شهداء تفجيرات كربلاء: أمنيات ضائعة اغتالها الجهاد التكفيري

 تحقيق: عصام حاكم

 شبكة النبأ: بالأمس فاجأني احد الاصدقاء عند الصباح الباكر وهو يدعوني بصوته المبحوح وقد اصطفّت في عينيه دمعة غائرة من دون ان يذعن لها برغبة الافتضاح تحت نور الشمس، وهو يستذكر تلك الاشلاء المقطّعة الاوصال التي سقطت في الحادث الارهابي المروع قبل شهر في كربلاء المقدسة ومن بينهم صديقه عادل  سلام وأبنه ذو الاربعة اعوام في تلك المجزرة التي شهدتها ارض الطف.

والتي كانت بالتأكيد تستهدف المدنيين الابرياء دون سواهم، ولم يكلفوا انفسهم أولئك المجرمين القتلة عناء الاصغاء لترتيل السماء، بل ربما هم استطاعوا من خلال سلوكهم الاجرامي هذا ان يفصحوا عن ماهية التحدي ونزوة الصراع المتجذرة في الذات الانسانية بين الخير والشر، وربما هي  استراتيجية وعنوان جديد لنزوة الاستسقاء من دماء  هؤلاء الضحايا من دون ذنب يذكر سوى انهم من اتباع اهل البيت عليهم السلام وممن آمنوا بالعراق الجديد.

وكان لمراسل(شبكة النبأ المعلوماتية) هذه الوقفة مع ذوي وعوائل الشهداء الذين خضّبوا مسرح الجريمة بحناء الشهادة، لنقف عند احلامهم وامنياتهم وتطلعاتهم والحيثيات التي خلفوها بعدهم، فها هي الحقيقة نضعها بين يديكم علّنا نطفىء لضى من خلفوه ورائهم.

 

وقد كانت محطتنا الاولى عند عائلة الشهيد(عادل سلام)  تلك المحطة التي تلج برائحة الشهادة والحزن، طرقنا الباب وهناك كم لا يستهان من الزفرات والعبرات الساكنة  تحت ركام الصبر، ولا اخفيكم مدى الخوف الذي كان يراودني وانا اهم بطرح سؤالي الاول، فمن اين ابداء؟ وعند أي مرفأ اقطر في سفينة المخاضات الصعبة؟ الا انني  في البدء حاولت الولوج الى عالم الشهادة والشهداء وما ينتظرهم من فوز عظيم، وعندها استرقّت عيون الحاضرين قبل قلوبهم.

وقد كان اول المتحدثين والد الشهيد عادل سلام حيث قال لـ شبكة النبأ: كان ولدي بمثابة الجذوة التي اوقدت حياتي من خلال سيرته الحسنة وكان دؤوبا منذ صغره حتى اكمل دراسته الجامعية، وقد حرص دوما على مواطن البر والتقوى، وهو يحمل شهادة البكالوريوس بالهندسة الميكانيكية، وعند تخرجه في عام 93  تم تعيينه في معمل الاطارات علما بانه من مواليد عام 1971، وهو متزوج حديثا وله ولد واحد يدعى امجد وهو في الصف الاول ابتدائي، وما يزيد الطين بلّه ان امجد هو الاخر قد استشهد في هذا الحادث حيث كان مع والده يوم الحادث الاجرامي وقد تفحم جسده النحيل من شدة الانفجار، ولكن عزائي الوحيد ان الله اعلم بمن يختص بمواضع الاختبار.

 

اما وقفتنا التالية فكانت مع عائلة الشهيد(علي محمد خضير) وفي هذه اللحظة استشعرت حيثيات الدوافع المريضة التي ادت الى تلك المجزرة الانسانية بكامل ابعادها وما تحمل من مضامين تاريخية هي اشبه ماتكون الى حرب الابادة ضد الانسانية.

والا ليس من الحكمة والعقل ان يستهدف هولاء المجرمين  اولئك الابرياء ومن دون ذنب يذكر سوى انهم اناس يبغون كسب الرزق وليس فيهم من هو في القوات المسلحة او الشرطة او متعاون مع الامريكان كما يتذرعون دوما.

وفي الوقت ذاته لم أجد تبرير او تفسير واحد يبيح قتل هولاء الناس او مسوغ يمكن ان يلجم محور التسائل الذي يدور في ذهن القاصي والداني، ناهيك ما ذنب هولاء الاطفال الذين خلفهم الشهيد علي، وماذا نقول لوالد الشهيد ذلك الرجل الطاعن في السن والذي هو معتل بامراض مختلفة، علما بان والدة الشهيد متوفية هي الاخرى.

انها قصص تموج منها الجبال ويتفسر لها الصخر، ولا اخفيكم فاني لم اصمد امام صراخ اطفاله وزوجته وهم يتذكرون احلى الذكريات فعندها اطلقت العنان لحدقات العيون ان تمارس دورها في اطفاء لهيب وجذوة  تلك القلوب المحروقة على شهيدنا الاستاذ علي وهو خريج كلية التربية قسم جغرافية، وقد اثنى عليه كل الحاضرين على طيب معشرة وخلقة.

علما بانه كان ينازع شهوة الموت لمدة اسبوع بعد الحادث الاجرامي حيث وافته المنية اثر الحروق التي المت به، ومن ثم ودعنا عائلة الشهيد علي وفي النفس غصه على تلك المحطات المهمة في قاموس هذا الرجل، والذي هو بالتاكيد كان يحمل ويجسد في مواقف عدة انتماءه الانساني  ولم ياتي هذا الحكم من فراغ ، بل كوني قريب منه شخصيا.

عند ذاك انتقلنا نحو عائلة الشهيد(شاكر رحيم)، الا ان هذه الوقفة  قد تختلف من حيث التداعيات المتشعبة، فتارة هو المعيل الوحيد لهذه العائلة المؤلفة من اربعة بنات وزوجة وهو يتيم الابوين فعند دخولي بيت الشهيد وهو في منطقة متجاوزة فقد ابلغنا الدمع قبل ان تبوح الشفاه بكلمة واحد وفي ثنايا النوح عبارات عجز عن ذكرها ابلغ الحكماء، وكاني بلسان حالهم يقول ما ذنبنا ونحن اطفال صغار؟ وما هو الذنب الذي اقترفه والدنا ليقتل؟ وما هو مصيرنا؟ واسئلة كثيرة لا يسعنا المقام ان نذكرها، ولم يجدوا  لتلك التساولات اجابة إلا صدى ندائهم  المختلج بالعبرات.

وفي اخر المطاف جاء الجواب من وراء الستار لزوجة الشهيد نفسها، انا لله وانا اليه راجعون والحمد لله على فضله ومنّه.

وقبل ان اودع هذه العائلة  استذكرت تلك الامنيات التي كانت تسطر افق احلامهم قبل الحادث في بناء بيت جميل وان ينعم جميع افراد هذه العائلة بالراحة والامان من بعد ضنك العيش ايام النظام السابق، ولكن وما اتعس كلمة (لكن) فان القدر وحقد التكفيريين  كان اسرع لتلبية النداء في سحق كل الامنيات والاحلام.

اما محطتنا الاخيرة فقد كانت عند اخ الشهيد(حسن علي) حيث قال لـ شبكة النبأ: كان الشهيد  يعتمر قلبه بالايمان دائما، وهو يعمل في الصيرفة وله ثلاث اطفال صغار لم يبلغ أي منهم السنة التاسعة من عمره، وقد كان اخي شديد الحرص والتعلق باطفاله ويكابد ليلا ونهارا  من اجل ان يوفر لهم لقمة العيش.

ليس هذا فحسب بل هو يتمنى باستمرار ان يطفىء جذوة الفقر وان ينعم الله عليه وعلى عائلته بالمال والبركة، لذا تراه دائما يعمل وكانه في سباق مع الزمن، ولكن القدر اقوى بكثير من كل الامنيات والتطلعات، علما باني مؤمن بان الله خير الحاكمين ولكن هؤلاء الاشرار هم الذين اوقفوا عجلة الحياة بالنسبة لأخي، بيد ان الامر يمتد الى يوم الفصل العظيم وعند ذاك يكرم المرء او يهان، ونحن نشتكي هؤلاء القتلة الى الله العظيم  رب الخلائق فهو مولانا.
ومن خلالكم اناشد كل قوى الامن ان يحرصوا أشد الحرص على حفظ ارواح الابرياء من هذه الهجمة الشرسة لانها بالتاكيد تستهدف كل العراقيين من دون استثناء، وما اخي إلا كوكب من تلك الكواكب التي  زحفت في قافلة الشهداء وهي تترى منذ اربعة عشر قرنا منذ واقعة الطف ولحد يومنا هذا، وربما هي تمتد الى ابعاد اخرى يعلمها الله، وفي الختام ادعوا من الله ان يحفظ الجميع لما فيه الخير فهو خير حافظا.

وقد كانت تلك الجمل هي مسك الختام وهي تبوح بمعطيات متعددة اقل ما فيها يخدش حياء الانسانية بكل مفاصلها وفي الوقت ذاته يمنحنا فرصة التقارب في القول بان  هذا السلوك هو سلوك حيواني بل اقذر، كون الحيوان يكتفي بفريسة واحدة  فقط ليسد جوعه اما هؤلاء المجرمين فهم يستمتعون بعذابات الابرياء وبتلك الاجساد المتفحمة والرؤوس المقطعة والاجساد المهشمة.

فلا يسعنا الا ان ندعوا لهم بان يجازيهم الله بما اقترفت ايديهم وهذه المجازر التي هم يمارسوها منذ اربعة اعوام هي دليل قاطع على شراسة وبشاعة هذا المعتقد وهو ابعد ما يكون عن تعاليم السماء السمحاء، بيد اني اود ان اوجه سؤال بسيط في ختام الحديث، هل هؤلاء فعلا مسلمون؟ واي اسلام هذا الذي يؤمن بالقتل، ايعقل بانه من الله..!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30 آيار/2007 -12/جمادي الأول/1428