الذي جرى في اليمن!!

دكتور أحمد راسم النفيس

 تقول بعض المصادر المطلعة على الحرب الدائرة في محافظة صعدة الواقعة في شمال اليمن بين جماعة (الشباب المؤمن) التي أسسها حسين بدر الدين الحوثي والنظام اليمني أن هذه الحرب قد اشتعلت بتحريض من كبار الضباط البعثيين العراقيين الذين استضافهم الرئيس اليمني بعد سقوط صدام حسين فضلا عن بعض العناصر المتنفذة في السلطة والتي تدين بالولاء للتيار السلفي ومن بينها العميد محسن الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس صالح والذي شارك بفاعلية في تجنيد المقاتلين اليمنيين للجهاد في أفغانستان خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي.

بدأت الحملة الراهنة في يناير 2007 حيث تعرضت صعدة لقصف عنيف بالمدفعية ففي مطلع شهر إبريل دارت معارك دمرت القوات اليمنية ألف منزل ومتجر. وفي ضحيان –ثاني أكبر مدن صعدة- تعرض المسجد الشيعي التاريخي الكبير للتدمير نتيجة للقصف الذي تقوم به القوات الحكومية وتتعرض صعدة للحصار العسكري منذ شهر يناير الفائت حيث منع عنها شحنات الدواء والغذاء ومنع الصحفيون من الذهاب إلى صعدة ومعرفة ما يدور هناك.

البعد القبلي والسلفيون

انضم إلى الحملة العسكرية الأخيرة حوالي 5000 عنصر قبلي غير نظامي وجلهم من قبيلة حاشد التي تحظى بامتيازات خاصة كون الرئيس صالح ينتمي لها.

كما أن الانتشار العسكري للقوات القبلية يثير شبح الحرب القبلية على نطاق واسع خاصة وأن قوات الحوثي تنتمي إلى إتحاد قبائل بكيل. و يشترك أيضا في هذه الحرب عدة ألاف من الجهاديين إلى جانب القوات الحكومية.

وقد أثار تدخل الشيخ الأحمر رئيس البرلمان اليمني الحاشدي ودعوته لقتال الحوثيين غضبة العديد من القبائل الأخرى الذين ردوا على رسالته برسالة قالوا فيها:  

الأخ الشيخ - عبد الله بن حسين الأحمر  شيخ مشائخ حاشد ورئيس مجلس النواب حفظكم الله تعالى: نرفع لكم السلام أقلام من خولان عامر الحُطام بعد ما عانت من سوء الانتقام وقبح الاتهام من الكرام واللئام وبعد.. وصل مشرفكم الكريم وعرفناه وعلى العين والرأس وضعناه، ونشكركم على تعبيركم عن أصالة  خولان عامر وعلى الشعر الذي استشهدتم به ونذكركم بالمثل بما قاله الإمام علي بن أبي  طالب كرم الله وجهه في أصالة أجدادكم وأجدادنا همدان، حيث قال: ولو كنتُ بوابا على باب جنة *  لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلام, وقال: ناديت همدان والأبواب  مغلقة * ومثل همدان سنا فتحة الباب. ونحن يا شيخ عبد الله  أولاً  نسألك بالله العظيم ماذا سيكون موقفك لو أن جيش الدولة وأوباش القبائل يعيثون في بلاد حاشد عرضا وطولا على مدى أربع  سنوات لأسباب كاذبة وتضليلات باطلة معروفة عندكم وعند غيركم؟ الأخ الشيخ  عبد الله الأحمر. اكفونا شر أعداء الثورة والجمهورية المتربصين داخل القصر الجمهوري وخارجه. ونحن نكفيكم (حفنة المراهقين!) المشردين في البوادي والجبال والقفار وندعوكم بداعي الإخاء  والقبيلة والدين والوطن لأن ترفعوا عنا جيوش الدولة وأوباش  القبائل الذين سامونا سوء العذاب على مدى أربع  سنوات وكانت أعمالهم  الإجرامية  سبب انتشار الحرب وتوسعها من عزلة مران في حيدان إلى عموم محافظة صعدة وما جاورها في عمران وحجة.

 يا شيخنا الفاضل: أدركونا  بحكمتكم قبل أن تشمل الحرب جميع اليمن ولا ترضوا أن تتحول بلادنا إلى ساحة حرب وفوضى ونهب وتنكيل، وتصبح الثارات بين الأخ وأخيه  والأب  وابنه. ونعاهدكم أننا وجميع قبائلنا مشائخ وأفراد 

جزء لا يتجزأ من هذه الدولة والوطن والثورة والنظام الجمهوري، لا يحولنا محول ولا يبدلنا مبدل. ونحن قبائل زيدية نحب الرسول وآله حبا جما نسير في ذلك على هدى الآباء والأجداد. وسيظلوا هجرتنا في ظل النظام الجمهوري والوحدة والثورة.   

أما عن البعد السلفي فقد اتخذ مجلس الدفاع الوطني قرارا بتجنيد الآلاف مدعوما بفتوى أصدرها القاضي محمد إسماعيل العمراني في مارس الماضي وتضمنت الفتوى إعلان الجهاد ضد جماعة الشباب المؤمن واعتباره جهادا ضد الزنادقة الشيعة.

كما أن زعيم تنظيم جيش عدن أبين القاعدي قد انضم للقتال إلى جانب القوات الحكومية في صعدة في فبراير الحالي وكان الرئيس صالح قد أستخدم هذه العناصر الجهادية كتنظيم شبه عسكري في الحرب الأهلية عام 1994م.

البعد المذهبي الكامن وراء هذه الحرب أكده رئيس الأمن القومي اليمني ومدير مكتب رئاسة الجمهورية عندما تحدث عما أسماه (بمنطلقات الفئة الباغية في تشويه المذهب الزيدي ونشر كتب غير معروفة يبشرون فيها بالمهدي المنتظر مستغلين جهل الناس بحقيقة أهدافهم التآمرية ضد الوطن ومكتسباته الوطنية وأمنه وإستقراره).

ثم عاد من يطلق عليهم علماء اليمن لتأكيد هذه الحقيقة من خلال بيان أعلنوا فيه (حرمة الاعتراف بأي فكر أو منهج أو مذهب يخالف الكتاب والسنة ويصطدم مع ثوابت الأمة ومع المذاهب المعترف بها التي تلقتها الأمة بالقبول) ووصفوا الأحداث بأنها (تمرد مسلح خرج فيه مجموعة من المواطنين بالسلاح على الدولة متجاوزين كل الثوابت الدينية والوطنية ومعززين تمردهم بأفكار غريبة على مجتمعنا اليمني المسلم، تخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة وتعادي أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم أجمعين، الذين أوصلوا إلينا هذا الدين، وأناروا لنا السبيل، ويجعلون ولاية المسلمين حكراً على سلالة معينة، وفي ذلك تعطيل لمبدأ الشورى في الإسلام، كما أن في دعوتهم إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية).

إنها إذا أولى الحروب المذهبية التي طبق فيها مبدأ (بندر) الذي توهم البعض أنها يضاهي مبادئ ترومان وروزفلت وهو مبدأ (الحرب بالوكالة) على كل ما هو شيعي خاصة وأن هذه الحرب تجري على تخوم العربية السعودية فكان أن سقط هذا المبدأ بمجرد البدء في تطبيقه خاصة وأن حروب المرتزقة هي حروب محكوم عليها بالفشل التام والموت الزؤام.

تحدثت التقارير عن خسائر فادحة وقعت في صفوف الجانبين كما تحدثت أيضا عن فشل الجيش اليمني في استعادة محافظة صعدة من أيدي الحوثيين بل وعن فقدان هذا الجيش لعدة مواقع هامة كان يسيطر عليها في السابق مما دفع الرئيس اليمني لإلقاء تبعة ما يجري على الحكومتين الإيرانية والليبية وتكليف من أسماهم بعلماء اليمن بالتدخل لإنهاء الصراع.  

مطالب الحوثيين

ردا على دعوة الرئيس اليمني فقد أصدر يحيي بدر الدين الحوثي بيانا دعا فيه الحكومة اليمنية للموافقة (على الوساطة القطرية لتقريب وجهات النظر وضمان تنفيذ الحكومة لما تلتزم به) فضلا عن (إنشاء هيئة عليا مستقلة لمواجهة الطائفية والمذهبية والمناطقية تقوم بفتح حوار وطني جدي، وإعادة المساجد إلى أصحابها فوراً، وضمان عدم المضايقة مستقبلاً وفقاً لما يضمنه الدستور من حرية للفكر والمعتقد الديني. كما تقوم بحماية وترميم وإعادة بناء ما تهدم من المقدسات الدينية بما فيها المساجد والأضرحة. وإنقاذ التراث والمخطوطات اليمنية الشافعية والزيدية وغيرها) كما طالب (بالموافقة على تأسيس حزب سياسي مدني في ظل الدستور والقانون  وأن لا يتم وضع شروط تعجيزية لذلك).

وطالب الحوثيون أيضا: بإنشاء جامعة معتمدة لأهالي المنطقة في شتى المجالات المعرفية مع ضمان حق أبناء المذهب الزيدي في تعلم المذهب بحرية في الكليات الشرعية فضلا عن إنشاء لجنة نزيهة لحصر واستعادة وإدارة الأوقاف الزيدية. وإعادة الاعتبار للمذهبين الشافعي والزيدي كمذهبين رئيسين للدولة واحترام فكريهما وفقهيهما والمناسبات المتعارف عليها تاريخياً في تراث كل منهما. ومراجعة المناهج الدراسية الدينية لجميع المراحل بحيث لا تتصادم مع أصول أي من المذهبين الرئيسيين.

وطالب البيان بضمان الحرية الفكرية بما يكفله الدستور والقانون اليمني وعدم التضييق على طباعة ونشر وتوزيع سائر أنواع الإنتاج الفكري والفني الشافعي والزيدي تحت مبررات عنصرية أو طائفية تتصادم مع الدستور اليمني والأعراف الدولية لحقوق الإنسان على أن تفرج أجهزة الدولة عن كل المصادرات التي قامت بها خلال الأحداث منذ عام 2003.

البيان الذي أصدره الحوثيون يكشف عن وطنية مطالب الحوثيين وتواضعها وأنها ليست مطالب إيرانية ولا ليبية كما تكشف عن الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها العالم العربي الذي يتشدق بالدفاع عن حقوق سنة العراق ويتجاهل حقوق الشوافع في اليمن لا لشيء إلا لتعارضها مع أولويات التيار الوهابي ومن الواضح أن الخط الوهابي الصاعد والمدعوم مباشرة من قيادة عموم الوهابية يسعى لتجريف كل التيارات المذهبية المختلفة سنية كانت أم شيعية لتبقى الوهابية التيموية الحنبلية عنوانا وحيدا على الحقيقة.

كما أن البيان الذي أصدره ما يسمى بعلماء اليمن والذي أعلن فيه رفضه (الاعتراف بأي فكر أو مذهب يخالف الكتاب والسنة) يكشف مدى التدهور والانحطاط الذي وصل إليه المسلمون في ظل هذا النوع من القيادات المتطاحنة الآن حول بعض الخزعبلات مثل رضاع الكبير بينما هو يرفضون الاعتراف بحرية الاختيار الفكري والمذهبي بدعوى مخالفتها لما ورد في بعض هذه الكتب ناهيك عن تفسيراتهم الأكثر خزعبلاتية لتلك الروايات الخزعبلاتية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 25 آيار/2007 -7/جمادي الأول/1428