في رحاب أم أبيها

بقلم/ رفعت الواسطي

أحاول جاهدا اختيار المقدمة التي من خلالها أقف عند قول الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام  (( فكيف يتاه بكم وكيف تعمهون وفيكم عترة نبيكم؟)).

فما يجري من حولنا أمر يفوق التصور ويصيب المتأمل بشلل وعدم القدرة على الحراك الفكري. نسميه عصر الملاحم والفتن أو عصر الكوارث والازمات التي أصيب بها عالم اليوم.

ربما يحاول البعض التخفيف من وطأة المأساة بالدعاء (( اللهم عظم الخفاء واشتد البلاء وانقطع الرجاء وضاقت الارض))  لكن الدعاء بالفرج يتطلب منا معرفة المفرج عنه والداعين له حتى ان الصلاة على محمد وآل محمد تكون عند الكثير منا مرتبطة بالقول ( وعجل فرجه وسهل مخرجه).

عترة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم يفترض ان تكون عدل القرآن في مدرسة أتباع أهل البيت، وهذا الثقلان لاأجد لهما مركزا متألقا في سلوك من يدعون اليهم فيما يعرف بالتبليغ الاسلامي أو الدعوة الاسلامية وماشابه من الشعارات في حركة المجتمع الاسلامي.

هذا النقد المتحامل على الذات من خلال الكاتب هنا هو محاولة للربط بين دور الرجل المسلم في المجتمع مع المرأة المسلمة وبالتحديد في دول المهجر. فكم من مناسبة عظيمة من حيث معطياتها والدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الاسلامية في دول المهجر خصوصا هنا في الولايات المتحدة الامريكية لم نر عاما واحدا تنظم فيه ملتقيات فكرية حول دور المرأة المسلمة في نهضة المجتمع وبناء الاسرة القوية المؤمنة بقضية الانسان كما أراده الله تبارك وتعالى؟.

 فكل الذي يحدث هو مجالس عزاء وقصائد (لطمية في مناسبة مايعرف بالايام الفاطمية) ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام. مازال الخطاب خطابا فئويا خاصا بنا كجاليات عراقية أو لبنانية أو ايرانية.....الخ.

 ماذا عن المواطن الامريكي الذي لاينتمي الى الاسلام؟ أين خطابنا له؟ أين دعوتنا لأهل البيت عليهم السلام الذين سادوا في هذا الوجود بسيرتهم المباركة كما هي سيرة النبي الاكرم ((وانك لعلى خلق عظيم))؟

هل فكر علماءنا الاعلام في نشر مقالات في الصحف الامريكية ومخاطبة الرأي العام من حيث سيرة الصديقة مريم العذراء والزهراء وأوجه العلاقة بينهما؟  هل شرحوا قول النبي ((ان الله يرضى لرضى فاطمة))؟.

ان حركة التبليغ الاسلامي في دول المهجر هي من سمات حركة المجتمعات والمؤسسات المدنية التي لاتتعارض ومنهج التبليغ الاسلامي المبني على الحكمة والموعظة الحسنة. بل ان ما تعانيه مؤسسات مكافحة الادمان على المخدرات والجريمة في الولايات المتحدة الامريكية هو من صلب اهتمام الاسلام بالمجتمع وبناء الاسرة المنسجم مع فطرة الانسان على الخير والسلام والمحبة، وقد كانت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء كذلك كلها خير وسلام وباسمها فاطمة يفطم الانسان الموالي لله وللرسول ولأهل بيته الاطهار من عذاب ذلك اليوم الذي لاينفع فيه مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم.

نحن نعرف ان قول النبي وفعله هو سنة متبعة مفروضة باعتبار ان النبي لايتصرف من تلقاء ذاته بل مما أوجبه الله تبارك وتعالى على الانبياء والمرسلين. وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يودع الزهراء كآخر من يودعه عند خروجه من المدينة ويزورها كأول بيت يزوره عند العودة هذه الاشارة تنم عن عمق العلاقة وأهميتها على الرأي العام والمتلقي بعد آلاف من السنين والأجيال. نحن لاننظر الى الزهراء عليها السلام من زاوية واحدة بل من منظور الاسلام الاشمل والابعد. (( ان الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك))  وقد ورد في الحديث القدسي ( من آذى لي عبدا أعلنت عليه حربي). فكيف بالعبد الذي اصطفاه رب العزة بكثير من الصفات وأنزل فيه وفي أهل بيته آيات من القرآن؟  (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا، انا نخاف يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا).

من خلال هذا الفهم البسيط يمكننا ان ندرك أهمية الحديث عن الزهراء عليها السلام وكيف نتحرك في التبليغ عن منهجها منذ ان تكونت في رحم خديجة الكبرى رضوان الله عليها والاسباب الربانية في تلك النشأة، فالمعلومات ليست جديدة على المتلقي ولكن الكيفية التي نتعاطى من خلالها مع المتلقي ومحاولة التأثير عليه بالشكل الذي يترك أثره الايجابي عليه.

نحن نعيش في أزمة انسانية لاننا لانعيش منهج الزهراء عليها السلام وكذا الحال لاننا لانعيش منهج الامام المرتضى والحسين الشهيد بل من خلال ذلك ندرك ان الازمة الانسانية اليوم هي من معاناة الامام الحجة عجل الله ظهوره الشريف مع أبناء الامة فمن لايعرف فلسفة المضامين التي وردت في خطبة الزهراء يوم ان طالبت بحقها في فدك لايعرف فلسفة الانتظار في زمن الغيبة.

ومن هنا أقول أن حجم المسؤولية كبيرة وعظم المأساة تزداد يوما بعد يوم على العالم أجمع ربما في العراق هناك مأساة تتعلق بقتل واستباحة الدماء البريئة لكن البلاء سيعم في ظلاله المنطقة وكل الدول التي ساهمت في وصول صدام العوجة الى السلطة وتمكينه من رقاب الابرياء من أهلنا هناك بل وسرقة قوت المساكين. وسيأتي اليوم الذي يدرك فيه الجميع أن قول الامام أمير المؤمنين ( فأين يتاه بكم وكيف تعمهون) انما هو متجدد في كل زمان ومكان وكيف لاتتيه هذه الامة المتغابية وفيها من لم يتعظ أو يقف عند غروره حينما قالوا له ان بالبيت فاطمة فكان جوابه ( وان).

سلام عليك أيتها الصابرة المحتسبة وانت في تلك المواقف العظيمة يوم أن هاجرت في موكب الفاطميات يوم ان قاد الركب بعلك المرتضى وقد تورمت قدماه، ويوم أن دخلت في الكساء اليماني مع أبيك المصطفى وبعلك الصديق وولديك، حتى ان جبرئيل سأل رب العزة ومن تحت الكساء فكان الجواب فاطمة وابيها وعلي وسيدي شباب أهل الجنة، سيدتي البتول لاأحسبني في مثل هذه المواقف الا ان اذكر ابنتك العقيلة يوم عاشورء حين توجهت الى المدينة تخاطبك: اماه لقد استرجعت الوديعة واي وديعة هو حبيبك الشهيد.

 لا أشك انك خارج الآية القرآنية ( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وقد كنت كذلك مضيت صابرة محتسبة مظلومة كما هو يوم دفنك الليلي الذي سيبقى علامة استفهام ووصمة عار في جبين من قال علي بالنار لاحرق من في  الدار وكل من شايعه الى يوم الدين. سلام عليك ونعم عقبى الدار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 8 حزيران/2007 -20/جمادي الأول/1428