المتقاتلون يفسدون الحلم الفلسطيني وينسفون مشروع الدولة

 

شبكة النبأ: يشكل الاقتتال الداخلي الفلسطيني الجاري حاليا تهديدا مباشرا لحلم الفلسطينيين في اقامة دولة خاصة بهم بعد نضال استمر لاكثر من نصف قرن في ظل الاحتلال الاسرائيلي المدمر.

وقال محللون لـ(شبكة النبأالمعلوماتية)، يعطي تصاعد الخلاف حتى اصبح دمويا بشكل مرعب بين الفرقاء في حركتي حماس وفتح انطباعا للعالم وللجهات الدولية المؤثرة على ان الفصائل الفلسطينية ليست من النضج بحيث يمكنها تحمل مسؤولية اقامة دولة عبر نفس سلمي ومفاوضات دبلوماسية والعيش بسلام  مع اسرائيل التي تتحين الفرص دائما لافشال الامر.

واضاف المحللون، ان تصاعد العنف بين الفرقاء الفلسطينيين داخل قطاع غزة الذي من المفروض ان يكون انموذجا ونواة للدولة المرتقبة قد القى بظلاله المدمرة على الاوضاع الامنية والمعيشية للمواطنين الذين هم اصلا يعانون منذ العام الماضي من اثار حصار مهلك من قبل اسرائيل بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية واستأثارها بأغلبية الحكومة الامر الذي لم يتقبله الغرب وامريكا واسرائيل بسبب ان حركة حماس مصنفة لديهم ارهابياً.

وشأنها شان الكثير من ضحايا العنف شهدت الفلسطينية سهام علي حين كانت طفلة تعيش في بيروت في التاسعة من العمر عام 1982 معارك بالاسلحة النارية بين مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الاسرائيلي الغازي.

والآن وهي تقيم في غزة تواجه مع ابنها الذي يبلغ من العمر اربع سنوات الخطر من اتجاه اخر يتمثل في بني جلدتها الفلسطينيين اعضاء الفصائل المسلحة المتنافسة الذين يقاتلون من اجل السيطرة على قطاع غزة.

وقالت لرويترز انها لم تنس على الاطلاق تلك المشاهد في بيروت وانها لا تعرف كيف يمكن ان تنسى ما تراه اليوم وما يحدث بين الاشقاء.

وارغم قتال وحشي مستمر منذ حوالي اسبوع في غزة بين حركتي فتح وحماس كثيرا من

سكانها الذين يصل عددهم الى 1.5 مليون نسمة على البقاء داخل منازلهم واغلاق متاجرهم ومدارسهم.

وقال ابو عابد (40 عاما) المواطن في غزة انه بقي دون دواء لمدة يومين وانه يمكن للناس ان يفهموا ان يفرض الاسرائيليون حصارا عليهم لكن ان يفرض ابناؤهم مثل هذا الحصار فهذا ما لا يمكنهم احتماله.

وقالت سهام علي ان القتال الذي اسفر عن مقتل اكثر من 40 فلسطينيا دمر بالفعل حلم قيام دولة.

وقالت المقيمة السابقة في بيروت التي عادت الى القطاع الساحلي مع والدها وهو مسؤول امني بمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1995 بعد اتفاقات السلام المؤقتة مع اسرائيل انهم حين عادوا الى غزة كانوا يحلمون بالاستقرار وبدولة خاصة بهم لكن الامر انتهى بالفلسطينيين الى قتل بعضهم البعض. وأضافت انه قتال من اجل المقاعد والحكم.

وفي حين يتبادل قادة حماس وفتح الشركاء في الحكومة الائتلافية القاء اللوم على بعضهم البعض بشأن العنف ينتشر مسلحون من كلا الجانبين في شوارع غزة ويقيمون نقاط تفتيش.

وقال احمد الصحفي المحلي الذي يقيم في جنوب قطاع غزة انه مر بعشرة حواجز طرق على الاقل في مسافة تمتد 15 كيلومترا على الطريق بالسيارة المفضي الى مدينة غزة.

واضاف رافضا ذكر اسمه بالكامل "اوقفونا عند كل نقطة تفتيش. ظننت اننا في افغانستان."

وقالت ام شادي وهي ام لخمسة اطفال انها كانت محظوظة مع عائلتها لانهم ظلوا على قيد الحياة بعدما ضربت منزلهم قذيفتان اطلقهما ناشطون. واضافت "حاولت فتح نافذة واطلقوا النار على منزلنا. لا أفهم سببا لذلك." وقالت "اعتدنا ان نفخر بهم حين يقاتلون اليهود لكن كل ما نأمله الان ان يمكننا مغادرة المدينة."

مدنيو غزة يعيشون في رعب

ويعيش مدنيو قطاع غزة في قبضة رعب غير مسبوق منذ تجدد المواجهات بين حركتي فتح وحماس والغارات الاسرائيلية وتقول ام حسام "الموت يأتينا من كل مكان. اسرائيل تقتلنا من الجو وحماس وفتح تقتلاننا على الارض".

وتضيف هذه المرأة البالغة 29 عاما "طوال ايام الاسبوع نعاني من الاشتباكات بين فتح وحماس والان جاء دور الاحتلال الاسرائيلي ليزيد الطين بلة. اين العالم ليرى مأساتنا ونكبتنا الجديدة".

واطلق عشرات المسلحين الرصاص بغزارة في الهواء قرب مستشفى الشفاء ما اضطر ام حسام التي تسكن قرب المستشفى الى اغلاق نوافذ منزلها.

اما ماجد الطفل ذو الاعوام العشرة فانفجر في البكاء بعدما اصر على المجيء الى مستشفى الشفاء لالقاء نظرة الوداع على ابن عمه "الشهيد" احمد صيام وهو من عناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحماس وقتل في غارة اسرائيلية فجرا.

وقال "كفى لا نريد ان نسمع الرصاص في كل مكان اطلاق نار من اليهود والعرب" وذلك بعدما اطلق عشرات المسلحين النار في الهواء والقيت قنبلة صوتية امام المستشفى حيث كان يستعد مئات لتشييع "الشهداء" الذين قتلوا في الغارات الاسرائيلية.

وبينما كان شبان يحملون جثث قتلى الغارات الاسرائيلية لتشييعها كان مسلحون محسوبون على حركتي فتح وحماس منشغلين بالاشتباكات التي تجددت في منطقة الجامعات في حي تل الهوى الساحلي جنوب مدينة غزة.

ورغم ازالة عدد قليل من الحواجز العسكرية في اطار اتفاق بين الرئاسة والحكومة الا ان عشرات المسلحين لا يزالون يتخذون من البنايات المرتفعة مواقع لهم.

وذكر ضابط امني ان مسلحين يعتلون بنايات عدة ووزارات في منطقة تل الهوى فيما ينتشر مسلحون على المداخل المؤدية الى مقرات ومراكز تابعة لحركتي فتح وحماس.

ويغلق مئات من عناصر امن الرئاسة كل الطرق المؤدية الى مقر الرئيس محمود عباس ومقر قناة فلسطين الفضائية في تل الهوى.

ويعمد المسلحون الذين يصعب احيانا معرفة لاي جهة او جهاز امني ينتمون الى تفتيش السيارات القليلة التي تمر على الحواجز العسكرية.

ويتمركز مسلحون يحملون قاذفات مضادة للدروع حول هذه الحواجز وفي محيط بعض البنايات.

ويسود رعب وخوف غير مسبوق السكان المدنيين في قطاع غزة خصوصا في منطقتي تل الهوى والرمال اللتين تشهدان عادة عمليات اطلاق نار متقطع. وما زاد خوفهم تكثيف الطيران الاسرائيلي للغارات الجوية.

لكن الطبيب عبد الستار وهو من سكان تل الهوى اعتبر ان الغارات الاسرائيلية "رغم انها توقع شهداء وجرحى ودمارا الا انها اخف وطأة على نفوسنا من الاحداث القذرة بين الاشقاء المتناحرين".

ومعاناة الاطفال تبقى الاكثر ايلاما. فأحمد (5 اعوام) يحاول مواجهة الخوف بالصراخ كلما سمع اصوات الرصاص او القذائف فيما يختبىء مع والديه وشقيقيه في ممر بيتهم القريب من مقر الامن الوقائي في تل الهوى.

وتقول وفاء العيسى (30 عاما) وهي ام لاربعة ابناء "احاول طمأنة اطفالي اثناء اطلاق النار لكن دائما اكون اكثر خوفا منهم وما يزيد الرعب صوت الطائرات الاسرائيلية التي تحلق باستمرار والصواريخ التي تطلقها وتهز جدران المنزل".

وتضيف هذه الموظفة في مؤسسة حكومية "الاطفال بدون مدارس اذ ان امتحانات نهاية العام تعطلت ولا نذهب الى العمل ولا نستطيع حتى احضار مستلزمات البيت الضرورية انها حياة من قلة الموت".

وباتت الحياة في مدينة غزة مشلولة تماما مع اغلاق كل المؤسسات الحكومية والاهلية والتعليمية والمحال التجارية حتى البسطات غابت من الطرق.

ولا يستطيع عمال النظافة الخروج من منازلهم على غرار السكان المدنيين ما جعل القمامة تتكدس في الشوارع.

وتنبعث الروائح الكريهة من الشوارع ما يهدد بانتشار الامراض والاوبئة ولكن "اين الحل والمسلحون يسيطرون على كل حياتنا" على قول مسؤول في بلدية غزة.

ولم يتمكن الكثير من الفلسطينيين من التوجه للمساجد لاداء صلاة ظهر الجمعة بسبب الوضع المتردي.

ويعبر استاذ اللغة الانكليزية محمد الحلو عن غضبه ويقول "الخروج من البيت يعني الموت والبقاء في البيت لا يعني انك غير معرض للموت حياتنا جحيم". ويضيف "اصبحنا نخجل من كوننا فلسطينيين اصحاب اقدس قضية".

فراغ قيادي

وحذر محللون سياسيون فلسطينيون من "فراغ قيادي" قد تشهده الساحة الفلسطينية مؤكدين ان  الاوضاع التي تشهدها الاراضي الفلسطيني وخاصة الاقتتال في غزة هي الاسواء في التاريخ الفلسطيني الحديث.

وقال الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين لوكالة فرانس برس ان "الامور تقود بالفعل الى فراغ قيادي حقيقي وهو من علامات انهيار السلطة لان الخلاف الان بين الاطراف المتصارعة حول من يقود".

واضاف ان "الرئيس محمود عباس اصدر امرا بوقف اطلاق النار وكذلك فعلت حماس. لكن بعد ذلك قتل اربعة فلسطينيين في غزة وهو ما يشير الى ان قتال الميليشيات في غزة لا احد قادر على ضبطه لا فصائل ولا رئاسة ولا حكومة".

وتابع شاهين ان "الامور في قطاع غزة تدفع باتجاه وضع الشعب الفلسطيني في نكبة جديدة والنظام السياسي الفلسطيني الان امام مفترق طرق والصراع الان ليس على المرجعيات فقط وانما على الشرعيات كذلك".

وبدأ التنافس على السلطة عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الاخيرة التي جرت اوائل العام الماضي حيث توقف بعدها عمل المجلس التشريعي وهذا ما رأى فيه شاهين احدى علامات الانهيار الاخرى في حين اشتد التنافس بين فتح وحماس على المؤسسات المدنية والامنية.

وقال المحلل السياسي طلال عوكل لوكالة فرانس برس "للمرة الاولى في تاريخ الثورة الفلسطينية تحدث ازدواجية كهذه ونشهد صراعا على القيادة بهذا الشكل الدموي".

واضاف "صحيح انه نشأت في السبعينات جبهة الرفض لكن لم يكن حينها تنافس على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية".

واعتبر عوكل ان اسرائيل تغذي التنافس الدموي بين حركتي فتح وحماس.

وشنت اسرائيل الجمعة سلسلة غارات مستهدفة خاصة مراطز للقوة التنفيذية التي يشكل اعضاء حماس معظم عناصرها بينما يجري الحديث عن جهود فلسطينية داخلية لتثبيت وقف اطلاق النار بين المتقاتلين.

وقال عوكل ان "اسرائيل اتخذت قرارا بتنفيذ هجمات على غزة الاسبوع الماضي لكنها ارجأت التنفيذ حين اندلعت المواجهات الداخلية".

واضاف ان "جهاز الامن الاسرائيلي ارجأ تنفيذ العملية واخبر الحكومة بانه لا يجوز التدخل  الان حتى لا نفسد حالة الصراع الداخلي".

وتوقع ان تصدر بعد الغارات الاسرائيلية "اتهامات من حماس ضد السلطة التي تقودها فتح بان العملية الاسرائيلية تمت بتنسيق مع السلطة وهذا بحد ذاته كاف لتأجيج الصراع بدل تطبيق وقف اطلاق النار الداخلي".

ويتفق استاذ العلوم السياسية علي الجرباوي معه بان الاوضاع التي يمر بها الفلسطينيون اليوم "هي الاسوأ في تاريخهم السياسي". وقال "في الماضي كانت هناك اختلافات وانشقاقات لكن هذه الخلافات لم تكن تفقدنا يوما البوصلة السياسية الفلسطينية".

واضاف الجرباوي ان الاقتتال الداخلي الدموي بين حركتي فتح وحماس ناجم عن "فقدان البوصلة وغياب الهدف السياسي المشترك".

ولم تنجح العديد من الاتفاقات في وقف اطلاق النار التي اعلن عنها خلال الايام القليلة الماضية حيث تواصلت الاشتباكات عقب الاعلان عن التوصل الى اتفاقات بسحب المسلحين من الشوارع.

وتترافق الاشتباكات الداخلية الفلسطينية مع غياب افق سياسي واضح يدفع العملية السلمية او المفاوضات السياسية مع الجانب الاسرئيلي وهو الامر الذي يعزز الشعور بان الفلسطينيين يعيشون مرحلة شديدة الصعوبة.

وقتل 48 فلسطينيا في دوامة العنف الاخيرة التي اندلعت في 11 ايار/مايو بين انصار الرئيس عباس وحركة حماس في غزة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20 آيار/2007 -2/جمادي الأول/1428