مصطلحات في النقد الثقافي: الشائعات

شبكة النبأ: إن الشائعة هي صورة مشاركة جماعية عن الفئة نفسها من الناس وهي رؤية مبسطة جداً أو معتقد مبسط عما يحبه الأفراد الأعضاء بنفس الجماعة (العرقية أو الجنسية أو العنصرية أو الدينية أو الوظيفية....إلخ) ومن وجهة النظر المنطقية فإن الشائعات تقوم على افتراض وهمي:

كل س هو ص

جون (أو جان) هو س

لذلك فإن جون (أو جان) هو ص

ويمكن أن يكون (س) هنا هو الأفارقة الأمريكان أو اليهود أو الجنوبيون أو المكسيكيون أو اللوطيون أو الشاذون جنسياً أو الجماعات الأخرى المنحرفة أو أولئك الذين يشتغلون في وظائف معينة أو الجمهوريون أو الإيطاليون أو الإسكتلنديون وغيرهم. أما (ص) فهو ميزة للجماعات الكبيرة من الناس الذين يعتقدون أن هذا ميزة لجماعة معينة. وعليه فإن لدينا شائعات بأن الأمريكيين الأفارقة ما هم إلا مجرمين وغير عاطفيين وأن اليهود ماديين وأن الجنوبيين عنصريون وأن المكسيكيين كسالى وأن المحامين عديمو الضمير وأن الجمهوريين ما هم إلا قطط سمان وأن الإيطاليين قذرون ويتورطون دائماً في الجريمة المنظمة وأن الإسكتلنديون أرخص سعراً وأقل أجراً (أو قد تكون كلمة مقتصدين أكثر إيجابية).

فالتعميم هو أن جميع أفراد الجماعة التي تصنع الشائعات مثيرين للمشاكل. وقد يميل بعض الأفراد في الجماعة إلى أن يكون لديهم مزايا معينة إلا أن ذلك لا يعني أن الفرد ينسب هذه المزايا إلى جميع أفراد تلك الجماعة. ومن المنظور الرمزي يمكن رؤية الإشاعات النمطية على أنها شكل أو نوع من المجاز المرسل والذي يكون بمثابة جزء من الكل. ومن الجدير بالذكر أن العديد من الشائعات (المقولات النمطية) تقوم على الظواهر المرئية والمطبقة على الجماعات التي تعد مميزة بأسلوب أو بآخر ولها هوياتها المميزة.

ويمكن أن تكون الشائعات (المقولات النمطية) موجبة (طبيب الأسرة الخاص) أو سلبية (الأيرلندي السكير) أو مختلطة (المدرس المتجهم الناجح) ولكن هذه الشائعات لا تكون سلبية دائماً ولكنها مليئة بالتبسيط الشديد وتمنع الناس من رؤية الأفراد كما هم.

وتعد الشائعات مؤذية عندما يتم تطبيقها على الأفراد أو أنواع السلوكيات المتوقعة من الناس

نسبة للمواقف التي يجدون أنفسهم فيها وأماكنهم في المجتمع ووضعهم في بعض المنظمات أو المؤسسات. ويستفيد كتاب السيناريوهات من الشائعات لأنها تسهل تحديد الشخصيات وتوضح الدوافع والعروض التلفزيونية كما أنها تقدم للقراء ومشاهدي الأفلام والعروض التلفزيونية صوراً مشوهة لنوعيات من الناس. وعلى سبيل المثال فإن كلاً من الرجال والنساء الذين يشاهدون الأفلام والبرامج التلفزيونية سيأخذون بلا شك أفكاراً تقدم من المواد التي يتعرضون فيها لما يجب على المرأة أن تفعله وكيف تتصرف وكيف يتوقع من الرجال أن يرتبطوا بالنساء، ومن الواضح أنه إذا كانت جميع أدوار المرأة مقصورة على ربات البيوت الكئيبة أو أغراض جنسية لا عقل لها فإن هذا يمكن أن يكون له تأثير على العلاقات بين الرجل والمرأة.

وتستخدم الشائعات في بعض الأحيان على يد الظرفاء وتنتشر وتقوى بالنكات وذلك مثل النكات التي تقال عن العديد من الجماعات العنصرية والعرقية. وهي النكات التي ستحدث بعض الإهانات، وتقال النكات في جميع أنحاء العالم وبصفة خاصة النكات العرقية وذلك للهجوم على الجماعات الأخرى ولا تزال معظم النكات التي اعتاد الأمريكيون على سردها عن البولنديين تقال في إنجلترا ولكنها تقال عن الإيرلنديين. ولا تزال بعض الجماعات تقول نكات عن نفسها كوسيلة لتحصين نفسها من الشائعات وكوسيلة لتوضيح أن النكات ليس لها أي سلطة أو قوة لإيذائهم.

وتتم عادة مهاجمة وسائل الإعلام وذلك لاستخدامها الشائعات في النصوص التي تحملها وعليه فإنها تسبب أذى نفسياً للأفراد في الجماعات المقال عنها الشائعات وتزود الجماهير بآراء غير واقعية عن ممثلي هذه الجماعات، فهل يمكن إذن أن تعمل وسائل الإعلام بدون شائعات عن الناس؟ فهل هناك شيء في طبيعة وسائل الإعلام يحتاج هذه الآلية أو يقال عن الأداة المناسبة للكتاب؟. 

 

متعلقات 

 

الشائعات. مفهومها. ومجالات استخدامها. وكيفية مقاومتها وما يترتب عليها من آثار(1)

الشائعة بمعناها العام: الترويج لقصة او موضوع أو خبر مختلف لا اساس له من الواقع. او هي المبالغة في اعلان واقعة أو خبر بعيد عن الحقيقة، او يتضمن جزءاً ضئيلاً من الحقيقة، وانه من العسير اثبات صحتها وحقيقتها... وليس للشائعة وسط معين، وانها تظهر وتنتشر في جميع الأسواط، ومن جميع الاوقات سواء في زمن السلم ام الحرب، وسواء من اوقات الكساء او في اوقات الرخاء والانتعاش الاقتصادي. ومن نتيجتها اضعاف الروح المعنوية للناس ونشر الذعر والخوف بينهم، وتظهر الشائعات وتروج اما بواسطة عملاء للعدو، او قد تخلق محلياً من قبل مجتمع ما، وذلك بسبب الانفعالات والمشاعر المختلفة التي تسود هذا المجتمع... ومن أشهر الشائعات في التاريخ هو ما روج اليهود من اقاويل حول (مريم العذراء) حينما ولدت (عيسى عليه السلام) من غير أب، وقد كان هذا الابن دليلاً ورمزاً على المعجزة والقدرة الألهية، تكلم في المهد، وكان نبياً ورسولاً الى بني اسرائيل يعلمهم الكتاب والحكمة، كما ان الشائعة هي التي ادت بالفيلسوف اليوناني (سقراط) الى الموت، إذ اتهمته بافساد اخلاق الشباب ودفعهم الى الثورة ضد نظام الحكم القائم... وهناك شرطان أساسيان يتصلان باذاعة الشائعة وترديدها (اولهما) مدى اهمية موضوع الشائعة بالنسبة لجماعة او فئة معينة (وثانيهما) مدى الغموض الذي يكتنف موضوع الشائعة.. وكما قلنا، فأن الشائعة غالباً ما تتضمن بعض الحقيقة والصحة، ولكن عند اذاعتها وترويجها تحاط بامور خيالية تندمج مع الحقيقة بحيث يتعذر فصلها عن الخيال فيها.. ولقد وضع الكاتبان (جولدون البورت وليو بوستمان) في كتابهما (سيكولوجية الإشاعة) قاعدة أساسية للشائعة في شكل معادلة جبرية هي (شدة او قوة تأثير الشائعة = مدى اهمية الموضوع المثار× درجة الغموض التي تحيط بالشائعة) فنفترض مثلاً ان اهمية الموضوع هي (100) درجة، وامكن خفض هذه النسبة الى الصفر بعد إزالة الغموض عن موضوع الشائعة-فتكون قوة او شدة تأثير الشائعة (100×صفر=صفر) أي انعدام او عدم وجود أي تأثير للشائعة ويبدو من ذلك مدى اهمية عرض الوقائع أو الحقائق التي يرى الناس ضرورة معرفتها على حقيقتها... ويمكن تقسيم الشائعات وفقاً لبعدها الزمني (المكان-والموضوع-والاسلوب او الشكل-والبواعث). وتنقسم الشائعات على اساس بعدها الزمني الى ثلاثة انواع: 1-الشائعة التي تروج وتنتشر بصورة بطيئة، ويتناقلها الناس همساً أو سراً، وتنتهي الى ان يطلع عليها الجميع، وهي تتضمن عادة الاخبار او القصص والأمور الكاذبة الزائفة والمغرضة ضد بعض رجال الحكومة، وكذلك الأخبار الكاذبة الزائفة التي تذكر وتروج لعرقلة أي تقدم وتطور في الحياة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية في الدولة، ومن بينها ترويج وقوع احداث سيئة تتعلق بهذه الأمور. 2-ومن ضمن هذا النوع من الشائعات، الشائعة التي تروج عن وقوع الحوادث والكوارث او الانتصارات الباهرة للعدو، وهزيمة القوات الوطنية في زمن الحرب، وهذا النوع من الشائعات يثير عادة عواطف الناس في صورة ذعر وغضب أو فرح مفاجئ. 3-والصورة الأخرى من هذه الشائعات هي التي تأخذ شكل الفكاهة والنكات أو حملات الهمس والتجريح بهدف النيل من سمعة ونزاهة بعض رجال الدولة والمسؤولين البارزين. *أما الشائعات من حيث مكان ترويجها، فهي أما محلية، وتنحصر في الأوساط المحلية الداخلية، واما ان تكون قومية أو اقليمية، تتجه الى الأمة كلها، أو ان تكون عالمية، تظهر وتؤثر في محيط المجتمعات العالمية. *واما الشائعات من حيث الأسلوب او الوسيلة، فهي تقوم او تعتمد اما على الأسلوب المباشر لترويج الشائعة، أي بشكل الرواية الكلامية، واما بالأسلوب غير المباشر كالنكتة أو الصورة أو الرسم الكاريكاتيري.

*والشائعات من حيث موضوعها، فقد تكون شخصية تتعلق بشخص ما او اشخاص معينين، بقصد النيل من سمعتهم وفقد او اضعاف ثقة الناس بهم، واما ان تتعلق بجماعة معينة او شعب معين أو امة معينة.

*اما فيما يتعلق بالشائعات من حيث دوافعها او بواعثها، فهناك ثلاثة دوافع أساسية في هذا الخصوص، فهي اما ان تتضمن أموراً خيالية تعبر عن احلام وتخيلات مروجيها، على امل ان تصبح في وقت ما حقيقة واقعة، واما ان تكون شائعات وهمية بهدف بث الخوف والرهبة في نفوس مستقبلها، اما الصورة الأخرى من هذه الشائعات فهي التي تهدف الى بث روح الكراهية واحداث الفرقة والانفصال بين افراد الجماعة الواحدة، ومما يذكر، ان للشائعات دوراً كبيراً في التأثيرعلى الروح المعنوية اثناء الحروب، وخاصة عندما يطول امد الحرب ويصيب الناس القلق والخوف، مستغلة حالة الغموض التي تكتنف الأحداث من جراء الخطر المفروض على الأخبار التي تهم الناس معرفتها وقد كان (الألمان) سادة الموقف في الحرب العالمية الثانية في استخدام الشائعات في الحرب النفسية، وعموما، فان الوسائل والاساليب التي تستخدم فيها الشائعات اثناء الحرب هي:

1- استخدام الشائعة كوسيلة لتدمير معنويات العدو او تفتيتها، وذلك عن طريق خلط الشائعات المتشائمة بالشائعات المفرحة والمتفائلة، لجعل العدو غير قادر على التمييز بين ما هو صحيح وصادق، وما هو كاذب.

2- استخدام الشائعة كوسيلة او ستارة لاخفاء الحقائق حيث يقوم احد الطرفين المتحاربين بالسماح بنشر وتسرب بعض الاخبار والمعلومات التي تصعب على الجانب الآخر معرفة حقيقتها، والقصد من ذلك هو احداث الاضطراب بين صفوف العدو.

3- استخدام الشائعة بهدف إثارة الشكوك في صحة حقيقة مصدر الأخبار والانباء.

4- استخدام الشائعة كوسيلة للكشف عن حقيقة موقف العدو، وهذا ما فعله (اليابانيون) في الحرب العالمية الثانية حيث بالغوا كثيراً في ترويج شائعات عن خسارة الولايات المتحدة الأمريكية في الاشتباكات البحرية التي جرت بينهما، وقد كانوا لا يعرفون حقيقة خسائرها، وكانوا يهدفون من وراء ذلك الى اثارة الأمريكيين، فيقوموا بنشر وإعلان حقيقة خسائرهم، هذا ومما يلاحظ، ان هناك علاقة وثيقة بين الشائعة والفكاهة، فقد تروى وتنشر بعض القصص والروايات بوصفها شائعات وهي في حقيقتها لا تكون الا من وحي الخيال البحت، وليس لها من هدف سوى اثارة الضحك... وتتشابه الشائعة والفكاهة في الطريقة التي تنتشران بها، وفي المقاصد والأهداف التي يمكن ان يحققانها ويقدم بعض المعارضين لنظام ما بوضع النكات التي تمس هذا النظام ورجاله، ويقومون بنشرها وترويجها، وهي في الواقع تعبر عن عدائهم وتحاملهم على النظام، هذا ومن الاسباب والعوامل التي تساعد على انتشار الشائعة بين الناس هو وجود اجواء التوتر والانفعالات النفسية، الى جانب الغموض ونقص المعلومات بخصوص الموضوع او المواضيع التي تهم هؤلاء الناس او جماعة معينة، علماً بأن الشائعة تنتشر وتروج بين الأفراد الذين ينقصهم الوعي والادراك والفهم والقدرة على التفكير المتزن والسليم، ويتطلب انتشار وترويج الشائعة وجود اجواء مشجعة لها، ويلجأ مروجوها عادة الى أساليب التزويق والترغيب والتشويق والتكرار ونشرها بين اوساط وجماعات قليلة الوعي والثقافة، وقد تتاح لهم ان يضيفوا عليها كثيراً من المبالغة او التحريف الذي يتفق مع حالتهم وأوضاعهم النفسية وامانيهم ورغباتهم الدفينة التي لا يتاح إشباعها بصورة مكشوفة وعلنية أو بالاساليب المشروعة الطبيعية... وفيما يتعلق بأثر الشائعات في الروح المعنوية. فكما هو معلوم ان الهدف الأساسي من اطلاق وترويج الشائعة هو اثارة البلبلة بين الناس واضعاف روحهم المعنوية، وهناك شائعات الهدف منها إشاعة عدم الثقة مثلاً في مدى اهمية وجدوى ما تقوم به الدولة من مجهودات عسكرية، كما ان البعض من الشائعات ترمي الى دفع الشعب الى التكاسل وعدم الاهتمام بمجهوداته وتضحياته في أمر من الأمور أو في وقت من الأوقات، وخاصة في يزمن الأزمات والحروب، وقد يصدم الشعب بعد تصديقه لهذا النوع من الشائعات بانباء سيئة بعد ان كان متفائلاً و متوقعاً لأنباء متفائلة، فيفقد ثقته برؤسائه وقادته، ولا يخفى ان التركيز والاهتمام على توعية المواطنين وتثقيفهم ومهاجمة هذه الشائعات تعتبر من اهم الوسائل والأساليب لاعاقتها وعدم ترويجها وانتشارها، وهناك نوع آخر من الشائعات الذي يهدف الى اثارة الفرقة والقطيعة والعداء بين الفئات المختلفة في داخل البلاد، فتفقد الجبهة الداخلية صمودها، كما تهدف بعض الشائعات الى بث الكراهية والعداء بين الدول الصديقة، وان العمل الدائم على وحدة الصف الداخلي والاشادة بمواقف هذه الدول من العوامل الأساسية لايقاف أثر هذه الشائعات، هذا وتظهر خطورة الشائعات وضراوتها في انها تعيش وتستشري في مختلف النظم السياسية، سواء كانت نظم ديكتاتورية، حيث لا حرية ولا مجال لابداء الرأي، ولا أخبار تهم مصالح الأفراد، ام كانت نظم ديمقراطية، حيث الحرية والنقاش وإبداء الرأي.. وحيث تقوم المظاهرات والمسيرات السلمية لإبداء الرأي فيما يهم الناس من الأمور.. فتقوم الشائعة في مثل هذه الحالة بدورها التخريبي بتحويل هذا التنظيم السلمي السليم وتحويله عن طريق الإثارة الى جمع تخريبي وفوضى لا يعرفون ماذا يريدون. وترجع خطورة الشائعة واثرها الهدام الى ان مستقبلها والمروجين لها غالباً ما يكونون من الأفراد الذين يقومون بذلك دون معرفة او شعور بمدى خطورة ما يفعلون ويروجون، ولا يفوتنا ان نشير هنا الى ان هناك قواعد أساسية يمكن بموجبها السيطرة على الشائعات ومحاربتها، وهي:

1- ضرورة عرض الحقائق على الجمهور في أي مجال من المجالات وعلى أوسع مدى ممكن مع حذف ما يستفيد منه العدو، ذلك لأن الناس بتهمهم معرفة الحقائق، فان لم يجدوها فانهم يتقبلون الشائعات.

2- الدقة في ايراد البلاغات والبيانات الرسمية، وذلك لكسب ثقة الناس بها وبخلاف ذلك فان الشائعات تأخذ في الانتشار.

3- الثقة في المسؤولين ورجال الحكم والقادة العسكريين وما يصدر عنهم من معلومات تخص شؤون الدولة أمر مهم في مقاومة الشائعات وعدم ترويجها.

4- ضرورة ايجاد فرص العمل والانتاج للناس وشغلهم بما يعود عليهم بالنفع.. وهذا يساعد الى حد كبير في السيطرة على الشائعات ومقاومتها، لأن البطالة وعدم اتاحة مجالات العمل ميدان خصب لخلق وترويج الشائعات بين الناس.

5- ضرورة اتاحة الفرص للمواطنين على الاستفسار من المسؤولين ورجال الحكم عن الحقائق التي يريدون معرفتها في أي أمر من الأمور، على ان تكون لدى هؤلاء المسؤولين المعلومات الكاملة الصادقة عما يتساءل عنه الناس، وان يكونوا موضع ثقتهم، وبهذا الأسلوب تنكشف الشائعات والأكاذيب.. ويتضح الطريق والرؤية أمام كل متسائل او متشكك.

6- ضرورة العمل الجاد على كشف دعايات الاعداء ومحاولاتهم للنيل من الجبهة الداخلية للدولة بكل وسيلة ممكنة.. وبهذه الطريقة يمكن وضع تخطيط شامل لمقاومة الشائعات ومحاربة مروجيها.  

 

خطر الشائعات ودور المثقف(2)

بين الفينة والأخرى تظهر شائعات سياسية واقتصادية وصحية وغيرها في مختلف الميادين، ويتم تناقلها بسرعة بواسطة التقنية الحديثة كالهواتف المحمولة وشبكة الانترنت بعد أن كانت تتناقلها الأفواه في السابق عبر المحادثات الشخصية المباشرة. وهذا ما يزيد من خطورتها وانتشارها.

مثلما حصل مع شائعة تهريب كميات كبيرة من الشمام محقون بفيروس الإيدز والتي تدخل ضمن ظاهرة اجتماعية ونفسية خطيرة تهدد المجتمعات الإنسانية وخاصة إبان الأزمات.

كما أنه لا يعرف مصدر هذه الشائعات أو هدفه الحقيقي، كونه يختفي وسط الناقلين للشائعة والذي قد يصل عددهم إلى الآلاف أو أكثر. ويستغل مصدر الشائعة جهل البعض وتسرعهم في نقلها دون تثبت الأمر الذي يحدث إرباكا لدى الرأي العام.

وهنا يأتي دور الإعلاميين والمثقفين وغيرهم من قادة الرأي من المسؤولين لدحض الشائعات

عبر نشر الحقائق أولا بأول، لأن الشائعات لا يمكن لها أن تظهر وتتعاظم إلا في غياب الحقائق. وقد قال أحد خبراء الإعلام إن الشائعة حتى تنتشر لابد لها من توافر شرطين أساسيين، وهما الأهمية والغموض.

فالأحداث الهامة والتي يشوبها الغموض تنتشر حولها الشائعات كانتشار النار في الهشيم.

وبالتالي، يقع على عاتق كل جهة سواء كانت حكومية أو خاصة أن تتفاعل بسرعة مع الشائعة وأن تكشف الحقائق الكافية لدحضها طالما لم يضر كشفها بالمصلحة العامة.

وأخطر ما في الموضوع أن تظهر الشائعة في ظروف استثنائية وحرجة كفترات الحروب أو

انتشار مرض وبائي، أو وقوع حادث إرهابي معين. وهو الأمر الذي يحدث بلبلة عامة، قد تخرج عن السيطرة في حال استمرت الحقائق غائبة أو ناقصة.

ومن المشاكل المرتبطة بالشائعات على المستوى الوطني إضرارها ببعض القطاعات الحيوية، وما يرتبط بذلك من خسائر اقتصادية تطالها، ويؤثر سلباً على معيشة فئة واسعة من الناس كفئة المزارعين على سبيل المثال.

فالتثبت والرويّة وامتلاك النظرة الفاحصة والعقل اليقظ صفات كفيلة بوأد الشائعة في مهدها قبل أن تنتشر ويستفحل شرها. كما أن الاعتماد على المصادر الحقيقية وغير المشبوهة أو الغامضة تساعد كثيرا في إطفاء نار الشائعات وخاصة في الظروف الحرجة.

 

..الشائعات أقدم وسائل الإعلام!(3)

صدر مؤخراً للكاتب جان نويل كابفيري كتاب "الشائعات .. الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم" ويتألف من أربعة أقسام، ويبدأ بظاهرة انتشار الشائعات.

فعلي الرغم من تكاثر الوسائل الإعلامية لا تزال العامة تستقي الكثير من معلوماتها من المحادثات الشفوية، بل إن جل ما فعلته الوسائل الإعلامية الأولي، بعيداً عن إخماد الشائعات، كان جعلها أكثر تخصصاً، بحيث باتت كل وسيلة تنشر الشائعات في مجال محدد وخاص بها.

الدراسات المنهجية الأولي التي تمحورت حول الشائعات كانت أميركية، وذلك خلال الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها السلبية في معنويات الجنود والشعب، وبرغم أن مشكلة مصدر الشائعة تستهوي العامة، فهي وللمفارقة ليست أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام، والواقع أن تعقب المصدر يدرج في إطار أسطورة ترمي إلي أن تثار الشائعة عمداً، لأن أسطورة المصدر الاستراتيجي المتواري عن الأنظار هي التي تحافظ علي استمرارها لأنها مسلية ومفيدة في الوقت نفسه، ففي سبيل إخماد الشائعات التي انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية عمد معسكر الحلفاء إلي المبالغة في تصوير أهمية "الطابور الخامس" وفاعليته باعتباره عدواً يختبئ خلف جدراننا ومصدراً للشائعات الانهزامية.

ولعل السؤال الذي يستدعي نفسه: لماذا تتملكنا الرغبة في ترداد الشائعة علي مسامع الآخرين؟

الواقع أن هذا السؤال يخطر أيضاً كل مساء في بال رؤساء تحرير الصحف المحلية إذ تتكدس علي مكاتبهم البرقيات والبيانات والتقارير والملاحظات وقد قال صاحب إحدي الصحف يوماً: "الخبر هو ما يجعل الناس يتحدثون" ومع أن هذا التعريف غير مرض فهو يحمل في طياته دلالة مهمة، فالمعلومة التي لا تشكل خبراً لا يمكن أن تولد شائعة.

يعقد الكتاب مقارنة بين قارئ الصحيفة والمستمع إلي محادثة منقولة، تقف عند حدود معينة، فنظراً إلي الموثوقية التي تتمتع بها وسائل الإعلام، يعتبر القارئ أن الواقع المنقول حقيقي مثبت وصحته ثابتة، أما المستمع فلا يملك مثل هذا اليقين وإن كان يعتقد بإمكان وقوع الحدث، وهو من ثم يحتاج إلي اليقين من صحة الخبر، وإلي معرفة وجهة نظره الشخصية في ما يتعلق بالخبر.

صدر الكتاب عن دار الساقي بترجمة تانيا ناجيا.

 

سيكولوجية الشائعات الأميركية(4)

نماذج من الشائعات المسوقة في أميركا

في ما يلي نعرض لبعض الشائعات التي تركت بصماتها على الجمهور الأميركي. وفي الإستعراض شائعات قديمة قابلة للدراسة بعيداً عن ضغوط الراهن وتحليلاته النتأثرة بهذه الضغوط بما يفقدها الموضوعية...

ما هي شروط انتشار الشائعة؟. يجيب الأخصائيون على هذا السؤال من خلال مناقشتهم لحادثة المفاعل النووي في جزيرة ثري مايل في بنسلفانيا. فقد أثارت هذه الحادثة عدداً من الشائعات التي يمكن اتخاذها كمثال لدراسة أسباب انتشار الشائعة وأسباب تكرار ظهور بعض الشائعات بصور مختلفة.

ظهرت الأخبار الأولى عن الحادث الذي جرى في المنشأة النووية في جزيرة  ثري مايل بالقرب من هاريسبورغ في بنسلفانيا  في 28 آذار 1979 وبعد ثلاثة أيام انتشرت شائعة في المدن المجاورة تقول بأن المفاعل سينفجر. وتمضي القصة قائلة بأن الانفجار سوف يدمر كل شيء على مساحة أميال حوله وينفث الإشعاع النووي في مناطق واسعة. وعلى الرغم من وجود مخاطر حقيقية كثيرة فلم يكن هناك خطر انفجار وشيك. ولتأكيد هذه النقطة ظهر هارولد رابي دانتون من لجنة تنظيم الشؤون النووية على التلفزيون ليعلن بوضوح أنه على الرغم من أن مفاعل المنشأة لا يزال تحت خطر جدي فإن غاز الهيدروجين المجتمع فيه لم يصل بعد إلى درجة قريبة من درجة الانفجار.

فكم من الناس ،عدا المهندسين والعلماء، يمتلكون فهماً كافيا لكيفية تمديد الأنابيب في المنشآت النووية ؟. وكان هناك جانب مرعب آخر في الحاثة وهو يتمثل في طبيعة العدو الغامضة، فقد كان ذلك العدو إشعاعاً مميتاً لا يرى ولا يمكن التنبؤ بنتائجه.

وفي محاولة لإيقاف موجة الشائعات أفتتح الحاكم ديك ثورنبرغ مركز السيطرة على الشائعات في هاريسبورغ وكان يمكن لأي شخص أن يتصل بالهاتف بهذا المركز ليحصل على الحقائق. وعندما بدأت بعض الشائعات المتفائلة بالانتشار، شعر جويل ثمروتثالر وهو أحد مسئولي طوارئ الولاية في المنطقة بأن الأمر يشبه ما يحدث في رواية روسية بقوله: ... ويستمر الوضع في الهبوط والهبوط، والهبوط حتى نرى أنه لم يعد هناك مجال للمزيد من الهبوط، ثم يحدث شيء ما ويبدأ الصعود....

ومع أن الشائعات التي نجمت عن حادثة جزيرة ثري مايل كانت من النوع القصير الأمد،

فإنها بالتأكيد سوف تعاود الظهور لدى حصول أية أزمة مشابهة في المستقبل. فحتى الشائعات التي تبدو تافهة تغوص في أعماق النفوس ليس لأنها تكون موضوعا للقيل والقال، والثرثرة الاجتماعية المثيرة بل لأنها تلامس الحيرة والقلق العميقين السائدين  في زمن الشائعة. فقد حصل في سنة 1978 مثلاً أن ظهرت شائعات حول بعض المنتجات الغذائية المشهورة، وتقول أحدها أن شركة ماكدونالد، تضيف الديدان إلى سندويشات الهامبرغر التي تنتجها لتقوي المحتوى البروتيني فيها. وتقول شائعة أخرى أنك إذا ما شربت الصودا وأكلت حلويات من ماركة بوب روكس فسوف تتفجر معدتك. وحدث أن ذكر مذيع احدى الإذاعات هاتين الشائعتين وسارع إلى القول بأن كلتا الشائعتين على خطأ ولكنهما انتشرتا في مناطق مختلفة من البلاد خلال تلك السنة.

وقد اضطرت شركة ماكدونالد وشركة جنرال فودز ،منتجة بوب روكس، إلى إنفاق آلاف الدولارات في مجالات إعلانية ونشاطات أخرى لدحض الشائعات . وتعتقد شركة ماكدونالد أن قصة الديدان بدأت في الصيف السابق في مدينة تشاتانوغا في ولاية تينيسي.

وكانت الشائعة في البداية تقول بوجود عنصر غامض في سندويشات هامبرغر ويندي وهي شركة منافسة لماكدونالد. ويلاحظ أحد علماء النفس أن الخوف من وجود الديدان الهامبرغر هو خوف معقول ومبرر لأن لحم الهامبرغر النيئ يفرم بشكل لولبي يشبه الديدان، ولكن سرعان ما انتقلت الشائعة لإلصاق صورة الديدان  بسندويشات ماكدونالد . وظهرت قصة حلويات بوب روكس في غضون أسبوع واحد من إطلاق هذه المادة في إحدى مناطق البلاد وتقول الشائعة أن أحد الأولاد في الجانب الآخر من المدينة أو أحد مشاهير التلفزيون قد أكل ثلاثة أكياس من تلك الحلويات بينما كان يشرب الصودا فمات من جراء الانفجار الذي حصل بعد ذلك في معدته.

وتستهوي هذه الشائعات حول ماكدونالد وبوب روكس أكثر ما تستهوي الأطفال الذين يحبون قصص الشقاوة والقصص الفظيعة. ونستطيع أن نتصور كيف أن الأطفال الذين يروجون مثل هذه القصص يباهون أمام رفاقهم بأنهم أكلوا من هذه المنتجات وبأنهم من المغامرين. لكن هناك ما هو أكثر وأعمق من ذلك فاستمرار هاتين الشائعتين  في الرواج قد يفسره القلق والحيرة الشائعتين في المجتمع حول ما يضاف إلى المنتجات الغذائية والكولسترول والمخاطر الصحية في بعض أنواع الطعام الذي تتناوله والتوترات والمخاوف التي تنتقل من الأهل إلى الأطفال.

ويكفينا بالنسبة لهذه الدراسة أن نعرف الشائعة بأنها رواية منتشرة بين الناس دون أن يكونوا  متأكدين  من صحتها. وقد تعلم علماء النفس الكثير عن نشوء مثل هذه القصص وانتشارها  منذ ظهور كتاب ( علم النفس الشائعة ) لغور ودون  والبورت وبوستمان وهذا الكتاب هو

أصل الأعمال في هذا الحقل.

هذا ويعتمدون قانون الشائعة الأساسي حسب هذا الكتاب ،وهو القانون الذي كان مقبولا حتى وقت قصير مضى، يعتمد جزئيا على نظرية الجيشتالت في علم النفس. التي  تؤكد على أن الإدراك الحسي للأشياء ينحو دائما نحو البساطة والانتظام والإحساس بالاكتمال. وبأن الشائعات تنبثق لتشرح المواقف المميزة التي تهمنا ولتريحنا من توتر الحيرة. ويفترض البورت وبوتسمان أيضا أن عدد الشائعات يتغير حسب أهمية موضوع الحدث ومقدار الغموض في الموقف.

 بالرغم من القبول الواسع الذي لقيه هذا القانون الأساسي في علم النفس الاجتماعي فإنه لم يثبت تجريبياً. وتشير نتائج تحقيقات عديدة الآن إلى أن هناك متغيرات أخرى بالإضافة إلى الأهمية والغموض تؤثر على منشأ الشائعات ودوامها. فقد قامت الدارسة في علم النفس الاجتماعي سوازان انطوني ،في كلية ثمالوديت في واشنطن، بإحدى هذه الدراسات. وهي قامت مؤخرا باختبار الفكرة المتضمنة في إحدى نظريات كارل يونغ والتي تقول: " إن الإثارة العاطفية ضرورية لاستمرار حياة الشائعة ". وقد أجرت أنطواني اختبارا قياسيا في القلق المزمن لعدد من الطلاب الثانويين في فيلادلفيا، وعلى أساس نتائج الاختبار قامت باختيار الطلاب الذين كانوا يتميزون إما بدرجة عالية من القلق أو بالهدوء النسبي. ثم إختارت بضعة طلاب من كل نوع وأخضعتهم لمقابلة مع مرشد توجيهي للتحدث حول النوادي التي كانوا ينتمون إليها. وخلال تلك المقابلة قام المرشد ،بطلب من الباحثة، بإطلاق شائعة تقول بأن صعوبات مالية قد تجبر النوادي على وضع حد لبعض أنشطتها ثم ذهب المرشد بعد ذلك تاركاً الطلاب مع أعضاء آخرين في النوادي .

عندما سئل الطلاب فيما بعد إذا كانوا قد ناقشوا الشائعة فيما بينهم وجدت انطوني أن الطلاب ذوي الدرجة العالية من القلق نشروا الشائعة بحماس أكثر كثيرا مما فعله الطلاب الآمنون .

وقد قام الباحث روسنو بالعمل مع أنطوني والعالمة النفسية ماريان جايفر بييريان من مدرسة لندن لاقتصاد في تجربة كان من شأنها أن أثبتت ووسعت ما اكتشفه أنطوني في تجربتها. وقام هؤلاء بإجراء دراسة في ثمانية من صفوف الكلية فنشروا شائعة تقول إن طلاباً في صفوف أخرى قد ضبطوا وهم يدخنون الماريجوانا في امتحان نهائي. وكانوا قد قاموا قبل بضعة أيام بقياس درجات القلق المزمن عند الطلاب متبعين المثل الذي وضعته أنطوني في تجربتها السابقة، وبعد أسبوع سأل الطلاب إذا ما كانوا قد نشروا القصة.

وكانت النتائج التي توصل اليها الباحثون بالإضافة إلى الأبحاث التي نشرت في كتاب ( الشائعة والقيل والقال، وعلم النفس الاجتماعي والشائعة ) الذي ألفه روسنو بالاشتراك مع العالم الاجتماعي غاري ألان) إن هذه الأبحاث تدعم النظرية التي تقول إن الشائعة ننتج عن الامتزاج الأقصى بين الحيرة والقلق. وباختصار، فإن الشائعة تعيش إما لتحقيق الحاجات والتوقعات التي إثارتها أو حتى تخفض مستوى القلق.

كان القانون الأساسي لدى البورت وبوتسمان يتفاعل مع الشائعات القصيرة الأمد التي تنتعش في غياب الأدلة التي تنقضها. ولكنها سرعان ما تحدث عندما تجد ما يدفعها أو عندما تصب في نواح ذات مغزى بالنسبة لحاجات الجمهور. وهناك حاجات وتوقعات لا تسكن ولا تهدأ ومن بينها الحاجة لفهم الوضع الإنساني والجوع لما هو فوق  الطبيعة. مما يجعل من الشائعة حاجة إنسانية واجتماعية. لذلك فإن أهم الشائعات هي تلك التي تستجيب لهذه الحاجات فتعاود الظهور تكراراً وتتجذر في بنية المجتمع الإيمانية والفلكلوري

وقد كان الناس منذ قرون ولا يزالون يتبادلون الشائعات غير المألوفة التي كان أبطالها غالباً من المخلوقات الأسطورية أو الوحوش أو من القادمين من كواكب أخرى.

وكان يونغ يسمى هذه الحكايات بالشائعات التخيلية أو بالأساطير الحية، وكان يعتقد بأن الشائعات العادية تعتمد على الحشرية والسعي وراء الأشياء غير العادية أما الشائعات التخيلية فتحتاج إلى شيء غير ذلك إذ تحتاج إلى عاطفة عميقة مشتركة بين العديد من الناس. وكان يونغ ينظر إلى حكايات الصحون الطائرة كشائعات تخيلية ناجمة عن توتر عاطفي وكرب جماعي من حالة العالم. إضافة إلى رغبة لا واعية بمجيء قوة خارقة من ما وراء الطبيعة للتخفيف من المخاوف. فمشاهدات من نوع الصحون الطائرة يبلغ عنها منذ القرن السادس عشر. إلا أن هناك تزايداً في الإبلاغ عن هذه  المشاهدات عم العالم كله منذ الأربعينيات من هذا القرن. ويبدو أن حكايات معاصرة عن الصحون الطائرة وركابها تدعم تفسير يونغ. ومعظم هذه الحكايات تتركز إما حول مخلوقات عليا طيبة أتت لإنقاذ الإنسانية أو حول مخلوقات شريرة بتهديها أهل الأرض بأجمعهم وتلعب دوراً في توحيد أصحاب العقائد المختلفة ضد عدو مشترك.

ومن أقدم الشائعات التي راجت في الولايات المتحدة مجموعة من الروايات حول الأطفال الشيطانيين. وأول هذه الروايات المذكورة تدور حول طفل افترض أنه ولد لامرأة تدعى السيدة ليذر من ليدزيونيت في ولاية نيوجرزي في عام 1735 . وتقول الرواية إن السيدة لم تكن راضية بعيشها في الحياة. وأنها كانت أماً لإثني عشرطفلا وأنها لذلك دعت إبليس لأن يلعن حملها الثالث عشر. وتمضي الرواية قائلة إن الطفل نبتت له مع مرور الوقت أجنحة وذيل كذيل السحلية وحوافر ووجه كوجه الحصان. وكما يمكننا أن نتوقع فإن شيطان ليدز، المعروف أيضا باسم شيطان جرزي لا يموت. وكان يشاهد لسنوات عديدة في النواحي الجنوبية لنيو جرزي. وخاصة في المستنقعات في منطقة باينبارينز. وفي القرن التاسع عشر سرت شائعة مفادها أن أحد القضاة المحليين قد عقد صداقة مع ذلك الوحش. وكان الاثنان يتناولان طعام الإفطار سوية ويتباحثان في الشؤون السياسية. ويبدو أن ذلك الشيطان كان لا يزال حياً حتى عام 1966 وبصحة جيدة. فقد روى أحد جنود الولاية أنه شاهد أثر حافر أكبر من كف الإنسان، وقد أطلق هذا الكلام موجة جديدة من التكهنات حول ذلك الوحش الشيطاني. ويمكن تفسير بعض الشائعات القديمة أيضا بكونها انعكاسات للصور الخطية الأصلية وموت الأبرياء. وهي فكرة تتناقلها الأجيال المتعاقبة في تراثها وتشكل أحد الموضوعات التي تستمر في العيش في التراث والأساطير الشعبية.

فالناس الذين يتجمعون مصادفة في أعقاب كارثة ما، مثلا قد يتناقلون بعض الشائعات التي يمكن أن تؤدي إلى التخفيف من القلق حول المشاكل المشتركة. فبعد الزلزال الذي حصل في الهند في عام 1934 مثلا سمع الناجون شائعات بوقوع  كوارث أسوأ. ويفترض عالم النفس ليون فيستنفر في كتابه ( نظرية التفاوت المعرفي ) أن الشائعات ساعدت في تخفيض التفاوت العاطفي الناجم عن شعورهم بالذنب لبقائهم على قيد الحياة بعد الزلزال. ويمكننا القول بأن إعطاء الناجين من الزلزال شائعات ترعبهم فإن هذه الشائعات سوف تساعد في صرف انتباههم عن القلق الذي ينتابهم لكونهم نجوا من الكارثة بينما هلك أصدقاؤهم وأقرباؤهم. وبما أن الشائعات تفسر الأحداث وبذلك تخفف من التوتر الذي ينجم عادة عن الغموض، فهي تنتعش في أجواء السرية والتنافس. ويعلم العاملون في المكاتب مثلا، كيف تسري الشائعات بسرعة عبر ممرات المكاتب عندما يستلم رئيس جديد أو عندما تنتقل المكاتب إلى بناء آخر...الخ. والشيء نفسه يحصل عندما يتفاوض رؤساء الدول فتنتج المفاوضات طوفاناً من الشائعات عن سير المفاوضات.

ونعطي مثالاً على ذلك  شائعة عالمية خطيرة سرت عام 1977 عندما ألقي القبض في موسكو على المراسل الصحفي الأميركي روبرت توث من صحيفة لوس أنجلس تايمز بتهمة الحصول على أسرار رسمية حول الأبحاث السوفيتية في حقل الإدراك الحسي. وعقب ذلك نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً في صفحتها الأولى ألمحت فيه إلى احتمال وجود علاقة بين حادثة إلقاء القبض على المراسل وبين تصريح أدلى به رئيس الحزب الشيوعي السوفياتي بريجينيف ( أشار فيه إلى سلاح جديد غامض أكثر هولاً من أي سلاح عرفه العالم حتى الآن. وهناك دليل على أن بريجينيف كان يشير إلى الأبحاث حول الإدراك فوق الحسي). ولكن بالنظر إلى العلاقة السوفياتية  الأميركية المتوترة في ذلك الحين. فإن تصريح بريجنيف كان غامضاً بما فيه الكفاية ليطلق شائعات مفادها أن الاتحاد السوفياتي هو في سبيله للتحضير لشيء ما يمكن تسميته ب " حرب العقل ". وقد تختفي مثل هذه الشائعات لسنوات ثم تظهر في يوم ما وتجتاح البلاد.

ومن الأمثلة المثيرة على مثل هذه القصص قصة مزحة الملفوف الكبرى. وهي شائعة انطلقت

في واشنطن في الأربعينيات من القرن الماضي كردة فعل على حملة ضبط الأسعار خلال الحرب العالمية الثانية. وتقول القصة إن مكتب ضبط الأسعار أصدر مذكرة حول تحديد أسعار الملفوف. ولم يكن هناك شيء غير عادي في المذكرة سوى أن المذكرة كانت تتألف من 26911 كلمة. وانتشرت قصة المذكرة في الأوساط الحكومية لفترة من الزمن مسببة الإحراج الذي سببته لأهل البيروقراطية الإدارية ثم اختفت وعادت القصة إلى الظهور عام 1951 في مؤتمر عقدته رابطة صانعي الألبسة الجنوبية، عندما قدم عريف المؤتمر مدير مكتب تثبيت الأسعار وقال مازحاً أن خطاب غيتيسبيرغ كان يتألف من 2997 كلمة وكانت الوصايا العشر تتألف من 266 كلمة. وتضمن إعلان الاستقلال 1348 كلمة بينما تضمنت مذكرة مكتب تثبيت الأسعار 26911 كلمة. وظهرت القصة خلال الأشهر التالية في عشرات الصحف مع بعض التحريف أحيانا. فقد قالت بعض الصحف أن مكتب تثبيت الأسعار أصدر مذكرة من 26911 كلمة لضبط أسعار أبواق الضباب. وقد عاشت كلتا الروايتان عن مذكرة الملفوف لبضع سنوات ثم اختفت لتعاود الظهور في نيسان 1988  عندما عادت  الشائعة إلى ظهور ثانية. وكان ظهورها هذه المرة في إعلان لشركة موبيل نشر في صحف مشهورة ويظهر في الإعلان شكل كرتوني يدعى بابيلدني بيت وهو يعد كلمات الصلاة وخطاب غيتيسبرغ وإعلان الاستقلال ثم تساءل كيف إذن تحتاج الحكومة الاتحادية إلى 26911 كلمة لتصدر مذكرة لضبط أسعار الملفوف؟!.

وكان للصحافة دورها إذ ذكر والتر كرونمكايت، الرواية في نشرة الأخبار المسائية في أحد التلفزيونات المحلية التابعة لشبكة سي بي أس، وفي هذه المرة اتخذت الشائعة أبعاداً دولية ومرت بتحول جديد. وقد نقلت جريدة لندن كلاماً لأحد الخطباء في مؤتمر غذائي جاء فيه " إن في الصلاة 56 كلمة وفي الوصايا العشر 297 وفي إعلان الإستقلال الأميركي 300 كلمة أما في التوجيه الإداري للسوق الأوروبية المشتركة حول تصدير بيض البط فهناك 26911 كلمة.

إن هذا النط الدائري لشائعة الملفوف يعكس المد والجزر في الحيرة والقلق اللذان ينتابان المجتمع الأميركي. فحيثما يكون هناك شعور بالقلق من الحكومة وحيرة حول نواياها ومصداقيتها تعود الشائعة إلى الظهور وهذا ما حصل بعد فضيحة ووترغيت. حيث قصة الملفوف تعزز المخاوف القديمة من عدم كفاءة الأجهزة الحكومية ومن الأسلوب البيروقراطي في إصدار التعليمات ذات الكلمات الجوفاء الغامضة وتكرار سماع الشائعة يعزز إمكانية تصديقها في بداية الأمر، ولكن هذا التكرار يؤدي إلى عكس ذلك عندما تنخفض حدة الحيرة والقلق. وعندما يصل القلق إلى نقطة دنيا تختفي الشائعة ولكن مؤقتا.

في العادة تتراجع الشائعات عندما يصبح المجهول معلوماً وتزول أسباب الغموض. ولكن المواضيع والأفكار العميقة المتضمنة في بعض الشائعات تبدو كأنها لا تموت وهي تصبح جزءا من البنية الاعتقادية للمجتمع وانعكاساً لما يشغل بال الناس ولما يحلمون به. إن طرفة الملفوف شائعة حديثة العهد نسبياً ولكن أمثالها من الشائعات تعمر طويلا. ومن المحتمل أن تعيش طالما كان هناك بيروقراطيون وكان توماس كارلايل وقد وصف التاريخ بأنه عملية تقطير للشائعات : وإن أوهامنا تتفاعل مع احتياجاتنا وآمالنا وينتج عن هذا التفاعل ظروف خصبة تعيش فيها الشائعات التي تنتشر الآن بسرعة أكبر من ذي قبل بواسطة الراديو والتلفزيون ووسائل الإعلام المتطورة. فحينما يتم الإبلاغ عن مشاهدة صحن طائر مجهول الهوية في مكان ما من البلاد نجد أن ذلك ينتج سلسلة من البلاغات عن مشاهدات مماثلة في أنحاء أخرى. وعندما يصل الناس في نفاذ الصبر من البيروقراطية الحكومية إلى حد ما تعود قصة الملفوف إلى الظهور من جديد وتأخذ الصحف والتلفزيون والراديو في نقلها من أقصى البلاد إلى أقصاها في ظرف ساعات معدودة.

إن فعالية وسائل الأعلام قد أوجدت طاحونة شائعات متمادية من شأنها إما أن تقرب الناس من بعضهم البعض أو ترفع من حدة قلقهم وأوهامهم وفي كلتا الحالتين نجد أن تكرار الشائعات التي لها جذور ممتدة في القرون الماضية يرينا أن الناس لم يتغيروا كثيرا عبر التاريخ. قد تكون أساليب حياتهم مختلفة الآن عما مضى إلا أن قلقهم وأوهامهم لا تزال كما هي. خاصة بعد أن تحول العالم الى صراعات أكثر مثاراً للقلق وبعد أن اضيفت عوامل اجتماعية وبيئية ( ثقب الآوزون) وسياسية كمصادر جدية للقلق...  

 

سيكولوجية الشائعات 

 

شائعة التطبيع مع إسرائيل نموذجا(5)

شائعة اسمها " التطبيع "

تعتمد نظرية الاستقراء التاريخي، لدى تطبيقها في مجال المستقبليات. على مبدأ الراهنية، الذي يقتضي أخذ متغيرات الراهن في الحسبان للوصول إلى توقع أكثر دقة حول الطريقة أو النمط الذي سيتكرر الحدث عبره. ولعل أبرز المتغيرات الراهنة هي أن اليهود لم يعودوا أقليات تحتجز نفسها في حارة اليهود (الغيتو) بحيث تتوزع مصالحها بحسب أجواء وظروف المجتمعات التي تقع فيها الحارة. فقد تجمعت هذه الأقليات في دولة دعيت " إسرائيل". وبالتالي فإن الراهن مختلف عن الماضي في نواح عديدة، أهمها أن يهود إسرائيل باتوا يملكون قوة عملية لمواجهة عقدة المذبحة. فتطور هذه العقدة وأمراضيتها الخطرة جعلتا اليهود لا يكتفون بملكية القوة، والمبالغة في أدواتها، بل تخطوا ذلك إلى سلوك عدواني قهري يجعلهم عاجزين عن الشعور بالأمان ما لم يؤكدوا قدرتهم على الاعتداء على الآخر.

    من هنا كانت القيادة الإسرائيلية مجبرة على ارتكاب أخطاء استراتيجية عديدة  تحت ضغط الجمهور المذعور الذي لا تمكن  طمأنته الا عبر إثبات القدرة الإسرائيلية على العدوان. حتى بات بالإمكان الحديث عن تطور عقدة المذابح إلى جنون الاضطهاد. ونتوقف هنا للاستشهاد بأقوال مؤسس التحليل النفسي (وهو فرويد اليهودي) الداعمة لتشخيص جنون الاضطهاد والمؤكدة بأن هذا الجنون، مع ما يصاحبه من هذاء العظمة المرضي، موجود في صلب الشخصية اليهودية. بما يجعل من المذابح اليهودية والاعتداءات الإسرائيلية نتيجة لهذا الجنون وليس سبباً له.  إذ يقول فرويد في كتابه "موسى والتوحيـد" والنص الحرفـي ما يلي:

    … أنه لما يبعث على دهشة اكبر أيضاً أن نرى الإله اليهودي (يختار) لنفسه على حين بغتة شعباً من الشعوب ليجعله "شعبه المختار" ويعلن أنه إلهه، وهذه واقعة غريبة في تاريخ الأديان الإنسانية… (ص 61).

    … لقد كانت الشروط السياسية تتنافى مع تحول الإله القومي (اليهودي) إلى إله كوني (لكل البشر)، فمن أين تأتي لهذا الشعب  الصغير البائس والعاجز صلف الإدعاء بأنه الابن الحبيب للرب؟… ص (92).

    … لقد كان لنسبة دين يهوه الجديد إلى الآباء الأوائل هدف انتحال هؤلاء الآباء الذين عاشوا في كنعان وارتبطت ذكراهم ببعض الأمكنة في البلاد. ولعلهم كانوا أبطالاً كنعانيين أو آلهة محليين انتحلهم اليهود المهاجرون ليدمجوهم بتاريخهم القديم، بما يعادل أشهار ارتباط اليهود بالأرض (زوراً) واتقاء للكراهية التي تلاحق المستعمرين. وبفضل هذه المناورة البارعة (أي الاحتيال التاريخي) ساد الادعاء القائل بأن كل ما فعله يهوه هو أنه أعاد إلى اليهود ما كان ذات يوم ملكاً لأسلافهم!… ص(63).

وهكذا فإننا إذ نقبل ربط جنون الاضطهاد (البارانويا) اليهودي بالمذابح اليهودية فإننا نقدم تنازلاً لا يقبل به فرويد اليهودي، ومع ذلك نقبل هذا الربط حتى نتجنب ثقل الراهن الذي يجعل تهمة "معاداة اليهود" جاهزة لكل من يحاول رد الحوار مع اليهود إلى العقلانية.

 

وبطبيعة الحال فإننا لا نخشى هذه التهمة إلا أننا نريد تجنب الجدل الجاهز الذي يحيد بأية مناقشـة.

من هذا النوع عن العقلانية. مهما يكن فإن تكرار دورة التاريخ اليهودي راهناُ لا بد لها من أن تأخذ في حسبانها أن اليهودي لم يعد يقيم علاقته مع الآخر انطلاقاً من الغيتو ومن موقع الانتماء لأقلية. (وهو يفرض عليه التنازلات ويجعله أقل تهوراً وأكثر تحسباً للمستقبل. وهي أمور تجعله أقل عدوانية ظاهرية وبالتـالي فإنها تجعله أكثر ميلاً لاعتماد السلوك الاحتيالي). فاليهودي المعاصر يتعامل مع الآخر انطلاقاً من انتمائه لدولة تحظى باعتراف المجتمع الدولي. وهذه الدولة جاهزة لاحتضانه متى يشاء لمجرد كونه يهودياً. بل أن هذه الدولة جاهزة لحمايته، حتى ولو لم يكن حاملاُ لجنسيتها، في حال تعرض للملاحقة القانونية في أي بلد من بلدان العالم. حتى لو كان هذا البلد هو الولايات المتحدة نفسها. وهكذا فإن تحول اليهودي إلى اسرائيلي (سواء حمل الهوية الإسرائيلية أم لا) جعله يطلق العنان لعدوانيته المكبوتة وأصبح أقل ميلاً لاعتماد السلوك الاحتيالي واستعاض عنه بالسلوك العدواني سواء على الصعيد الفردي أو  الجماعي. وهذه الجرعة الإضافية من العدوانية تجعل اليهودي عازفاً ومتمنعاً عن التنازل أمام الأغيار (الغوييم) لدرجة معاملتهم بصورة طبيعية (أي كأنداد). وهذا يعني أن ما اصطلح على تسميته بالتطبيع هو مجرد شائعة كاذبة لا سند لها سوى أحابيل الاحتيال الإسرائيلي. لكن ماذا عن النمط السلوكي الإسرائيلي؟.

النمط السلوكي الإسرائيلي

وفي عودة إلى "التطبيع" نجد أنه يمثل النمط السلوكي الإسرائيلي (بديل النمط اليهودي). وبمطابقته مع الراهن السياسي (تحول اليهود من مجموعة أقليات إلى دولة) نجد تبدلاً في بعض تفاصيل مراحله، بحيث تصبح هذه المراحل كالتالي:

    أ ـ المرحلة الأولى: تركز إسرائيل محاولاتها لإغواء العرب بالدعوة إلى الجمع بين التكنولوجيا والعصرنة الإسرائيلية وبين رؤوس أموال العرب الأغنياء وبين الأيدي العاملة الرخيصة للعرب الفقراء. وفق هذه الصيغة تطرح إسرائيل اتحاداً شرق أوسطياً (تختلف التسميات باختلاف السيناريوهات) بينها وبين العرب. وتؤكد بالإيحاء وبالطرق المباشرة على المكاسب التي سيجنيها العرب من مثل هذا الاتحاد. الذي يؤمن استثمارات مربحة للعرب الأغنياء وحياة أكثر رفاهية للعرب الفقراء. أما حصة إسرائيل فإنها ستكون (بحسب هذا الطرح الإغوائي) أقل بما لايقاس مع ما يدفعه العرب حالياً كثمن لاستيراد الخبرات التكنولوجية والتكنولوجيا من مصادر أخرى! . بعض العرب وقع في هذا الإغراء لدرجة اقتنع معها بأن اسرائيل تقدم للعرب فرصة النهوض وهي فرصة غير قابلة للتعويض! بل ربما كانت الصيغة الاتحادية الإسرائيلية هي الصيغة المنطقية الوحيدة لتحقيق تعاون عربي فعلي يتخطى التناقضات العربية الراهنة! ولاداعي للتذكير بأن امبراطورية الإعلام الأميركي (واليهودي منه خاصة) تدعم هذه الإيحاءات وتغذيها.

ولكننا نقف لنسأل: هل تعني هذه الصيغة اعترافاً بالعرب كآخر؟ وبمعنى أدق هل إسرائيل ويهودها مستعدون للتعامل مع العرب كبشر متساوين معهم في الحقوق والواجبات؟ فهذا الاستعداد شرط لايمكن تجاوزه لاعتبار العلاقة طبيعية. وإسرائيل عاجزة عن تحقيق هذا الشرط لأنه يتناقض مع مبادئ الديانة اليهودية، فتطبيقه يعني التخلي عن أسطورة " شعب الله المختار". ومن حقنا التأكيد  على عجز أي زعيم أو حزب أو جماعة إسرائيلية عن تنفيذ هذا الشرط. وذلك بشهادة التاريخ اليهودي وبدليل اغتيال رابين وهو على بعد عقود زمنية من

الخضوع لمثل هذا الشرط.

وبهذا يتأكد لنا أن مصطلح "التطبيع" هو مجرد شائعة إسرائيلية الصنع وأميركية التسويق. والواقع أن لهذا المصطلح مفهوماً ما خلف لغوي ( Meta  Linguististique)وهو إقامة شراكة  مصالح بين الإسرائيليين والعرب، وهي شراكة لا يمكنها أن تختلف عن مبادئ الشراكة في النمط السلوكي اليهودي المشروح أعلاه. ولكن ماذا عن المرحلة التالية؟ أو بمعنى آخر ما هي التصورات الإسرائيلية للمرحلة التالية لما تسميه بالتطبيع؟

    ب ـ المرحلة الثانية: وتمثل دينامية التطور المستقبلية للشراكة العربية الإسرائيلية. وفيها أن تفوق العرب من حيث الثروة والعدد يجعل إسرائيل في وضعية الشريك الاضعف الذي يطالب بضمان حقوقه، حيث بدأت ملامح هذه المرحلة بإعلان إسرائيل الرسمي (عممته وسائل الإعلام العالمية) عن خوفها من التحول إلى مجرد سوبرماركت عربي!. وعلى هذا الاساس فإنها تتطالب بجملة ضمانات إضافية أهمها الإصرار الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي والاستمرار في رفضها التوقيع على معاهدة الاسلحة النووية ونكرانها ملكية أسلحة الدمار الشامل. كما أن ادعاء الخوف هذا يتيح لإسرائيل أن تظهر مرونة (كاذبة) أثناء المفاوضات ثم تتراجع عنها تحت ضغط الرأي العام الإسرائيلي المذعور! وهكذاتتمكن إسرائيل من تحويل أية مفاوضات تخوضها إلى مجرد عملية احتيال قوامها إطلاق وعود خلبية لا تلتزم بتنفيذها ولكنها تلتزم بالاستفادة من التنازلات العربية التي تقدم مقابل تلك الوعود!.

........................................................................

1- النقد الثافي.. تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية/ارثر ايزابرجر

2- د. محمد صالح امين / جريدة التاخي

3- جريدة الجزيرة السعودية

4- جريدة الراية القطرية

5- د. محمد احمد النابلسي / موقع  مستقبليات

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس 3 آيار/2007 -14/ربيع الثاني/1428