بينهما.

إن ما قدَّمته لنا نصوص الشرق القديم من خلال الصور والأفكار الميثولوجية لا يبتعد في مضامينه الفلسفية عن هذه المضامين التي عبَّر عنها الفكر الشرق أقصوي بلغة المفاهيم concepts. فلقد آمن إنسان الشرق القديم بألوهة خافية شاملة لا تتجسَّد في شخصية إلهية، ثم رأى في قبة السماء التي توحي بالاتساع واللانهاية المظهر المرئي لتلك الألوهة، ثم جسَّد هذا المظهر المرئي في إله مشخَّص هو إله السماء الذي صار رئيس مجمع الآلهة: ايل أو آنو أو رع. ولكن هذا الإله بقي مجرَّد شاغل منصب، وفكرة مجسَّدة في شخصية إلهية. من هنا كان باستطاعة أي إله محلِّي قوي أن يُرفَع إلى هذه المرتبة العليا وينظر إليه على أنه الإله الأعلى وسيِّد مجمع الآلهة. وتبقى مسألة التعدُّدية في جدليَّتها مع الواحدية، أو الواحدية في جدليَّتها مع الألوهة المطلقة الخافية، مجرد ترميز لتجربة الإنسان الروحية، وينبغي ألا تؤخذ بحرفيَّتها وتعبيراتها الميثولوجية الظاهرية.

خاتمة

إن الأصل في الدين هو إحساس متجذِّر في أعماق النفس الإنسانية، إحساس بحضور فائق مختلف عنا وعن ما يحيط بنا، ومتِّصل به أعمق اتصال في الوقت ذاته، حضور تام كامل وكلِّي، ثابت لا يتغيَّر، به تقوم المتغيِّرات ومن ثباته تنشأ المتحوِّلات. وعندما نُخضِع هذا الإحساس للتأمُّل والتفكُّر، تنشأ في الذهن فكرة الإله الواحد التي تتوسَّط بيننا وبين ذلك الحضور القدسي الذي لا نستطيع التعبير عن مواجهتنا الداخلية معه إلا بتوسيط الصور والرموز. هذه الصور والرموز تعني: الميثولوجيا. ومع الميثولوجيا تظهر الآلهة الأخرى إلى الوجود باعتبارها كائنات روحانية تنشأ عن الواحد، ولكنها تخضع لقانون الصيرورة الذي يسري على ما سوى الله. وهذه الكائنات تشترك مع الإنسان بكونها مخلوقة في أوقات معينة من صيرورة التاريخ المقدس، ولكنها تتميَّز عنه بقدراتها غير المحدودة في مجال اختصاصاتها وصلاحياتها، على عكس الواحد الذي أنجب نفسه من العدم، أي منذ الأزل، لأن العدمية والأزلية متطابقان ماداما الحالة التي تسبق انطلاق الزمن. وبتعبير آخر، فإن الإله الواحد هو قناع يبدو به المطلق في الزمن وفي التاريخ. ولكن الزمن والتاريخ يأتيان إلى نهايتهما المحتومة في كل النظم الدينية والميثولوجية. وعندما يأتي الزمن والتاريخ إلى نهايتهما يسقط القناع ويبدو الإله الواحد نفسه بلا ضرورة أو وظيفة، ووهماً من أوهام الصيرورة، عندما تؤول الحيوات والأكوان إلى المطلق العظيم الذي نشأت عنه.

يدعو الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي هذا القناع بالإله "المجعول". وهو يعني بهذا التعبير تلك الصورة التي نكوِّنها لأنفسنا عن الألوهة. وبما أن هذه الصورة ليست إلا وسيطاً بيننا وبين المطلق، فإنها لا تختلف كثيراً عن الوثن. إنها "وثن" من نوع فكري. وهذه بعض أقوال الشيخ، أقتبسها من فصوص الحكم ومن الفتوحات المكية: "وبالجملة فلابدّ لكل شخص من عقيدة في ربِّه يرجع بها إليه ويطلبه فيها، فإن تجلَّى له الحقُّ فيها أقرَّ به، وإذا تجلَّى له في غيرها أنكره […] فلا يعتقِد مُعتقِد إلهاً إلا بما جعل في نفسه. فالإله في المعتقدات بالجَعْل، فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها." (فصوص الحكم 10/13) وأيضاً: "فلا يشهد القلب ولا العين أبداً إلا صورة معتقده في الحق." (فصوص الحكم 12/7) وأيضاً: "فليس ثمة إلا عابد وثناً" (الفتوحات 4/186).

من خلال هذا المنظور، تذوب الحدود الفاصلة بين معتقد الشِرْك ومعتقد التوحيد، وتنمحي الفواصل بين معتقد التوحيد هذا ومعتقد التوحيد ذاك. لأن أي إله، واحداً كان أم متعدِّداً، ليس إلا صورة ذهنية تقف بيننا وبين الوجه الآخر للوجود: الوجه السرمدي الحقّ، الثابت الذي يسند كل متغيِّر ويعطيه صورته. وصورة كل موجود هي صورة وهمية زائلة ما تلبث أن تنطفئ في اللُّجة التحتية التي نشأت عنها. إن الوجود بوجهيه، النسبي والمطلق، أشبه بلُجِّ الغمر العظيم. في السطح تنشأ الأمواج وتنطفئ في حركة دائبة. لكل موجة شكل وقوام وهيئة وهمية توحي بالكيان المستقل إذا نظرنا إليها في صورة فوتوغرافية ساكنة، لكنها ليست في حقيقة الأمر إلا تجمُّعاً عابراً لمجموعة مكوِّنات ما تلبث أن تنحلّ وتؤول إلى الزوال. أما في أعماق الغَمْر العظيم، فلا يوجد إلا السكون والثبات الذي تقوم به كل التغيُّرات الوهمية عند السطح.

إن ما طرحته من خلال هذه الدراسة. هو مجرَّد مدخل جديد لفهم ما يدعى بـ "الوثنية" عموماً، ووثنية المشرق القديم خصوصاً. وبما أن نظريتي هنا قائمة على استقراء وقائع ملموسة وتفسيرها، لا على تأملات فلسفية مجرَّدة، فإنها نظرية علمية خاضعة للنقد وتسلِم نفسها للإثبات أو للنفي. وكلِّي أمل في أن تجد هذه الأفكار من يعمل على تطويرها من خلال نقد علمي بنّاء، لأن الوقت لا يتيح لي أن أسير بها أبعد من ذلك.

شيفرة دافنتشي .. ووثنية المسيحية(7)

أثارت رواية " شيفرة دافنشي" لمؤلفها (دان براون) جدلاً كبيراً في الأردن مؤخراً مثلما هو الحال في باقي البلدان العربية التي مُنعت فيها الرواية وسُحبت من الأسواق بعد أيام قليلة من توزيعها وتداولها.

وكانت ردود الفعل متقاربة سواء في الوسط الإسلامي الذي دهش لهذا السرد التاريخي المغير لحقائق دينية مسيحية عديدة أو حتى الوسط المسيحي الكاثوليكي المتشدد في كل ما يتعلق بعقائده الموروثة.

الرواية المثيرة للجدل تقع في نحو (500) صفحة من القطع المتوسط تحاول كشف التأثيرات المتبادلة والتفاعلات بين الأديان السابقة للمسيحية وبين المسيحية نفسها وتحديدا بين الوثنية وبين المسيحية، وكثيرون ممن قرؤوا الرواية وجدوا فيها الكثير من محاولات التشكيك بأسس العقيدة المسيحية.

واللافت أن هذه الرواية والتي بيع منها حتى الآن أكثر من (9) ملايين نسخة في (50) لغة، والتي قامت "الدار العربية للعلوم"/ بيروت، بترجمتها وطباعتها - أنها وظفت مقولات مقدسة ومقبولة دينياً إسلاميا ومسيحياً لتسقطها على أحداث وتحولات وصراعات تاريخية ودينية وسياسية.

وتحاول الرواية عبر شخوصها وأحداثها وعقدها عرض أفكار تناقض العقيدة المسيحية الحالية على نحو جوهري؛ بل إنها تنسف أحيانا بين سطورها حقائق عقدية غاية في الأهمية.

قصة الرواية!

قصة الرواية المثيرة تحكيها مجموعة شخصيات رمزية غير حقيقية أبرزها (جاك سونيير) مدير متحف اللوفر الذي يقتل في أول مشهد بالمسرح لتتابع الأحداث بعد ذلك وتظهر شخصية البروفيسور (روبرت لانغدون) المتخصص في تاريخ الأديان الذي تشتبه به الشرطة لأن (سونيير) كان قد كتب اسمه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

أما (صوفي نوفو) خبيرة الشيفرة في الشرطة الفرنسية فهي شخصية أخرى يستعان بها لتحليل

(شيفرة) كتبها (سونيير)، ويتبين أنها حفيدة (سونيير)، وتدرك فوراً أن جدها أراد منها أن تستعين بـ(لانغدون) للبحث عن سرٍّ مهم.

يهرب (لانغدون) من اللوفر بمساعدة (صوفي) بعد أن تحصل بواسطة الشيفرة على مفتاح لحسابه في بنك زيوريخ السويسري، ويستخرجان من ودائع البنك صندوقاً أودعه سونييير يعتقد أنه يؤدي إلى صندوق يحوي وثائق وأسراراً مهمة وتاريخية تعود إلى جمعية (سيون) الدينية، وهي جمعية سرية دينية مسيحية تأسست عام 1099 يرأسها (سيون).

وتتابع أحداث القصة لتظهر أن (سيون) قُتل على يد جماعة دينية أخرى كاثوليكية متشددة تناصب (سيون) العداء وتدعى (أوبوس داي) في سبيل الحصول على الصندوق الذي يحوي وثائق فرسان الهيكل التي يحتفظ بها منذ آلاف السنين وتعود بحسب الرواية إلى الملك سليمان والهيكل المنسوب إليه.

يهرب (لانغدون) -الذي يجد الأدلة الظرفية تحيط به إلى صديقه السير (لاي تيبينغ) وهو مؤرخ ونبيل بريطاني قضي سنوات طويلة في البحث في تاريخ فرسان الهيكل ومحاولة الحصول على وثائقهم وآثارهم - إلى بريطانيا.

ويتبين في النهاية أن (تيبينغ) هو المخرج الأساسي للمسرحية، وأنه يستدرج رئيس جمعية (أوبوس داي) المتشددة لتلاحق أخوية (سيون)، وتقتل رؤساءها من أجل الحصول على وثائق فرسان الهيكل لعلها تعطيهم قوة ونفوذاً لدى الفاتيكان، أو على الأقل تمنع الفاتيكان من إبعاد الجمعية عن مظلة الفاتيكان، فقد ضاق البابا ذرعاً بالجمعية وتشددها وإساءاتها للديانة المسيحية.

وقد استغل (تيبينغ) تطرف الجمعية ولهفتها لحل مشكلتها مع الفاتيكان ليستدرجها لتساعده في البحث عن فرسان الهيكل من دون مسؤولية تقع عليه، ويظهر أنه لا توجد وثائق وأسرار ولا كأس مقدسة، وأنها ليست جميعها إلا طقوساً ورموزاً مستمدة من الأديان السابقة ومتداخلة مع المسيحية يؤمن بها فرسان الهيكل وجمعية (سيون).

إعادة صياغة معتقدات المسيحية!

وللتوضيح أكثر حول ربط الرواية بالدين المسيحي فإن جمعية (سيون) الدينية محور الرواية- كشفت مكتبة باريس الوطنية عام 1975 عن مخطوطات ووثائق سرية لها، وتبين أن من بين أعضائها (ليوناردو دافنشي) وغيره من الأسماء الشهيرة من قبيل (إسحق نيوتن) و(فيكتور هوغو).

ويعتقد "السيونيون" أن المسيحية دخلت منعطفاً تاريخياً عندما تنصر الإمبراطور (قسطنطين)، وأدخل تعديلات خطيرة على المسيحية، مخالفة لسياقها وانتمائها الأصلي لسلسلة الديانات والرسل من قبيل ألوهية المسيح، وأن المسيحية الحالية هي مسيحية من صنع (قسطنطين) وأن

المسيحية الحقيقة هي ما يؤمن به هؤلاء "السيونيون".

وتعرض القصة من خلال سردها للأحداث لكثير من المعتقدات التي تشكل خطاً أحمر بالنسبة لمسيحيي اليوم على اختلاف طوائفهم، ومثال ذلك "أن المسيح -باعتقاد جماعة (السيونيين)- رجل عادي تزوج من مريم المجدلية، وأنجب منها بنتاً سميت (سارة) وأن ذريتها الملكية باعتبار أن المسيح من ذرية داود وسليمان باقية حتى اليوم"..

وأن وظيفة أعضاء جمعية (سيون) حماية هذه الأسرة الملكية من نسل المسيح ومريم المجدلية والحفاظ عليها، وبالعودة لأحداث القصة فإن (سونيير) مدير متحف اللوفر هو آخر رئيس للجمعية، وهو أيضاً من هذه السلالة الملكية.

القصة إذاً تعرض وتبشر بـ"المسيحيين الجدد"، وهؤلاء المسيحيون (الجدد) بحسب السرد التاريخي الذي امتزج بالروائي في "شيفرة دافنشي" هم (السيونويون).

"السيونوية " .. والمسيحية الوثنية!

والسيونية التي تعرض لها الرواية تبدو مزيجاً من الوثنية والمسيحية؛ فهي تؤمن بالمسيح وتعتقد بأتباعه، وتعتقد أيضاً ببشريته وبالمعتقدات السابقة للمسيحية.

ويسوع المسيح كان شخصية تاريخية ذات تأثير مذهل، ألْهم الملايين وابتكر فلسفات جديدة، وكان يمتلك حقاً شرعياً للمطالبة بعرش ملك اليهود، باعتباره ينحدر من سلالة الملك داود والملك سليمان.

المثير الذي تعرضه الرواية في سردها أن (قسطنطين) -حسب اعتقاد السيونية– ظل وثنياً، ولم يتنصّر؛ بل إنه لم يتعمد إلا وهو على سرير الموت عندما كان أضعف من أن يعترض على ذلك، وكان الدين الرسمي في عهده هو عبادة الشمس، وكان (قسطنطين) كبير كهنتها، لكن لسوء حظه كان هناك اهتياج ديني متزايد يجتاح روما، إذ تضاعف أتباع المسيحية على نحو مذهل، وبدأ المسيحيون والوثنيون يتصارعون إلى درجة تهديد الإمبراطورية الرومانية بالانقسام.

ورأى (قسطنطين) أنه يجب اتخاذ قرار حاسم؛ فقرر عام 325 توحيد الإمبراطورية تحت لواء دين واحد هو المسيحية، لكنه أنشأ ديناً هجيناً مقبولاً من الطرفين، وذلك بدمج الرموز والطقوس الوثنية والمسيحية معاً.

ويستدل على ذلك بعدة شواهد من قبيل أقراص الشمس المصرية التي أصبحت هالات تحيط برؤوس القديسين الكاثوليكيين، والرموز التصويرية لـ(إيزيس) وهي تحضن طفلها الرضيع المعجزة (حورس) مثل (مريم) تحتضن المسيح الرضيع، وتاج الأسقف والمذبح والمناولة كلها طقوس مستمدة مباشرة من أديان قديمة وثنية غامضة، وتاريخ ميلاد المسيح 25 ديسمبر/ كانون الأول هو أيضاً تاريخ ميلاد (أوزيريس) و(أدونيس) و(كريشنا)، وحتى يوم العطلة

الأسبوعية الأحد هو يوم عابدي الشمس أيضاً "sun day" أي يوم الشمس!.

وتنسف الرواية حقائق عقدية مسيحية غاية في الرسوخ من قبيل أن ألوهية المسيح حاجة ملّحة وضرورية للسلطة السياسية تم اعتمادها كضرورة فقط.

والمثير ما تقوله الرواية من أن (قسطنطين) أمر بإنجيل جديد أبطل الأناجيل السابقة التي تتحدث عن إنسانية المسيح وبشريته وجمعها وحرقها كلها.

الدين في خدمة السياسة !

وهنا يشير الكاتب والباحث الإسلامي الأردني (إبراهيم غرايبة) إلى أن وثائق البحر الميت التي اكتشفت عام 1950 وتنازعت عليها الأردن وإسرائيل تعدّ دليلاً مخالفاًَ لأناجيل (قسطنطين)، فقد تحدثت تلك الوثائق عن كهنوت المسيح بمصطلحات إنسانية تماماً، وهي تلقي الضوء على فبركات تاريخية تؤكد أن الإنجيل قد أُعدّ ونُقّح على أيدي رجال ذوي أهداف سياسية.

ويضيف (غرايبة) أن في القرآن إشارة لتأثير الأديان خاصة معتقدات الخصب والعطاء على بني إسرائيل، مثل عبادة بعل إله الخصب والعطاء عند الفينيقيين، وقد تحول بعض بني إسرائيل لعبادته، فكان (إلياس) الرسول -الذي كان يعيش في بلدة في مدينة عجلون شمال الأردن، ومازالت كنيسة (مار إلياس) التي بنيت في أوائل القرن السابع الميلادي قائمة في المكان- يخاطب قومه كما في القرآن "وإن إلياس لمن المرسلين، إذ قال لقومه ألا تتقون، أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين"، وربما يكون سفر نشيد الإنشاد في العهد القديم المنسوب إلى سليمان هو من امتدادات وتأثير الأديان السابقة التي تقدّس الخصب والأنثى.

ويعتقد (غرايبة) أن رواية "شيفرة دافنشي" ليست أكثر من محاولة لفهم تأثير المسيحية على ديانات كانت سائدة وتأثير هذه الديانات والمعتقدات على فئات وطوائف مسيحية؛ فنشأت طوائف تمزج بين المسيحية والأديان السابقة، كما في حالة فرسان الهيكل وأخوية (سيون)، وقد بقيت المسيحية العربية برأيه فترة طويلة تؤمن بالتوحيد وترفض عقيدة التثليث التي يؤمن بها مسيحيو اليوم!.

خلاصة!

وخلاصة القول: إن مؤلف رواية "دافنشي كود Da Vinci Code" يتطرق لمواضيع حساسة تتعلق بصلب الاعتقاد المسيحي وببساطة يمكن القول إن الرواية تتعرض للدور الخطير الذي قام به الإمبراطور (قسطنطين) الروماني في ترسيخ المسيحية الحديثة عن طريق خلق دين هجين يجمع بين المسيحية والوثنية، التي كان يؤمن بها.

ووردت في الكتاب أيضاً أمور تشكك في مجمل الاعتقاد المسيحي كقول مؤلفه: إن 25 ديسمبر هو عيد ميلاد الإله الفارسي "مثرا" الذي يعود إلى ما قبل ميلاد المسيح، وإن الهالات

التي تحيط برؤوس القديسين هي أقراص الشمس المأخوذة من المصريين القدماء.

وإن المسيحيين في البداية كانوا يتعبدون يوم الشبط، أو السبت اليهودي، ولكن (قسطنطين) غيَّر اليوم ليتوافق مع اليوم الذي يقوم فيه الوثنيون بعبادة الشمس Sunday.

وإن مدينة "نيقية" هي التي شهدت -عن طريق التصويت الذي شارك فيه كهان مسيحيون- ولادة فكرة أُلوهية المسيح وغير ذلك من الأسس الأخرى

ديانات العرب وآرائهم قبل الإسلام(8)

يقدر العلماء أن شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام أي الشق الآسيوي للوطن العربي كانت أخصب بقعة على سطح المعمورة وأكثرها ملاءمة لتكوين موطن الإنسان الأول، ونشوء الحضارات وهي المنطقة التي كانت مهد الديانات السماوية ولا أحد بإمكانه تجاهل ما قدمه العرب للحضارة الإنسانية، حيث أن معظم الدراسات التاريخية لهذه المنطقة محدودة ببدء الرسالة المحمدية وما تلاها من فتوحات ودول امتدت عبر القارات الثلاثة.

الحقبة التي سبقت الإسلام كانت تحشر في أفق ضيق أطلق عليه العصر الجاهلي أو (الجاهلية) فمن خلال ما ورد في كتب السيرة والأخبار وما نقل عن طريق الشعر والخطب. نجد أن تلك الفترة هي أرحب من أن نقيدها بكلمة وننهي الحديث.

حيث أن الرقي الفكري في هذه الحقبة جعل منها المدرسة الأولى لانطلاق الديانات التوحيدية. فتخرج منها الرسل والقديسين والمبشرين والفاتحين الذين أناروا العالم.

وربما تكشف لنا تلك الحقبة عن اجتهاد فكري لكنها كانت تدل على أن العرب كانوا في اضطراب روحي يريدون الوصول إلى حقيقة دينية يطمئنون إليها. فكان الإسلام هذه الحقيقة لكن ما ميز هذه الحقبة بأن الوثنية هي التي كانت سائدة فالوثنية في نشأتها الأولى كانت في ولد اسماعيل عليه السلام فكانوا في ترحالهم يحملون الحجارة من حول الحرم تعظيماً للحرم حيثما حلوا وضعوا هذا الحجر وطافوا حوله كطوافهم حول الكعبة حتى حدا ذلك بهم إلى عبادة ما استحسنوا من الحجارة واختلطت عبادتهم بطقوس كثيرة كعبادة الأصنام السائبة والوصيلة والنسأة والأنصاب والأزلام.

وأول من نصب الأصنام في الكعبة هو عمرو ابن لحي (وسام لحي حارث ابن عامر الخزاعي) وذلك عندما غلبت خزاعة على البيت وجلت جرهم عن مكة كان عمرو أول من تولى البيت من خزاعة وعاش قرابة ثلاثمائة وخمسة وأربعون عاماً ويروى أنه خرج إلى الشام في تجارة له ورأى قوماً يعبدون الأصنام فأعجبه ذلك فأعطوه صنماً يدعى هبل فنصبه على الكعبة وأكثر من نصب الأصنام حولها وغلبت على العرب عبادتها وانمحت الحنفية تماماً إلا لمعاً منها وبذلك يقول شحنة بن خلف الرهمي:

شتى بمكة حول البيت أنصابا ياعمرو إنك قد أحدثت آلهة فقد جعلت له في الناس أربابا وكان

للبيت رباً واحداً أبداً سيصطفي دونكم إلى البيت حجابا لتعرفن بأن الله في مهل وانتشرت

الوثنية في كل أرجاء الجزيرة العربية وكان مركزها الرئيسي الكعبة وكان العرب يقصدونها من كل صوب ليقيموا شعائر الحج والتجارة وإنشاد الشعر وسماعه.

وكان العرب بمجملهم يؤمنون بالله إلى جانب اعتقادهم بالأوثان ويرون أنه خالق الكون ومصرف الأمور وما ممارسة العربي لبعض الطقوس الوثنية إلا انسياق وامتثال لأحكام العرف والتقاليد إذ أن عبادتهم لها أخذت طابع التقليد وأنّ ما مشت عليه الأسلاف هو الصواب (هذا ما وجدنا عليه آباؤنا) الآية وليس في كل ما ورد في مصادر الشعر العربي والروايات والسير ما يدل على وجود شعور ديني عميق أو عاطفة روحية شديدة ولم يكن العرب شديدي التعصب لدياناتهم فنرى مثلاً:

امرؤ القيس الكندي الشاعر المعروف وقيل أنه خرج بعد مقتل أبيه يريد الثائر فمد بتباله وهي على مسير سبع ليال جنوباً من مكة وبها صنماً للأعراب يقال له (ذو الخصلة) مستقسماً عنده بقداحه وهي ثلاثة (الآمر، الناهي، والمتربص) فأجالها ثلاثاً فخرج له الناهي في كل مرة فما كان منه إلا أن جمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وسبه بأمه وقال للصنم: (لو كان أبوك قتل ما عقتني) وكذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية أنه صنع لنفسه صنماً من التمر ليتعبده فلما جاع أكله وكان العرب مدركين الجانب الاقتصادي لوجود الكعبة ولم يكن لهم لاهوتاً خاصاً أو علماً بالتكوين لكن كان لديهم القدر الكافي من النضوج الفكري ليكونوا مهد الرسالة وانطلاقتها وعلى هذا كان العرب بمجملهم يعبدون الصور والتماثيل ويتجهون نحوها بالصلوات واللبيب منهم من يقصد الخالق بصلاته ويتخذ من الأصنام مقاماً وعبادة الأصنام طاعة للخالق ووسيلة للتقرب إليه وأخبرنا بذلك الله تعالى عن قولهم (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) أما الجاهل فلا يعلم بأنه يشير بألوهية الخالق ويعتقدها جميعاً وهذا ما حمل على القول بأن الوثنية كانت بقية دين توحيدي قديم لم تبق إلا آثاره، وهذا الدين قد كان بالفعل ولكن الوثنية دخيلة عليها ونظراً لتعدد القبائل وامتزاج بعضها ببعض فقد نتج عنه تنوع في المعتقدات والديانات. فنرى:

1- من عكف على عبادة الأصنام وحج إليها وقصدها ونحر لها وتنسك.

2- ومنهم من عبد الملائكة على أنها بنات الله على حد زعمهم (اللات والعزى ومناة).

3- الصابئة ومقرهم اليمن وحران من قبل وهم عبدة النجوم.

4- النصرانية وكانت في الشمال ونجران.

5- اليهود وكانت بيثرب وخيبر وفدك.

6- وكذلك الطوطمية تدل على وجودهم أسماؤهم (جحش، ثور، كليب، أسد)

7- الدهريون وهم من لم يؤمن بدين أو إله ويخبرنا الله بقوله (إنما نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وقولهم (ما هي إلى أرحام تدفع وأرض تبلع).

8- ومنهم من سما عن عبادة الأوثان وآمن بالله الواحد ولم يتبع نصرانية ولا يهودية وآمنوا بالعقاب والثواب ودعوا الناس على التمسك بما تبقى من الحنفية وسنة إبراهيم.

وأما العرافة:

فهي ما دون الكهانة والكهانة أصلها نفسي وهي كانت في العرب على الأكثر وفي غيرهم على وجه الندرة: لأنه شيء يتولد من صفاء المزاج الطبيعي ومهما يكن من أمرهما فهي لم تأخذ الطابع الديني إنما أخذت الطابع النفسي وشيئاً من الطب كقول عروة:

وعراف نجد إن هما شفيا جعلت لعراف اليمامة حكمه وبقيت دون بلورة أو توحيد فقد كانت على الغالب اجتهادات فردية.

ومن هذه الأديان والمعتقدات التي كانت سائدة قبيل الإسلام نعلم أن العرب في هذا العهد كانوا في اضطراب روحي، يريدون الوصول إلى حقيقة دينية يطمئنون إليها فكان الإسلام نفسه هذه الحقيقة.

الخصائص الثقافية والدينية المؤثرة فى

الدعوة الإسلامية فى أفريقيا(9)

الوثنِّية، التعريف :

  الوثنية من الوثن , وهو ما له جثة يعبد , سواء كان من خشب أو حجر أو ذهب أو فضة أو غير ذلك , وبالجملة فإن الوثنية هي مذهب من يعبد الوثن.

والوثنية منتشرة في إفريقيا, وذُكر أن الوثنيين يبلغون نحو 50 مليون نسمة . وهي في السودان تتواجد في ثلاث مناطق ؛ هي جنوبه ، وجنوب كردفان و جنوب الفونج ( الانقسنا ).

الوثنية في جنوب السودان:

  العقائد الوثنية في جنوب السودان منتشرة أكثر من غيرها ، إذ تذكر بعض الإحصائيات أن نسبة الوثنيين في الجنوب تبلغ 60% من إجمالي سكان الجنوب١. ويلاحظ أن القبائل النيلية من الدينكا والشلك والنوير مع ما فيها من وثنية وإثبات آلهة كثيرين إلا أنهم يؤمنون بإله أكبر في السماء تختلف كل قبيلة في تسميته . وأما القبائل الأخرى الاستوائية في الجنوب مثل مجموعة الزاندي والباري فلديها أفكار متعددة عن الإله . وهذا ما سيتضح بإيجاز فيما يلي إن شاء الله :

الوثنية عند الدينكا: يعتقدون وجود إله يسمونه الإله الأكبر (نهيالك) ويعتقدون أنه الذي خلق الكون ونظمه وهو المهيمن على كل الأمور العظيمة وهو في السماء.

ثم يعتقدون وجود آلهة عادة ما يكونون من أسلافهم , ويلتجئون إليها في الأحوال العادية, ويسمون إلههم ( جوك ), و يرون أن الشخص إذا مات تظل روحه هائمة حول الدار حتى يذبح لها القرابين وإلا غضبت وأرسلت العلل والأمراض فإن ذبحوا لها قلَّ خطرها, بل هي في الغالب تكون نافعة للقبيلة ترعاها وتزيل عنها الشدة . ويعتقدون وجود إله كبير يسمى عندهم ( دينق ديت ) يحل لهم أشياء ويحرم .

شعائر تعبدية للدينكا: لهم أكواخ خاصة للعبادة ، وربما صلوا في الأماكن العامة ويدعو كل واحد منفرداً ، وبعد الصلوات يذبحون القرابين لإنزال المطر.

ويزعمون أن الإله الكبير ( دينق ديت ) أمرهم بعزل بعض أبقارهم يسمونها باسمه ولا يذبحونها ولا يبيعونها ، وإنما يمكن أن يستفيدوا منها في مهر الزواج وشرب اللبن ودفع الديات والتعويضات ، ويزعمون أنه نهاهم عن قرب زوجات غيرهم . وأما الآلهة الأخرى فيرونها واسطة لهم إلى الإله الأكبر أو الكبير ويلتجئون إليهم في شفاء المرضى ومعالجة العقم.٢

الوثنية عند الشلك: يعتقدون وجود إله واحد في السماء وهو الذي خلق العالم وبيده القوة وخصائص الربوبية ، ويسمى عندهم ( جوك ). ولهم وسطاء ـ كما يزعمون ـ يبتهلون إليهم إذا حز بهم أمر ويتقربون إليه بأنواع من القرب .

وعادة ما يكون هؤلاء الوسطاء ما يسمي عندهم ( بالكجور ) وهم مراتب ، فأكبر الكجور يسمى ( نياكانج ) وهو زعيمهم ، ويرون أنه نزل إلى الأرض في ظاهرة كونية عنيفة ، وهو لم يمت وإنما اختفى إذ تلاشى مع الرياح .

وكجور آخر يسمي ( ابتوكاما ) يعتقدون أنه يقدر على إنزال المطر أو حبسه ، ويعلمون الغيب ، ويمنعون إصابة السلاح .

وللشلك نظام خاص يسمى ( الرث ) وهو شخص ينتخب من أبناء الرثوث خاصة توكل إليه السلطة الدنيوية والروحية ، ويعظمونه ، إذ يعتقدون أن روح ( نياكانج ) تنتقل إليه وهو مسئول عن سلامة شعبه وإنزال المطر لأنه الواسطة بينهم وبين ( نياكانج ) .

شعائر تعبدية للشلك: يمارس ( ابتوكاما ) السحر والرمل لمعرفة ما غاب ، ويبتهلون أحيانا إلى الإله الأكبر عندهم ( جوك ) والأكثر إلى أرواح أسلافهم التي تقدمت أسماؤها . وهم لا يجيزون زواج الأقارب .٣

الوثنية عند النوير: واعتقادهم يشبه اعتقاد الدينكا _ ربما للقرب الجغرافي بين القبيلتين _ ويسمون الإله عندهم ( كورث ) . ويعتقدون أن ( مولدينق ) _ أي هدية دينق _ قد أعطاه الله ملكة التنبؤ ويتقربون إليه ! ويلاحظ أن النوير أكثر ممارسة لشعائر دينهم من الدينكا .

شعائر تعبدية للنوير : يزعمون أن ( مولدينق ) قد ألَّف لهم تراتيل يصلون بها ويؤدونها متجهين إلى الشمس صباحاً ومساءاً إلى أن يتحدث إليهم ويوصيهم بما يلزمهم عمله . وإذا ظهر أمر غريب _ من سقوط شهاب أو ظهور مذنب _ أو ولادة توائم ، يفزعون إلى الصلاة

في هياكل أو أكواخ منتشرة في كل مناطقهم ويبدأ دعاؤهم بدعاء إلههم ( كورث ) .

مجموعة الباري : ويعتقدون وجود إله في السماء وآخر في الأرض ، ثم يختلفون في العلاقة بينهما فمنهم من يقول إن لكل إله قوة مستقلة عن الآخر ، وربما قالوا : هما مصدران لكائن واحد أو قالوا إنهما أخوان وفي الجملة يعزون نزول المطر والرعد والبرق والسحاب إلى إله السماء ، وأما إله الأرض فيعتقدون أنه المختص بنمو النباتات والأشجار وله صلة بالقبور والمشاهد.

وبناء على ذلك يتوجهون بالدعاء إلى أرواح أسلافهم _ من صانعي الأمطار كما يزعمون وهم الكجور _ وهذه الأرواح تتوجه إلى كل إله حسب المهمة .

ولهم تقديس للأشجار المعمرة _ بعد تعيين المناسب منها من قبل الكجور _ ويرون أن لها اتصالا بإله الأرض أو أرواح أسلافهم . وهم يقيمون طقوسا وحفلات دينية يذبحون فيها عند المطر والحصاد .

وربما قتلوا زعيم المطر إذا فشل في جلب المطر إذ فشله علامة على أن السر المقدس قد زايله وفارقه .

مجموعة الزاندي : يذكر أنهم يعتقدون وجود إله يسمى ( مبوري ) وقد خلق الأرض والماء والنار وسائر الكائنات إلا أن ما ينقل عنهم من أساطير تفهم أنه ليس إلها واحدا ، وليست للزاندي طقوس أو مظاهر تقديس خاصة بآلهتهم .

والسحر يحتل مكانة كبيرة وله تأثير على حياتهم الاجتماعية ، إذ كل ما يقع من سوء وشر ينسبونه إلى السحر ، وهم كذلك يتطيرون ، ويعملون بالطيرة في سفرهم وإقامتهم.٤

العقائد الوثنية في جنوب كردفان :

وهي أقل وجوداً منها في جنوب السودان ، إذ تذكر بعض الإحصائيات أن نسبة الوثنيين في جنوب كردفان 15 % من جملة سكان هذه المنطقة .

وهم يعتقدون وجود إله أعظم يتوجهون إليه يسمى ( كالق ) ليعمهم بالرخاء والغنى ، ويرون أن الإله هو أصلا من أسلافهم الأوائل ، ويرون أن الكجور له صلة بالسماء وأنه مقرب من الإله الأعظم فيدفعون إليه القرابين ليقدمها نيابة عنهم فهو الذي يجلب الشر والخير والرضا والغضب، وترتبط شعائرهم بنزول الأمطار والحصاد فيقدمون الذبائح ويقيمون حلقات الرقص والغناء على إيقاع الطبول .٥

العقائد الوثنية في الانقسنا:

  والوثنية في الانقسنا لا تختلف كثيراً عن الوثنية في غيرها من المناطق. ولكن يلاحظ كثرة الأمية فيهم جداً ، وهم يشتغلون بالكجور ، ولهم جبل يسمى الليفر لا يقطعون شجره ، ويعتقدون أنه إذا قطع منه شئ أصابتهم مصائب. وبعضهم يؤمن بوجود الخالق ، وأكثرهم يجهلون ذلك . ونسبتهم إلى سكان المنطقة الربع, وأكثر اشتغالهم بالزراعة والرعي, وأشهر مناطقهم: ( باو ) وهي العاصمة ,( جام ) ( ككر ) ، ( قبانيت ). وكانوا يقدسون الأبقار ولهم طقوس وأعراف خاصّة في الزواج ، بدأوا في تغيرها منذ فترة قريبة . والملاحظ عدم دخول التنصير فيهم ! وبدأ بعضهم في الدخول إلى الإسلام .

بيان عمق الوثنية في المجتمع ومدى أثرها ومخاطرها :

  إن الوثنية متعمقة في جنوب السودان وجزئيا في جنوب كردفان والانقسنا ويلاحظ _ كما تقدم _ أن نسبة الوثنيين تصل إلى 60 % في الجنوب و 15 % في جنوب كردفان وقد بدأ عددهم يتناقص نسبياً في الانقسنا.

وعليه فان غالبية السكان في الجنوب من الوثنيين ، ويلاحظ أن تلك العقائد لا تتجاوز نطاق القبيلة ، ولذلك هي انتهت إلى تعميق العرقية والقبلية ، فكانت إحدى عوامل التجزئة والتقسيم ، ليس في السودان فقط وإنما في كثير من دول القارة الإفريقية .

ويلاحظ أن الوثنيين _ غالباً _ يعانون من تأخر المعرفة واكتساب القوة المادية في إفريقيا لأنهم منكبون على ما يتعلق بجانب الأرواح فأدى ذلك إلى جمود الاهتمام بالصناعة والعلوم .

ويلاحظ كذلك تأثير اعتقاداتهم على حياتهم ، إذ ترتبط زراعتهم وما يجري لهم من خير وشر بالسحر والكهانة والتطير.

ومما يلاحظ أن كثيراً ممن دخل الإسلام منهم تبقى معهم بعض العقائد المنحرفة والخرافات مثل الكجور والتطير ، ولكن يبدو من أسباب بقائها خطأ بعض الجهلة من الدعاة المسلمين ممن هو يمارس قريباً من تلك الأعمال وعادة ما يكونون من أهل التصوف .

بل يلاحظ أن السلطة في جانبها الديني مرتبطة بالكجور ، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى القول بأن من أعماله _ أعني الكجور _ تنظيمه لحياة المجتمع ، ولذلك يلاحظ أن من كثر أتباعه يصير قائداً دنيوياً يرجع إليه في السلم والحرب وما يتعلق بإدارتهم وتنظيم العلاقة فيما بينهم أفراداً وجماعة ويرسم لهم قواعد و أسس يتمسكون بها.

وبهذا يتضح أن تلك العقائد الوثنية ترتبط بنشاط الوثنيين الاقتصادي والاجتماعي.

أسباب قوتها وبقائها ونموها:

 مما ينبغي معرفته أن أصحاب تلك العقائد الوثنية ليست لهم رغبة في نشر وثنيتهم والدعوة إليها ، ولذلك فهي ليست متنامية إلا إذا أخذنا في الاعتبار كثرة النسل لدي بعض القبائل الكبرى مثل الدينكا - فتكثر الوثنية بناءاً على زيادة أعداد أفراد القبيلة نفسها .

ولما كانت تلك العقائد مستندة إلى خرافات وإلى أساطير فهي ليست بالقوية بل ولا يمكن أن تبقى إن شاء الله .

أهم العوائق التي تسببها الوثنية في طريق الدعوة الإسلامية:

لما كان الوثنيون لا يهدفون إلى دعوة غيرهم إلى الوثنية فعادة ما لا يضعون عقبات في طريق الدعوة الإسلامية ، فهم محل استقطاب واستهداف من قبل المسلمين والنصارى ، ولكن في الجملة توجد عقبات في طريق الدعوة ، بعضها هو من طبيعة ترجع إلى غير الوثنية، وبعضها هو لازم لها .فمن هذه العقبات :

1) كثرة العقائد الوثنية مع جهل الدعاة إلى الله _ غالباً _ بها يصعب من أمر الدعوة ، لأن معرفة أحوالهم وعقائدهم تعتبر مدخلاً مهما في دعوتهم.

2) ومنها شدة الولاء إلى قادتهم الدينيين بناءً على تعليمات الوثنية فهذا مما يصعب الدعوة جداً ، بل إن ذلك التعصب ومعه التعصب إلى القبلية ربما ظلَّباقياً حتى بعد دخول بعضهم إلى الإسلام مما يصعب معه تحقيق الوحدة ، بل إن القبائل الوثنية متنافرة و متناحرة فيما بينها ، فيضعف الاستقرار وتضعف الدعوة تبعاً لذلك .

3) ومنها أن الوثنيين لما كانوا مستهدفين من قبل النصارى ، فإن النصارى في سبيل صدهم عن قبول الإسلام أثاروا العصبيات القبلية والشبهات على الإسلام والمسلمين والعروبة مما شكل حاجزاً نفسياً لدى الوثنيين لتقبل الإسلام .

4) ومنها كثرة اللغات واللهجات المحلية وتعددها _ مع قلة الدعاة المؤهلين الذين يجيدونها _ يصعب أمر الدعوة كذلك.

5) ومنها أن طبيعة المنطقة _ من أنهار وغابات وأحراش وجبال ومستنقعات في كثير منها _ وعدم توفر الأمن للحرب الدائرة حالياً والغارات القبلية وندرة الطرق الجيدة ، تعوق مسيرة الدعوة إلى الإسلام .

6) كذلك إن نمط الحياة _ من رعي إذ أكثر القبائل تمتلك الأبقار _ يقلل استقرار ابن المنطقة ، وكثرة الجهل والفقر _ ولا شك أن الوثنية لها تأثير في ذلك كما تقدم _ وكثرة الأمراض مما يعوق انتظام أمر الدعوة والتعليم الإسلامي هناك .

7) ومما يضاف هنا _ وإن لم يكن عائقاً كبيراً في الوقت الحالي _ أن بعض المثقفين نشط في الدفاع عن الوثنية وإضفاء طابع الاحترام لها باعتبارها إضافة أفريقية للحضارة الإنسانية فيقول البروفيسور تعبان : " إن الأفارقة بدأوا يرجعون للموروثات المحلية في كثير من المجالات كاللغة ، لذلك يجب الرجوع للأديان المحلية ، وهذا يعني بالضرورة أن يقوم الأفارقة أنفسهم بدراسة الأديان والابتعاد عن الكتابات الأوروبية المنحازة والنظر للأديان التقليدية بأنها إسهام إفريقي في الحضارة الإنسانية "٦ ..... وقال البروفيسور كوفي أساري ابوكو _ من غانا _ : " إن أجدادنا الأفارقة يفسرون الكون ومكانة الإنسان فيه بطريقتهم الخاصة كاللجوء للأسطورة و الخوارق ، وعليه يتوجب علينا كأحفاد لهم أن نسير على نفس الخطى ، وعلى ضوء ذلك نفهم الأديان التقليدية ....."٧.

8) ويبدو كذلك أن تبني المثقفين منهم للعلمانية نظاماً للحكم وما يترتب عليه من حماية لتلك المعتقدات واحترام ، زاد من بقاء تلك المعتقدات وقلل من فرص العمل الدعوي الإسلامي وقبوله .

الأصول الوثنية للمسيحية(10)

المسيحية والوثنية :

ثلاثة قرون من الاضطهاد الوثني الشديد للمسيحية. ثلاثة قرون من الاضطهاد الروماني بخاصة. ثلاثة قرون كانت فيها ردة فعل المسيحية قوية عنيفة، لكنها لم تكن تعني أبدا أن هنالك تناقضا كبيرا واضح المعالم بين الطرفين. وعلى الرغم من أن كثيرا من الناس يعتقد بأن هنالك تناقضآ فإن الحقيقة مختلفة جدآ، والمظاهر خادعة مضلة. لقد كانت أشبه بظلم في ذوي القربى. ومثل هذا الظلم أشد مرارة وأشرس وأعمق جرحا وإيلاما. وحقل الدين  يضرب لنا أمثلة كثيرة على ظلم ذوي القربى. أليس الصراع الدامي بين البروتستانت والكاثوليك دليلا على ذلك؟ ونحن في دراستنا لتاريخ الأديان اليوم لا نستطيع أن ننكر ما بين المسيحية والوثنية من صلات وثيقة وأواصر متينة، بل إنه يلزمنا ويجب علينا أن نبين كيف أن المسيحية هذه تحدرت من الوثنية وصار لهما انسب واحد وأصل مشترك. وهذا أمر منطقي طبيعي جدا لدى مؤرخ الأديان. فليس هنالك دين منبت الجذور لا يمت بصلة إلى دين آخر. ولقد سبق للمؤرخ الديني الشهير "ألفرد لوازي" أن قال: إنه ليصعب علينا أن نرى دينا مستقلا خالص من العلاقة مع الأديان الأخرى تماما كما يتعذر وجود شعب نقي الدم خالص لم يمتزج بشعوب أخري على مدى التاريخ. بينما يقول العلامة البحاثة في علم الأديان "مركيا ألياد": ليس هناك دين جديد تماما بلغي أو ينسخ كل ما أتى به الدين الذي سبقه. إنه يجدده، ويصهره، ويؤكد أركانه القديمة الجوهرية ". لم يعد يكفي دارس تاريخ الأديان بان أن يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الوثنية والمسيحية، بل ينبغي عليه القول: إننا لا نستطيع أن نفهم مسيحيتنا حق الفهم إذا لم نعرف جذورها الوثنية، فقد كان للوثنية قسط وافر في تطور الدين المسيحي، وهو قسط غير مباشر ولا منظور، وإذا صح أن لليهودية تأثيراَ على المسيحية وكانت أساسا جوهرياً لنظرة المسيحية فإن علينا أن ننبه إلى أن اليهودية نفسها أصيبت بالتـأثيرات الوثنية من فارس وبابل وخضعت لنفوذهما عندما كان اليهود في المنفى. غير أن هناك تأثيراً خاصا مباشرا أصاب المسيحية، وهو جوهر موضوعنا. لقد كان للوثنية اليونانية والفارسية هيمنة على المسيحية، وكذلك كان للوثنية ق عموم الشرق. هكذا تألف دين جديد لملم أشتاته من هنا وهناك، وكان كمن يصب خمراً عتيقاً في جرار جديدة. ولربما أننا نحرّف هنا قول إِنجيل لوقا (5: 39): " ليس أحد إذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد لأنه يقول العتيق أطيب". وكان مؤرخ الأديان العلامة ارنست رينان قد قال: "إن الدراسات التاريخية للمسيحية وأصولها تثبت أن كل ما ليس له أصل في الإنجيل مقتبس من أسرار الوثنية". ونحن لا نُبالغ إذا قلنا أن مما يُعرف بالأسرار الدينية في المسيحية مستوحى من الأديان الوثنية القديمة.

وعلينا أن نقبل بواقع هذا التأثير الوثني كما نقبل- على الأقل- بما يقوله المبشرون المسيحيون عن أديان وميثيولوجيات الشعوب البدائية في أميركا وأوقيانوسيا. ودراسة المسيحية تثبت أن الآلهة الوثنية لم تمت بعد. ولا شك في أن العلامة البلجيكي "فرانز كومون" قد عنى ذلك حين عنون كتابه الشهير حول تاريخ المسيحية بعنوان: " لا جديد تحت الشمس ". وينبغي لنا الآن توضيح السبل التي سلكتها المسيحية والتي أتاحت للوثنية بأن تُساهم هذه المساهمة الكبيرة في تأسيس أركانها. إن أصحاب النقل المباشر وغير المباشر عن الوثنية معروفون. ويجب علينا أن نتذكر دائماً أن معظم الذين آمنوا بالمسيحية في بداياتها لم يكونوا يهودا بل كانوا عبدة أصنام. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هؤلاء المؤمنين شهدوا فترة عصيبة محتدمة تساعد على تلفيقات كثيرة. ومما لا شك فيه أن هذه المسيحية وضعت المؤمنين بها على دروب الوثنية القديمة. ولعل أهم هذه الدروب الوثنية يتمثل بالإهتمام بالخلاص عن طريق مخلص أو وسيط. أما الذين لفقوا عقيدة الخلاص فليسوا أولئك الكتّاب أو واضعي النظريات الدينية والآراء المجردة المعقدة بل هم سواد الناس من أصحاب الفطنة المتوقدة والمفاهيم البسيطة الساذجة التي كانت توحد بعفوية وصدق غريزي بين مجمل التيارات الدينية في تلك الأيام. إن الخيال الشعبي هو الذي أقام هذا الصرح. أما العلم الديني فقد جارى وداهن وغيّر أركان الدين وعقائده. وهنا أيضاً نستشهد بما قاله "ألفرد لوازي" مؤرخ المسيحية: "إن الأديان تعيش في أعماق الناس، وان حياتهم الخاصة الصاخبة هي التي تعطي هذه الأديان شكلها".

ومسألة التقويم دقيقة مرهفة، فنحن مضطرون إلى السؤال عن حدود الوثنية التي نجدها في المسيحية وعن أنواعها وصورها. إننا إذا قارنا بين المسيحية والوثنية فإننا لن نجد تطابقآ كاملاً أو دائمآ. وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن بعض الخلافات والفروقات قائمة بالضرورة. ولربما يقول من يقول بأن المسيحية أخذت الشكل الظاهري فقط من تلك الفترة الدينية. وإن ذلك أمر طبيعي جداً، ما دام جوهرها الحق مغايراً لمظهرها الوثني، لكن من السهل علينا أن نرد عليه بأنه ليس هناك من دين ينسخ نسخاً كاملاً، أو ينقل عن الدين الوثني الأخر نقلاً منتظماً حرفياً شاملاً. إننا لم نلحظ ذلك في تاريخ الأديان. وعلينا أن ننبه هنا إلى أن العمل الباطني للتصورات والمفاهيم الشعبية هو الذي بدل الأعماق الدينية للمسيحية المعاصرة وجددها. وإذن فإنه من غير المجدي إِضاعة الوقت في مناقشة التفاصيل الصغيرة حين تكون الروح العامة هي المهيمنة. ومن هنا نستطيع القول أن المسيحية بوجهها العام تبدو تلفيقية وثنية، وإنها برغم تنقيحها تبقى تلفيقية. وهنا أُقدم لمحة سريعة لبعض التأثيرات الوثنية الأساسية التي ساهمت في تشكيل هذه الظاهرة الدينية الكبيرة. لقد جاء التأثير الإيراني من الديانة المزدكية الوثنية ومن أسرار معبودهم ميترا. وكان المؤرخ الديني الفرنسي ارنست رينان يرى أن هذا الدين الإيراني كان منافساً خطيرأَ للمسيحية في أيامها. وهناك أيضاً التأثير الفرعوني، خاصة أسرار إيزيس التي كانت حميدة الخصال رفيعة الأخلاق والتي رأى فيها ألكسندر موريه مقدمة للدين المسيحي الذي جاء بعدها ويأتي بعد ذلك التأثير اليوناني، وخاصة منه الأورفية التي تشابه روح المسيحية تشابهاً كبيراً كما ذكر ذلك الكاتب المؤرخ أندريه بولانجيه.

ويضاف إلى الأورفية ديانة ديونيزوس وأسرارها، والفيثاغورية التي ركز بعض العلماء مثل إيزيدور ليفي على تشبيه فيثاغورس بما آلت إليه شخصية المسيح [عليه السلام]. ثم هناك الأفلاطونية التي يعترف بتأثيرها آباء الكنيسة أنفسهم مثل القديس أوغسطين. والمعروف أن الأفلاطونية هي جوهر الميتافيزيقا اليونانية المصرية التي ازدهرت في الإسكندرية، ثم صارت جوهر الميتافيزيقا المسيحية. بعد ذلك نجد الغنوصية الملفقة أصلا. وقد كانت الغنوصية هي التي أدخلت إلى المسيحية كثيراً من الأديان الوثنية الشرقية. وهنا لا بد من القول- على عكس ما يُشاع أو ما يكتبه بعض الكتاب المسيحيين- أن الغنوصية ليست تياراً مسيحياً مهـرطقآ، فهي أقدم من المسيحية، وليست بالتالي تياراً منها، أو هرطقة. بل إن العكس صحيح، فإنجيل يوحنا أصلا هو نقل للفكر الغنوصي، بل هو غنوصية ذات وجه مزدكي إيراني، خاصة حين يتحدث عن صراع نور الكلمة مع الظلمات، أو صراع الحق مع الكذب. ثم إن بولس نفسه استعار واستخدم الكثير من اللغة الغنوصية، وإن كان قد صاغها بطريقة مغايرة. في المقابل، لا بد لنا نحن المؤرخين من أن نقول ما قد يثير اعتراض المعترضين ونعترف بأن الكنيسة لم تظهر عداءها التام للوثنية، فقد كانت الكنائس تُقام على أنقاض المعابد الوثنية، بل كثيرأ ما نجد المسيحيين يكتفون " بتطهير" المعابد القديمة أو إضافة بعض اللمسات عليها من أجل تحويلها إلى كنائس. ومع أن هذا كان يعني انتصارأ مسيحيآ فقد كان أيضآ يشكل شعورأ واعيآ تقريباً بأن جذور الدين الجديد تشتبك مع جذور الدين الوثني الذي سبقه. وإننا لنرى بعض كتاب المسيحية في تلك الفترة مثل أوزيب يكثرون من الاستشهاد بالكتّاب الوثنيين القدامى لمثل تلك الأسباب الواعية تقريباً. وسنرى لاحقآ كيف أن الكنيسة ابتلعت بعض العناصر الوثنية، لكنها أضفت عليها طابعها الخاص، وذلك لاستقطاب ما يمكن استقطابه من عبدة الأصنام، كذلك فإنها بذلك أرادت تعزيز نفسها وابتلاع العقائد القديمة المترسخة، وهذا ما أدى إلى دخول عناصر وثنية جديدة على المسيحية. غير أن نتائج هذه السياسة كانت خطيرة جدأ، وكانت وراء ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي.

وأخيرا نجد هذه الوثنية في الفن، كتزيين المقابر بالطواويس والدلافين وشتى أنواع الطيور والأسماك. وقد كانت هذه جميعآ رموزأ وثنية كمثل رموز أورفيوس الذي يذكر غناؤه الساحر بتبشير المسيح أو كرمة ديونيزوس التي تزين القبور. إننا نجد على الأضرحة الحجرية صورة المسيح الذي يظهر بصورة معبود. ولقد ظلت مثل هذه النزعة منتصرة سائدة إلى وقتٍ متأخر كما نجد في عصر النهضة رسومآ لميكائيل انجلو الفنان الإيطالي الشهير، وخاصة ما رسمه على سقف كنيسة السستين كالعرافات الوثنيات اللواتي جئن يتنبأن بظهور المسيح، وفي كاتدرائية "إكس آن بروفانس" نجد صنم المسيح منحوتآ ومحاطاً برموز وثنية كالقمر والشمس، وهو واقف بينهما. إننا قدمنا التأثيرات الوثنية على المسيحية في هذه الإفتتاحية بصورة سريعة عاجلة، لكننا نريد أن نتساءل ونسأل القارىء معنا: هل هنالك من يستطيع دراسة هذا الموضوع بدون تحيز؟ إن هذا صعب جدأ، إذ لطالما أثار هذا البحث حماسة شديدة وردود فعل عنيفة، خاصة وأن البحث ليس علميأ تمامآ، بل يعتمد على قسطٍ من الحدس.

وهنالك قضية أخرى نتساءل عنها وهي إننا هل نستطيع أن نفهم المعنى العميق للأحداث الدينية في العصور القديمة بوضوح وشمولية، خاصة وإن تلك العصور تختلف عن عصرنا اختلافاً كلياً. إننا نلتقي هنا أمام آراء مختلفة جدأ. لهذا فإنني أقول: لماذا لا نعود إلى النصوص الوثنية القديمة ونصوص المسيحيين الأوائل مثل القديس جستين الذي يعترف بوجود أفكار جوهرية متشابهة بين المسيحية والوثنية. لقد كان مثل هؤلاء الكتّاب في وضع أفضل من وضعنا ويستطيعون تقويم الأمور بصورة أفضل. إضافة إلى ذلك فإن بحثنا شديد الصعوبة لأن المسيحيين الأوائل أبادوا بانتظام معظم الكتب الدينية الوثنية. ويكفينا أن نذكر هنا المشهد الشهير في أعمال الرسل حين يذكر القديس بولس كيف أحرق المؤلفات الوثنية في أفسوس اليونانية. ولعل أطرف ما في هذا الموضوع هو أن المؤلفين المسيحيين كمثل أوريجين قد حفظوا لنا معلومات نادرة، بل مختارات من الكتب الوثنية، واستخدموها في دفاعهم. ولا يستطيع عالم تاريخ الأديان، أو الباحث في المقارنة بينها أن يرفض واقع التشابه بين المسيحية والوثنية رفضاً كلياً، ولا ينبغي له أن يتحجج بالإيمان والوحي والحدس المطلق للقول بأن المسيحية لا تشوبها شائبة من الوثنية. لقد وصلت الأمور ببعض الكتّاب المسيحيين إِلى كتابة ادعاءات لا يقبلها العقل أو المنطق فزعم بعضهم مثلاً أن الوثنية السابقة على المسيحية، اختراع جهنمي هدفه محاكاة المسيحية. وبما أن مثل هذا الزعم لا يصح تاريخيا فقد قال المؤرخون المسيحيون أن الشيطان هو الذي كان وراء هذه الفكرة. أغرب من ذلك: أن بعض المؤلفين المسيحيين لم يجدوا حرجاً في القول بأن الشيطان كان قد اخترع الوثنية على غرار المسيحية التي جاءت بعدها اختراعا احتياطيا. وهذا لم يحرج القديس جوستين حين تحدث عن سر القربان المقدس، ولا أزعج كليمان السكندري حين قارن بين الأسرار المسيحية والأسرار الوثنية. وكذلك كان حال فيرميكوس ماتيرنوس حين تحدث عن مجمل ظاهرة الوثنية. ولا شك في أن الوثنيين هم الذين كانوا منتصرين على المسيحيين لمجرد أن لآرائهم التي يقتبسها المسيحيون أسبقية زمانية- بذلك نجد الوثنيين يتهمون المسيحيون بأنهم يقلدون شعائرهم ويحاكونها فقد وقتوا (موت المسيح) وصعوده إلى السماء في الفترة الزمنية التي يحتفلون بها بموت الإله "أتيس". ويعترف اللاهوتيون الكاثوليك في عصرنا- بتسامح- بالأصل الوثني لبعض التعاليم الكنسية، لكنهم يعترفون بذلك في معرض الدفاع عن نقاء المسيحية وتفوقها. هكذا نقرأ في كتاب أحد اللاهوتيين الجدد "هـ. لوكليرك" إننا على علم بتلك النزعة التي لا تعترف بالطابع الأصيل للمسيحية وتحاول أن ترد أصولها إلى الأديان الوثنية. طبعا استعار المؤمنون من هنا وهناك بعض التفاصيل الوثنية أنى وجدوها ". ولهذا الاعتراف من هذا الكاتب الكاثوليكي عواقب خطيرة، فهو يعني أولاً أننا لا نستطيع أن نرفض مسبقا أن لبعض العناصر الدينية المهمة في المسيحية أصولاً وثنية مشتركة، خاصة وأن التجربة تدلنا على أن العدوى التي تكون بسيطة في البداية تصبح مع الزمن جامحة جائحة. وبعض آباء الكنيسة الكاثوليكية يتبنون تفكيرا خطيرا عندما يحاولون أحياناً أن يبرهنوا على جدة المسيحية، فالأب دولاهاي يقول:"إن الطبيعة البشرية التي تتصرف وفقاً لمشاعرها الدينية كافية لتفسير ذلك". والأب الكاثوليكي يقول هذه الجملة بعد اعترافه بتشابه الشعائر المسيحية وشعائر ميترا. أما الكاتب جاكييه فيقول في "معجم علم الآثار المسيحية" ما هو أغرب من ذلك: "إن الشياطين استبقوا الأمر وقلدوا المسيحية في طقوس الأسرار". وإن بؤس هذه الحجة دليل كافٍ لإثبات التأثيرات الوثنية في المسيحية. على أن هناك شخصيات مسيحية تحاول نفي أي تقارب بين الوثنية وبين المسيحية، لا لأسبابٍ فكرية، وإنما لأسباب عاطفية. فذكر الوثنية وحده يقززهم لأنه يوقظ فيهم تاريخ الوثنية البربري كالتضحية بالأطفال للآلهة، أو الدعارة المقدسة، أو صراع الفرسان الدامي... الخ. لكن علينا أن لا ننسى أن الوثنية تغرس جذورها عميقا ما قبل تاريخ الإنسان البربري، بينما ظهرت المسيحية في فترة متأخرة عن ذلك. وهنا يجب أن ننبه إلى أن حروب التفتيش التي شنتها الكنيسة الكاثوليكية على المسلمين لم تكن أقل بربرية، وكذلك الأمر في الحروب الدامية بين البروتستانت والكاثوليك. ويبقى السؤال: لماذا انتصرت المسيحية إذن وهي تحمل كل هذه العناصر الوثنية؟. إن العنصر الجديد الذي جاءت به كان شديد الأهمية للفقراء يومها، وهو أن "المخلص الإله كان نصف آله ونصف إنسان، وإنه اختلط بباقي الناس، وتعذب من أجلهم. ثم إنه كان إلهاً شاملا ولم يكن إلها محليا قوميا كآلهة الفرس أو اليونان ".

الأصول الوثنية للقداس:

قدمت لنا الاكتشافات الأثرية فهماً عميقا جدأ للعلاقة الوثيقة بين القداس المسيحي وبين الأسرار في الديانات الوثنية القديمة. من بين الآثار المكتشفة  في بلاد فارس والموجودة حاليا في متحف اللوفر تمثال لأتباع الإله ميترا نراهم فيه يتناولون الخبز والنبيذ. ويصف الكاتب الفرنسي فرانز كومون في مجلة علم الآثار لعام 1946 (193) هذا الأثر قائلاً: نظرا لأن لحم الثور كان صعب المنال أحيانا فقد اضطر أتباع الإله ميترا إلى استخدام الخبز والنبيذ مكان اللحم. وكانوا يرمزون بذلك إلى لحم معبودهم ميترا ودمه (تماماً كما يرمز المسيحيون اليوم إلى لحم المسيح ودمه بالخبز والخمر). وقد ورد في إنجيل متى على لسان المسيح:" خذوا كلوا. هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي 0" (26/26- 28). ويُقال إن بعض أتباعه تخلوا عنه عندما قال هذا الكلام، (كما يُقال في الإنجيل الذي بين أيدينا) وقالوا على ما ورد في إنجيل يوحنا (53/6- 66): "فخاصم اليهود بعضهم بعضا كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل. فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنه فيه. كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد... فقال كثيرٌ من تلاميذه إذ سمعوا: إن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه. فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا فقال لهم: أهذا يعثركم، فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا، الروح هو الذي يُحيي أما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياهّ. ولكن منكم قوم لا يؤمنون". وعندما قام الإصلاح البروتستانتي قامت ثورته على رفض هذه العبارة التي تتردد في القداس الكاثوليكي. وكان الخلاف يدور حول الإجابة عن السؤال التالي: ما هي طبيعة القربان تماماً، هل يجب اعتباره ماديا أم يجب اعتباره روحيا خالصاً؟ غير أن نصوص الأناجيل الأربعة الرسمية ورسائل القديس بولس تدل على أن هذا الطقس أقيم على أساس حسي مادي ليتماشى مع الطقوس الوثنية القديمة. ثم ظهرت النزعة إلى إعطائه بعدا روحيا كما يدل على ذلك إنجيل يوحنا، وهو أكثر الأناجيل عمقا و غنوصية. إن إنجيل يوحنا يتجاهل الكلام المنسوب إلى المسيح في العشاء الأخير (حول أكل لحمه وشرب دمه) لكنه في المقابل تضمن خطابا بالغ الأهمية في اليوم التالي لتوزيعه الخبز الذي تكاثر بين يديه بأعجوبة.

وكلام المسيح المنسوب إليه في هذا الخطاب يمزج الواقع بالمجاز بإسلوب لبق، كما يوائم بين القيم المادية والروحية للخبز مما يجعل سامعيه يذهلون. غير أن بعض المقاطع تثير التساؤل حول المعنى لأساسي لخطابه: " الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المنٌ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى لأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يوحنا 47/6- 51). وهنا أيضاً لا بد من التذكير بأن اليهود كانوا يلجأون إلى رموز مماثلة حيث نجد رب البيت يبارك الخبز والنبيذ عند تناول الطعام. وكان الكاهن الأسينى يفعل ذلك. غير أن القداس بجملة تعقيداته الطقسية لا ينتمي إلى اليهودية بل تضرب جذوره في أعماق التاريخ الوثني القديم. لقد كان لكل قبيلة طوطمها الحيواني (معبود حيواني)، وكانت تعتبره إلها. وكان أفراد القبيلة يضحون بهذا الحيوان ويلتهمونه لحما ودما، اعتقادا منهم بأن ذلك سيكسبهم فضائل سماوية (كما تعتقد المسيحية الحالية أن التهام لحم المسيح ودمه سيكسب المؤمنين فضائل غير بشرية خالدة). وبعض المسيحيين يذهلون ويرفضون مثل هذه المقارنات رفضاً قاطعأ. لكن علينا هنا أن نذكر فقرة واضحة جدآ من رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس يتحدث فيها عن أكل اللحوم المذبوحة للآلهة عند الوثنيين، وفي هذا المقطع يحذر بولس قائلاً: " إن ما يذبحه الأمم إِنما يذبحونه للشياطين لا لله. فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين. لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس شياطين. لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة الشياطين. أم نغير الرب. ألعلنا أقوى منه ". وقد غضب القديس جوستين من هذه المقارنة وقال: "إن المقارنة بين القداس المسيحي والذبائح الوثنية أصلا هي مقارنة شيطانية". لكن علماء التاريخ والأديان الذين يرفضون المقارنة بين الوثنية والمسيحية هم قلة بين العلماء. ومعظمهم يرى أن أكل اللحم النيىء وشرب الخمر في أسرار ديونيزوس مثلاً لم يكن رمزاً بل كان مناولة حقيقية. ويقول الكاتب الوثني أرنوب في كتابه (ضد الوثنيين) إن هؤلاء حين كانوا يتناولون اللحم النيىء إنما يعتقدون أنهم يمتلئون بالفضيلة الإلهية. وفي هذا الصدد يقول الأب لاغرانج في كتابه عن أورفيوس: "إن أكل اللحم النيىء كان يهدف إلى التوغل في الحياة الإلهية وذلك بالتهام الحيوان الإلهي لحما ودما". أما فرانز كومون فيذهب إلى أبعد من ذلك عندما يقول إن نبيذ القربان المسيحي هو بديل للنبيذ الذي كان يقدم في أعياد باخوس وإنه شراب يضمن الخلود في العالم الآخر (من بحث حول رموز الدفن عند الرومان). ويقول العالم الفرنسي شارل غينييبير في كتابه عن المسيح (ص 373) أن علماء الآثار وجدوا نصوصا على ورق البردى من مصر القديمة تدل على أن دم الإله أوزيريس كان يتحول إلى خمر. وكذلك يقول فرانز كومون في كتابه عن الأديان الشرقية القديمة " أن أتباع أتارغاتيس (المعبودة السورية القديمة) كانوا يلتهمون السمك الذي يقدمونه لها ثم ينشدون أنهم بذلك يتناولون لحم معبودتهم. (وهذا ما يفعله المسيحيون في القداس أيضاً).

التجسد والأساطير:

ما أُريد دراسته هنا هو طبيعة التحولات الغريبة التي طرأت على صورة المسيح التاريخية. وأهم تشويه حصل لصورة المسيح تجلى في قضية "التجسيد" الذي يًعتبر السر الذي تتميز به المسيحية. وهذا السر غريب جدأ عن التفكير اليهودي. غير أنه ليس في هذه الروايات ما يذكر شيئاً عن " تجسد" أو "تجسيد". إن مثل هذه الفكرة كانت تُعتبر إدانة وتدنيسا للفكر اليهودي. الم يكن اليهود يقولون- بحسب ما ترويه الأناجيل التي بين أيدينا- حين يسمعون المسيح يعلن أنه ابن الله: أنه يجدّف (متى 64/26- 65)؟ والتجسيد بحد ذاته وثنية لأنه يحصر اللانهائي في النهائي. وفي الأناجيل روايات متناقضة جدأ حول تجسيد المسيح، فانجيل مرقص مثلا يتجاهل موضوع تجسيد المسيح نهائياً. بينما لا يذكر القديس بولس كلمة واحدة عن كيف تحول المسيح الإنسان إلى إله. أما إنجيل يوحنا فإنه يكتفي بالقول، ولا يقدم أية تفاصيل، بأن الكلمة صارت جسدا. أما الأناجيل الأخرى مثل متى ولوقا فإنها تقول بأن الإله صار جسدا في المسيح، غير أنها تقدم معلومات خاصة بنسب المسيح فتقول أنه ابن يوسف من نسل داوود.

ونجد في إنجيل لوقا معلومات غريبة جدأ عن هذا الإله الذي صار جسدا، إِذ يصف لوقا كيف بهتت أمه مريم و"أبوه" يوسف حين سمعاه يقول في المعبد انه ابن الله. من أين جاءت فكرة تحول الله إلى إنسان إذن، ما دامت لم تنحدر من الفكر اليهودي؟ إن حياة كائن الهي على الأرض أمر طبيعي جدأ في التفكير الوثني، بل إن الوثني كان يرى أن هذا التجسيد أفضل طريقة لإختراق العالم الإلهي الغرائبي والتعرف على الألوهة عن كثب. إن نزول الإله على الأرض على شكل إنسان أفضل طريقة للحوار المباشر المرئي بين الآلهة والبشر. لهذا نجد كاتباً مسيحياً مثل القديس جوستين لا يتحرج من الكتابة: "إننا حين نقول أن الكلمة تجسدت في المسيح من غير اجتماع جسدي إنما نعني أمراً أكثر غرابة من تلك القصص التي تروي ولادة أبناء زيوس " (الدفاع عن المسيحية للقديس جوستين 21). وهكذا إِذا ما توغلنا عميقا في تاريخ الوثنية نجد أن الوثنيات كانت دائماً حافلة بقصص من هذا النوع: ملك أو زعيم من أصل إلهي. إننا نجد في الصين مثلا أن معظم السلالة الحاكمة كانت من أصل إلهي، كالإمبراطور الأول تشيو، وهيوتسي ابن إله السماء من امرأة فانية، وهذا على غرار معظم كبار فلاسفة الصين مثل لاو- تسو. كذلك كان معظم الملوك السومريين والحثيين من أصل إلهي. وفي مصر كان الفراعنة أولاد إلة الشمس آمون رع الذي "اتحد" مع الملكة واتخذ شكل ملك حاكم، كما تدل على ذلك اللوحات في معبد دير البحري. حتى بعض الحكماء كانوا أولاد آلهة مثل ابن بتاح. أما الإغريق فيقدمون لنا أمثلة صارت على كل الألسنة. إن الفكر اليوناني الذي كان له تأثير كبير على المسيحية أغرق في التفريق بين الروح والجسد وهذا ما لم يعرفه الفكر اليهودي قبل المسيحية... أما ولادة المسيح فقد تعددت الأساطير التي أضافت على الحقيقة التاريخية مسحة من الغرابة. إننا نجد بعض الكتاب المسيحيين مثل القديس جيروم يقول بأن المسيح وُلد في المكان الذي وُلد فيه أدونيس، وأن بيت لحم كانت في تلك الأيام تظللها غابة مقدسة تسمى غابة أدونيس حيث كان الناس يبكون أدونيس عشيق المؤلهة فينوس، بل إِن المسيح وُلد في المغارة التي وُلد فيها أدونيس. واختيار هذه المغارة بالذات (كما يُضيف القديس جوستين أيضاً) دليل آخر على تحويل المعابد وأماكن العبادة الوثنية إلى شعائر وعبادات مسيحية. وهنالك إشارات أخرى خاصة بملوك المجوس الذين هداهم النجم إلى مهد المسيح عند ولادته، وهذه إشارة إلى علاقة المسيحية بالزرادشتية، فنحن نجد في أحد الأناجيل السريانية العربية التي تروي طفولة المسيح رواية تقول: إن مجيء المجوس لرؤية المسيح هي تحقيق لنبوءة النبي زرادشت الإيراني. وفي رؤيا يوحنا المشحونة بالذكريات الوثنية نقرأ أن المسيح قد خُطف إلى السماء لإنقاذه من التنين الشيطاني" (رؤيا يوحنا 4/12-5).

مقارنات بين المسيحية والديانات الوثنية الأخرى :

أ‌- بابل

حين فكرت بدراسة هذا الرمز المحوري للديانة المسيحية، وأعني التثليث، من وجهة نظر نفسانية فإنني كنت أعلم يقيناً بأنني أتجاوز حدود مملكتي وألِج  تخوماً بعيدة نائية عن علم النفس، فكل مسألة دينية إنما تلامس شغاف الروح الإنسانية مما يجعل علم النفس خائباً حسيرأ، بل آخر من يستطيع أن يدلي بدلوه فيها. والمسألة الدينية- كمسألة التثليث- شديدة الالتحام بمملكة اللاهوت، مما يجعل التاريخ هو العلم الأوحد القادر على الاقتراب منها. ولكن لا بد من القول بأن معظم الناس قد أقلعوا اليوم عن التساؤل عن المعتقدات الدينية، وخاصة عن عقيدة التثليث. إن قلة قليلة من الذين يعلنون إيمانهم بالمسيحية ويعتقدون بالتثليث يعتبرونه موضوعا قابلاً للتفكير والبحث. إن عقيدة التثليث أو الآلهة المثلثة ظهرت مبكرا جدأ وعلى مستوى بدائي. إن التثليث في الأديان القديمة، وفي الشرق بشكل خاص، مسألة منتشرة شائعة إلى الحدود التي لا نستطيع أن نحصيها أو نذكرها جميعا، ولعل تنظيم الآلهة المثلثة من أبرز الظواهر في تاريخ الأديان. ولا شك في أن هذا النموذج الديني القديم قد كان وراء عقيدة التثليث في الديانة المسيحية. وغالبا ما كنا نجد أن هذه الآلهة المثلثة ليست آلهة ثلاثة مختلفة أو مستقلة عن بعضها، بل كانت هناك علاقة وثيقة بينها. وأذكر أنا مثلاً الآلهة البابلية المثلثة: أنو، بل، أيا، كان " أيا" رمزا للمعرفة وكان والد بل (الآب) الذي كان يمثل النشاط العملي. وهناك ثلاثة آلهة بابلية أخرى هي سن (القمر)، وأداد (العاصفة)، وهنا نجد أن " أداد " هو ابن الآب " أنو". وفي حكم نبوخذ نصر صار " أداد " رب السماء والأرض، ثم اتضحت العلاقة بين الآب والابن في أيام حمورابي حيث نجد "مردوك بن أيا" يأخذ القوة من الإله " بل" ويبعده إلى الظل. وكان " أيا" والدا عامرا بالمحبة لابنه الذي يعطيه قوته وحقوقه. أما مردوك فهو أصلاً إله الشمس وكانت له مرتبة "الآب" بينما كان " أيا " وسيطا بين الآب وبين ابشر. وقد قال " أيا" أن كل ما يعرفه هو يعرفه ابنه أيضاً. ثم يبرز مردوك في صراعه مع " تياماتا" إلهاً مخلّصا، فهو الرب الذي يحب إيقاظ الموتى، والمخلص الحقيقي للبشرية. وكانت هذه الأفكار عن المخلص قد انتشرت في أرجاء البلاد البابلية كلها وما تزال منتشرة إلى الآن عند ورثة هذه الديانات. كذلك فإن هنالك آلهة بابلية مثلثة مثل: سن (القمر) وشمش (الشمس) ثم عشتار التي تحتل مكان الإله أداد. ولقد ثبت أن الآلهة المثلثة كانت عقيدة لاهوتية أكثر مما كانت قوة حية. والواقع أن التثليث أقدم المعتقدات الدينية الوثنية وأعرقها..

ب‌- مصر

والأفكار التي كانت بدائية في الدين البابلي تطورت كثيراً في الديانة المصرية القديمة. وهنا أريد أن أركز تركيزاً خاصاً على أن اللاهوت المصري القديم كان يصر على الوحدة الجوهرية التي كان فيها الفرعون المصري يجمع بين الأب والابن في الألوهة البابلية. وكان العالم الألماني جاكوبسون قد أشار إلى ذلك في دراسة مهمة، وذلك في كتابه "دراسة العقائد الدينية عند ملوك مصر"، وقال إن الشخص الثالث بين الأب والابن المجتمعين في شخص الملك هو "كع- موتف"، وهذه عبارة تعني " ثور أمه". و "كع" هي القوة الخلاقة، وبواسطتها يتحد الآب بالابن على شكل وحدة مؤلفة من الله والملك كع لا على شكل تثليث. هنا نستطيع الحديث، كما يقول جاكوبسون عن وحدة مثلثة يكون فيها الآب هو الله، والملك هو الابن، و كع هو حلقة الوصل بينهما. وفي نهاية كتابه يعقد جاكوبسون مقارنة بين هذه الفكرة المصرية وبين العقيدة المسيحية، ثم يستشهد بكاتب آخر يدعى بارت وكان قد درس التثليث المسيحي. ويقول جاكوبسون: "إن الروح القدس عند المسيحيين يوازي "كع" عند المصريين، وبه يتحد الآب بالابن. إن الولادة الإلهية للفرعون تتم عبر"كع"، وذلك من خلال أم بشرية للملك. غير أن هذه الأم، كما عند المسيحيين تبقى خارج إِطار التثليث. هكذا نجد عند الأقباط المصريين في فجر المسيحية هذا التأثر فقد نقلوا الأفكار المصرية القديمة حول "كع" وألبسوها لروح القدس. وفي بعض الكتب القبطية القديمة ككتاب ( Pistis Sofia) الذي اكتشف في نجع حمادي عام 1945، والذي يعود للقرن الثالث الميلادي أن الأقباط كانوا يسمون الروح القدس بـ " كع" كما كانوا يجعلونه أحياناً شبيهاً بالمسيح. وفي النصوص المصرية القديمة وصف لولادة الابن الإلهي يجعلونه أحياناً في حورس الإله وكيف يقول الأب عن الابن: لسوف يُمارس ملكا مباركاً في هذه الأرض لأني وضعت روحي فيه. ويقول للابن: " إنك ابن جسدي الذي أنجبت ". وهنا لا بد من أن نقارن هذا مع ما ورد في رسالة بولس إلى العبرانيين (5/1): (أنت إبني أنا اليوم ولدتك". وإذا كانت الشمس التي يرثها ابن حورس عن أبيه تبرز فيه من جديد ويقول: "إن عينيه هما الشمس والقمر وهما عينا حورس" فإننا نقرأ في ملاخي (2/4): "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشقاء في أجنحتها". ومن لا يفكر هنا بأجنحة قرص الشمس عند قدامى المصريين. لقد انتقلت هذه الأفكار إلى التوفيقية الهيلينية ثم انتقلت بعد ذلك إلى المسيحية عبر فيلون السكندري وبلوتارخ. لهذا لا بد من القول أنه لا صحة لما يقول اللاهوتيون المسيحيون المعاصرون حين يزعمون أن مصر القديمة لم يكن لها أثر على قيام الأفكار والعقائد المسيحية. وإنني لأرى الأمر على نقيض ما يقولونه فمن المستحيل أن تكون الأفكار البابلية هي الأفكار الوحيدة التي دخلت فلسطين، سيما وأن هذه الدولة (فلسطين) خضعت للسيادة المصرية فترة طويلة، وكانت لها علاقة وثيقة مع جارتها القوية (مصر)، وخاصة عندما كان هناك جالية يهودية في الإسكندرية قبل ولادة المسيح ببضعة قرون. إنني لا أفهم كيف أن البروتستانت اللاهوتيين يعملون المستحيل لإقناعنا بأن الأفكار المسيحية (الحالية) هبطت من السماء ولم تتأثر بشيء قبلها"

ج- اليونان

وحين ندرس المصادر التي بحثت في التثليث قبل المسيحية لا نستطيع إلا أن نستعرض آراء الفلاسفة اليونان استعراضا ًسريعاً. وإننا لنعلم سلفاً أن

التفكير اليوناني الخاص بالتثليث موجود حتى في انجيل يوحنا المعروف بنزعته الغنوصية. أما لاحقاً في زمن آباء الكنيسة اليونان فإن هذه الروح الفلسفية اليونانية راحت توسع المضمون الأصيل للوحي وتشرحه انطلاقاً من أفكارها ومبادئها. وكان فيثاغورس ومدرسته قد أثرا تأثيراً كبيراً على صياغة الفكر اليوناني التثليثي. وبما أن جزءا من مبدأ التثليث يقوم على رمزية الأعداد فإن من اللازم علينا أن نفحص النظام الفيثاغوري للأعداد، وأن نرى ما يتضمنه هذا النظام وما يقوله عن الأعداد الثلاثة الرئيسية التي تعنينا هنا. يقول الكاتب الألماني زيللر في كتابه "تاريخ الفلسفة اليونانية": " الواحد هو الأول الذي تصدر عنه كل الأعداد، وبالتالي فإنه تتحد فيه الخصائص المتناقضة للأعداد المزدوجة والمفردة. والعدد اثنان هو أول عدد مزدوج. أما الثلاثة فإنه أول عدد مفرد كامل لأنه أول عدد يتضمن بداية ووسطاً ونهاية" (ص 429، المجلد الأول). ولقد أثرت آراء الفلاسفة الفيثاغورسيين بأفلاطون تاثيرا كبيرا، كما نرى ذلك في طيماوس. وبما أن هذا التأثير قد أوغل بعيدا في ترك بصماته على التصورات الفلسفية اللاحقة فإنه لا بد لنا من أن ندرس تصورات الأعداد لدى اليونان دراسة نفسية أعمق. إن للعدد واحد اعتبارا خاصا. وهذا ما نلحظه في الفلسفة الطبيعية للقرون الوسطي. ووفقا لهذه الفلسفة فإن الواحد ليس عددا على الإطلاق. إن العدد الأول هو الاثنان، ففيه حصل الافتراق والضرب، ثم إنه وحده جعل مسألة العد ممكنة. ومع ظهور العدد اثنين يظهر الآخر إلى جانب الواحد. وهذا حدث مثير بحيث أن كثيرأ من اللغات تستخدم كلمتي "الآخر" و "الثاني" بمعنى. ثم إن فكرة اليسار واليمين مرتبطة أيضاً بالعدد " اثنين "، وكذلك الأمر بالنسبة للحسن والقبيح، والصالح والطالح. وقد يكون لي "الآخر" معنى " مشئوم، أو أن المرء يشعر بأنه معاد، أو غير أليف. وهنالك سيميائي من القرون الوسطي كتب يقول انطلاقا من تلك النظرة: لهذا السبب لم يشأ الله أن يُمدح في اليوم الثاني للخلق لأنه في ذلك النهار (الاثنين، نهار القمر) خلق الشيطان. إن العدد اثنين يتضمن معنى الواحد المختلف (أي العدد الثاني: اثنين) ويتميز عن العدد الواحد اللاعددي. وبتعبير آخر فإنه حالما يظهر العدد فإن ثمة وحدة تصدر عن الوحدة الأصيلةً، وهي أصلاً الوحدة التي انشطرت إلى اثنين وتحولت إلى عدد. إن " الواحد" والآخر يشكلان تضادا، أما الواحد والاثنين فمجرد أعداد لا تتميز إِلا بقيمتها الرياضية. غير أن الواحد يحاول أن يتمسك بوجوده الواحد بينما يناضل الآخر لأن يكون وجودا مضادا للواحد. والواحد يعمل على عدم إخراج الآخر لأنه إذا، فعل ذلك فإنه يفقد ميزته بينما نرى الأخر يدفع بنفسه بعيدا عن الواحد في محاولة من أجل أن يظهر في الوجود. وهنا يتأزم التضاد بين الواحد والآخر، غير أن كل تأزم بين التناقضات تتأوج في حل يخرج منه الثالث. وفي الثالث ينحل التناقض، وتعود الوحدة المفقودة. والوحدة، أي الواحد المطلق، لا يمكن عدها، فهي لا تعرف ولا تعرف. وهي لا تعرف إلا حين تبرز كوحدة Unit أي كالعدد واحد، وذلك لأن الآخر المطلوب من أجل فعل المعرفة هذا ناقص في شرط الواحد. والعدد ثلاثة هو كشف الواحد لوضع يمكن أن يعرف فيه. وبذلك تصبح الوحدة قابلة للمعرفة. والثلاثة أيضاً تظهر أيضا مرادفاً ملائما لعملية التطور في الزمن، وبالتالي فإنها تشكل ما يعين على الكشف الذاتي الألوهة باعتبارها الواحد المطلق الذي تم الكشف عنه عبر الثلاثة. وعلاقة الثلاثة بالواحد يمكن التعبير عنها من خلال مثلث متساوي الأضلاع، أي عبر تطابق الثلاثة. هذه الفكرة الذهنية للمثلث المتساوي الأضلاع ليست إلا نموذجاَ تخيليا للفكرة المنطقية حول التثليث. وبالإضافة إلى التأويل الفيثاغوري للأعداد فإن علينا أن نبحث في الفلسفة اليونانية عن مصدر أكثر مباشرة لعقيدة التثليث المسيحية، وأقصد كتاب " طيماوس" لأفلاطون. ولأستشهد الآن بالحجة التقليدية من المقطعين 31 ب و32أ: " وإذن فحين ابتدأ الله بصياغة جسد الكون راح يصنعه من النار والتراب. وبما أنه لا يمكن الجمع بين شيئين جمعا سليما بدون الاستعانة بثالث يربط بينهما ويشدهما إلى بعضهما. وأن أفضل هذه الروابط هي تلك التي تتحد مع العنصرين اللذين تجمع بينهما وتجعل من الثلاثة واحداً بكل معنى الكلمة. إن هذا الرابط ينتمي إلى طبيعة البعد الهندسي الذي يمكن أن يصنع هذا الكمال... "ولهذه الحجة أفكار ذات عواقب نفسية بعيدة المدى، فإذا كان مضادان بسيطان مثل النار والتراب مرتبطين برابط، و إذا كان هذا الرابط هندسيا، فإن رابطا واحدا يستطيع أن يربط بين الأشكال المسطحة فقط، بينما نحتاج إلى رابطين للربط بين جسمين صلبين. و إذا افترضنا أن جسد الكون مساحة مسطحة لا عمق لها فإن رابطا واحدا يكفي، لكن للعالم في الواقع شكلاً صلبا، والأجسام الصلبة بحاجة إلى رابطين. "ومن هنا فإن الرابط ذا البعدين ليس بحقيقة فيزيائية لأنه مسطح لا امتداد له في البعد الثالث (العمق) وهو تفكير مجرد، و إذا أراد أن يكون حقيقة فيزيائية فإن المطلوب ثلاثة أبعاد ورابطان. " لكل هذا وضع الله الماء والهواء بين النار والتراب، وجعلهما متناسقين قدر الإمكان بحيث يمكن أن تكون النار للهواء كما يكون الهواء للماء، ويكون الهواء للماء كما الهواء للتراب. بذلك أحكم الله خلق هذا العالم المرئي المحسوس، وانطلاقاً من هذه الأسباب وهذه المركبات الأربعة (عدديا) خلق العالم بأحجام متناسبة. وانطلاقا من هذه الأحجام صار العالم مفهوماً، وصار متحدا مع نفسه، كما صار من المستحيل تفكيكه من قبل أية قوة أخرى إلاه" (انتهى كلام أ فلاطون). وإننا هنا نواجه طريقا مسدودا يصطدم فيه العدد ثلاثة للأقانيم المسيحية بالعدد أربعة للعناصر الأفلاطونية. وهذا هو مأزق الثلاثة والأربعة التي يشير إليها أفلاطون في مقدمة طيماوس. وكان غوتيه قد التقط هذا بالحدس أثناء حديثه عن البطل الرابع في فاوست: "لقد كان (هذا البطل الرابع في الترتيب العددي) هو الشخص المناسب الذي يفكر عنهم جميعا). كذلك فإنك "تستطيع أن تتساءل على جبل أوليمبوس (جبل الآلهة اليونانية) عن الثامن الذي لم يكن يفكر فيه أحد".

ومن الجدير بنا هنا أن نشير إلى أن أفلاطون بدأ بحثه بأن صور لنا اتحاد الضدين في بعديهما، وعرض لنا هذه المشكلة باعتبارها مشكلة فكرية يمكن حلها بواسطة التفكير، لكن أفلاطون اكتشف أن حل هذه المشكلة لا يتماشى مع الواقع أبدأ، فالحالة الأولى تتعلق بتثليث قائم بحد ذاته، أما الحالة الثانية فخاصة بالتربيع. وتلك هي المعضلة التي حيرت السيميائيين أكثر من ألف سنة وكانت تُسمى ببديهية " العرافة ماريا" (التي كانت يهودية أو قبطية)، وتظهر أيضاً في الأحلام الحديثة... من هنا يمكن فهم الكلمات التي افتتح بها أفلاطون طيماوس: " واحد- اثنان- ثلاثة- ولكن أين هو الرابع يا عزيزي طيماوس"؟. ومثل هذه العبارة تبدو أليفة لسمع عالم النفس والسيميائي معا، ولا شك في أن أفلاطون كان بالنسبة لهؤلاء كما كان بالنسبة لغوتيه أيضاً يشير إلى سرّ دفين.. ولقد عرف أفلاطون من تجربته الخاصة صعوبة الانتقال من التفكير ببعدين إلى تحقيقه بثلاثة أبعاد واقعية. وكان قد اختلف في هذا الأمر مع صديقه ديونيزوس العجوز الطاغية السراقسي الذي احتال عليه وأراد أن يبيعه عبدا فلم ينج من هذه المكيدة إلا بعد أن افتداه أصدقاؤه. ولقد أخفق أفلاطون بعد ذلك في تطبيق نظرياته السياسية تحت حكم ديونيزوس الأصغر. ومن يومها تخلى عن طموحاته السياسية، وبدت له الميتافيزيقا أرحب من هذا العالم الذي لا يحكم. وإذن فقد كان يركز على عالم الفكر ذي البعدين، وهذا ينطبق بخاصة على طيماوس الذي كتبه أفلاطون بعد خيبة أمله السياسية. ومن المعروف أن طيماوس آخر أعمال أفلاطون. والواقع أن الكلمة التي افتتح بها كتابه هذا لم تكن دليلا على مرحه ولا تعزى إلى المصادفة وحدها، بل كانت تحمل معنى مأساويا. إن واحدا من العناصر الأربعة غائب لأنه " غير مناسب". على أن التاريخ في اقترابه من بداية عصرنا صار يرينا الآلهة تزداد تجريدا وروحانية. حتى يهوه نفسه انصاع لهذا التحول. وفي آخر قرن سبق ولادة المسيح رحنا نشهد في الفلسفة الإسكندرية على تبدل هذه الطبيعة وعلى ظهور مفهومين جديدين للألوهة هما "الكلمة" و" الحكمة" راحا يشاركان يهوه في ألوهيته. وقد ألف الثلاثة معا ثالوثا قدم سابقة واضحة جدأ للتثليث الذي تبنته المسيحية بعد المسيح.

الاب و الإبن و الروح القدس

 93 - 95

وإذن فإن التثليث ليست فكرة مسيحية أساسا، وإنما جاءت من الأديان الوثنية القديمة، وما يهمنا هنا هو أن أفكار التثليث كانت تنبع من لا وعي الناس إلا في آسيا الصغرى وحدها)، وكانت هذه الأفكار تبرز هنا وهناك في أماكن مختلفة من الأرض. إن آباء الكنيسة لم يشعروا بالراحة إلى أن أعادوا بناء عمارة التثليث على غرار نموذجها المصري الأصيل. وهذا ما تم نقله أيضآ لمريم العذراء عندما أعلن مجمع أفسوس في عام 431 ميلادي أن مريم العذراء " ولدت الإلة". وقد تم إعلان ذلك في المكان الذي كان يشهد ترانيم المجد للمعبودة المتعددة الأثداء " ديانا". وهنا لا بد من ذكر الأساطير التي شاعت بعد المسيح، والتي كانت تقول أن مريم لجأت مع الحواري يوحنا إلى أفسوس حيث ماتت هناك. وأفسوس كانت تعبد ديانا. ويروي لنا الكاتب المسيحي أيبيفانيوس أن نحلة دينية جديدة ظهرت في تلك الفترة وراحت تعبد مريم على غرار عبادة الآلهة الوثنية القديمة، وكانت هذه النحلة تدعى الكولليديين. وأنتشرت عبادة مريم في بعض المناطق المعينة مثل الجزيرة العربية وتراقيا وسيثيا Scythia وكان معظم أتباع هذه النحلة من النساء. وهاجم الكاتب ايبيفانيوس أتباع هذه النحلة، ووجه لومه إلى النساء بخاصة فاتهمهن بأنهن " صغيرات العقول". ثم قال ايبيفانيوس ني كتابه " نقض مبادىء الفكر الثمانية": أنه كانت هناك معابد خاصة شيدت لمريم، كما كان لها كاهنات يحتفلن في أيام معلومة، فيزيّن العربات بالقطن ويضعن على مقاعد العربة لحماً مشويا يقدم لمريم، وبعد ذلك يتناولن الطعام معها. وكانت هذه الاحتفالات تشبه القرابين ويقدم فيها اللحم والخبز أيضاً. وهاجم ايبيفانيوس عبادة مريم بعنف وكتب قائلًا: " أكرموا مريم ودعوها لشأنها ولا تعبدوا إلا الأب والابن والروح القدس. أما مريم فلا تدعوا أحدا يعبدها". لقد رافقت عقيدة التثليث الفكر الإنساني وصارت جزءا منه. صحيح أنها تختفي فترة لكنها ما تلبث أن تظهر هنا حيناً وهنالك أحياناً بأشكال مختلفة. وأن علينا هنا أن نوضح أن التثليث المسيحي ليس نقلا عن الفلسفة اليونانية أو عن أفلاطون بخاصة. إن الصيغة الأفلاطونية للتثليث تتناقض مع التثليث المسيحي... الصيغة الأفلاطونية تقدم الخلفية الفكرية لمدلولات جاءت من مصادر مختلفة تمامآ. كانت صورة التثليث المسيحي أفلاطونية أما المحتوى فيعتمد تماماً على عوامل نفسية ومعلومات لا واعية. لهذا فإنه ينبغي علينا أن نميز بين منطقية التثليث وبين واقعه النفسي. هذا الواقع النفسي للتثليث هو بدون شك واقع مصر وبابل وآشور القديمة. ونجد في هذا التثليث آثاراَ واضحة عن رفض أن تكون المرآة عنصرا فيه. وكما كان ايبيفانيوس يدعو إلى طرد مريم من ملكوت التثليث وحصره بالآب والابن والروح القدس فإننا نجد في الأناجيل مثل هذا الموقف الذي وجدناه في أديان مصر القديمة: طرد الأمهات والأخوات والبنات من مملكة التثليث. وهذا يذكرنا بالرفض الفظ المفاجىء الذي واجه المسيح أمه مريم في عرس قانا حين قال لها: " ما لي ولكِ يا امرأة " (يوحنا 4/2). بل إنه قبل ذلك حين جاءته إلى المعبد وهو في الثانية عشرة من عمره قال لها وليوسف معها: " لماذا كنتما تطلباني. الم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي" (لوقا 49/2). وإننا لا نخطىء أبدأ حين نقول أن المسيحية في هذا الموقف الخاص إنما تقلد الوثنيات القديمة التي كانت تقيم شعائر ذكرية خاصة. هكذا نجد أيضاً بعض القبائل في إِفريقيا وأستراليا ما تزال إلى اليوم تمنع النساء من مشاهدة احتضار الرجال كي لا يشاهدن آلام الموت. والمسيحية لا تختلف في موقفها عن هذه الأسرار الوثنية. هنالك عنصر آخر من التثليث مستوحى من الأديان الوثنية القديمة ويمثل التناقض بين الآب المضيء والابن المظلم. إن العالم السفلي الذي ينزل إليه الابن هو عالم مدنس وشرير، عالم الإنسان الذي لم ينضج بعد. ووظيفة الابن (الإلة المتجسد) هو أن يقدم نفسه ضحية من أجل أن يخلص العالم من الأذى. وهذه النظرية موجودة في التصور الفارسي القديم للإنسان الأول الملقب جيومارت. فجيومارت هذا هو ابن إلة النور. إنه يسقط في الظلمات، ويجب أن يخرج منها كي ينقذ العالم. مثل هذا الإله كان النموذج الأصلي للمخلص الذي تبنته المسيحية.

مطابقة النصرانية لديانة الهند الوثنية:

وسنقارن إنشاء الله اليوم بين ما قاله الهنود عن إلاههم كرشنا وما قاله ‏وافتراه النصارى عن عيسى عليه السلام .

وذلك بمقابلة النص الصريح ‏بين الكتاب المقدس وكتب الوثنيين، مع ذكر المصدر والصفحة .

مايقوله الهنود عن الههم مايقوله النصارى عن المسيح

ولد كرشنة من العذراء ديفاكي التي اختاراها الله والدة لابنه كذا ‏بسب طهارتها.

كتاب خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى ،للعلامة دوان 278 ولد يسوع من العذراء مريم التي اختارها الله والدة لابنه بسبب ‏طهارتها وعفتها.

(انجيل مريم الاصحاح السابع)

قد مجد الملائكة ديفاكي والدة كرشنة بن الله وقالوا : يحق للكون ان ‏يفاخر بابن هذه الطاهرة.

كتاب تاريخ الهند المجلد الثاني ص 329 فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيها المنعم عليها الرب معك.

(لوقا الإصحاح الثالث الفقرة 28 و29.) 

عرف الناس ولادة كرشنة من نجمه الذي ظهر في السماء .

(تاريخ الهند ، المجلد الثاني، ص317و236) لما ولد يسوع ظهر نجمه في المشرق وبواسطة ظهور نجمة عرف ‏الناس محل ولادته.

(متى الإصحاح الثاني ، العدد 3)

لما ولد كرشنة سبحت الأرض وأنارها القمر بنوره وترنمت الأرواح ‏وهامت ملائكة السماء فرحا وطربا ورتل السحاب بأنغام مطربة.

كتاب فشنوا بوراناص502 (وهو كتاب الهنود الوثنيين) المقدس) لما ولد يسوع المسيح رتل الملائكة فرحا وسوروا وظهر من ‏السحاب أنغام مطربة.

(لوقا الاصحاح الثاني العدد 13)

كان كرشنة من سلالة ملوكانية ولكنه ولد في غار بحال الذل ‏والفقر.

(كتاب دوان السابق ص379) كان يسوع المسيح من سلالة ملوكانية ويدعونه ملك اليهود ‏ولكنه ولد في حالة الذل والفقر بغار.

(كتاب دوان ص279)

وعرفت البقرة أن كرشنة إله وسجدت له .

(دوان ص 279) وعرف الرعاة يسوع وسجدوا له.

(إنجيل لوقا الاصحاح الثاني من عدد 8 إلى 10)

وآمن الناس بكرشنة واعترفوا بلاهوته وقدموا له هدايا من ‏صندل وطيب.

(الديانات الشرقية ص500، وكتاب الديانات القديمة المجلد الثاني ص353) وآمن الناس بيسوع المسيح وقالوا بلاهوته وأعطوه هدايا من ‏طيب ومر.

(متى الاصحاح الثاني العدد 2)

وسمع نبي الهنود نارد بمولد الطفل الإلهي كرشنة فذهب وزراه ‏في كوكول وفحص النجوم فتبين له من فحصها أنه مولود إلهي ‏يعبد.

(تاريخ الهند ، المجلد الثاني، ص317) ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذ ‏المجوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ‏ملك اليهود.

(متى الاصحاح الثاني عدد 1و2)

لما ولد كرشنة كان ناندا خطيب أمه ديفاكي غائبا عن البيت ‏حيث أتى إلى المدينة كي يدفع ما عليه من الخراج للملك.

(كتاب فشنو بورانا، الفصل الثاني،من الكتاب الخامس) ولما ولد يسوع كان خطيب أمه غائبا عن البيت وأتى كي ‏يدفع ما عليه من الخراج للملك.

(لوقا الاصحاح الثاني من عدد 1 إلى 17)

ولد كرشنة بحال الذل والفقر مع أنه من عائلة ملوكانية.

(التنقيبات الآسيوية ، المجلد الأول ص 259، وكتاب تاريخ الهند ، ‏المجلد الثاني ، ص310) ولد يسوع بحالة الذل والفقر من أنه من سلالة ملوكانية.

(انظر تعداد نسبه في إنجيل متى ولوقا وبأي حال ولد)

وسمع ناندا خطيب ديفاكي والدة كرشنه نداء من السماء ‏يقول له قم وخذ الصبي وأمه فهربهما إلى كاكول واقطع نهر جمنة ‏لأن الملك طالب إهلاكه.

(كتاب فشنو بورانا، الفصل الثالث) وأنذر يوسف النجار خطيب مريم يسوع بحلم كي يأخذ ‏الصبي وأمه ويفر بهما إلى مصر لأن الملك طالب إهلاكه.

(متى الاصحاح الثاني، عدد 13)

وسمع حاكم البلاد بولادة كرشنة الطفل الإلهي وطلب قتل ‏الولد وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور ‏الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها كرشنة.

(دوان ص280) وسمع حاكم البلاد بولادة يسوع الطفل الإلهي وطلب قتله ‏وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ‏ولدوا في الليلة التي ولد فيها يسوع المسيح.

(متى الاصحاح الثاني)

واسم المدينة التي ولد فيها كرشنة ، مطرا، وفيها عمل ‏الآيات العجيبة.

(تاريخ الهند، المجلد الثاني، ص318، والتنقيبات الآسيوية ، المجلد ‏الاول ص 259)  واسم المدينة التي هاجر إليها يسوع المسيح في مصر لما ترك ‏اليهودية هي ، المطرية، ويقال أنه عمل فيها آيات وقوات ‏عديدة.

(المقدمة على انجيل الطفولية ، تأليف هيجين، وكذلك ‏الرحلات المصرية لسفاري، ص 136)

وأتى إلى كرشنة بامرأة فقيرة مقعدة ومعها إناء فيه طيب ‏وزيت وصندل وزعفران وذباج وغير ذلك من أنواع الطيب ‏فدهنت منه جبين كرشنة بعلامة خصوصية وسكبت الباقي على ‏رأسه.

(تاريخ الهند ، ج2، ص320) وفيما كان يسوع في بيت عتيا في بيت سمعان الأبرص تقدمت ‏إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن فسكبته على رأسه وهو ‏متكئ.

(متى الاصحاح 26،عدد 6و7) 

كرشنة صلب ومات على الصليب.

(ذكره دوان في كتابه وأيضا كوينيو في كتاب الديانات القديمة) يسوع صلب ومات على صليب.

(هذا أحد مرتكزات النصرانية المحرفة)

لما مات كرشنة حدثت مصائب وعلامات شر عظيم وأحيط ‏بالقمر هالة سوداء وأظلمت

الشمس في وسط النهار وأمطرت ‏السماء نارا ورمادا وتأججت نار حامية وصار الشياطين يفسدون ‏في الأرض وشاهد الناس ألوفا من الأرواح في جو السماء ‏يتحاربون صباحا ومساء وكان ظهورها في كل مكان.

(كتاب ترقي التصورات الدينية،ج1،ص71) لما مات يسوع حدثت مصائب متنوعة وانشق حجاب الهيكل ‏من فوق إلى تحت وأظلمت الشمس من الساعة السادسة إلى ‏التاسعة وفتحت القبور وقام كثيرون من القديسين وخرجوا من ‏قبورهم.

(متى الصحاح 22 ، ولوقا ايضا)

وثقب جنب كرشنة بحربة .

(دوان، ص282) وثقب جنب يسوع بحربة.

(أيضا من كتاب دوان السابق،ص282)

وقال كرشنة للصياد الذي رماه بالنبلة وهو مصلوب اذهب ‏أيها الصياد محفوفا برحمتي إلى السماء مسكن الآلهة.

(كتاب فشنو برونا ص612) وقال يسوع لأحد اللصين الذين صلبا معه : الحق أقول لك ‏إنك اليوم تكون معي في الفردوس.

(لوقا ، الاصحاح 23،عدد43)

ومات كرشنة ثم قام بين الأموات.

(كتاب العلامة دوان ،ص282) ومات يسوع ثم قام من بين الأموات.

(إنجيل متى ، الاصحاح 28)

ونزل كرشنة إلى الجحيم.

(دوان ص282) ونزل يسوع إلى الجحيم.

(دوان 282، وكذلك كتاب إيمان المسيحيين وغيره)

وصعد كرشنة بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوا الصعود.

(دوان ص282) وصعد يسوع بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوا الصعود.

(متى الاصحاح 24)

ولسوف يأتي كرشنة إلى الأرض في اليوم الأخير ويكون ‏ظهوره كفارس مدجج بالسلاح وراكب على جواد أشهب ‏والقمر وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء.

(دوان ،ص282) ولسوف ياتي يسوع إلى الأرض في اليوم الأخير كفارس ‏مدجج بالسلاح وراكب جواد أشهب وعند مجيئه تظلم الشمس ‏والقمر أيضا وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء.

(متى الاصحاح 24)

وهو (أي كرشنة) يدين الأموات في اليوم الأخير.

(دوان 283) ويدين يسوع الأموات في اليوم الأخير.

(متى الاصحاح 24، العدد 31، ورسالة الرومانيين، الاصحاح 14، العدد 10)

ويقولون عن كرشنة أنه الخالق لكل شئ ولولاه لما كان شئ ‏مما كان فهو الصانع الأبدي.

(دوان 282) ويقولون عن يسوع المسيح أنه الخالق لكل شئ ولولاه لما ‏كان شئ مما كان فهو الصانع الأبدي.

(يوحنا الاصحاح الاول من عدد 1 إلى 3 ورسالة كورنوس الأولى الاصحاح الثامن العدد 6 ورسالة أفسس الاصحاح الثالث ، العدد 9)

كرشنة الألف والياء وهو الأول والوسط وآخر كل شئ.

(لم يذكر الباحث المرجع، وأعتقد أنه موجود في كتاب دوان) يسوع الألف والياء والوسط وآخر كل شئ.

(سفر الرؤيا الاصحاح الأول العدد 8 والاصحاح 23 العدد 13 والاصحاح 31 العدد 6)

لما كان كرشنة على الأرض حارب الأرواح الشريرة غير ‏مبال بالأخطار التي كانت تكتنفه، ونشر تعاليمه بعمل العجائب ‏والآيات كإحياء الميت وشفاء الأبرص والأصم والأعمى وإعادة ‏المخلوع كما كان أولا ونصرة الضعيف على القوي والمظلوم ‏على ظالمه، وكان إذا ذاك يعبدونه ويزدحمون عليه ويعدونه إلها.

(دوان ،ص283) لما كان يسوع على الأرض حارب الأرواح الشريرة غير مبال ‏في الأخطار التي كانت تكتنفه، وكان ينشر تعاليمه بعمل ‏العجائب والآيات كإحياء الميت وشفاء الأبرص والأصم ‏والأخرس والأعمى والمريض وينصر الضعيف على القوي ‏والمظلوم على ظالمه، وكان الناس يزدحمون عليه ويعدونه إلها.

(انظر الأناجيل والرسائل ترى أكثر من هذا الذي ذكرناه)

كان كرشنة يحب تلميذه أرجونا أكثر من بقية التلاميذ.

(كتاب بها كافات كيتا) كان يسوع يحب تلميذه يوحنا أكثر من بقية التلاميذ.

(يوحنا الاصحاح 13 العدد 23)

وفي حضور أرجونا بدلت هيئة كرشنة وأضاء وجهه ‏كالشمس ومجد العلي اجتمع في كرشنة إله الآلهة فأحنى أرجونا ‏رأسه تذللا ومهابة تواضعا وقال باحترام الآن رايت حقيقتك ‏كما أنت وإني أرجو رحمتك يا رب الأرباب فعد واظهر علي في ‏ناسوتك ثانية أنت المحيط بالملكوت.

(كتاب دين الهنود، لمؤلفه مورس ولميس، ص215) وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد ‏بهم إلى جبل عال منفردين وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه ‏كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالثلج وفيما هو يتكلم إذا ‏سحابة ظللتهم وصوت من السحابة قائل هذا هو ابني الحبيب ‏الذي سررت له اسمعوا ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههخم ‏وخافوا جدا.

(متى الاصحاح 17 من عدد 1 إلى 9)

وكان كرشنة خير الناس خلقا وعلم باخلاص ونصح وهو ‏الطاهر العفيف مثال الإنسانية وقد تنازل رحمة ووداعة وغسل ‏أرجل البرهميين وهو الكاهن العظيم برهما وهو العزيز القادرظهر ‏لنا بالناسوت.

(دين الهنود لمؤلفه مورس ولميس ، ص144) كان يسوع خير الناس خلقا وعلم بإخلاص وغيره وهو ‏الطاهر العفيف مكمل الإنسانية ومثالها وقد تنازل رحمة ووداعة ‏وغسل أرجل التلاميذ وهو الكاهن العظيم القادر ظهر لنا ‏بالناسوت.

(يوحنا الاصحاح 13)

كرشنة هو برهما العظيم القدوس وظهوره بالناسوت سر من ‏أسراره العجيبة.

(كتاب فشنو بورانا، ص492، عند شرح حاشية عدد3) يسوع هو يهوه العظيم القدوس وظهوره في الناسوت سر من ‏أسراره العظيمة الإلهية.

(رسالة تيموثاوس الأولى الاصحاح الثالث)

كرشنة الأقنوم الثاني من الثالوث عند الهنود الوثنيين القائلين ‏بألوهيته.

(موريس ولميس في كتابه المدعو العقائد الهندية الوثنية، ص10) يسوع المسيح الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس عند ‏النصارى.

(انظر كافة كتبهم الدينية وكذلك الأناجيل والرسائل، فهذه ‏العقيدة الوثنية أحدى ركائز النصرانية اليوم)

وأمر كرشنة كل من يطلب الإيمان بإخلاص أن يترك أملاكه ‏وكافة ما يشتهيه ويحبه من مجد هذا العالم ويذهب إلى مكان خال ‏من الناس ويجعل تصوره في الله فقط.

(ديانة الهنود الوثنية ص211) وأمر يسوع كل من يطلب الإيمان بإخلاص أن يفعل كما يأتي : وأما أنت فمتى صلبت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل ‏إلى أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك ‏علانية.

(متى الاصحاح 6 العدد 6)

وقال كرشنة لتلميذه الحبيب أرجونا إنه مهما عملت ومهما ‏أعطيت الفقير ومهما فعلت من الفعال المقدسة الصالحة فليكن ‏جميعه بإخلاص لي أنا الحكيم والعليم ليس لي ابتداء وأنا الحاكم ‏المسيطر والحافظ.

(موريس ولميس في كتابه ديانة الهنود الوثنيين ص212) فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل ‏شئ لمجد الله.

(رسالة كورنسوس الأولى الاصحاح العاشر عدد31)

قال كرشنة أنا علة وجود الكائنات في كانت وفي تحل وعلي ‏جميع ما في الكون يتكل وفي يتعلق كالؤلؤ المنظوم في خيط.

(موريس ولميس ، ديانة الهنود الوثنيين، ص212) من يسوع في يسوع وليسوع كل شئ ، كل شئ كان به و ‏غيره لم يكن شئ مما كان.

(يوحنا الاصحاح الأول من عدد 1 إلى 3)

وقال كرشنة أنا النور الكائن في الشمس والقمر وأنا النور ‏الكائن في اللهب وأنا نور كل ما يضيء ونور الأنوار ليس في ‏ظلمة.

(موريس ولميس في ديانة الهنود الوثنيين، ص 213) ثم كلمهم يسوع قائلا أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في ‏الظلمة.

(يوحنا الاصحاح 8، العدد 12)

قال كرشنة أنا الحافظ للعالم وربه وملجئه وطريقه.

(دوان، ص 283) قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي ‏الأب الأبي.

(يوحنا الاصحاح 14 العدد6)

وقال كرشنة أنا صلاح الصالح وانا الابتداء والوسط والأخير ‏والبدي وخالق كل شئ وأنا فناؤه ومهلكه.

(موريس ولميس وكتابه ديانة الهنود الوثنيي، ص 213) وقال يسوع أنا هو الأول والآخر ولي مفاتيح الهاوية والموت.

(رؤيا يوحنا الاصحاح الأول من عدد 17 إلى 18)

وقال كرشنة لتلميذه الحبيب لا تحزن يا أرجونا من كثرة ‏ذنوبك أنا أخلصك منها فقط ثق بي وتوكل علي واعبدني ‏واسجد لي ولا تتصور أحدا سواي لأنك هكذا تاتي إلي إلى ‏المسكن العظيم الذي لا حاجة فيه لضوء الشمس والقمر الذين ‏نورهما مني.

(موريس ولميس وكتابه ديانة الهنود الوثنيين، ص 213) وقال يسوع للفلوج ثق يا بني مغفورة لك خطاياك ، يا بني ‏اعطني قلبك والمدينة لا تحتاج إلى شمس ولا إلى قمر ليضيا فيهما ‏الخروف سراجهما.

.................................................

1- النسوية ومابعد النسوية/ سارة جامبل

2- (متى الاصحاح 9 عدد 2 وسفر الأمثال الاصجاج 23 عدد 26 ‏وسفر الرؤيا الاصحاح 12 العدد23)

3- (1-2-3-4-5- ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة

4- فراس السوّاح / مجلة معابر

5- طارق ديلواني/  مجلة اقلام الثقافية

6- زياد حمادة/ مجلة تحولات

7-  د. خالد عبد اللطيف محمد /  المرصد السلفي السوداني

8- موقع ابن مريم

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس21 حزيران/2007 -5/جماد الاخرى/1428