نزار الراضي... قلم آخر ينطفيء على طريق حرية الكلمة

 شبكة النبأ: يستمر العراق بجدارة في احراز المركز الاول من بين دول العالم التي يتعرض بها الصحفيين للاعتداء والانتهاكات والتصفية الجسدية من جميع الجهات المتصارعة على ارض البلد منذ ما يقارب الخمس سنوات. ولا تزال الحكومة العراقية وقوات الاحتلال كما هو العهد بها لا تلقي اي اهتمام بموضوع حماية الصحفيين او الدفاع عنهم.

وطالبت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين ومرصد الحريات الصحفية السلطات في محافظة ميسان بكشف ملابسات اغتيال الصحفي نزار الراضي مراسل الوكالة المستقلة للانباء ( اصوات العراق) في العمارة على ايدي مسلحين مجهولين.

وقالت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين في بيان لها، تلقت وكالة( أصوات العراق) نسخة منه، "ضمن مسلسل الابادة التى تطال الصحفيين في العراق وبشكل مستمر وفى مختلف مدن العراق بغية اسكات الكلمة الحرة وتحجيم السلطة الرابعة من القيام بدورها  في  نقل الحقائق استهدف مسلحون مجهولون يستقلون سيارة نوع بيك اب صباح الاربعاء الماضي تجمعا للصحفيين العراقيين  في فندق العروسة في محافظة ميسان وفتحوا نيران  اسلحتهم على  الصحفيين المكلفين بالتغطية الصحفية لاحدى الورش الصحفية مما أدى الى استشهاد الزميل نزار عبد الواحد."

وأشار البيان إلى أن الحادث " وقع على مقربة من سيطرة للشرطة العراقية التى لم تحرك ساكنا." 

واضاف البيان "ان الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين تطالب محافظ ميسان  لمتابعة هذه الجريمة النكراء ومساءلة مفرزة الشرطة  القريبة من الحادث، كما تدعو الجمعية الى اجراء تحقيق لكشف ملابسات هذه الجريمة النكراء." 

ودعت الجمعية في بيانها "المنظمات الدولية والاقليمية الى  الوقوف مع صحفيي  العراق وعدم الاكتفاء ببيانات  التنديد والشجب التى لاتقدم اى شى ايجابي."

وفي الاطار نفسه قال السيد ابراهيم السراجي رئيس الجمعية ان " الزميل الصحفي نزار

الراضي الذي كان يشغل منصب رئيس رابطة الصحفيين الشباب في مدينته العمارة اتصل بي هاتفيا وعرض علي استعداده لتقديم اي خدمة للصحفيين." 

واضاف السراجي ان" الزميل الراحل يؤكد دائما ان الصحافة يجب ان تستمر بجهودنا." 

والجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين منظمة غير حكومية تاسست عام 2004 تعمل في مجال ترسيخ حرية الصحافة والتعبير وتقديم المساعدة القانونية للصحفيين ورصد الانتهاكات التى يتعرض لها الصحفيون في العراق مقرها الرئيسي  بغداد ولديها عشرة فروع في المحافظات. 

ومن جانبه أدان مرصد الحريات الصحفية (JFO) حادث مقتل مراسل ( أصوات العراق) في محافظة ميسان وطالب بفتح تحقيق لتحديد ملابسات الحادث.

وطالب المرصد، منظمة مستقلة ومقرها بغداد تعنى بالدفاع عن الصحفيين والحريات الصحفية ، في بيان له ،" القوات الامنية في مدينة ميسان بفتح التحقيق المناسب في قضية اغتيال المراسل المذكور ولا يدعون مرتكبي الجريمة من الافلات كون المدينة الذي اغتيل زميلنا فيها من المناطق المتمتعة بالامن النسبي، وسنتابع ما يصدر عن الجهات الامنية خلال الايام القادمة من خلال منتديات  العلاقات الصحفية في العراق."

كما أدانت المؤسسة الحرة للدفاع عن حقوق الإعلاميين، التي تتخذ من كربلاء مقرا لها حادث اغتيال الزميل الصحفي نزار الراضي في مدينة العمارة، وعدته استمرارا لعمليات القتل والاغتيال والاختطاف التي تطال الإعلاميين والرموز الثقافية والعلمية والفكرية من اجل إفراغ العراق من مبدعيه.

وقالت المؤسسة في بيان لها، "مرة أخرى تمتد الأيادي الآثمة هذه المرة لكي تغتال قلما من أقلام الحقيقية العراقية."

وأضاف "مرة أخرى يأتي اغتيال الزميل نزار الراضي ليعلن صراحة إن ما هو مخطط له ماض في التنفيذ ألا وهو إفراغ العراق من مبدعيه لان هذه العملية هي استمرار لعمليات القتل والاغتيال والاختطاف التي تطال الإعلاميين والرموز الثقافية والفكرية."

وأشار البيان إلى أن " ما يقع على الإعلاميين والرموز العلمية والثقافية والفكرية يتحملها الساسة العراقيون بكل أصنافهم الذين ما زال البعض منهم يبحث عن أعذار لكي يتأجج الوضع أكثر وتكون النتيجة هدر الدم العراقي."

وقال البيان "على الحكومة العراقية أن تفعل شيئا إزاء ما يحدث في العراق عموما وما يتعرض له الإعلامي الذي بدونه لا معنى لعمل أو انجاز أو تصريح أو حوار."

اللحظات الأخيرة في عمر شاب عراقي لامع 

روت أسرة وزملاء الزميل الصحفي نزار الراضي، مراسل الوكالة المستقلة للأنباء ( أصوات العراق) في محافظة ميسان، اللحظات الأخيرة في حياة فقيد الصحافة الشاب... وحكوا كيف كانت علاقاته بزملائه شفافة وصادقة وودودة، تماما كنزاهته وصدقيته المهنية والنقابية .

ودع (نزار) أطفاله الثلاثة، صباح أمس الأربعاء، بعد أن قبّلهم واحدا تلو الأخر... ووعدهم بأن يجلب لكل منهم، عند عودته مساءً، ما طلبوه من أشياء تشبع دهشة الطفولة.. وترضي عاطفة الآباء، ولم ينس (نزار)، وهو يفضي إلى الشارع الضيق من بيته البالغ البساطة المكون من غرفة واحدة وملحقات ضرورية، أن يرسم ابتسامته المعهودة وهو ينظر إلى الخلف كعادته على زوجته الحبيبة.

لم يدر بخلد ( أبو سيف) أن حفنة من المجرمين تترصده... تماما مثلما لم يدر بخلد ( أم سيف) إنها الابتسامة الأخيرة التي تراها على شفاه زوجها الحبيب، لأنها تعرف تماما أن هذا الصحفي الشاب الواعد لايثير عداوة أحد... لشفافيته وحبه المفرط للآخرين، وحب الناس له، بالرغم من الأخبار التي تسمعها يوميا وتشعل قلقها عن خطورة مهنة الصحافة .

يقول جمال الهاشمي، رئيس اتحاد أدباء ميسان، "كان نزار مثالا للصحفي الصادق والنزيه، المحبوب من الجميع... فلم أسمع عنه في أي يوم من الأيام أنه أثار صخبا أو خلّف عداوة."

وأضاف الهاشمي "كان من الشباب المجدّين والمجتهدين الذين يدركون أهمية الكلمة وقداستها، وكان من أهم الرموز الصحفية في ميسان... ووصف دائما بحياديته وأدائه الصحفي الملفت للإنتباه، وأسس بمثابرته وجهده المتميز لتشكيل رابطة الصحفيين الشباب في ميسان... والتي أصبحت من المنظمات المهنية الواعدة."

وسّع ( نزار) خطاه واستعجل قليلا، فثمة ورشة للصحفيين تقيمها ناشطة نسويه قادمة من البصرة... وهو قد تأخر عن موعد بدئها، وذلك ليس من عادته.

وعلى إيقاع خطاه المتسارعة، يبدو أنه كان يخطط لتنفيذ الفكرة التي طرحها على زملائه قبل ساعات... وهي عمل تحقيق صحفي عن الحركة  النسوية في ميسان، فقد كان يقول دائما "إن المرأة في مجتمعنا تحتاج إلى من يأخذ بيدها... وتستحق كل احترام وتقدير."

وصل ( أبو سيف) إلى فندق (الأعراس) الذي تقام فيه الورشة، ودلف بسرعة إلى القاعة التي تقام بها ورشة العمل.

يقول سعد حسن الصحفي في جريدة (الصباح) الذي كان مشاركا في الورشة "حضر الزميل نزار متأخرا قليلا، وبعد أن طرزت روحه المرحة وقفشاته المحببة عمل الورشة... خرجنا في حوالي الساعة الحادية عشرة."

وأضاف حسن "كان الزميل نزار خلفنا بمقدار عشرة أمتار، ووقف يتحدث مع مسؤولة الورشة ( زينب صادق) في شارع (دجلة) قرب فندق الأعراس... وفجأة سمعنا صوت الرصاص يلعلع حولنا، فإنكفأت أرضا... وكذلك بقية الزملاء، وكان هناك ثلاثة من المسلحين بلحى كثيفة ويرتدون ملابس بيضاء... وترجلوا من سيارة (بيك أب) حديثة، شاهرين مسدساتهم... وبدأوا يطلقون الرصاص دون توقف نحو الزميل نزار ونحونا."

ولفت شاهد العيان إلى أن أغلب المسدسات الثلاثة "صوبت نحو الزميل نزار، وبعد أن أفرغ المسلحون نيران أسلحتهم... استقلّوا سيارتهم بكل بساطة، دون أي تدخل من رجال الشرطة الذين كانوا على مقربة من مكان الحادث."

وقال حسن " توجهنا إلى نزار، الذي كان منبطحا على الأرض، ظنا منا أنه أصيب بجرح بسيط... لكن للأسف وجدناه غارقا في دمائه وقد فارق الحياة."

كان مع الزميل الراحل أكثر من خمسة صحفيين، منهم سعد حسن مراسل (الصباح) وحيدر الساعدي مراسل (راديو المربد) وأحمد البهادلي وآخرين .

يقول حيدر الساعدي "كنا قد خرجنا للتو من (فندق الأعراس) في شارع دجلة، بعد أن فرغنا من ورشة الصحفيين... وفجأة إنهمر سيل من الرصاص خلفنا، وبعدها رأينا الزميل ( نزار) وقد سقط على الأرض مضرجا في دمائه الطاهرة."

وأضاف الساعدي " كان نزار ناشطا في منظمات المجتمع المدني، وصحفيا ممتازا ونزيها إلى أبعد الحدود... ولا نعرف سببا لإستهدافه."

أما الصحفي أحمد البهادلي، فلم يستطع الحديث جراء صدمته وشعوره العميق بالحزن .

ونزار الراضي من مواليد ميسان في (29/2/ 1969) ، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الآداب، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.

وإلتحق الزميل الراحل بوكالة ( أصوات العراق) في بداية آيار مايو عام (2005)، وإلى جانب عمله الصحفي الذي تميز بالدقة والموضوعية... فقد كان الراحل ناشطا في المجال النقابي، حيث ترأس ( رابطة الصحفيين الشباب) في ميسان .

وشارك المئات من مثقفي وصحفيي ميسان ومواطنيها في تشييع جثمان الفقيد الراحل أمس الأربعاء، بعد أن صدمهم خبر اغتيال أحد فرسان الكلمة الصادقة الحرة الشريفة .

وبدلا من ان يعود ( نزار ) في المساء إلى أطفاله الثلاثة بالحلوى ولزوجته الموعودة بابتسامته الدائمة، عاد قبل الأوان إلى بيته المتواضع في ذلك الزقاق القديم الذي ضاق بأحلامه وحبه الكبير للوطن... محمولا على الأكتاف، وملفوفا بالعلم العراقي... والجميع غير مصدقين ما حدث، ويتساءلون: ماذا جناه هذا الشاب اللامع... وماذا جناه الآلاف غيره من شباب هذا الوطن، ومتى ينتهى هذا الكابوس الجاثم على أنفاس العراق والعراقيين...؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 1 حزيران/2007 -13/جمادي الأول/1428