مصطلحات اجتماعية: الوضعية

 مصطلحات اجتماعية: الوضعية

Positivism 

شبكة النبأ: أول من استعمل هذا الاصطلاح العالم الاجتماعي الفرنسي اوكست كومت (1798 – 1857) في حقل الفلسفة وقد كتب عنه الشيء الكثير في معظم مقالاته ودراساته الفلسفية والاجتماعية، ومبدأ الفلسفة الوضعية يهدف إلى تفسير طبيعة التقدم التاريخي للمجتمع وطبيعة علم الاجتماع كعلم مستقل، اعتقد كومت بأن التقدم التاريخي للمجتمع يمر في ثلاثة مراحل لها مميزاتها الخاصة وطابعها المعلوم وهذه المراحل هي أولاً المرحلة الدينية اللاهوتية التي تتحول إلى المرحلة الميتفزيقية المثالية وهذه سرعان ما تتحول إلى المرحلة العلمية الواقعية التي يظهر فيها علم الاجتماع لدراسة الإنسان ومجتمعه دراسة علمية، في المرحلتين الأوليين يقوم الرجال ببحث الأسباب الأولى والنهائية للأشياء والظواهر الطبيعية والاجتماعية، وفي المرحلة الثالثة يبدأ العلماء بالبحث عن الأسباب الموضوعية للحوادث مركزين على عملية تكوين القوانين الكونية التي تفسر ماهية الأشياء والظواهر تفسيراً علمياً حيادياً. وبعد أن تتسم هذه القوانين بصفة السهولة والمرونة وقلة الكلمات والتعابير تسمى بالقوانين الوضعية. إلا أن البروفسور كارل بوبر ينتقد أوكست كومت لعدم تمييزه بين مبدأ القانون ومبدأ الاتجاه عندما يتكلم عن القوانين الوضعية التي تفسر الوجود والواقع الاجتماعي. ويضيف بوبر قائلاً أن اوكست كومت قد وقع في خطأ كبير عندما اعتقد بأن القوانين الاساسية للحياة هي التي تحكم طبيعة الإنسان والحقيقة أن طبيعة الإنسان مع الحياة الاجتماعية التي يعيشها الفرد هي التي تكون القوانين الأساسية للحياة.

لم يرث كومت من سانت سيمون الأساليب النظامية للطريقة العلمية فحسب وإنما ورث منه أيضاً مبدأ ضرورة اعتماد الدراسة الاجتماعية والعقلية على الطريقة العلمية. وهذا معناه بان كومت تأثر بالطريقة العلمية التي استعملها سانت سيمون في دراسة جوانب الحياة الاجتماعية. فجميع المنظمات الاجتماعية كالعوائل والكنائس والمدارس ينبغي أن تتحول إلى منظمات وضعية تتولى الإشراف على التربية الأخلاقية وتضمن صفة التفكير العقلي الذي يجب أن يتحلى بها المجتمع الجديد. إن هذه الأفكار التي طرحها كومت جعلته يحصل على تأييد كبير من لدن المفكرين الإنكليز أمثال ادورد سبنسر بيزلي وفردريك هاريسون الذين عملوا ما في استطاعتهم على نشر أفكاره من خلال كتاباتهم الاجتماعية والفلسفية التي انعكس صداها ليس في إنكلترا فحسب بل في الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.

وهناك مجموعة من الفلاسفة استعملت اصطلاح وضعية و(وضعي) واستطاعت تكوين مدرسة فلسفية مستقلة سميت بالمدرسة الوضعية المنطقية أو المدرسة التجريبية المنطقية. وتعاليم هذه المدرسة الفلسفية تتلخص في الحقيقة القائلة بأن معنى أية عبارة أو جملة يجب أن يتحدد بطريقة البحث عن إثبات صحتها ووجودها. والعبارات التي لا يمكن إثبات صحتها هي عبارات لا معنى لها كالعبارات اللاهوتية والميتفزيقية حسب آراء هذه المدرسة. أما تالكت بارسن في كتابه (تركيب الحدث الاجتماعي) فيقول بأن النظرية الوضعية هي النظرية الاجتماعية التي تعتقد بأن العلم الموضوعي هو حصيلة العلاقة بين معتقدات الفاعل الاجتماعي (الفرد) والحقيقة الخارجية المجردة. وبهذا القول يعني بأن العلم الوضعي هو ذلك النظام الذي يفصل الحدث البشري عن النزعات والأهواء الشخصية للفرد الذي يقوم به. الخلاصة بأن للوضعية معنيين مستقلين بعضهما عن الآخر: المعنى الأول هو أن العلوم الطبيعية هي العلوم الوحيدة التي تتسم بالطابع الوضعي، والمعنى الثاني يحاول اعتبار الفلسفة والعلوم الإنسانية علوماً وضعية أيضاً. 

متعلقات

 

أغست كونت(1)

أوغست كونت ( 1798-1857) " يعتبر تلميذا لـ سان سيمون وهو فيلسوف فرنسي.

أسس المذهب الوضعي القائل ان لا سبيل إلى المعرفة إلا بالملاحظة و الخبرة. أوغست كونت من مؤسسي علم الإجتماع.

يرى كونت Comte أن تاريخ البشرية ينقسم إلى ثلاث مراحل من التقدم الشامل ، و المرحلة الدينية ؛والمرحلة الميتافزيقية، ثم المرحلة العلمية.

قدم مقترحات على جانب كبير من التعقيد لإقامة دولة وضعية تقوم على صفوة من علماء الاجتماع لإدارة المجتمع وتوجيهه.

وفي وقتنا هذا لم تعد أفكار كونت تلاقي الا القليل من القبول ، إلا أنه أعطى المناقشات التي أدت إلى ظهور علم الاجتماع الحديث الدفعة التي حركته وفعّلته.

ومن أهم أعماله كتاب " الفلسفة الوضعية" الذي ظهر لأول مرة في ستة أجزاء (1830- 1842).

المنهج المدرسي.. أسسه الاجتماعية والفلسفية ما بين المفهوم التقليدي والحديث

سادساً: الفلسفة الوضعية المنطقية(2)

هي واحدة من المدارس الفلسفية التي ظهرت في القرن العشرين أسسها موريس شليك عام 1929 وضعت عدداً من العلماء والفلاسفة منهم رودلف كارتاب. وقد أطلق على جماعة فينا اسم الوضعية المنطقية وبسبب الحرب العالمية الثانية تشتت أعضاء جماعة فينا , فهاجروا إلى أنحاء مختلفة من العالم وحملت هذه الفلسفة أسماء منها: التجريبية العلمية , التجريبية المنطقية وحركة وحدة العلم والتجريبية الحديثة, والفلسفة التحليلية. ويجمع الوضعيون بمختلف نزعاتهم على نقاط أربع أساسية:

1.     أن المهمة الفلسفية تحليل لما يقول العلماء لا تفكير تأملي ينتهي بالفيلسوف إلى نتائج يصف بها الكون وماضيه.

2.     حذف الميتافيزيقيا من مجال الكلام المشروع لأن تحليل عباراتها الرئيسية تحليلاً منطقياً قد بين إنها عبارات لا معنى لها , أي إنها ليست بذات مدلول حتى يصح وصفها بالصواب والخطأ.

3.     اتفاقهم على نظرية هيوم في تحليل السببية تحليلاً يجعل العلاقة بين السبب والمسبب علاقة ارتباط في التجربة لا علاقة ضرورة عقلية.

4.     يتفق الوضعيون المنطقيون جميعاً على أن القضايا الرياضية , وقضايا المنطق الصورية تحصيل حاصل , لا تضيف للعلم الخارجي علماً جديداً فالقضية الرياضية 2+2=4 ما هي إلا تكرار لحقيقة واحدة رمزين مختلفين.

وهدف الوضعية المنطقية هي القيام بوظيفتين التركيز والتدريب لتتمكن من فهم مت يقصده العلماء , ثم توضيح ما تضمنته أقوالهم من حقائق مرجحة وبيانها.

ينظر الوضعيون المنطقيون إلى التربية على أنها فرع علمي يستعمل اللغة الإحصائية والإجراءات التجريبية في قبول أي نظرية أو ممارسة تربوية. ويعتقد شليك إن التربية عملية تعديل بدوافع الفرد, وخلق إنسان خير من إنسان شرير, وهي في الوقت نفسه عملية إكساب الفرد دوافع جديدة, تسعى إلى تنمية القيم المعرفية لدى الطالب وذلك من خلال تحويل القيم الانفعالية إلى قيم معرفية, وإلى تحقيق سعادته في ضوء المجتمع.

سعت المنطقية الوضعية إلى برمجة المواد الدراسية على شكل التعليم الآلي ونظرت إليه على أنه نوع من  التعليم الذاتي وبذلك فإنها تقف وراء هذا النوع من التعليم لأن بتقديراتها أنموذج من السلوك التعليمي الذي يمكن التثبت من صحته تجريبياً  وعلى هذا الأساس رأت المواد الدراسية التي يمكن برمجتها مواد مقبولة في المنهج الدراسي أما المواد التي لا يمكن برمجتها فهي مواد مرفوضة.

ويرى الوضعيون المنطقيون أن من الضروري أن تكون طرائق التدريس تطبيق أوسع للطرائق العلمية في معالجة المشكلات التربوية معالجة علمية , وأن تسعى طريقة المعلم في التدريس إلى وضع تعريفات لكل المصطلحات الأساسية وأن يحدد طريقة في التدريس في ضوء سلوك محدد وأن تكون حجرة الدراسة معملاً , وأن يجد سلسلة الحركات الذي يتكون منها التدريس, ويعين سلسلة الخطوات الضرورية لإحراز النجاح.

المبادئ الأساسية لهذه الفلسفة:

·رفضت الوضعية المنطقية جميع الأسئلة الفلسفية المتعلقة بالميتافيزيقيا أو المعرفة  أو الأخرق, لان اهتمامها بالتحليل المنطقي فقط.

·كل شيء لا يخضع للتجربة, والتحليل غير معترف به عند الوضعية المنطقية بما فيه الإنسان لأنها قضايا خالية من المعنى.

·أكدت الفلسفة أن وظيفة الفلسفة وعملها هو تحليل المعرفة وخاصة المتعلقة بالعلم وأكدت أن المنهج المتبع هو تحليل لغة العلم.

·أكدت الوضعية المنطقية الاتجاه العلمي ووحدة العلم.

·التربية فرع علمي يستعمل اللغة الإحصائية والإجراءات التجريبية في قبول أي نظرية أو ممارسة تربوية.

·تهدف إلى برمجة قسم من المواد الدراسية والأهداف تقع ضمن المادة الدراسية وتهدف إلى إكساب الفرد دوافع جديدة وصولاً إلى النمو العقلي والاجتماعي للفرد.

·المواد التي يمكن برمجتها مواد مقبولة في المنهج الدراسي, واستعملت الوضعية المنطقية مناهج التحليل في المجال التربوي.

·الطالب مجموعة دوافع, وأن هذه الدوافع محور سلوكه.

·عمل المعلم في الوضعية المنطقية إثارة دوافع طلابه وإشباعها وتقديم المعلومات بأسلوب منطقي.

أما أهم الانتقادات الموجهة لهذه الفلسفة فتعزى إلى تناولها للغة يبدو متزمتاً ونظرياً بغير وعي, وتبين أن افتراضاتها قد أسرفت بالبساطة أكثر مما يجوز لها.

ومنهجها شديد التفصيل لكي تتناولها في نجاح اللغات في مجراها الذي ينقصه الإحكام الصوري, فإذا ما حصرنا أنفسنا في تحليل اللغات النموذجية المصطنعة وحدها أدى ذلك إلى تطبيق النتائج, وقد وجد فلاسفة التربية صعوبة كبرى في استعماله لحل مشكلات المدرسين.

المذاهب الوضعية(3)

1/ الفلسفة الوضعية والمذاهب الوضعية

2/ المدرسة التاريخية

3/ المدرسة النفعية (المصلحية)

4/ المدرسة الواقعية

5/ المدرسة الديكتاتورية

6/ المدرسة الخالصة

كلمة البدء

ساهمت عوامل شتّى في تكوين وانتشار المذهب الوضعي في القانون، والذي يعتبر اليوم هو المذهب المنتشر بين الحقوقيين، كما وانه قد أثر تأثيرا حاسماً على مجمل التشريعات في العالم اليوم.

وأبرز تلك العوامل:

أولاً: طغيان الفلسفة المادية في القرن التاسع عشر. وانتشار فلسفة (او جيست كونت) الوضعية في المنطق، حيث اقتنع الكثير من العلماء، بأن دراسة الاحداث في مجالي الزمان والمكان دراسة تجريبية، اجدى من التحليلات العقلية. ولا ريب ان تقدم العلوم التجريبية في الطبيعيات زادهم ايماناً بهذا المنطق.

ثانياً: وقد آمن الكثير من الحقوقيين (لاسيّما في المانيا) بالمذهب التاريخي الذي يجعل القانون ظاهرة شعبية، تساهم في تكوين التطورات التاريخية لشعب من الشعوب، وهكذا حوّلوا اهتمامهم من التشريع القانوني الى دراسة القوانين (الاعراف) السائدة بين الناس، وهكذا ساهم هذا المذهب في انتشار المذهب الوضعي، الذي هو الآخر جعل القانون ظاهرة حياتية، كأية ظاهرة طبيعية.

ثالثاً: وتقدّم علم الاجتماع وأخذ يدرس كل ظاهرة اجتماعية باعتبارها «حدثاً طبيعياً»، وبذات المنهج الذي يدرس به الظواهر الطبيعية تقريباً. وأورث هذا المنهج، المذهب الاجتماعي في القانون، حيث اخذوا يدرسونه باعتباره حدثاً اجتماعياً. فساهم هذا الامر في انتشار المذهب الوضعي في القانون336.

وجملة القول: ان البيئة الثقافية العامة، في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات هذا القرن، ساهمت في تنامي المذهب الوضعي، الذي لم يعترف بالافكار المسبقة للقانون، أو المبادئ الخالدة، التي آمن بها المذهب الطبيعي.

1/ الفلسفة الوضعية والمذاهب الوضعية

سبق ان أحد ابرز عوامل انتشار المذهب الوضعي، كانت الفلسفة الوضعية فما هي هذه الفلسفة؟.

يعتبر «بيكون» رائد هذه الفلسفة في انجلترا، وقد اتبعه الفيلسوف الفرنسي «واجيت كونت». وقد ساهمت افكار «كانت» في نقد العقل في تطوير هذه الفلسفة، وقد انحاز اليها ـ في مجال القانون «ديجي» الذي يعتبر من كبار رجال القانون في فرنسا، وكذلك «كلسن» الذي يعتبر من كبار خبراء القانون في أميركا.

وتنكر الفلسفة الوضعية، المبادئ العامة وتهتم بدراسة الظواهر في مجالي الزمان والمكان. وهكذا تقود هذه الفلسفة اتباعها الى القانون الوضعي، الذي يُشرع ضمن مجالي الزمان والمكان، أي ذلك القانون الموجود في دولة معينة في عصر معين، والذي يمكن دراسته عن طريق الملاحظة المباشرة.

وهكذا ولد المذهب الوضعي الذي انقسم بدوره الى اتجاهين.

الاول: المذهب الصوري (الشكلي) الذي يعتبر القانون تعبيراً عن ارادة المشرع (وهو الدولة عادةً).

الثاني: المذهب الواقعي الذي يدرس محتوى القانون حسب العوامل لمؤثرة فيه. (اجتماعية ـ تاريخية ـ اقتصادية وما اشبه)337.

وبالتالي انقسم المذهب الوضعي في القانون، الى عدة مدارس: أبرزها المدرسة الصوريّة والمدرسة التاريخية. والمدرسة النفعية.

المدرسة الإرادية:

تاريخياً نجد جذر هذا المذهب عند الفلسفة الابيقورية، التي قامت على اساس اللذة وانكرت المبادئ الاخلاقية في الحياة. وجعلت محور اجتماع الناس اتفاقهم على قانون يتعاقدون على احترامه، وهكذا جعل ارادتهم في سن هذا القانون مصدر شرعية هذا القانون338.

وفي الرومان انتشر القول «ان ما يرضي الحاكم يتمتّع بحكم القانون» وهكذا ارتبط القانون بإرادة مشرعه (الحاكم)339.

وفي القرن الاخير انتشرت فكرة العقد الاجتماعي (رسو) وهيّأت مناخاً مناسباً للمذهب الإرادي، فاذا كان العقد مصدر شرعية القانون، فأي قانون يضعه المتعاقدون بينهم فهو شرعي، ومع قطع النظر عن محتواه. وهذا ـ في الحقيقة ـ جوهر المذهب الارادي.

والواقع: ان النظرية الارادية ليست واحدة. إذ ان منها ما تعتبر القانون نتيجة ارادة الشعب (رسو)، ومنها ما تعتبرها صنيعة الدولة وقوّتها، حتى قال أحدهم (ييزينغ الألماني) ان القانون هو ثمرة القتال، ومنها ما تعتبرها اوامر يضعها المشرع، حيث قال (هويس) البريطاني «ان القوانين هي عبارة عن اوامر، ومهمة رجل القانون تقضي بتحليها»340.

ولكنها جميعاً تشترك في امرين: الاول: الاهتمام بالارادة، التي ـ من دونها ـ يصبح القانون مجرد نصيحة . والثاني: الاهتمام بشكل القانون وصياغته وترسيمه واعطاءه صفة الامر الثابت.

المدرسة الصوريّة:

يشمل هذا المذهب جيمع الذين يصفون القانون بصفات خارجية، فمثلاً مذهب التفسير الذي شاع في فرنسا، ومذهب التحليل في أميركا وبريطانيا، هما ـ في الواقع ـ من ضمن هذا المذهب الذي كان همّهما: ابراز ارادة الشرع دون التوجه الى محتوى القانون.

وهكذا يشترك المذهب الصوري والمذهب الارادي في ان المذهب الصوري يفسّر ما يشرعه المذهب الارادي…

وفي التاريخ المعاصر كان «كلسن» الذي ابتدع نظرية القانون الخالص، أبرز ممثلي المذهب الصوري، بسبب منهجه الواضح، حيث حاول تصفية القانون من المتعلّقات الفرعية التي ارتبطت به، وذلك بسبب تداخله مع سائر العلوم الانسانية (علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد وما اشبه).

وقد رأى (كلسن) ان القانون يأمر، كما يفعل المنطق وقواعد النحو والاخلاق، في حين ان علوم النظام الطبيعي تتولّى الشرح والتفسير341.

نقد المدرسة الإرادية والصوريّة:

إذا اردنا تحليل النظريات الصورية (الشكلية) والارادية في القانون، وردّها الى اصولها الفلسفية والفكرية يجب ان نبين الحقائق التالية:

اولاً: لا يصبح القانون قانوناً الا عند تشريعه، والتشريع ـ بدوره ـ يمر بعدة مراحل ابرزها، وضع كل مفردة قانونية (كل تشريع) في اطاره المناسب، مثل توضيح علاقته بالدستور، وبسائر القوانين القائمة على اساس الدستور، وكذلك باللوائح المستنبطة منها.

كما ان التشريع يقتضي نسبة كافية من الوضوح والثبات والدقة، لكي يوفر الفائدة المرجوة من القانون: وهي التوقع اذ ان كل شخص في المجتمع، لا بد ان ينظم نشاطه حسب ما يتوقعه من القانون، ينظم علاقة الفرد بالمجتمع، والفرد بالدولة التي تمثل المجتمع، كما ينظم علاقة الدولة بسائر ابناء المجتمع. وسواء تم انتخاب الدولة أو الانتماء الى المجتمع عبر عقد واضح حسب نظرية (رسو) في (العقد الاجتماعي) أو تمّ الرضوخ له والتسليم لارادته كرهاً، والذي يعتبر بدوره نوعاً من القبول والرضا. (لان رفض الانتماء او التمّرد على السلطة انما يكون صادقاً إذا عبّر عنه الفرد بالثورة والعصيان. والا فهو بالتالي يعتبر راضياً).

اقول هذا الرضا الواضح (العقد الاجتماعي والانتخاب الحر) او الضمني (السكوت العملي) انما ينطويان على قبول للعلاقة القائمة بين الطرفين والتي يحددها القانون.

والقانون ـ بهذا المفهوم ـ يقوم بدور الوسيط، وهذا هو الدور الاساسي للقانون كصورة وشكل، بعيداً عن المضمون والمحتوى. أي سواء كان قانوناً عدلاً أم جائراً. انه أشبه ما يكون بعقد الزواج والذي تختلف صوره ومحتوياته من شعب لآخر اختلافاً كبيراً. الا ان المطلوب منه مجرد انشاء علاقة ثم تكون سائر ابعاده مسائل ثانوية نسبة الى هذا الدور الاساسي.

ثانياً: المذهب الصوري باهتمامه بهذا الجانب الشكلي للقانون، اراد ان يصلح الجانب الاساسي للقانون، ان من ناحية علاقات بنوده ببعضه، وان من جهة سهولة فهمه وتطبيقه، وبالتالي فهو يخدم علم القانون ـ من هذه الزاوية ـ خدمة كبيرة.

من هنا اعتقد «كلسن»، الذي يعتبر الوجه اللامع في هذا المذهب، اعتقد ان القانون يأمر كما يفعل المنطق وقواعد النحو أو الاخلاق، في حين ان علوم النحو الطبيعي تتولّى الشرح والتفسير.

ويقول: (في معرض تفريقه بين الامر الاخلاقي الذي ينطوي على أمر صارم وبين القانون) أما الأمر القانوني فهو ـ على النقيض من ذلك ـ افتراضي ومربوط بارادة الغير، انه افتراضي لأن الامر خاضع لشرط معيّن، كأن تقول: امتنع عن الاقدام على عمل ما إذا اردت ان تحصل على نتيجة معينة، هو منوط بإرادة الغير من حيث ان الامر يصدر عن غير الجهة التي يوجّه اليها342.

ومن هنا فان قانون التجمّع وقانون الجمعية وقانون الدولة سواء كانت قمعيّة أم ديمقراطية أم دينية. كل اولئك يقسم بذات الخاصية الاساسية للقانون. وهو بناء قواعد متكاملة للسلوك. (أو قل عملية افتراضات منسّقة).

ثالثاً: ان المذهب الصوري، قد اضاف تحليلات لطيفه على القانون، ولكنه ارتكب خطأ كبيراً عندما نظر الى القانون فقط من هذه الزاوية، حيث ان شكل القانون هام ولكن محتواه ومضمونه لا يقلّ اهيمة من شكله، كما عرفنا ذلك سابقاً، ونعرفه انشاء الله خلال استعراضنا لسائر المذاهب.

علماً بان نظريتي قائمة على اساس الانتفاع بكل نظرية. وتحويلها الى جزء مكمل لسائر النظريات.

المنهج البنيوي أسسه ومفاهيمه

الأسس الجمالية والفلسفية للمنهج البنيوي (4)

         بالإضافة إلى هيمنة التاريخ، كانت هذه المرحلة خاضعة لأطر الفلسفة الوضعية التي وضع صيغتها الأولية الفيلسوف الفرنسي " اوعست كونت " الذي أصدر بين 1830-1846 دراسته " بحث في الفلسفة الوضعية "، والى النزعة التجريبية، حيث أكد " فرانسيس بيكون " على أهمية الملاحظة والرصد الدقيق للوقائع.

لقد كانت غاية الفلسفة الوضعية هي نقل مناهج ومبادئ العلوم الطبيعية إلى مواضيع الفن فكان " الفيلسوف الوضعي أكثر اهتماما بالحقائق المدركة حسيا منه بالأفكار، وبالكيفية التي تنشأ بها هذه الأفكار منه بأسبابها، ونبذت كل معرفة لا ترتكز على دلائل حسية باعتبارها تأملا تافها، وكان لهذا النوع من الوضعية، في أواخر القرن 19 تأثير كبير في الفكر الأوربي بوجه عام وفي دراسة الأدب بوجه خاص.

وبموجب هذا التصور أصبح هدف الدراسة الأدبية هو تفسير النصوص سببيا، من خلال علاقاتها بالمحيط الخارجي، و الغاية من ذلك هي محاكاة مناهج العلوم الطبيعية من اجل أحداث تاريخ علمي للظواهر الأدبية.

إن هذه الطريقة في الدراسة الأدبية اقتصرت على البحث في الأسباب الوقائعية والتكوينية كحياة المؤلف والبيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية، حيث لم ترق إلى ملامسة الجوهري في النصوص، فالتجأت إلى فقه اللغة وفروع التاريخ بهدف تفسير معاني الكلمات المفردة وشرح الإحالات والتلميحات مغيبة قيمة الأدب وخصائصه النوعية، حيث عاملت النصوص باعتبارها آثارا ووثائق تاريخية.

لقد هيمن هذا المنظور الوضعي للأدب ردحا من الزمن في أوربا، ولدى العرب المحدثين، وتجلى ذلك من خلال الكم الهائل للمؤلفات التي تدرس المؤلف وأعماله ، وقد أسفرت هذه الدراسات على مجموعة من القضايا تتمثل في الاهتمام المتزايد بتوثيق النصوص وشرحها، وتحقيقها، وبأخبار الكتاب والشعراء والاهتمام بالمؤلفين البارزين بدل المغمورين، وقد نجم ذلك عن غياب لتحديد موضوع الأدب ومفهوم النص. فالأدب كان أرضا بلا مالك ، لذلك كان عرضة للعديد من المناهج والاختصاصات بعيدة كل البعد عن طبيعة الموضوع المدروس، لذلك أصبح لزاما أن يستقل الأدب بموضوعه وبمنهجه

أوغست كونت ودين البشريّة(5)

مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الإنكليزي اندرو فيرنك المختص في فكر أوغست كونت. وهو هنا يقدم دراسة دقيقة وعميقة عن مؤسس الفلسفة الوضعية في أوروبا والعالم ككل. كما أنه كان مؤسساً لعلم الاجتماع في فرنسا، بل وأن كلمة «سوسيولوجيا»، أي علم الاجتماع هي من اختراعه.

والواقع أن أوغست كونت كان مفكراً متشعب الاهتمامات والاختصاصات. فقد كتب في فلسفة العلوم الفيزيائية والكيميائية والرياضية. وكتب في السياسة وعلم الاجتماع. وكتب في الدين والقضايا الروحية والميتافيزيقية. وقد أمضى كونت نصف حياته العلمية في دراسة القوانين التي تتحكم بظواهر الكون ومادته، ونصفها الآخر في بلورة النظرية الأخلاقية والدينية للبشرية.

فبعد أن بلور المبادئ العامة للفلسفة الوضعية انتقل إلى دراسة القوانين التي تتحكم بتطور المجتمعات البشرية. ثم يردف المؤلف قائلاً: ومعلوم أن أوغست كونت هو مبلور نظرية المراحل الثلاث التي تتحكم بكل الحضارات أياً تكن: أي المرحلة اللاهوتية الدينية، فالمرحلة الميتافيزيقية، فالمرحلة الوضعية أو العلمية الحديثة والتي هي نهاية التطور البشري بحسب رأيه.

وقال كونت بأن أوروبا المتقدمة هي وحدها التي اجتازت المرحلتين السابقتين من التطور ووصلت إلى أعلى درجة: أي إلى المرحلة الوضعية أو العقلانية الكاملة. أما بقية الشعوب فلا تزال تتخبط في المرحلة اللاهوتية الغيبية أو في المرحلة الميتافيزيقية الأكثر تطوراً منها بقليل.ويرى أوغست كونت أن المسيحية بصيغتها القديمة المتزمتة قد انتهت بحلول عصر العلم والعقل.

والواقع أن العصر السابق له، أي القرن الثامن عشر كان قد فكك العقائد التقليدية من مذهبية وطائفية. وهذا ما فعله فلاسفة الأنوار المشهورون من أمثال فولتير وديدرو وجان جاك روسو وسواهم عديدون. فقد قضوا على التعصب وقدموا تفسيراً جديداً للدين المسيحي غير التفسير السابق الذي كان سائداً منذ مئات السنين.

لقد ركزوا على جوهر الدين ولم يهتموا بقشوره كما كان الناس يفعلون طيلة العصور الوسطى. وهكذا قدمواً تأويلاً عقلانياً وليبرالياً حديثاً عن الدين. وتحرروا بذلك من التأويل القديم المتحنط والمتكلس.

ثم حصلت الثورة الفرنسية كنتيجة لكل هذه الثورة العقلية والتنويرية. وقد حطمت العالم القديم بكل عاداته وتقاليده وقيمه الراسخة. ومعلوم أن أوغست كونت ولد بعد الثورة مباشرة وبالتحديد عام 1798 وذلك في مدينة مونبلييه الواقعة على البحر الأبيض المتوسط. وكان يخشى الثورات كثيراً لأنها قد تدمر أكثر مما تعمر. وقال كونت بما معناه: كفانا تدميراً وتحطيماً للعالم القديم. الآن جاء دور البناء والتعمير واستتباب النظام. فقد مررنا بمرحلة فوضوية كبيرة وقد طالت أكثر مما يجب.

ثم يردف المؤلف قائلاً: ما كان يقصده الفيلسوف الفرنسي هو أن العصر السابق له، أي عصر التنوير، قام بعملية النقد والتفكيك. وكانت عملية ضرورية لا بُدَّ منها. أما عصره فهو عصر البناء على الأنقاض. وهنا يكمن الفرق بين العصرين. يحصل ذلك كما لو أن كونت كان يريد أن يقول: كفانا نقداً وتهديماً للماضي. الآن جاء وقت البناء والتعمير. فنحن لا نستطيع أن

نعيش كل حياتنا في حالة من الثورة والفوضى والتدمير.

وحتى فيما يخص الدين ينبغي أن نفعل شيئاً ما ونبني تصوراً إيجابياً صالحاً لعصرنا. ولهذا السبب دعا كونت إلى تشكيل دين صالح للبشرية جمعاء لأن المسيحية فشلت في أن تصبح كونية ولأنها كانت متعصبة وخاصة بالمسيحيين فقط. وبالتالي فالمسيحية بصيغتها السابقة قد انتهت.

أما هو فيريد تشكيل دين صالح لجميع الأقوام والشعوب، أي لجميع البشر بدون استثناء. ودين البشرية بحسب مفهومه ليس دين الفلسفة ولا الفلسفة الدينية. ينبغي العلم أن الفلسفة حتى عصر أوغست كونت كانت تنظر إلى الدين كمنافس لها في مجال المعرفة. بل وكانت تعتبر خادمة لعلم اللاهوت المسيحي طيلة العصور الوسطى. ولم تتحرر من هيمنته عليها إلا بعد ظهور الفلسفة الديكارتية وكذلك فلسفة سبينوزا وفولتير وكانط.

بل وحاولت الثورة الفرنسية أن تلغي المسيحية كلياً وتحل محلها دين العقل. وكان ذلك بمثابة رد فعل على محاكم التفتيش المسيحية والأصولية المتعصبة والحروب المذهبية والطائفية. ثم راحت الفلسفة تتطرف في الاتجاه المعاكس وتحاول حذف الدين كلياً من الساحة. ضمن هذا الجو ظهر أوغست كونت. وراح يحاول أن يجد حلاً للمشكلة. فهو يرفض التعصب المسيحي والأصولية المتشددة ومحاكم التفتيش. ولكنه يرفض في ذات الوقت النزعة المادية والإلحادية الكاملة.

فالإنسان ليس مادة فقط وإنما هو روح أيضاً. وبالتالي فبعد أن انهارت المسيحية في أوروبا بسبب التنوير والثورة الفرنسية وانتصار الحداثة ينبغي أن نجد بديلاً عنها أوسع منها وأشمل. وهذا البديل هو ما دعاه بدين البشرية. وقال كونت بما معناه: إذا كانت الأصولية المسيحية قد انهارت فهذا لا يعني أن الدين قد انهار، وإنما يعني أننا بحاجة إلى بلورة مفهوم جديد للدين: أي مفهوم كوني واسع يشمل البشرية بأسرها، مفهوم قائم على الحب وتجاوز الأنانيات الشخصية والمصالح العابرة للبشر.

ثم يردف المؤلف قائلاً: لا ريب في أن الفلسفة الوضعية تكفي لفهم قوانين العالم الموضوعي الفيزيائي. إنها تكفي لتحقيق التقدم والتطور على هذه الأرض. إنها تكفي لاختراع الآلات التكنولوجية التي تريح الإنسان من بذل الجهد العضلي المرهق كما كان يفعل في العصور السابقة. إنها تكفي لتحسين معيشة الإنسان وتطوير علم الطب والقضاء على الأمراض وتحويل حياة الناس إلى جنة كما حصل في الغرب مؤخراً.

ولكنها لا تكفي لفهم الوجود وإعطاء معنى للحياة قبل الموت وبعد الموت. ولذلك فإن دين البشرية يتصدى لهذه المهمة الصعبة ويقدم للإنسان كل العزاء والطمأنينة في هذا العالم. وقال كونت: على الرغم من تقدم العلم في عصرنا إلا أن الإنسان لا يستطيع أن يستغني عن الإيمان بالله أو بالكائن الأعظم. ولا ينبغي أن يغتر الإنسان كثيراً بنفسه لأنه حقق كل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي في عصر الحداثة. ينبغي عليه أن يتواضع ويعترف بوجود قيم أخرى في الحياة. وهي قيم متعالية على كل البشر.

يضاف إلى ذلك أن الدين بحسب المفهوم الحديث قائم على الحب الخالص الذي يشبه النزعة الصوفية المحضة. ولم تعد له أي علاقة بالتعصب أو التزمت أو الإكراه في الدين على عكس ما كان يحصل سابقاً. إنه قائم على تطهير روح الإنسان من الداخل لكي يتخلص من أنانيته وكرهه للبشر الآخرين.

وبالتالي فالدين في عصر العلم، أي في عصر الفلسفة الوضعية الظافرة هو غير الدين في عصر ما قبل العلم: أي في العصور الوسطى. لقد تغير مفهومه كلياً ولم تعد له أي علاقة بمحاكم التفتيش وملاحقة العلماء والمفكرين وتحريم قراءة أعمالهم وكتبهم من قبل البابا والفاتيكان. ثم يردف المؤلف قائلاً: لا يمكننا أن نفهم تصور أوغست كونت للدين إذا لم نربطه بتصور المفكرين الآخرين الذين عاصروه كماركس، وفويرباخ، ونيتشه. ومعلوم أن هؤلاء الفلاسفة الثلاثة اتهموا بالإلحاد ومحاولة القضاء على الدين. ولكن أوغست كونت لم يكن ملحداً.

فكيف يمكن أن نشبهه بهم؟ في الواقع أنه كان يتفق معهم على الحقيقة التالية ألا وهي انهيار المسيحية التقليدية التي لم تعد مقنعة. كما وكان يتفق معهم على أهمية العلم الحديث وكيف أنه حل محل الدين فيما يخص تفسير ظواهر العالم وقوانينه. وكان يثق مثلهم بأن العلم سوف يحقق السعادة والرفاهية للبشرية. ولكنه كان يختلف عنهم من حيث تركيزه على القيم الروحانية وإيمانه بوجود كان أعلى أو أعظم يتحكم بالبشرية.

والواقع أن العقيدة الدينية لأوغست كونت مرتبطة بتجربته الحياتية. فمن المعلوم أنه أحب فتاة متدينة حباً عذرياً خالصاً. ثم ماتت بمرض السل في عز الشباب. وقد أثر ذلك عليه كثيراً. وعندئذ راح يهتم بالدين والروحانيات وينصرف عن الفلسفة الوضعية والماديات. أو قل راح يكمل الفلسفة الوضعية بالفلسفة الروحانية التي سماها دين البشرية.

ويبدو أن حياة أوغست كونت كانت مليئة بالأحداث الهائجة التي عصفت به عصفاً وزعزعته أكثر من مرة. فقد وقع في شبابه الأول بحب مومس وأراد أن يجعل منها امرأة صالحة، أي أن ينقذها من جحيم البغاء والعهر. وبالفعل فقد التزمت بحياة الفضيلة لفترة من الزمن. ولكنها سرعان ما عادت إلى حياتها السابقة فجن جنونه. وقد تعرض عندئذ لاضطرابات عصبية ونفسية كادت أن تقضي عليه.

ومعلوم أنه حاول الانتحار أكثر من مرة، ولكنه أنقذ بأعجوبة. فلقد رمى نفسه في نهر السين يوماً ما. ولكن لحسن حظه فإن شرطيين كانا مارين هناك في تلك اللحظة بالذات فغطسا في الماء وانتشلاه. ثم تزوج بعدئذ من هذه المرأة التي عذبته وعاش معها سنوات متقطعة فتارة كانت سعيدة وتارة كانت شقية. وبعد أن شفي من مرضه النفسي عاد إلى إعطاء دروسه الخاصة إلى بعض الطلبة النابهين. وكان فيهم شخصيات كبرى. وكانوا يستمعون إلى دروسه بكل خشوع لأنهم يعلمون أنه فيلسوف عصره.

وعندما ساءت أحواله المادية تبرع له تلامذته الأغنياء بالمال لكي يكمل بحوثه ويستطيع أن يعيش حياة لائقة بشخص عبقري مثله. والواقع أن السوربون رفضته على الرغم من عبقريته ونبوغه في مجال العلم. وهذا من أغرب الأشياء. إذ كيف يمكن للجامعة الفرنسية أن ترفض أكبر فيلسوف عبقري في عصره؟ مهما يكن من أمر فإن أوغست كونت ككل العباقرة كان يبحث منذ صغره على إنجاز مشروع كبير لخدمة البشرية. وعلى الرغم من الكل العراقيل والصعوبات فإنه استطاع تنفيذ مخططه في نهاية المطاف. لقد عاش حياته كلها على حافة الجنون. ولكن عبقريته أنقذته من السقوط نهائياً في ليل الجنون وظلامه البهيم.

الكاتب: أوغست كونت ودين البشرية

الناشر: مطبوعات جامعة كامبردج 2005

عرض: بيان الكتب

إمكانية بداية ثانية للفلسفة

قراءة في محاضرة "هل نهاية الفلسفة ممكنة؟" لجان باتوكا(6)

1 ـ نهاية الفلسفة على الطريقة الوضعية:

يشير جان باتوكا إلى أن الحديث عن فكرة أزمة الفلسفة يعود إلى القرن الثامن عشر؛ وبالضبط مع الفلسفة السلبية التي تشك في الفلسفة الميتافيزيقية بصفتها تطرح مواضيع الماهية وطبيعة الأشياء والجوهر والعلة والضرورة واللا-حسي الخ. ويعتبر أن هذه الفلسفة السلبية كانت نقطة انطلاق لفلسفة أوجست كونت Auguste comte (1798-1857) "الوضعية". وما قام به كونت، في نظر باتوكا، هو تحويل الموقف السلبي من المشاكل الفلسفية إلى موقف إيجابي يحرص على تقديم حلول وضعية لهذه المشاكل، بعيدا عن الحلول الفلسفية، وذلك بواسطة العلم الوضعي. بعبارة أخرى، إن الفلسفة الميتافيزيقية التقليدية تأخذ نهايتها، مع كونت، كي تترك مكانها للفلسفة وللعلم الوضعيين. بحيث إنهما يبعدان من اهتمامهما المشاكل غير القابلة للحل، لكي يتعاملا بتقنية معالجة الوقائع والتمكن منه قصد التنبؤ به.

أن تتقدم الفلسفة الوضعية كبديل عن الفلسفة الميتافيزيقية فهذا لا يعني، في نظر جان باتوكا،

أنها قد تخلصت، نهائيا، من جذور الميتافيزيقا. فمن خلال مراجعة تصور الوضعية بصدد نظرية الحقيقة، يبدو أن هذه الأخيرة تتوقف على الملاحظة؛ ملاحظة ما هو حاضر. وهذه النظرية تتصل، جذريا، بالتصور الميتافيزيقي اليوناني القديم الذي كانت بمثابة الفجر الأول للنزعة الذاتية الحديثة. فكل ما يمثل أمام الذات هو عبارة عن معطيات حسية تتم ملاحظتها بواسطة أداة الأحكام الإدراكية. والحال، إن الوضعية تتقاسم نفس التصور بصدد الحقيقة مع النزعتين العقلانية والموضوعية. فالحقيقة، في ظل هذا التصور، تنتج عن نشاط للعقل؛ والعقل هو العقل الموضوعي؛ والموضوع هو الموضوع الحاضر؛ وهو حاضر أمام الإنسان باعتباره ذاتا تملك القدرة –وفق شروط معينة- على امتلاك "معرفة عقلانية". وهذه القدرة تسمح له بأن يصير سيدا على الموضوع؛ بحيث يتنبأ بمجموع أطواره الماضية والآتية.

تدور الفلسفة الوضعية الكونتية، كما يستخلص ذلك باتوكا، داخل نفس الحقل الميتافيزيقي الذي تدور فيه النزعتان العقلانية والموضوعية. مع فرق بسيط، وهو أن الأولى تكتفي باستنفاذ الحمولة الأونطية للمعرفة في السيادة النسبية على المطلق، بينما تكمن إرادة النزعتين الميتافيزيقيتين الأخريين في القبض التام على المطلق.

سبقت الإشارة، مع باتوكا، إلى أن الوضعية الكونتية تجد منطلقها في الفلسفة السلبية؛ وهذه بدورها ترتبط بالقضية الميتافيزيقية الأساسية للأزمة الحديثة –وهي قضية الكوجيطو الديكارتي- وبيقين ذات الوعي. وينتبه باتوكا إلى كون الوضعية نفسها تجد جذورها عند رونيه ديكارت René Descartes (1596-1650). بل وينبغي البحث عن أصولها البعيدة عند أرسطو حتى. ومن ثمة فنفي الميتافيزيقا من طرف الوضعية هو نتيجة للأطروحات الميتافيزيقية. بل إن الأصول الميتافيزيقية لمحاولة النفي هذه مازالت أكثر بروزا من أصولها الوضعية.

.........................................................

1- ويكيبيديا

 2- تربية نت 2004

 3- موقع المرجع محمد تقي المدرسي

 4- صخر

 5- تأليف: اندرو فيرنك/ موقع الامبراطور

 6- عبد المنعم البري/ المنبر الديمقراطي التقدمي

7- معجم علم الاجتماع/دينكن ميشيل

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7 حزيران/2007 -19/جمادي الأول/1428